عندما يأمر السودان جيشه بأن يضرب لكي يقتل

 


 

 

Shoot   to  kill


*هذا  ليس تخريجا من  عندى . او من عند الإعلام المعادى  كما  يحلو لحكامنا فى الخرطوم أن يعلقوا  كل  اخطائهم على مشاجب  الغير  بدلا  من  الاعتراف  بها .  والبدئ   فى  معالجتها  بموضوعية .  فى  مقال  الاسبوع  الماضى   تساءلت  عن  المجنون  الذى  نصح   حكومة  حنوب  السودان  النصيحة  المهببة -  بلغة  اخواننا المصريين -   باحتلال  منطقة  هجليج  السودانية  النفطية. تلك  الخطوة  الكارثية  التى  ازهقت  ارواحا  كثيرة  فى  طرفى   الوادى  .ودمرت  ممتلكات هنا  وهناك . ودمرت  كل  المساعى  الحميدة  والآمال  فى  تحقيق  نقلة  جذرية فى العلاقة  بين البلدين  والشعبين  الشقيقين  ،   قبل  ان  تجبر  جوبا  على  الخروج  والتراجع   سواء  بضغط  عسكرى شمالى كما  تقول  الخرطوم ، او استجابة  لنداءات  وضغوط  دولية  كما  تزعم  جوبا . قبل  احتلال  هجليج  كانت   الخرطوم  ،  وما زالت ، تواجه  مأزقا  اقتصاديا  وسياسيا  حرجا  وواسعا . فاسعا ر  السلع   الضرورية  اخذت  تتصاعد  تصاعدا  مخيفا  ولم  تعد  فى متناول  المواطن  السودانى الغلبان -  بلغة  عادل  امام- ذلك  التصاعد الذى  يمكن  ان يحول  التململ  الشعبى  المسوع  والمشاهد  الى  ثورة  على غرار ثورات  الربيع  العربى  المرابط  قريبا  من  الحدود  السودانية  . و كان  تصاعد  سعر صرف  العملات  الاجنبية  هو   المحرك  الاساسى   لانفلات الاسعار . وما زال  حتى  هذه  اللحظة  هو المحرك  الاساسى  للخطر الاقتصادى  المحدق  بالاوضاع  فى السودان.  وبدت   الخرطوم  عاجزة  تماما  فى  مواجهة  ذلك  المأزق  حتى ارتكبت  جوبا  غلطة  الموسم التى هى غلطة عمرها السياسى  القصير  باحتلالها  لهجليج  النفطية  السودانية .   وبدون  رغبة  منها   أو حسبان ،  القت  جوبا  بطوق  النجاة  المؤقت  الى غريمتها  الخرطوم  باحتلال  هجليج  واستفزازها بالتالى  للمشاعر الوطنية  لشعب عاطفى  بطبيعة  الحال  فكان ان اندلق  التأييد الشعبى  لنظام  الانقاذ  بصورة  لم   يجدها  هذا  النظام   فى الماضى ولم  يكن  مقدرا  ان  يجدها  فى  اى  يوم  اليوم  قبل  ان  ترتكب  جوبا غلطة   الشاطر التى هى بمليون  فى  هذه   وليست  فقط  بألف  كما يقول المثل  الشعبى  المطروق . وتلقفت  الخرطوم   طوق  النجاة  المؤقت الممدود  لها  من غريمتها  جوبا  بلا  وعى  منها  ولا  رغبة وهى  شاكرة  شكر المنبت الذى  لا ارضا   قطع  و لا  ظهرا  ابقى   وهو  يضرب   اكباد  ابله  فى  كل  الاتجاهات  على مدى  قارب   ربع  قرن  من  الزمن  الكسول . فلا  يحصد  الا السراب البقيع  .  الخرطوم  المشهود  لها  بالقدرة  على  تسيير  المواكب . والتلاعب  بالعواطف  الشعبية سياسيا  ودينيا  . والقدرة  على  تلوين  الوقائع  وتزيينها  او  شقلبتها  رأسا  على عقب  ، استطاعت  بعد  لحظات  من اعلان  جوبا  احتلالها  لمنطقة هجليج  السودانية ،  استطاعت  أن   تقلب  ظهر المجن  شعبيا  على  جوبا  فى  طول  الشمال  السودانى  وعرضه  . وأن  تجدع  جوبا  فى  مهب الريح  الصاعق  . واضاعت  على  جوبا  كل  التعاطف  الشعبى الشمالى   الذى   كانت  تجده   فى  الشمال  لا  سيما   فى  القضايا   العالقة  بين  البلدين   مثل  قضايا   الجنسية   المزدوجة  والحريات  الاربعة   لمواطنى  البلدين  وغيرها .  الخرطوم  لم  تقف عند هذا الحد  فى  استغلالها  لخطأ    جوبا  القاتل . بل  تمادت  فى   تسيير  المسيرات  الغاضبة  المسندكة   ضد  جوبا .  واطلقت  العنان  لعبقريتها  فى  تصنيع  الاحداث  ،  وهندستها  حسب  المطلوب .  و طرح  المتحدثون  باسمها  فى  جو هستيرى   شروطا   تعجيزية  بالنسبة  لحكومة الجنوب  باقوال  لا تليق   برجال  دولة  يعلمون  ان  فى  عالم  اليوم الصغير  بفضل  ثورة المعلومات  لا يمكنك  أن تقول  و تفعل  ما تريد  ثم  تمضى.  تمادت  الخرطوم  فى  سعيها   لالهاب  المشاعر  ضد  حكومة  الجنوب .  وفى  سبيل  ذلك  اطلقت  العنان  للسانها  الذرب  على السنة  قادتها  فى غضبة  مصنوعة ومبالغ   فيها  كسبا  لجائزة  اللحظة الراهنة .  فها  هو الرئيس  الجعلى  ، الذى  اشتهر اعلاميا   باجادته  لعرضة  أهله  الحربية   ، و اجادته  للرقص  الفرح  فى  مقامات   يغيب  فيها   الفرح  ، ها هو  يعلنها  حربا  صريحة  على الجنوب  و هو   يرقص   منتشيا   رافعا  سيفه  البتار ،  لأنه  هزم  الحشرات  الجنوبية ، حسب  تعبيره .  ويؤكد  على  رفضه  العودة  الى  التفاوض   مع حكومة  الجنوب  .  ويعلن  على  رؤوس  الاشهاد  انه  قرر  اسقاط   نظام  الحكم  القائم  فى  الجنوب  تحريرا   لشعب الجنوب   من   حكم  الحركة  الشعبية  (  الحزب  الحاكم  فى  الجنوب ).  ثم ها هو   نائب  الرئيس  الأول،  السيد  على عثمان  ،  وهو الرجل  الذى  قاد  عملية  السلام   بين  الخرطوم   وجوبا  حتى   وقع  عليها  مع  العقيد  جون  قرنق   رئيس  الحركة  الشعبية  فى عام  2005  هاهو  يؤجج  واخذ الشارع السودانى بخطب حماسية  ضد  الجنوب  ،  نسى  فيها  تماما  أنه  يعيش  فى عالم  اليكترونى  اصبح  قرية  صغيرة  بفضل  ثورة  المعلومات  حين  اخبر  مستمعيه  المهللين  المتحمسين  انهم   فى حكومة  الانقاذ   قد اصدروا   تعليمات  واضحة  لجنودهم   بأن  يطلقوا  رصاصهم  لكى  يقتلوا . وليس  ليدافعوا  عن  انفسهم .  ينسى  أهل  الحكم  الانقاذى  انفسهم   كثيرا  عندما  يهرعون  الى  قواعدهم  لكى  يستثيروا حماستها  لاغراضهم  السياسية.  ينسون   ان عيون  العالم  اللاقطة  ترقبهم   وتصور  حركاتهم  ،  وتسجل   وتحصى   عليهم  كلماتهم  الرعناء  ،  ورقصهم   البهيج   على  اشلاء   ضحاياهم . تذكرون   خطبة  والى  ولاية  جنوب   كردفان   المطلوب  للعدالة  الدولية  ، القاضى  احمد  هارون  ، التى  تناقلتها  الفضائيات  الدولية   فى  الشهر الماضى  ،والتى أمر فيها  جنوده  بأن  لا يحضروا  معهم  اسرى   احياء ، لأنه   ليس  لديه  مكان  يحفظ  فيه  اسرى  احياء !  وها هو  النائب  الأول  لرئيس  الجمهورية ، السيد  على عثمان  يذهب  فى  نفس  الاتجاه . أما  الرئيس البشير فقد سبق الجميع   مرات  ومرات   فى  هذا  الاتجاه  ، و على  انغام  وايقاعات  المزامير  الراقصة .  لقد  استطاعت  الانقاذ  أن  تستثمر  خطأ جوبا  الفادح  استثمارا  محليا  كامل الدسم  على  المدى  القصير . و انصرفت  بالشعب  عن  قضاياه  الداخلية  العاجلة  والمعقدة ، وهومت  به  فى شعارات   وطنية  من فصيلة   لا صوت   يعلو  فوق  صوت  الثورة  على  ايام  المرحوم   جمال عبد الناصر  حتى اذا  اكل  الشعب  الحصرم   المعوى .هذا  استثمار محلى  ناجح  مؤقتا.  و من  حق  الانقاذ  ان تستثمر خطأ جوبا الفادح .  ولكنها  بتماديها  فى تجريح   مشاعر خصومها  الجنوبيين  حتى  يصل الامر  مراحل  الاسفاف  العنصرى  البغيض  ،  فهذا  يطعن  فى صميم  ادعاءات  المشروع  الحضارى  الذى  تدعيه  الانقاذ .  ان كاتب  هذه  السطور معارض  للانقاذ  معارضة  لا  هوادة  فيها . ولكنه  يفرق  تفريقا  صميما بين  معارضته لحكومة  الانقاذ   الزمنية   القائمة اليوم  و معارضة  السودان  الوطن  الذى  افديه  بمهجتى   ودمى .  وبنفس  القدر لا  نقبل  أن  ينزل  حكام  السودان  ان  ينزلوا  بقضية  الدفاع  عن  الوطن الى هذا  الدرك  السحيق  من الاسفاف .  ونسأل   بنفس  القدر :  من  هو عبيط  الخرطوم  الذى   يلهمها كل هذا  العبط   المركوم .
كان  الله   فى  عون  السودان .  ولا   معين  سواه .
Ali Hamad [alihamad45@hotmail.com]

 

آراء