عمر الكاهن.. وقرحة الاثني عشر!

 


 

 


diaabilal@hotmail.com
لم يستطع الاستاذ أحمد البلال رئيس تحرير الزميلة (أخبار اليوم) أن يمسك دموعه، وأنا أنقل إليه خبر رحيل رفيق دربه الأستاذ عمر الكاهن.
 كنا وأحمد البلال وعدد من الزملاء رؤساء التحرير، بصالة فندق قيون بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا ،في مهمة صحفية، عندما جاء خبر الرحيل المفاجئ لكاهن الصحافة السودانية عمر محمد الحسن.
الغريب أنني كنت أحمل معي في الطريق إلى الطائرة حزمة من صحف الخرطوم  كان من بينها عدد  الاحد لزميلة (أخبار اليوم) ، ذلك العدد الذي تعود أن ينفرد فيه الكاهن بمجموعة أخبار ومعلومات تأتي تحت  عبارات  تحمل صيغة تحدٍ مهني رفيع (غير قابل للنفي).
والكاهن الذي رحل بذات الطريقة التي كان يحيا بها بين الناس، صحفي بمواصفات خاصة ومهام استثنائية، بإمكاني أن أقول بثقة تامة أنه آخر صحفي   يذهب إلى سريره للنوم،بعد أن تكون كل مجالس الأخبار بالخرطوم قد كفت عن الكلام المباح وغيره.
أكاد أجزم أن أغلب أحداث ما بعد منتصف الليل بالخرطوم إذا بحثت عن مصدرها  تجدها مسنودة ومنسوبة إلى الكاهن، كم مرة حاولت أن أفاجئه بخبر ما، إذا بي أصاب بخيبة المحاولة، لأنني أجد أدق تفاصيل ما أحمل موجودةً بالخزانة المعلوماتية الخاصة بالكاهن.
تعرفت عليه بصورة شخصية في أواخر التسعينيات وهو يزور الراحل الشهيد محمد طه بمقر صحيفة (الوفاق) القديم. وطه حينما يغلق عليه باب مكتبه لايفتح ولو جاءت الدنيا بأجمعها طارقة. لا يستجيب للطرق ولا النداءات المتعشمة :(يا محمد طه أنا الوزير فلان)، ولكن ذات محمد طه سريع الاستجابة لطرقات خاصة من أصابع الكاهن.
قلت للكاهن في يوم ما معاتباً : (أشقاء محمد طه زعلانين منك لأنك لم تزرهم بمقر الصحيفة منذ رحيل الفقيد) ، قال لي بطريقته المختصرة في التعبير: (أنت يا ضياء دايرني أمشي الوفاق وأدق باب محمد طه ويطلع لي زول تاني).

في الفترة الأخيرة توترت علاقتي بالكاهن لأسباب عابرة، وكنت أعزم على مواجهته بغلظة القول وصرامة الوجه، لكن ما أن أسمع صوته عبر الهاتف أو التقي به في مكان ما سرعان ما تنهار إرادتي في المواجهة، لأسقط أسير تعليقاته الساخرة، القادرة دوماً على تجريدي  من أدوات الخصام.
كان في رحلة إسعاده اليومية للآخرين يحتفظ بأحزانه وهمومه وأوجاعه لنفسه وهو يرسم بتعليقاته الساخرة ونكاته العفوية ابتسامات على وجوه الجميع.  

بذات طريقته في الحياة رحل عمر الكاهن، رحيل يشبه طريقته المختصرة في التعبير وزياراته الخفيفة، ودوي المفاجآت الخبرية،  أخطر المخبرين تحول في لحظات إلى خبر يتصدر مانشيتات الصحف،وصورة على صدر الصفحات الأولى عليها ابتسامة رجل حمل في داخله كثيراً من الآلام والتي لم تجد طريقة للتعبير عن نفسها إلا بهذه الطريقة الانفجارية الدامية.

 

 

آراء