علي محمود حسنين … المتاهةُ في جَنرالها … بقلم: عزالعرب حمد النيل
12 October, 2009
izzalarab giwey [izzanaizzana@yahoo.com]
لم يكن اختيار هذا العنوان من قبيل الهزأ أو التنكيس بظاهر العنوان للرواية الشهيرة لغابرائيل غارسيا ماركيز من حيث إقلابُها في العنوان , ولا من الزاوية الأخرى يمثل وضعا لأستاذنا المحامي والسياسي الاتحادي علي محمود حسنين موضع هذا التنكيس , إنما محض تأملات لمواقف الرجل السياسية المشرّفة بوصفه مناضلا ضد الأنظمة الشمولية والديكتاتوريات لا ينازعه في ذلك إلا القليلون من الساسة وأهل القانون الذين كرّم الله وجوههم من التمرغ في أوحال النظم العسكرية وغير المنتخبة علي الرغم من أن الحركة الاتحادية قدّمت من كان بالإمكان أن ينظر إليهم حسنين أمثالا عليا في العمل الوطني كأحمد خير المحامي الذي خطّ يراعه إنجيل الاتحاديين " كفاح جيل" ومن ثم جرفه تيار حكم عبود بعيدا عن هذا المنبت .
وهذه التأملات تعدو هذه المواقف لترصد كثيرا من التناقضات التي ميّزت سيرته السياسية العطرة فكأنما كُتب علي شخصيته الاصطراع بين الذاتي والموضوعي في معركة غير مفضية إلي النتيجة الحتمية التي ينتصر فيها الخير الذي يتمظهر في " الموضوعي" في هذه الحالة وفي ذلك النفع الكثير للبلاد والعباد من الذين يرنون انتظارا للأستاذ ممثلا في أرفع الدوائر القانونية أو السياسية . ولا يفتأ كلما أوغلت سفائنه في رحاب مولانا الميرغني" غير الفسيحة " اتخذ سبيله في بحر السياسة سربا ينشُد ضالةً لا تؤرّق الميرغني ولا توجسه.
اختلف علي محمود حسنين عقب الانتفاضة 1985 مع قيادات الاتحاديين أمثال أحمد زين العابدين والحاج مضوي محمد أحمد وفضّل بعث الحزب الوطني الاتحادي مع آخرين من القيادات الاتحادية واستطاعوا أن يستقطبوا جلّ العناصر الشابة الفاعلة منها وذات القدرات الفكرية والتنظيمية وقد نبّهت صحف الجبهة الإسلامية أنصارها آنذاك من خطورة الحزب الذي يعمل في صمت ولا يأبه للإعلام ويبني كل آماله علي الغد , ولا غرو أن انتمي للحزب حينها أمثال الشاعر والأديب الراحل محمد عبد الحي الذي لا شكّ في تأمله وتفكره رأي في هذا الحزب ما يمكن أن يحقق له وللشعب السوداني كافة سودانا " يغني بلسانٍ ويصلي بلسان " وهو السودان نفسه الذي تمثله أدبيات الاتحاديين ومرتكزاتهم الفكرية .
ويري كثيرون من الاتحاديين ومن المراقبين للشأن الاتحادي أنّ ذيّاك الوطني الاتحادي إن استمر ولم يحدث له ما حدث لأصبح له شأن عظيم في الساحة السياسية.والذي حدث أن الحزب لم يحصد أي دائرة في انتخابات الديمقراطية الثالثة ولم أجد تقييما وتقويما مكتوبا لهذه التجربة ولكن الحادثة الأساسية أنّ الحزب برمّته تخلي عن رسمه وجسمه واندغم في الحزب الاتحادي الديمقراطي هذه المرّة عبر توقيعات من العضوية علي الموافقة علي هذه الخطوة.وطوال هذه الحقبة التاريخية لم يسمع أحد قياديا يردد مقولة الزعيم الأزهري بأنّ الوطني الاتحادي قد قُبِر والتي قالها بعد اندماج الوطني الاتحادي والشعب الديمقراطي – والتي إذا قرئت في سياقها التاريخي إنما هي دعوة للتماسك والوحدة العضوية للحزب الوليد ولكن التاريخ أثبت أن الحزبين اندمجا وما أن ترتفع وتائر النقاش في دوائر الحزب إلا وتبدو أنساق التفكير والعمل التنظيمي المتضادة وأنهما روحان في جسدين .
ومقولة الزعيم الأزهري المشار إليها ظلّ يرددها حسنين وقادة اتحاديون آخرون لتُقرّبهم زلفى من الميرغني دون أن يقترب الميرغني مما يطمعون حيث يُعَد ذلك أحلاما عنده كالمؤسسية والديمقراطية والقيادة الجماعية والتي تحولت إلي معزوفات ل"درويش متجول" يمشي بها حسنين في أروقة حزب الميرغني دون نصير وكلهم يعلم أنه الحق ويهمس به ولا يجرؤ علي الجهر به خشية غضبة الزعيم أو لعناته " المباركات" وحسنين يردد " أنا باقٍ مع الميرغني" فقد أسرّ لبعض الدوائر الاتحادية المقرّبة منه أنه لا يزال يحسّ بالمرارة من خروج الوطني الاتحادي وهو خالي الوفاض في الديمقراطية الثالثة ولن يكرر التجربة مرة أخري إلا أن هذا الوفاض المَعنّي لا يزال يتسع فتقه علي الراتق وكأني بالأستاذ يسعي بكل المعاني التي يدعو لها في بيداء لا نهاية لها .
يقول الدكتور معتصم أحمد الحاج عن الأستاذ حسنين في صحيفة الأحداث 10 أكتوبر إنّه "سابق لعصره وصاحب مبادرات متميّز ومستقرئ مثالي للمستقبل مُتَحيّن للّحظة التاريخية المثالية لاتخاذ الموقف." حديث عن المستقبل وتجاوز العصر والرجل في العقد السابع من عمره ولا تزال مواقفه مترددة علي المستوي الحزبي في إطار الحركة الاتحادية فهذه المواقف لم تُضف بعدا جديدا لكاريزماه خاصة تلك الخصائص والصفات في بعدها الجماهيري الذي ينهض بهذه المواقف وبالرجل ويدفع بهما إلي الأمام.
اتهم علي محمود حسنين في النصف الثاني من التسعينات الشريف زين العابدين الهندي بعد موالاته حكومة الإنقاذ بأن له دورا في تدبير انقلاب الإنقاذ في يونيو 1989 وانتقلت القضية إلي المحاكم السودانية وشهدت سجالات بين الرجلين أعمل فيها حسنين كل مهارته القانونية ليضع حبل مشنقة التدبير حول عنق الهندي.وانقسم الرأي الاتحادي حيال هذا الموقف فبينما سُرّ البعض من الناقمين علي الهندي بعد موالاته للسلطة العسكرية رأي آخرون أن إثبات التهمة علي الهندي يقدح في تكوين الحزب القائم علي رفض الأنظمة العسكرية وعدم الدخول معها في أي مساومات نظير المطالبة بالديمقراطية وعدم انتظارها أن تأتي هبات ولكن التاريخ دار دورته ليشارك علي محمود حسنين حزب الهندي في قبة برلمان الإنقاذ في جِبة من الدمور الثقيل تحمل اسم التجمع حتي يقتنع " الديك" بأنّ الحزب الاتحادي الديمقراطي بزعامة الميرغني غير مشارك في سلطة الإنقاذ ف :
" هل كان أولُ قاتلِ قابيلُ يعرفُ أنّ نومَ أخيه موت؟".
ولأن الصراع داخل الرجل دائما ينتصر لمواقفه التي ترتكز علي الإرث الاتحادي الرافض للديكتاتوريات لذلك تجده يحرث في وادٍ غير أودية الزعيم ذوات الأنفاق الثلاثية المؤدية للسلطة و"قدها رباعي" مما حمل سلطة الإنقاذ الحليف بأن تزجّ به في السجون تهيما بمحاولة الانقلاب عليها بمشاركة قوي حزبية أخري وبعض الضباط المتقاعدين.
وجاءت دعوة الحركة الشعبية لمؤتمر جوبا الذي شارك في اجتماعاته حزب الميرغني بقيادات من الصف الأول حسب التقدير الحزبي الداخلي وبعد أن أيقن الميرغني بأن أمر جوبا ربما " يخرب العامرة" مع المؤتمر الوطني الذي " لا لمُعاداته" تحولت هذه المشاركة التحضيرية مطبوعة بالاستحياء وكانت مشاركة حسنين في المؤتمر القشة التي قصمت ردود أفعال الميرغني الذي لم يجد بُدّا من الثناء علي هذه المشاركة ليطعن بذلك وفي سلوك ليس غريبا علي الميرغني في الذين فتحوا نيرانهم غير الصديقة علي الرجل ولا تزال ساحة حسنين تضطرم بكثير من التناقضات والصراع بينه ونفسه.