عندما يزور الرئيس البشير ايران والصين !؟

 


 

أدم خاطر
9 July, 2011

 


تكتسب زيارة الرئيس البشير لكل من ايران والصين أهمية كبرى ودلالات خاصة في هذا التوقيت الذي يشهد انفصال الجنوب ومآلات ذلك على الصعيد الداخلى والاقليمى والدولى ، وأكبر علامة فى هذه الزيارات هى الخصوصية التى تتمتع بها هاتين الدولين لجهة الأفكار والعقائد والتاريخ الذى يجمعهما والسودان عبر عقود متطاولة، ورمزياتهما فى الحراك الدولى  ومواقفهما ازاء القضايا المطروحة ومناصرتهما للدول والشعوب المستضعفة !. لئن كان المؤتمر الذى عقد فى طهران جاء لمكافحة الارهاب الدولى، فان البشير يزورها وارهاب الدول الغربية وأمريكا على بلاده وشخصه وحكومته وحزبه تجاوز كل الحدود  من سياسة واقتصاد وأمن وقرارات الى قصف مباشرة ووجود أممى كثيف لم يوقفه انفصال الجنوب ولا دارفور التى تغرق فى النزاع والصراعات القبلية !. فالذى يجمعنا وطهران هو العقيدة المشتركة التى تحملها القيادتان من أجل الحقوق المشروعة ونبذ استخدام هذا المصطلح بانتقائية لاذلال الشعوب وابطال حقوقها بالتخويف والتركيع !.ووجود البشير  فى هذا المحفل هو لأجل مطالب أمته ، وهو أيضا رد عملى للوقوف على أسباب هذه الظاهرة وتحدياتها والعوائق التى تقف فى طريق مكافحتها وكيفية تعزيز السبل والآليات المناسبة والرادعة فى مواجهتها على المستويات الثنائية والاقليمية والدولية خارج دائرة الفلك الأمريكى !. فى هذا الظرف الدقيق يتجشم البشير الصعاب كعادته ويمتطى المخاطر بمثل قيادته وتفجيره لثورة الانقاذ التى تتزامن فى ذكراها الثانية والعشرين مع هذه الجولة !. ولعل البشير أراد ان يكون احتفال الانقاذ بثورتها هذه المرة على نحو مغاير وطعم آخر يتجاوز الانجازات المألوفة التى ظلت ديدن ومنهج حكومته فى افتتاح العديد من المشاريع التنموية والخدمية كل عام فى أكثر من ولاية ومدينة وأصقاع ، وهى تتجاوز الفرح الطبيعى ومظاهره لفرح عالمى مشهود عندما يخوض رئيسنا التجربة مضحيا بحياته وبريق السلطة وصولجانها لأجل غايات كبار !. جاء الاحتفال بالانقاذ من وحى هذه الزيارة الخاصة فى كل شى ، بطعم خاص ونكهة تحمل الكثير من المعانى التى يتصف بها البشير وهو يغامر لأجل شعبه ومكاسبه لم تقعده الاتهامات الجائرة ، ولم تخيفه التهديدات المباشرة وغير المباشرة ، والكل يدرك الزيارة الشهيرة لكل من مبارك والقذافى للخرطوم قبل أشهر من ثورات التغيير العربى والرسالة التى حملاها لشخصه بالتنحى عن الحكم والا واجه المهالك والثبور.. !. وقدر الله أن يذهب مبارك ويحاصر القذافى من قبل أعداء الأمس حلفاء اليوم يزحفون نحوه بكل حارة وكل طريق شبر شبر بيت بيت دار دار زنقة زنقة كما يفعل هو بمعارضيه من الثوار !!. قدر الله أن يبقى البشير  فى الحكم ليصول ويجول رغم أنف أعدائنا ، ويشارك فى الملتقيات الدولية بعد أن تجاوز جواره ومحيطه العربى والافريقى !. وقد رأينا كيف مضى مبارك وأسرته بكل تاريخه الفرعونى الى السجن ، ويواجه القذافى الاذلال والحصار والموت فى أبشع صوره، هكذا هى أقدر الله وحكمته فى الحكم والسلطة والوراثة والخلافة فى الأرض  !!. والبشير يمثل رمزية خاصة وزعامة لها ما يميزها تتجاوز البذة العسكرية الى الفكرة والمنهج والنموذج الذى يسدى للبشرية من دولة لم تجد طعم الراحة والاستقرار والأمن ولو لأشهر محدودة، وهى تخنق بالمواقف والضغوط المستمرة ولكنها تجتاز الامتحان تلو الآخر ، ورصيدها يكبر وقيمتها تتضاعف وشعبيتها الى وعى ، وقيادته تجد تلاحم الشعب حولها ودولته الى قوة وثبات وبرامج حكومته فى تمدد رغم انفصال الجنوب وتبعاتها النفسية والمستقبلية ، لأن رئيسنا يسطر التأريخ ويكتب سفره عبر لونية قيادته التى تشبه البشير ومشروعه الذى قدم الشهداء بقيادة الزبير واخوته !.
وبمثل ما كان فى علاقتنا مع ايران من خصوصية وقدرية لها معانى ووقفات معنا تدعو للتأمل ، فان الصين برصيدها العالمى وما خطته لشعبها كدولة بين الأمم والحضارات انحازت الى السودان منذ وقت باكر بتقديرات بعيدة المدى ترى ما فوق المصالح الآنية والعارضة الى تحالفات الأمم والشعوب ذات القدر والوزن والمستقبل  !. فتقدمت الصين ومدت اليد للسودان يوم أن سدت أمامنا كل الطرق الى الاعمار والتنمية والبناء ، ومنعت عنا صناديق التمويل العالمى ووضعت باتجاهنا العراقيل والوصفات الامبريالية وكل أشكال الهيمنة لأجل احكام العزلة  علينا بغية الاستسلام ، ومن خلال الوشائج التى ربطتنا بهذه الدولة الرائدة استطعنا من تجاوز حصارهم عبر تفجير ثورة النفط بكل متعلقاتها وشعبنا يدرك قبل غيره الى أين قادتنا صناعة البترول وأثرها على حركة الاقتصاد والتجارة ، وبلادنا فى التسعينيات كانت تصطف لأيام كى يجد الانسان جالونين من الوقود يمكنه من الحركة لاسبوع !. وبفضل دعم الصين أزدهرت الزراعة والبلاد تقود ثورة فى الاصلاح الزراعى عبر النفرة الزراعية وبرامجها التى تمثل الصين العمود الفقرى لها !. بل قويت الصناعة واستطالت المصانع وشقت الطرق والجسور ومحطات المياه الكهرباء بفضل التعاون الصينى الذى يكاد يغطى كل أوجه العلاقة !. لقد زار البشير الصين مرارا فى أكثر من مناسبة ولكن هذه الدعوة التى تلقاها الآن من رئيسها لها أبعاد تتجاوز بالسودان القطبية الأحادية والضغوط التى تمارس عليه من قبل الغرب ، وهو يعبر موجات عدائهم بهذا الفتح الاقتصادى الكبير والمشاريع التى تنتظرنا فى المستقبل القريب من وحى الاتفاقيات والاستثمارات التى جرى التوافق بشأنها مع الجانب الصينى ويتوقع أن يقفز حجم التبادل التجارى معها أكثر من 30 بليون دولار !. والبعد الأبرز فيها أنه مهما سعت المحاولات الغريبة للتقليل من شأن ومغزى زيارة البشير للصين ، فان الشواهد تؤكدت بوضوح أن بعض الدول والمنظمات التي لها ارتباطات بما يسمى بمحكمة الجنايات الدولية ومدعيها أوكامبو قد خابت مساعيها وأربكت مخططاتها "وها هو رئيس الجمهورية يذهب للصين ويأتي منها في زيارة ترسم معالم سودان جديد سيكون لها ما بعدها  ". وأن زيارة البشير للصين ضربة قوية لمحاولات الاحاطة التى يرسمها مدعى الجنائية كونها أحبطت مساعي الدول الغربية التي تتعاون مع أوكامبو وهى تضمر الشر للسودان وقيادته !. لقد حق لشعبنا وقيادتنا أن تفاخر وتثمن وتثنى  على"موقف الصين القوي الصادر عن رئيسها ووعده بمساندة السودان في كل المحافل الدولية ودعمه في مواجهة ما يسمي بالمحكمة الجنائية بل دعمه ثنائياً". هذه الزيارة عززت الشراكة الاقتصادية مع الصين وايران ورسمت خطى استراتيجية جديدة متكاملة مع هاتين الدولتين لاتقف عند الأطر المعروفة لعلاقات البلدان ، وهى رد عملى ولطمة قوية على أى تشويش يراد به تقييد حركة الرئيس البشير والضغوط الغربية على الدول بعدم استقباله  ودعواتها المتكررة لها بالتعاون مع الجنائية !.
فهذه الزيارة التاريخية فى هذا التوقيت المفصلى وأنظار العالم على السودان الذى كتب السلام على عهد البشير رغم الظروف التى تحيط به ، ومكن لدولة الجنوب من الخروج الى الوجود بارادة وعزيمة تدرك حجم ما تواثقت عليه ، فهى تدلل على أن العلاقات السودانية الصينية ودعوة  رئيس الجمهورية الحالية لزيارة الصين  وما حققته من نجاحات كبيرة فى القضايا التى نوقشت بعمق واستفاضة ، وما وجده الرئيس البشير من حفاوة واستقبال ، كل ذلك يشير لتوجهات تناهض السلوك والمحاولات الغربية ، وترمز الى التقدم المضطرد والتطور الكبير الذى تشهده علاقات البلدين فىى شتى المجالات والمكانة التى يحظى بها السودان لدى دولة عظمى بحجم وامكانات الصين الاقتصادية والتجارية والصناعية والعسكرية !. و أن مرد ذلك لقيمة التعامل الشفيف الذى يقوم على الاحترام المتبادل والسيادة الوطنية واعتراف البلدين بخصوصية كل طرف واقرارهما بامكانات السودان ودوره الاقليمى  ومكانة الصين عالميا الى جانب تعظيمهما لمصالحهما دون قيود أو ضغوط !. ومدلولات الزيارة تؤكد بجلاء صدقية وبعد توجاهتنا ازاء هذه الدولة الفتية مبكرا!. والمغازى من تفضيل الصين على الغرب والولايات المتحدة فى التعامل تثبت بجاعتها اذا ما عددنا الصعوبات التى واجهتنا فى الحوارات التى دارت بين الخرطوم وواشنطون لآكثر من عقد من الزمان وسيل المبعوثين الخاصين الذين استقلبناهم من قبل أمريكا وما جرى من نقاشات خاطبت كل مشاغل الادارات الأمريكية المتعاقبة ، وبرغم ذلك ظل السودان يواجه الحصار والتضييق من قبل أمريكا حتى بلغ عدائها المباشر قصف مصنع الشفاء للأدوية بدعاوى وهمية فى العام 1998 م ، وان السودان ما يزال على قائمة الدول الراعية للارهاب الى جانب العقوبات الاقتصادية والقوانين والأوامر الرئاسية التى صممت لاضعاف السودان وتقزيم دوره فى محيطه ، اضافة الى الأزمات التى خلقتها واشنطون باتجاه السودان بما فيها المحكمة الجنائية الدولية والعمل السياسى والاعلامى المفضوح الذى يقوم به مدعيها المدعو أوكامبو بعيدا عن القانون الدولى ومطلوبات العدالة  !.  الى جانب وقوفها خلف القرارات الدولية الجائرة التى تصدر ضد السودان ، وهى غير أبهة بسجلها القمىء فى كل من الصومال والعراق وأفغانستان وتجاوزها لكل الأعراف والقوانين المعنية بحقوق الانسان وانتهاكاتها الممنهجة والمشهودة عالميا  . والذى ينظر فى العلاقة مع واشنطون يجد مرارة التجربة والابتزاز  مع دولة لا تراعى التزاماتها ولا تفى بوعودها الا بقدر ما يحقق مصالحها وأن سياساتها لا تعرف الحياد والنزاهة ، لذلك كان طبيعيا أن يتجه السودان الى اقامة شراكات اقتصادية وسياسية مع الدول التى تحترم كينونته وتقدر دور قيادته ومن هنا يجىء ازدهار علاقتنا بالصين وايران على النحول الذى جعل هذه الدول تدعوا البشير فى هذا الظرف وتحتفى به  . ونقول للمشفقين من أحباب البشير ومؤسدوه أن زيارات الرئيس  الخارجية لا ترمى الى تحد جهات أو دول بعينها  بقدر حتى وان نظر لها أعدائنا على هذا النحو ، وانما هى تأتى فى سياق مسئولياته الوطنية والدستورية فى تمثيل شعبه وتحقيق تطلعات أمته عبر التواصل مع العالم المتحضر والمتحرر من روح الهيمنة والصلف والامبريالية ، دون أن نلتفت الى ترهات هذه المؤسسات المسماة دولية وهى قد أنشئت خصيصا لأجل تحقيق مصالح دول ودوائر ولونيات بعينها خاصة الانسان الأبيض على حساب انسان افريقيا والمسلمين بتيارهم الكاسح عالميا !. فالمحكمة الدولية لها مسار مخطط ومؤامرة مرسومة وعملها ترافق مع تشويه سمعة البلاد ورئيسها وتوجهاتنا والدفع نحو فتنة داخلية ، وهى لن تقف عند السودان كما هى الشواهد الآن باتجاه لبنان وحزب الله وليبيا وسوريا وغدا اليمن وغيرها، لأن هدفها سياسى واضح لا يمكن لها ان تحقق مع اسرائيل ولا يفترض أن تكون الدولة العبرية مجرد متهم أو أى من الدول الغربية ، هكذا نقول لطلاب الحقيقة كى يروا مكانهم بعيدا عن لعبة الخداع التى تمارسها أجهزة الاستخبارات الأمريكية والغربية فى آلتها الاعلامية باتجاه شعوبنا ، فهلا تنبهنا !!.

 

آراء