علاقة الخرطوم بجوبا بعيدا عن باقان وعرمان!
أدم خاطر
17 October, 2011
17 October, 2011
adamo56@hotmail.com
منذ أن شهد الجنوب استقلاله فى التاسع من يوليو هذا العام كان الأمل أن يصار الى علاقات قوية ومتميزة بين طرفى البلاد بتقديرات معيارية ترتكز الى الروابط الأخوية والصلات العميقة التى تجمع الشمال بالجنوب ، وتقدر أشواق البعض هنا وهناك ممن تعلقت آمالهم وأحلامهم بالوحدة فى السابق ، وتكافى أولئك الذين صنعوا السلام ومضوا به كل هذه الأشواط حتى بلغ نهايته بالانفصال ، وتتوج ما أسفرت عنه اتفاقية السلام الشامل بأهدافها الكلية التى رمت لتعزيز بناء السلام والاستقرار للدولتين والشعبين الشقيقين !. نقول بذلك وقد بر الشمال بوعده ازاء هذه الغاية عندما توفرت لدى قياداته الارادة السياسية التى كتبت السلام باقرار ودعم الخرطوم والسهر عليه رغم التضحيات والمعوقات وصنوف الابتزاز والمكايدات التى ظلت تقوم بها الحركة الشعبية وبعض قياداتها خلال مسيرة الستة أعوام التى كانت عمر الفترة الانتقالية !.ولأجل الغايات الكبار كانت مشاركة الخرطوم فى احتفالات الدولة الوليدة بالجنوب بفهم وادراك واعى يتجاوز الوجدانيات ، وقاد البشير وفد نوعى له دلالاته ورمزياته وقدم خطاب واثق يحمل توجه أخوى يقدر الخصوصية التى ينبغى أن تكون عليها هذه العلاقة ويقفز الى ما بعد الاحتفال بمراحل ، وبسط فى لقاءته وعودا لأشقائه رأت قيادة السودان أن الجنوب بحاجة لها ولأى دعم وسند ومؤازرة الأولى أن يضطلع بها الشمال فى هذا التوقيت دون غيره دون من أو أذى ، هكذا كانت رؤى البشير وطاقمه فى الحزب والدولة ، لأن الخرطوم تعرف دون غيرها أن الوضع الداخلى بالجنوب فى حالة تشكل وانتقال والنقص يكاد يشمل كل مجالات الحياة ،والهموم الماثلة تكاد تخنق النظام الوليد ، والخبرات المتوافرة والامكانات لا تكاد تفى بنسبة ضئيلة من هذه الاحتياجات الملحة والعاجلة ، فكان الاستعداد برغبة تحمل الأمل والبشرى للكل ، وتقول لمن يزايد على علاقة الشمال بالجنوب ان كنا فقدنا أن نعيش ونتوحد ضمن دولة واحدة فلا أقل من أن نتعايش ونتعاون ونتبادل المنافع والمصالح المشتركة ، هكذا شأن البلدان المتحضرة والدول صاحبة الهم والمصير المشترك مهما بلغ بها الاختلاف والتباين ومهما كانت المرارات طاما تحقق الاستقلال !.
لكن على الجانب الآخر كانت الصورة بعيدة كل البعد عن هذه المعانى والتوجهات اذا ما أحصينا حصاد الأشهر الثلاثة التى أعقبت الانفصال ، وقسنا كيف كانت هى الألويات فى ذهنية أرباب الحركة الشعبية فى الانفتاح والتوجه باتجاه اسرائيل والغرب ، والهرولة الى أحضان هذه الدول بأوهام وأمانى لا يمكن للغرب أو أمريكا أن يصدقوا فى انجازها ، لكنها فاتورة الحرب ومقتضيات تبعات التمرد وتنفيذ الاستراتيجيات الغربية والصهيونية فى المنطقة ، ومرد هذا بالطبع سيكون خصما على علاقة الجارين والبداية تنطلق لتكريس حالة من الصراع والواقع الجديد !. شهدنا كيف انفجر الخطاب السياسى للجنوب بالسموم والأباطيل والعداء ونشر الكراهية باتجاه الشمال رغم ما قام به من صنيع فى كتابة السلام واقامة صرحه ، فكان رسل الأحقاد والكراهية باقان وعرمان يمارسون هوايتهم المفضلة ويوالون اثارة الخلافيات على نحو ما كان منهما فى الفترة السابقة !. ورأينا كيف تمدد حجم العدائيات التى أمطرت بها جوبا الخرطوم ابتداءً من تأزيم الوضع فى منطقة أبيى وما أعقبه من تداعيات أوشكت أن تعود بالأطراف الى مربع الحرب مرة أخرى لولا حكمة القيادة السودانية !. ووقفنا على مخطط الحركة الجديد فى الهاب الشريط الحدودى الجديد عبر اشعال الحرب فى ولاية جنوب كردفان وما أحدثته من خسائر فى الأرواح والممتلكات وضرب للنسيج المجتمعى بهذه الولاية بأهداف خارجية شريرة وماكرة !. بل شهدنا ورأينا استضافة الجنوب لفلول تمرد دارفور بكل مجموعاتها وفتح أراضيها اليهم للعبور والتدريب وتلقى الدعم اللوجستى واعادة الدم الى جسدهم الممزق بعد أن تقطعت بها السبل وسلام الدوحة كان يوقع على وثيقته فى محاولة مكشوفة لضرب جهود السلام فى دارفور !. وتابعنا كيف استمر العداء الممنهج حتى أشعل حريق عقار فى ولاية النيل الأزرق ، وقد هدف هو الآخر لايجاد فوضى عارمة فى المنطقة تضيف الى سلسلة المؤامرات والخيانة التى ظلت تعملها قيادات الحركة الشعبية لاضعاف الشمال وابتزازه واستمرار الأجندة الأجنبية الرامية الى تفتيت البلاد وصوملتها !. كان الحال سيبقى على ما هو عليه لولا الجراحة القاسية والخطوة الشجاعة التى اعتمدتها القوات المسلحة لاعادة الأمور الى نصابها وترتيب البيت الداخلى بعد قيام دولة الجنوب المستقلة ، فكان القرار الوطنى أن يجب على الجنوب وحركته الشعبية أن يتوقفوا عن الكيد ويرعوا من الممارسات التى كم صبر عليها الشمال بدواعى السلام ورجاءات الوحدة ، ولكن أن تقوم الدولة ويتفتت الشمال هذا ما لا يمكن قبوله أو السماح به أو التساهل معه، ومن يومها تقرر خروج قطاع الشمال من أرضنا مكرها !.
نقول بذلك وقد بلغت رسالة الشمال للجنوب مبلغها ، وأتضحت الرؤية من وحى جولات بعض قيادات الحركة الشعبية فى أمريكا والغرب والتى كانت جلية الأهداف من الصراخ والعويل الذى أصاب الحلو وعقار وعرمان بعد ما فقدوا كل أمل ووعد بالابقاء على الحركة الشعبية فى الشمال وتوالت هزائمهم وتكشفت خيانتهم وانهار كامل المخطط فى استعادة خلفيات نيفاشا والتفاوض على شكالتها !. عندها ايقنت قيادة الحركة الشعبية أن امان الجنوب واستقراره وغذائه لن يكون بمعزل عن الخرطوم ومدن الشمال وأريافه وهى من تحمل الخير والسقيا والغذاء والمأوى لشعب الجنوب المثخن بالجراح والمنقصات !. أيقن سلفاكير أن أولى العواصم بالزيارة هى الخرطوم التى قادته لهذا المنصب وهو يعلم مقدراته ومؤهلاته والأقدار التى ساقته الى هذا المكان المتقدم فى عربة قيادة الحركة !. لقد أدرك زعيم الحركة الشعبية أن الأولوية ينبغى أن تعطى لترتيب العلاقة مع الخرطوم دون غيرها وهنالك من الملفات العالقة ما يتجاوز النفط والحدود الى هذه الملايين الحائرة من مواطنى الجنوب بالشمال ومستقبلهم المهدد بمصير مظلم وواقع مبهم المعالم !. لقد فطنت قيادة الحركة الشعبية أن التهور الذى قام به ثلاثى الفتنة ( الحلو – عقار - عرمان ) قد قاد الى ما قاد اليه ، وليس من المصلحة الاستمرار فيه ، ولن يكون الغد فى صالح الاستقرار ومطلوبات الأمن والتنمية والبناء والاعمار فى الجنوب والدولة الوليدة بلا مقومات وعاصمتها الحالية أضحت مؤقتة والتحديات أمامها فوق المنظور والمتصور !. لقد فهم سلفاكير أن عقلية باقان التخريبية وتفلتاته ورعونته التى كم أفقدته الكثير لدى أهل الشمال ، لن تصلح أن تكون هذه الروح المدمرة ضمن الفريق المفاوض للخرطوم فى مرحلة ما بعد الاستقلال ان أراد أن يصل الى تفاهمات وتوافق مع الشمال !. بكل هذه الأبعاد كانت زيارة سلفاكير للخرطوم فى 8 أكتوبر 2011م ، وما لازمها من نجاح لم يكن وليد الصدفة أو الاجتهاد ، بقدر ما هو لأهمية خروج هذا الثنائى الذى كان بمثابة السم فى جسد أفرق التفاوض وما كانت تمارسه من انتهازية وشخصنة للمصالح وهما يعملان لتبديد مصالح الجنوب ولا يهمهما أن تتحقق بقدر سهرهما على مصالح الأجنبى لاستبانة الخيانة بكل معانيها فى عقليتهم وما بددوا من أموال وأضاعوا من موارد وسفه ، فهنيئا لعلاقات البلدين بهذا الخروج لنرى ما ستسفر عنه الأيام القادمة من تقدم فى كل المسارات بعد أن تم بترهما الى غير رجعة !!!.