كثيرا ما نتعرض لهذا السؤال او نسمعه اذا تعرض بعضنا لأي أمر ديني ذي بال. ولتعميم الفائدة بالتداول في السؤال "علي اي مذهب؟" أريد ان اطرح تساؤلاتي ورؤيتي حول هذا السؤال فليسمح لي الأخ محمد عباس وبقية اخواتنا العلماء جزاهم الله خير ، بإبتدار الحوار حول هذا السؤال حتى نجد الإجابات الشافية والوافية التي تجعلنا نتعامل او لا نتعامل مع هذا السؤال ونعرف صحته وقربه من الشريعة من بعده. ظهرت المذاهب ،(إن كنت على حق)، بعد أن إنبرى عالمنا الجليل الإمام مالك رضي الله عنه وأرضاه ورحمه الله وجزاه عنا خير الجزاء، للفتوى ولإرشاد المسلمين وتوضيح امور دينهم من خلال الإتباع الصحيح في التعامل مع أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنزالها على حياة الناس توجها وعملا ورؤية وحكمة مسلم. مالك رضي الله عنه كان أقرب اصحاب الفتوى الذي تفرغوا لها ، من الرسول صلى الله عليه وسلم زمانا ومكانا ، فهو بالتالي أقرب الناس دراية بأجواء الحديث الجغرافية والاجتماعية والرسالية ، من غيره من فقهاءنا الذين تفرغوا للدعوة ، لكن الشافعي رضي الله عنه تتلمذ عليه لفترة قصيرة وأخذ منه في عدة مرات ومواطن ، والشافعي نفسه أخذ من بن يوسف في العراق (ان صح ما قلت)، الذي أخذ بدوره من بن حنبل رضي الله عنهم جميعا ، ثم طاف الشافعي رضي الله عنه الأمصار في شكل الدائرة حول منبع النور (المدينة المنورة)، في العراق والشام ومصر واليمن (ولا ادري هل زار البحرين، ام لا)، وهذه هي المناطق التي عنى أهلها بالحديث وتفاسيره وعنوا بالتفسير والحكمة من وراء ذلك. اعتقد ان في زيارات الشافعي والتي أخذ منها ما عند مالك واخذ ما وجده عند بن يوسف وخلافهما ، واعتقد انه من الضروري ان يكون قد وقف على عامل الجغرافيا وعامل النقل (رب مبلغ اوعى من سامع)، والتي أثرت في الحديث ، صحته ومكنته وحسنه وموضوعه بحكم انه وقف عمليا على ذلك وزار تلك الامصار ، واعتقد انه قد مال في بعض احكامه للقياس ، فيما لم يجد فيه نص حديث او آية وتفسيرهما ، وأخذ ذلك بدرجة أقل في إعمال القياس من مالك رضي الله عنه بحكم الموطن الجغرافي والزماني لمالك الذي لم يحتج كثيرا للقياس او العمل به. والمسلمون حول مالك وحول بن حنبل وحول الشافعي وبقية الأئمة الكرام ، هم الذين أطلقوا مصطلح "مذهب" على باقة الفقه عند مالك ، والشافعي وبن حنبل ، إذ أن مالكا وبن حنبل والشافعي لم يدعوا اي منهم لى إطلاق ذلك المصطلح على "مذهبه" او على نفسه ، وحكمة مالك في ذلك واضحة جدا " إذا صح الحديث فهو مذهبي" وأعتقد ان طواف الشافعي العملي على الأمصار والأئمة هو معنى عملي لحكمة مالك رضي الله عنه . الأئمة رضوان الله عليهم لم يك لهم حد ولا يصدهم صد ولا يردهم أحد عن الأخذ بالصحيح عن الرسول صلى الله عليه وسلم وترك ما إلتبس عليهم صحته وما كان فيه جرح وتعديل من اصحاب الجرح والتعديل ، لذا نجد منهم جزاهم الله خيرا ، أحاديث وأثار موثقة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بإعتبارهم الصف الثالث بعد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والذين عايشوه صلى الله عليه وسلم وأخذوا من كلامه الطاهر مباشرة. إلا ان الحقب التي تلت زمان الصف الثالث والذين يلونهم والذين يلونهم كانوا أقل درجة في التوثيق وأبعد جغرافيا ووصلهم الدين عبر ناقلين للاحاديث يختلفون عن ما قبلهم ، فظهرت بقية مجموعة الأئمة ، يتلقون ممن قبلهم الذين تلقوا ممن قبلهم وتتصل عناعناتهم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم. لكن انتشار المسلمين واتساع رقعة الجغرافيا بالفتوحات ، داخلت الحضارات الاخرى ( الفارسية والرومانية وقبلهما اليهودية)، وعند تلاقح تلك الحضارات ظهرت ندوب كثيرة بجانب الحزمة الموثقة من الأئمة الاوائل والذين تحروا التثبت والتوثيق ، وبحسب الغبن الذي انتقل الى ديار الاسلام من تلك الحضارات (ممن لم يهده الله هداية ويقومه تقويما على الحق ممن اسلم تقية ورياء)، عملوا على وضع الاحاديث وعلى تشتيت افكار الائمة وحل عرى كثير من الموثوقية ، عليه اتخذ بعض المسلمون "التمذهب" كل حسب بيئته وقربه من هذا الإمام او ذاك جغرافيا ومقاربة للحق ، فصار المذهب السني الواحد عدة مذاهب فرعية وبرزت المذاهب المقابلة من شيعة وخوارج وزيدية واتخذت بقية الملل مذاهب اخرى ، واصبحت المذاهب الآن وفي حدود امكانياتها من فقه ومن جودة ذلك الفقه وصحته واستيعابه للطبع المجتمعي والجغرافي ، اصبحت هي الدين نفسه في زماننا هذا وربما قبل عدة قرون اهدتنا هذا النوع من الاتباع ، فنجد عدة الوان من المسلمين بعده افهام للدين نفسه ، مما ولد الحالة التي نراها من اختلافنا الظاهر ، بل تمسك الناس بالمذهب بأكثر من اي شيء. ظهر في زماننا هذا نسخة جديدة من التمذهب لها علاقة بالإرث المذهبي ، مثل السلفية وجماعة انصار السنة ، والتبليغ والإخوان المسلمين ، والصوفية التي ظهرت بوقت مبكر تفرعت هي الاخرى الى ما لا يحصى ولا يعد من الطرق والسجادات الصغيرة ، وتفرقنا أيد سبأ. عند حضورنا لجنوب افريقيا وجدنا الجنوب افريقيين يقسمون مساجدهم ،هذا حنبلي وهذا شافعي وهذا حنفي ، وهذا تبليغي ووصل الخلاف بينهم لدرجة الأ احد يدخل مسجد الاخر ولا يصلي خلفه ، واعتقد ان هذه العدوى تنتقل لنا بصورة ما في السودان. التمذهب الديني في السودان لا يختلف كثيرا من التحزب السياسي الا في المحتوى لكن الكيفية التي ندير بها هذا التنوع في الرأي والحكمة والقياس والمنقول الموثق عن رسول الله عبر اصحابة والأئمة الكرام أصبح ازمة في حد ذاته والتمترس بالمذهب دون ايجاد عذر للمذهب الاخر ودون عامل السماحة وقصد الحق عند الاخر ،جعل الناس والمذاهب نفسها عبارة عن جزر متفرقة واحزاب متشتتة ومتحاربة ، كل حزب بما لديهم فرحون. انا اعتقد ان التمترس اوصلنا للتنابذ والتكاره والتضداد والاستقطاب المقيت ، جعل كثيرا من المسلمين "امثالي" والذي يؤمن بأن الحق الذي في اي مذهب ، ليس ملكا لذلك المذهب ولكنه ملك لله ولرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ، ويرى ان التضداد وروح العداء والاستعداء اوصلت البعض لترك كثير من الحق والذي هو حق الله ، لكنها تتركه لمجرد ان يتبناه صوفي او سلفي او اخواني او تبليغي. الرسول صلى الله عليه وسلم دعى للتخلص من العصبيات الفكرية وان تتنازل لله ودعى للتخلي عن العصبيات العرقية والجهوية ودعى الى روح الجماعة والاجتماع على الحق لكنا اصبحنا اليوم ندعو لذلك ونتقاتل عليه بل نتكاره ونتحارب. الدعوة الى الله بهذه المفارقات في المفهوم العام للتمذهب ، في خطر عظيم ، أسلمنا لما نحن فيه من تحزب وتفرق سياسي ، ونهى دعوتنا لخلق الله في العالم ، بل اعطى انطباع للعالم نفسه ان يصفنا بالهمجية والارهاب ؛ واستغل المغرضون هذه الحالة واوقعوا بيننا مزيد من العداوة والبغضاء واوصلنا لما نحن فيه. ارجو من الاخوة العلماء في هذا القروب اولا تصحيح رؤيتي في اتخاذ التمذهب دينا مقطتعا من الدين الكلي الأم ، وان يجدوا لنا معادلة نطور بها مفهوم التمذهب والتحزب ونبنيهما على الحق والعدل وان يوسعوا من وعينا حتى نتبع رسالة الله عبر رسوله الكريم وان نوسع مواعيننا حتى لا نرى الصوفي ونحن سلفية الا نراه كله عيب وكله شرك وقبوري وكله كفر والا نرى السفلي ونحن صوفية انه وهابي ومتشدد ومتنطع والا نرى الجميع الا بقربهم من الله او بعدهم وان نأخذ الحق من الجميع وان نتواصل ونتداخل ونطور "اسلوب الدعوة ومنهجيتها" مع الاحتفاظ بالثوابت لانها حق الجميع وان نكسر حواجز الكره والرهبة والتوجس من الاخرين وتكبير الكيمان المذهبية على حساب الحق الذي سقط بيننا ، وأيم الله إنا لمسؤولون . وإذا صح الحديث فهو مذهبي على أي مذهب !!! والله من وراء القصد.