على الجيش السوري أن يقوم بالواجب

 


 

 


(1)
‏أذيع يوم الأربعاء الماضي خبر كاذب حول العثور على وزير الدفاع السوري السابق اللواء علي حبيب مقتولا في منزله، عقب إقالة الوزير من منصبه يوم الاثنين الماضي، قبل الإعلان رسمياً عن تدهور حالته الصحية. ويبدو أن صحة قادة سوريا تتعرض لتدهور شديد ومفاجئ بمجرد إقالتهم أو التهديد بها. وقد تنبأ معارضون سوريون بأن يعلن قريباً عن انتحار حبيب أسوة برئيس الوزراء المقال محمود الزعبي الذي "انتحر" في مايو من عام 2000 على خلفية اتهامات بالفساد اتضح فيما بعد أنها كانت ستاراً لخلاف بينه وبين بشار الأسد الطامح لخلافة والده المريض.

(2)
في أكتوبر من عام 2005، أعلن كذلك نبأ انتحار اللواء غازي كنعان، وزير الداخلية السوري وقتها، والمتهم الأول في حادث مقتل رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في فبراير من ذلك العام، وذلك بعد يوم واحد من تصريح للرئيس بشار جاء فيه أن أي مسؤول سوري يثبت تورطه باغتيال رفيق الحريري سيحاكم بتهمة الخيانة. وكان قد سبق هذه الثلة من "المنتحرين" العقيد عبدالكريم الجندي مدير المخابرات العامة  في ذروة صراع على السلطة بين حافظ الاسد وصلاح جديد، الذي قيل أيضاً أنه أطلق النار على نفسه في مارس 1969 بعد أن اتضح له أن كفة الأسد بدأت ترجح على جديد الذي كان يؤيده.

(3)
قبل ساعات من من إشاعة مقتل حبيب كان الأسد يؤكد، بحسب الإعلام الرسمي، لوزير الخارجية التركي الزائر أحمد داود أوغلو بأن نظامه لن يتهاون في ملاحقة من وصفهم بالمجموعات الإرهابية المسلحة من أجل حماية استقرار الوطن وأمن المواطنين. وقد جاءت تصريحات الأسد هذه على خلفية إعلان رئيس الوزراء التركي أردوغان بأن صبر تركيا بدأ ينفد بسبب عدم تجاوب الأسد مع المطالب بكف العنف عن المدنيين.

(4)
نبرة التحدي من قبل الأسد ونظامه، وتزامنها مع النهاية المأساوية لوزير دفاعه المقال الذي أشيع بأنه كان يعارض التمادي في الحل الأمني وإخضاع الجيش للشبيحة والأمن، تعتبر رسالة واضحة بأن القوم عازمون على التمادي في سفك الدماء حتى آخر سوري. فالنظام أدرك جيداً أنه وصل مرحلة اللاعودة، وأن البديل الوحيد لرحيله هو ممارسة أقصى حد من العنف الإرهابي من أجل إخضاع السوريين لإرادته بالحديد والنار، حتى لو وصل الأمر حد الإبادة الجماعية. والنظام الذي لا يتردد في "نحر" أخلص خدامه وأبرز رموزه لمجرد تذبذب ولائهم، فضلاً عن انتزاع حناجر من يهتفون ضده، لن يتورع عن كبيرة تجاه من يناصبه العداء علناً.

(5)
وبما أن النظام اختار أن يستقتل دفاعاً عن نفسه، فإن الحديث الذي ردده الأتراك عن وعود بإصلاحات ستتم خلال أسبوعين هو محض هراء. فكل حديث عن الإصلاح لا معنى له بدون سحب الجيش والأمن والشبيحة من شوارع المدن السورية، وهو ما سيعني عملياً خروج كل هذه المدن عن سيطرة النظام وبالتالي رحيله. ولأن النظام لا يعتزم ذلك، فإن استمرار المواجهة سيعني واحداً من أمرين، إما تحول سوريا إلى صومال آخر أو إلى ليبيا أخرى. ولأن المجتمع الدولي لا يمكن أن يسمح بصومال أخرى في هذه المنطقة الحساسة من العالم، فإن الخيار الليبي وارد رغم كل التحفظات المعروفة.

(6)
البديل هو أن يتدخل الجيش السوري لحسم الأمر. ويبدو أن إقالة ثم "نحر" وزير الدفاع السوري الأسبق كان مقصوداً منه قطع الطريق على هذا السيناريو الذي يخدم مصلحة الجيش والطائفة العلوية معاً. فمن الواضح أن الجيش السوري أخذ يتفكك بسرعة، وأننا سنشهد عما قريب جيوشاً سورية عدة على شكل ميليشيات، بحيث يصبح لكل مدينة أو ناحية جيشها الخاص بها، كما هو الحال في الصومال. وهذا سيؤدي بدوره إلى انهيار الدولة، وقد تتبع ذلك سلسلة من الأعمال الانتقامية ضد النخبة الحاكمة والملتصقين بها، وتعرض الطائفة الحاكمة للاندثار شأن الهوتو في رواندا والنازيين في المانيا، مع الفرق أن أولئك كانوا أغلبية ولم ينفعهم ذلك بعد أن ولغوا في الدماء. وبالتالي فمن مصلحة هذه النخبة الإسراع بالتخلص من الأسد وزمرته وتقديمهم كبش فداء للجماهير الغاضبة كما هو الحال في مصر وتونس، ومن ثم إنقاذ الدولة والنخبة الحاكمة معاً.

(7)
هذا يعني أيضاً إنقاذ الجيش الذي فقد هيبته وأصبح في حقيقة الأمر ميليشيا حزبية واقعة تحت قبضة الأجهزة الأمنية. بل في حقيقة الأمر إن الجيش السوري لم يعد سوى أداة من أدوات الشبيحة وقائدهم بشار. وعليه فإن انتفاضة الجيش ضد الأمن والشبيحة ستعيد للجيش استقلاله وهيبته ومكانته لدى الناس، وقبل كل ذلك وبعده، دوره الوطني.

(8)
في مثل هذه الأوضاع المضطربة، يمثل تدخل الجيش الفاعل والسريع إلى جانب الشعب السيناريو الأفضل من كل النواحي، لأنه يجنب البلاد الفوضى والإنزلاق نحو حرب أهلية شرسة لا تبقي ولا تذر، كما أنه ينقذ الدولة ويحفظ اللحمة الوطنية من التمزق، ويجنب البلاد مخاطر الانهيار الاقتصادي والتدخل الأجنبي.

(9)
من أجل تحقيق هذا الغرض، فإن التيار المضطرد باتجاه تمزق الجيش عبر الانشقاقات المتوالية يجب أن يتوقف، وعلى الضباط والجنود الرافضين لاستخدام الجيش كميليشيا حزبية-طائفية أن يبقوا في الجيش وأن يعملوا من داخله. فاستمرار وجود الضباط الوطنيين داخل الجيش يمنحهم القدرة على الوصول إلى المواقع الحساسة، حيث سيصبح بإمكانهم أن يقوموا بما تقوم به طائرات حلف الأطلسي، ولكن بفعالية أكبر، أي ضرب مواقع التحكم والقيادة للمؤسسة الأمنية-الطائفية، وتحييد العناصر الأشرس في القيادة العليا لهذه المؤسسات.

(10)
بالطبع فإن السيناريو الأفضل هو أن يتحرك الجيش كوحدة لإحداث التغيير، وإبعاد العناصر الإجرامية في السلطة، ثم فتح الطريق لنظام انتقالي تماماً كما حدث في مصر وتونس. ولكن حتى يتحقق هذا السيناريو لا بد من تحرير الجيش من القبضة الأمنية. وهذا بدوره يحتاج لعناصر فدائية من داخل الجيش (وربما من داخل المؤسسات الأمنية نفسها) تنفذ المهام الصعبة الضرورية لتحرير الجيش وتمكينه من تنفيذ دوره الوطني الحقيقي، وهو اعتقال ومحاكمة المجرمين، لا تنفيذ الأعمال القذرة نيابة عنهم.



Abdelwahab El-Affendi [awahab40@hotmail.com]

 

آراء