على عكس التوقعات المصريون يعبرون إلى مرحلة الأمل بانتخابات أذهلت العالم . بقلم: صباح موسى
صباح موسى
30 November, 2011
30 November, 2011
القاهرة- أفريقيا اليوم: صباح موسى
sabahmousa@hotmail.com
شهدت مصر على مدى اليومين الماضيين نقطة تحول فاصلة في مستقبلها السياسي بعد الثورة، وذلك بمرور المرحلة الأولى من الإنتخابات البرلمانية المصرية بسلام في تسع محافظات بمصر، شهدت خلالها إقبالا واسعا ومشاركة كثيفة من جماهير الشعب المصري تحت حراسة قواته المسلحة، بعد توقعات كثيرة بحدوث أعمال عنف ربما تجهض العملية الإنتخابية بأكملها ، لتأتي الانتخابات على عكس التوقعات بإستثناء أخطاء إجرائية بسيطة تقع في معظم الإنتخابات العالمية ومنها تأخر فتح بعض اللجان، أو بطاقات غير مختومة، وغيرها من الأخطاء البسيطة التي لم تعكر سير العملية، وخرجت وسائل الإعلام العالمية والمنظمات الدولية والحكومات تشيد بسير العملية، وتؤكد بأن الشعب المصري يريد أن يدخل مرحلته الجديدة نحو الديمقراطية بقوة.
خرج الشعب المصري بكثافة ملحوظة في اليومين الماضيين، زحفا إلى مراكز الإقتراع، الأمر الذي تسبب في الزحام الشديد بالشوارع، حيث الكل يمسك ببطاقة الرقم القومي ويتحدث بهاتفه المحمول عن سير العملية عن الزحام عن المشاركة وكأنها عيد من نوع خاص يعيشه المصريون لأول مرة في حياتهم، تجربة مختلفة استقبلتها الجماهير العطشى للحرية بحب، فهنا ترى فتيات جميلات يرتدين أفخم الثياب ويتزين بأحلى العطور يذهبن إلى مقارهن الإنتخابية وكأنها رحلة أو حفلة أو مناسبة سعيدة، فكان ملاحظا مشاركة النساء والفتيات بصورة كثيفة على عكس صورة الإنتخابات المصرية في السابق، ولايمكنك أن تنسى مشهد هذه الطوابير الطويلة أمام اللجان دون أي تذمر أو اعتراض، الكل يقف وينتظر في سعادة، يمكنك أن ترى ولأول مرة وزيرا أو محافظا واقفا في الصف ينتظر دوره ليدلي بصوته، فهذا شيخ الأزهر، وذاك وزير الخارجية، الكل سواسية ولأول مرة بمصر، ومن يشذ عن القاعدة هنا تجد الإعتراض فليس من حق أحد التميز في مصر الجديدة.
كان ملاحظا أيضا عدم المعرفة بالمرشحين فالمرحلة جديدة والوجوه جديدة تماما، ففي السابق كانت الوجوه ثابتة ولم تتغير، هذه المرة الكل جديد، ولكن هذا لم يكن مهما فالمشاركة هي الأساس والحرية في الإختيار هي الركيزة، فالمرحلة تعتبر مرحلة تعلم يخطوا فيها المصريون خطوتهم الأولى نحو غد أفضل، مرحلة يتعلم فيها الناخبين كيفية المشاركة، وكيفية الإختيار، ويتعلم فيها المرشحون كيفية خدمة الوطن، ليخرج الجميع ببرلمان جديد مختلف ربما يكون اللبنة الأولى في مستقبل هذا البلد الذي غابت عنه الديمقراطية والحرية عقود طويلة من الزمن.
اللافت في المشهد المصري الجديد أن آية الحياة السياسية انقلبت ليتصدر الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية مشهد اليوم بصورة منظمة وملحوظة على عكس الأمس الذي لاقوا فيه الكثير من الإضطهاد والعزل، وقد جاءت الفرصة ليثبتوا هل يستحقوا مقدمة الصفوف أم أن التجربة العملية تختلف تماما عن الحديث خارج الملاعب السياسية، لكن تقدم الإسلاميين وظهورهم بهذه الصورة صاحبه ردة فعل من البعض في محاولة لتشويه الصورة والتحذير من عدم الإنجراف خلف الإخوان المسلمين، وظهر ذلك عندما اتهمت الجماعة بعض وسائل الإعلام الخاص بالوقوف وراء هذا الأمر، وفي هذا المشهد ترى الناخب المصري يقف حائرا من الأفضل لغذ أفضل؟ وتساءلت الجماهير أمام اللجان هذا السؤال كثيرا؟ وكانت هناك رغم فرحة المشاركة قلق وترقب وخوف من إختيار من لا يصلح في مرحلة الأمل، ولكن سرعان مايتبدد الخوف بأن مصر تغيرت ومن لا يصلح لن يستمر بإرادة الشعب الذي لن يضطهد مرة أخرى.
وعلى جانب آخر من المشهد تجد ميدان التحرير طوال اليومين الماضيين وقبل اندلاع مصادمات بين المعتصمين والباعة الجائلين شبه خال سوى من بضع عشرات من المتظاهرين معظمهم باعة جائلين، في ملاحظة فسرها الجميع على أن الشعب قرر أن يكون صندوق الإنتخابات هو الفيصل بعيدا عن المظاهرات، ورغم الإعتراض على الحكومة الجديدة برئاسة الدكتور كمال الجنزوري والإعتراض على المجلس العسكري نفسه واصل الجيش حمايته للعملية الإنتخابية التي راهن على نجاحها وتوعد من يفكر في إفشالها، كما استمر الجنزوري في مشاوراته لتشكيل حكومته التي من المتوقع أن يعلنها غدا الخميس على وعد منه أن 25 يناير القادم سيكون مختلفا، وأنه سوف يفعل الكثير حتى يعيد البلاد إلى استقرارها وأمانها، وركز على نقطتين محوريتن لإستقرار الأوضاع وهي إستتباب الأمن وإستقرار الوضع الإقتصادي.
المشهد الكلي في مصر الآن يبشر بضوء في نهاية نفق مظلم مرت به البلاد قرابة العشرة أشهر بعد الثورة، فالإنتخابات بهذه الصورة تحتم على الجميع مرحلة جديدة من الحوار الشعب فيها هو السيد، وليست فئات أي كان حجمها تعبر عن الشعب أم لا تعبر عنه، المشهد العام ربما يعزل ميدان التحرير الذي شبهه البعض بأنه أصبح جمهورية مستقلة داخل مصر، وربما يزداد الميدان الذي لفت أنظار العالم طيلة الفترة السابقة إصرارا على مطالبه، فهل سيكون للجماهير المصرية الصامته كلمتها الأخيرة في المشهد لحسم المواجهة بين الجيش والمتظاهرين بالتحرير لصالح مصر؟ أم أن الأوضاع سوف تشهد سيناريوهات أخرى لم تقرأ بعد؟.