عملية يوليو الكبرى (10): الفصل الأخير في حياة القائد الوطني (3) .. عرض/ محمد علي خوجلي

 


 

 

ويجعلون أصابعهم في آذانهم..

عرض/ محمد علي خوجلي
khogali17@yahoo.com
عرضت في عملية يوليو (9) صورة الفزع الذي أصاب السلطة المايوية جراء عملية تحرير عبدالخالق من معتقله. وكيف نظرت اليها كمصيبة كبرى تهدد بقاءها.. وتعرفنا على الدور المميز لمعاوية وأحمد سليمان وآخرين من الشيوعيين المايويين بتوظيف خبراتهم ومعلوماتهم لإعادة اعتقال عبدالخالق الذي أطلق عليه "نميري ومعاوية" (المجرم) مع صورة مقابلة لأقلية من الشجعان رفضت بقوة التعاون مع السلطة ضد عبدالخالق والحزب..
وأهمية بيان هذا الدور تكمن في ارتباطه الوثيق بالبحث عن عبدالخالق بعد 22 يوليو خلال تلك الأيام الثلاثة, عندما توارى عن الأنظار, سواء من قبل المنسلخين أو البقايا التي لم تفصح عن حقيقة موقفها في 1970م بترتيب أو بغيره. ومن هؤلاء من آثر السلامة باعتقال نفسه (!) بمعنى تسليم نفسه للشرطة والابلاغ عن شيوعيته رغم انه غير مطلوب القبض عليه..
وسلاح أعداء الحزب (الطبقيين) هو سلاح الشيوعيين المايويين الذي يشهرونه في وجه الثوريين: الاعتقال التحفظي والفصل من الخدمة (قوائم معاوية وأحمد سليمان) أو قائمة (ابوعيسى) عندما يعيد فتور العلاقات البريطانية – السودانية لهيمنة الشيوعيين على وزارة الخارجية وهو وزيرها.
وأهمية بيان هذا الدور لارتباطه الوثيق بما أطلقت عليه قيادة الحزب 1985م استعادة العضوية والتي تتواصل حتى اليوم..
انكار الواقع.. وخروج الممثلين
فاروق ابوعيسى من أوائل الذين استعادوا عضويتهم. وقد كتبنا داخل الحزب وقتها بعد الاطلاع على نقده الذاتي 1985م: ان القرار بشأنه هو من حقوق المؤتمر الخامس (انعقد في 2009م) باعتباره عضو لجنة مركزية سابق بنص لائحة الحزب. واستعاد فاروق عضويته بنظرية الانابة التي تقررها المركزية المطلقة بحلول اللجنة المركزية محل مؤتمرات الحزب (1971-2008م) والمصيبة الكبيرة ان اللجنة المركزية التي تحل محل المؤتمر عين بعضها بعضاً أي لم ينتخبها أحد.
وانتخب المؤتمر الخامس ابوعيسى عضواً باللجنة المركزية. ومن المؤكد انه لم يصعد من أسفل الى أعلا فتكون عضويته في المؤتمر. إما على أساس عضويته السابقة في اللجنة المركزية قبل 1970م أو بسبب الحاقه بأحد المكاتب المركزية أو رشحه المؤتمر متغاضياً عن كيفية اكتسابه عضوية المؤتمر (هل بحث عبدالماجد بوب هذه الحالة؟!).
وأهمية بيان الأمر لعلاقته الوثيقة بعملية يوليو الكبرى فالذي ينكر الواقع الماثل أمام الجميع لا نعجب اذا أنكر تسليم عبدالخالق أو أنكر استلام رسالته.
هل يوجد فرق؟
ماهو الفرق عندما:
-يقول ابوعيسى (وهو من قيادات الشيوعي) لصحفي أو صحفية انه يفكر أو لا يفكر في قيام حزب جديد.
-يقول نقد ان عبدالخالق لم يكتب شيئاً. وهذه اسطورة (حول رسالة عبدالخالق الأخيرة للحزب).
-يقول يوسف حسين (بعد انتقال نقد) استلمنا الرسالة وهي موجهة لقيادة الحزب التي لا ترغب في نشرها على العضوية (بعد أكثر من أربعين سنة) وكأن انكار الوقائع والحقائق الدامغة أصبح من مطلوبات العمل القيادي.
يوم تحرير الجماهير سجن كوبر
ان أفظع صور إنكار الواقع الماثل (الجماعية) تمثلت يوم تحرير الجماهير للمعتقلين السياسيين في سجن كوبر يوم 6 ابريل 1985م وكان للحزب قيادات معتقلة, بل متفرغين أو كانوا قبل الاعتقال مختفين (في تجارب أحزاب شيوعية في دول أخرى تنظم الأحزاب عمليات تحرير المعتقلين) فكيف كانت الصورة؟
-كسرت الجماهير أبواب السجن وامتلأت الساحات والعنابر بالشباب يهتف والنساء يزغردن. ولم يعد يوجد في الواقع لا سجن ولا سجان.
-القيادات الشيوعية المعتقلة ترفض مغادرة السجن إلا بعد صدور قرار من الحكومة والحكومة سقطت.
-الشيوعيون من المتظاهرين ومنهم من أشرف وشارك في كسر أبواب السجن (المنطقة الصناعية بحري/ مدينة بحري) يحملون القيادات خارج السجن الى الشارع العام لكنهم يعودون مرة أخرى للسجن الفارغ مما اضطرهم لحملهم قسراً ووضعهم في عربات الى منازلهم.
ان الشيوعيين الذين أجبروا قياداتهم على (الخروج) لا (الهروب) معظمهم اليوم خارج عضوية الحزب (الثوري) ولن يستعيدوا عضويتهم أبداً اذا رغبوا.. فنتائج العمل السري للمكتب التنظيمي المركزي ومكتب الرقابة المركزي 1970م ظلت قيد النظر حتى اليوم!!
حملة الرايات دون إفصاح
نلاحظ أنه مع كل (انقسام) أو (خروج جماعي) يبقى داخل الحزب من يحملون ذات الرايات دون الإفصاح عن أنفسهم فلا ينقسمون ولا يخرجون. لذلك نجد القيادة تركض ليس فقط لتصفية الانقسام بل "ذيوله".
فالأفكار التي طرحها عوض عبدالرازق في مؤتمر الحركة السوانية للتحرر الوطني 1951م حسمت وخرج وأقام تنظيماً مستقلاً. رغم ذلك حملت عضوية وقيادات في الحزب أفكاره دون خروجها "راجع النقد الذاتي للتيجاني الطيب حول تجميد العمل الثقافي في الحزب".
وأفكار يوسف عبدالمجيد وأحمد شامي ورفاقهم لم تتم مناقشتها في المؤتمر الرابع 1967م رغم اقامتهم "الحزب الشيوعي السوداني – القيادة الثورية" واعتقل يوسف بعد 22 يوليو 1971م وسلاحه في يده. وكثير من ضباط يوليو 1971م من بين عضوية ذلك التنظيم والثابت ان "ابوشيبة" ضم طلاب القيادة الثورية جميعهم للتنظيم العسكري الشيوعي بعد دخولهم الكلية الحربية باستثناء واحد "كمال عبدالله" والذي استمر في خدمة الجيش حتى وصل رتبة مقدم "توفى في حادث حركة رحمه الله" وفي رسالة الملازم عبدالعظيم عوض سرور الى عبدالماجد بوب "يوليو – افادات ووثائق – عبدالماجد بوب":
"التحقت بتنظيم الضباط الأحرار في 1966م وأنا طالب بالسنة الأولى بالكلية الحربية وكان أعضاء الخلية الحزبية في الكلية يعاملون كأعضاء في التنظيم وتصلهم أدبياته. وكانت خلايانا كشيوعيين منفصلة عن مجمل التنظيم. الضباط الذين عملوا معي في الخلية المقدم ابوشيبة/ الملازم معاوية سبدرات/ الملازم أحمد جبارة والملازم ميرغني" فانتقلوا من طلاب القيادة الثورية الى طلبة حربيين للحزب الشيوعي والانقلاب العسكري من فصيلة النضال المسلح وهو من أفكار الشيوعيين الأوائل لطرد المستعمر الأجنبي "مذكرات الجزولي سعيد".
وعند النظر لانقسام 1970م نجد ان حملة أفكاره كانوا أيضاً في اللجنة المركزية وان الاثني عشر سواء انقسموا أو فصلوا لم يكونوا وحدهم ومن دلالات ذلك:
-في يوم 25 مايو 1969م عندما اقترح عبدالخالق عدم مشاركة الحزب في حكومة مايو الأولى سقط اقتراحه بالتصويت 23 ضد 7.
-ذات الاغلبية الكبيرة في اللجنة المركزية رأت ان اعتقال عبدالخالق في ابريل 1970م ليس عملاً موجهاً ضد الحزب "تم تصحيحه في 1996م"!!
وتمسكوا بالحزب الشيوعي السوداني وأصدروا بيانات بذلك أبرزها البيان المؤيد لاجراءات نوفمبر 1970م وإبعاد أعضاء مجلس قيادة الثورة الثلاثة وكانوا يرتبون لعقد المؤتمر الخامس (!)
ان الحزب بعد 1970م لم تكن لا عضويته ولا قياداته كلها من الثوريين وحملة الرايات الأخرى في داخله يصولون ويجولون وهو بصورته تلك واجه عملية 19 يوليو الكبرى وأيدت اللجنة المركزية الحركة العسكرية بذات المفردات التي عارضت بها انقلاب مايو 1969م "راجع بياني اللجنة المركزية يوم 25 مايو 69 ويوم 19 يوليو 1971م".
وخروج الخاتم عدلان ورفاقه من الحزب بعد التخلي عن الماركسية من حقهم. وحملة أفكار هم داخل الحزب لا يزالون ومن بين كوادره وقيادته, وأشار الخاتم أكثر من مرة لتخلف رفاق اتفقوا معه على الخروج. بل ان نشر مساهمته "آن أوان التغيير" داخل الحزب من مؤشرات أثر الداعمين غير المفصحين.
والشفيع خضر, التقط الملاحظة فظل ينفي مكرراً انه ليس قائداً لتيار ولا يوجد مثل ذلك التيار, وانه من صنع آخرين والتقاطه للملاحظة يعود لتجربته ومشاركته في تصفية الكثيرين. واستفاد كثيراً من موجات المركزية المطلقة وكان من أدواتها "راجع مقال علاءالدين محمود بهذه الصحيفة: الحزب الشيوعي.. أي التيارات يسعى لتصفيته" لكن المعلوم انه لا الشفيع ولا حملة أفكاره سيقيمون "الحزب الشيوعي السوداني – البديل/ الجديد" ولا الحزب الديمقراطي الواسع (!)
دواعي الاهتمام الخاص
الاهتمام الخاص من جانبي لحالة معاوية سورج أساسه انه كان "مسئول المكتب التنظيمي المركزي" قلب الحزب واتحدت أفكاره ورتب خطواته مع محمد أحمد سليمان "مسئول مكتب الرقابة المركزي" رئة الحزب. وكان لهما أثرهما الموثق في عملية يوليو الكبرى كما أوردنا وكما سيرد ويبقى السؤال الهام:
ماهي آثار حملة أفكارهم في الحزب بعد 22 يوليو 1971م وحتى اليوم؟ بافتراض ان للتآمر أفكار(!)
ان تآمر المكتبين الخفي أو غير المنظور هو في التصعيد والانزال والمواقع الحزبية.. وكادر العمل السري "خارج رقابة الحزب" وهو ما يحتاج للبحث خاصة عند "فحص الكادر" من "طلب العضوية والمزكين" وحتى المواقف العملية وبالذات "عند التحولات" والمسلك الشخصي.
فالعامل المشترك بين جميع حملة الرايات عدم صلاحية الحزب وعدم صلاحية أفكاره في السودان وقد ورد في كتاب مجزرة الشجرة 1974م أن ود الزين أخطر الضباط المعتقلين "أنه شاهد العميل معاوية ابراهيم يشهد ضد الشفيع ودكتور مصطفى خوجلي وان العميل معاوية كان قد أرسل برقية تأييد طويلة لهاشم العطا ومجلس الثورة واتفق معهم بشأنها".
وأكمل القصة زين العابدين محمد أحمد عبدالقادر في كتابه "مايو سنوات الخصب والجفاف" عندما كتب:
"في مرحلة لاحقة اكتشفنا ان معاوية ابراهيم سورج خاف على نفسه وكتب مذكرة لهاشم العطا يؤيد فيها ما حدث ويبارك الثورة "ثورة التصحيح".
وصلت هذه المذكرة للمرحوم محمد أحمد الزين "ود الزين" أحد أعضاء مجلس الثورة الشيوعي الذي أعلن عنه إثر انقلاب يوليو 1971م. وعندما سيق محمد أحمد الزين لدروة الاعدام بعد فشل الانقلاب أعطى المذكرة لأحد الجنود الذين كانوا يقودونه, اذ كانت في جيبه فقام الجندي بتسليم المذكرة للرائد مأمون رئيس جهاز أمن الدولة. وقع مأمون في حرج شديد وتردد في اطلاعنا على المذكرة. ولكن من واقع المسئولية التي يفرضها عليه موقعه طرحها على مجلس قيادة الثورة..
واجهنا معاوية بالأمر فلم ينكر ما فعله وبشجاعة "ود البلد" قال لنا "أنتم لا تعرفون هؤلاء الناس – الشيوعيون – مثلما أعرفهم وأنا جزء أساسي منهم وقد كان لزاماً علي أن أحمي نفسي اذ لم أكن أعلم في أي اتجاه ستتطور الأمور.
غفرنا لمعاوية هفوته.. وأرسلناه سفيراً في الدول الاسكندنافية ولكنه لم يتوافق ابداً مع ضميره وانتهى نهاية مؤسفة.
في مرحلة لاحقة.. وتردد مأمون يعني احتفاظ مأمون بالمذكرة لفترة وخلال الفترة: واصل معاوية نشاطه في لجنة البحث عن عبدالخالق بعد 22 يوليو وحتى تسليمه.
وخلال الفترة: بعث بعض انقساميي 1970م ولا نستبعد دور معاوية هنا في برقية 22 يوليو التي أدانت 19 يوليو ودعت للضرب على الخونة بيد من حديد, فمن المرجح ان تكون البرقية لتبرير المذكرة. وأذيعت البرقية باسم محمد علي المحسي واخوانه. وأوضح محسي ان البرقية أصدرتها المجموعة التي انقسمت على الحزب وان مأمون عوض ابوزيد بحسه الأمني نسب البرقية الى محسي واخوانه "يوليو – اضاءات ووثائق – عبدالماجد بوب".
عندما توارى عن الأنظار
رسالة عبدالخالق الأخيرة للحزب, أو الوصية السياسية التي ترفض قيادة الحزب الافراج عنها لعضوية الحزب على الرغم من انها احتوت على آراء عبدالخالق في قضايا سياسية وحزبية. والأيام الثلاثة التي توارى فيها عن الأنظار حيث لا نستطيع ان نطلق عليها "اختفاء" بالمعنى الحزبي, وارشاد معاوية سورج على "حرس عبدالخالق" أو "أمن السكرتير" وضغوط البوليس والأمن على "أمن السكرتير" وانتزاع معرفة المنزل الذي سيقوم "أمن السكرتير" بنقل السكرتير اليه, والقبض عليه واغتياله هي مسألة واحدة من أجزاء مختلفة.
وما بين أول شهادة سجلتها ونشرتها بصحيفة الخرطوم يوم 5 نوفمبر 2001م "شهادة مجذوب يحيى محمد العجيمي" الذي كان مع طه الكد ملازمين لعبدالخالق في الأيام الثلاثة" واكتوبر 2016م ظهرت افادات جديدة ووثائق أكدت وقائع واضاءت جوانب كثيرة.
ولأسباب كثيرة موضوعية فإن التوثيقات التي نشرت في تسعينات القرن الماضي وحتى توثيقات 2001م و2002م اكتفت بالحروف الأولى للأسماء. وهذا سيتم تجاوزه في هذا العرض. وأرجو التنبيه ان جميع التوثيقات التي نشرت لم تكن "فردية" بل كان يحضرها عدد من الشهود ويشاركون في طرح الأسئلة والاستفسارات.
ولكل ذلك وغيره فان هذا المقال سيشتمل أيضاً على التوثيقات التي مضى عليها وقت طويل أما توثيقات 2007م فقد أخذت صورة التعليقات على حوار ضياءالدين بلال مع محمد ابراهيم نقد في "حكاوي المخابيء" بصحيفة الرأي العام وقد قصدت تضمين وقائع التوثيقات في الرد على نقد ونشرت الصحيفة بعض الردود وامتنعت عن نشر جزء آخر وما نشر كافي فيما يخص موضوعنا الآن.
ومقال وتوثيق نوفمبر 2001م رد عليه د. عبدالقادر الرفاعي في سبتمبر 2002م بصحيفة الأيام السودانية وقمت بالتعقيب عليه مباشرة واشترك في المناقشة أحد أعضاء الحزب بأبي روف وهذا ما يتضمنه العرض الحالي.
ووجدت أن بعض قيادات الحزب التي تحدثت عن الرسالة الأخيرة ربطت بينها ومسئوليات العمل القيادي واحتمال ترشيح عبدالخالق لقاسم أمين لتولي مهام السكرتارية وهذا يتطلب عرض انتخاب نقد سكرتيراً مكلفاً حتى انعقاد المؤتمر الخامس والتي نشرت توثيقها لمرتين قبل انتقال نقد والتيجاني بفترة طويلة.

 

آراء