عندما أدمعت عيون المستشار عصام دهب …. بقلم: سارة عيسى
9 May, 2010
كثير من الناس يقولون أن الإنقاذ هي نفق عفراء ، وكبري المك نمر ، وبرج الفاتح ، هذا كدلالة أن الإنقاذ حوّلت الخرطوم إلى إحدى جنات عدن ، ومدينة يّضرب بها المثل كتلك المدن التي وصفها سندباد البحر في اسفاره ، لكنني أختلف مع هؤلاء ، فالإنقاذ هي شارع الشهيد عبيد ختم ، وصيدلية الشهيد أحمد الريس ، ومجمع الشهيد علي عبد الفتاح لسكن الطالبات ، فلم يكن الهم هو الدنيا والعمارة ، بل الهم هو الإستشهاد ورضا الرب ، فشعار هي لله ..هي لله قبل أن يلوكه الداخلون الجدد ، كان المقصود منه تقديم النفس الغالية لأجل رضا الرب ، لذلك لم يكن الحزن مطروحاَ ، فهو يُعتبر نوعاً من سرقة المشاعر ورمز للضعف والخذلان ، فعندما يرحل الشهيد عن هذه الدنيا الفانية كان الإتجاه الإسلامي يستقبل ذلك بالتهليل والتكبير ، وأخوات نسيبة كن يزغردن لإحياء هذه المناسبة قبل أن تعرف الإنقاذ طريقها للمطرب جمال فرفور أو أفراح عصام ، هذه الرحيل الحزين كان يُسمى " بعرس الشهداء " ، وكانت طقوس هذا العرس في غاية الغرابة ، حيث يتم تحويل لحظات الحزن إلى لحظات حبور وفرح .
ما ادهشني في ذلك هو صور رأيتها في موقع سودانيز أولاينز ، أحد المستشارين الذين يكتبون في الموقع ظهر في إحدى الصور وهو يذرف الدمع الهتون وبين يديه رمز الشجرة ومن خلفه صورة محقق العزة والكرامة الرئيس البشير ، فالرجل بالفعل – كما بدأ - خنقته العبرة وتملكه الحزب وسكب حصاد العيون الغالي ، ولا أعلم هل هذا بسبب الفرح أم الحزن ؟؟ فمدرسة الإتجاه الإسلامي علمتنا أن نعكس الأشياء ونتلاعب بالمشاعر ، ونخفي الحزن ، لكن على ما يبدو أن سعادة المستشار عصام دهب كان مرهف المشاعر ، فربما ادرك الرجل أنه فاته الكثير من الخير ، لذلك يشكو تلك السنوات التي قضاها بعيداً عن رحاب حزب المؤتمر الوطني ، فيبدو أن كل القانونيين السودانيين الذين ولجوا داخل حزب المؤتمر الوطني بعد توقيع إتفاقية نيفاشا هم يقلدون خطى الوزير سبدرات في الحل والترحال ، ولن السؤال الذي يطرح نفسه أن بعض هؤلاء يزعمون أنهم كانوا في الحزب الإتحادي الديمقراطي ، ولعدة أسباب لا يذكرونها في أغلب الأحوال يزعمون أنهم تحولوا لحزب المؤتمر الوطني لأن مساحة الحرية في هذا الحزب متسعة ؟؟، ومعظم هؤلاء يعيشون في خارج السودان ، وبعضهم مكث في المهجر لسنوات طويلة ، مما يفتح الباب للقول أننا أمام هجرة غير طوعية سببها دنيا نصيبها وتأمين للعيش في زمن إنعدمت فيه فرص العمل الكريمة .
كنت أول من تنبأ أن المستشار عصام دهب مصيره المحتوم هو حزب المؤتمر الوطني حتى وإن غالب هذا الشعور وأنكره بحجة أنه يميل لتأييد الحزب الإتحادي الديمقراطي ، فبعد احداث العاشر من مايو من عام 2008 كان يقول : أن الرئيس البشير أقرب إلينا أكثر مما مضى " ، والسبب لأن الرئيس البشير قد دخل في حرب مع حركة العدل والمساواة في أمدرمان ، لكن لماذا يكون الرئيس البشير بعيداً عن هؤلاء عندما حارب الحركة الشعبية في الجنوب ؟؟ فشروط المشروع الحضاري كانت أكثر تحقيقاً في الجنوب من نظيرتها في الجنوب ، فالإنقاذ كانت أنها تزعم تحارب أمريكا وإسرائيل هناك ، وتنبأت أيضاً أن المستشار عصام دهب سوف يشغل منصباً رفيعا في القريب العاجل ، ولكن بعد الدموع التي رايتها تنزلق في خدي سعادة المستشار لا يسعني إلا القول أن حتى المنصب الرفيع لا يثمن تلك الدموع الغزيرة ، فحر يوم القيامة تطفئه دموع أهل الدنيا الذين بكوا من خشية الله لكن المستشار دهب أهدرها على حزب المؤتمر الوطني ، وكنت أحسب أن الدموع هي شئ غالي ونفيس ولا يخضع لتقلبات السياسة ، ولكن بعد ما رأيته ثبت لي أن الدموع يُمكن أن تتحول لحيلة وغش وتزوير للمشاعر ، في القرن الماضي كانت الحركة الإسلامية تفاخر بدخول ملحدين لتيارها ، أو كافرين للدين الإسلامي ، وكان كتاب المرحوم أحمد سليمان المحامي " ومشيناها خطىً " يُوزع في جامعة الخرطوم بالمجان ، أما رصيد حزب المؤتمر الوطني إن تم تصنيفه كحركة إسلامية فمصدره كله يأتي من الحزب الإتحادي الديمقراطي ، على الرغم أن الحزب الإتحادي الديمقراطي يعارض مذكرة اوكامبو ، وهو يعارض أي تدخل أممي في دارفور ، مما يجعل علاقات الإلتقاء أكثر من علاقات الإعتراض ، ومع ذلك يبقى الحزب الديمقراطي الأصل هو المستهدف بسرقة العضوية .
سارة عيسي
sara issa [sara_issa_1@yahoo.com]