عوالم إفتراضية : أشباح الإنترنت ضد شخوص الواقع … بقلم: محمد عثمان ابراهيم
4 April, 2010
هذا الخميس
mohamedibra@gmail.com
شكراً جزيلاً للأستاذ عادل الباز، الصحفي صاحب المبادرات الكبيرة الخلاقة والكاتب المبدع، على تعريفي لأول مرة بالرفيق (أبوذر). كان أبوذر قد ترك للتو منصبه القيادي الرفيع في الحزب الشيوعي السوداني، والتحق بقائمة المنشقين فكتب عنه الأستاذ الباز مقالاً مطولاً إحتل كامل الصفحة الأولى من صحيفة (سنابل)، التي كانت تصدر في الخرطوم في تسعينات القرن الماضي والتي كان يرأس تحريرها، أطنب فيه الثناء على رفيق الدراسة وصديق العمر، رغم المسارين السياسيين المتوازيين، وعبر عن سعادته بخروج صديقه القديم من غيبة (الإختفاء) إلى الحضور السافر على سطح كوكب الأرض. بعدها لم أقصر في إهتمامي بالرفيق أبي ذر وتابعت حضوره الثقافي والفكري والسياسي الباذخ، حسبما تيسر لي، ولم يخب ظني في مرات كثيرة وأنا أتوسم فيه المعرفة وإن طاش سهمه في مرات أخر.
سيؤسس الرفيق أبوذر مع رفيقه المفكر الراحل الخاتم عدلان- له الرحمة والمغفرة- حركة حق ثم سينشق مرة أخرى عن الحركة الجديدة مؤسساً حركة أخرى ثم سيترك النشاط السياسي الحزبي العلني وسيتفرغ للكتابة الصحفية في صحف عديدة ثم سيترك الكتابة ذاتها (ربما مؤقتاً)، وسنراه في آخر نشاط له وهو يجلس تحت خرقة قماش برتقالية ومنصة أعدت على عجل لمؤتمر صحفي مقام على شرف تعميد صبي يافع في الثامنة عشرة من عمره، كمناضل جديد!
***
كان الحاج ورّاق، وهذا هو اسم الرفيق أبوذر، قد نشط في الآونة الأخيرة ضمن حملات مختلفة من بينها الدفاع عن السياسي المعروف ياسر عرمان إبان الزعم بتعرضه لمحاولة إغتيال عجزت الحركة الشعبية والحكومة السودانية بأجهزتها العديدة على جلي حقيقتها وإبلاغ الشعب بما خلصت إليه تحقيقاتها، ثم في حملة الدفاع عن الصحفية لبنى أحمد أحمد حسين وضمن الأنشطة المؤيدة لتحالف جماعة جوبا. الأستاذ وراق كاتب مجيد مثقف ومدافع بارز عن قيم سياسية وإنسانية رفيعة، لكنه يتحول الآن بسرعة من شخص حقيقي موجود على الأرض إلى شخص إفتراضي في الفضاء الأثيري على شبكة الإنترنت. حتى رأيته في المؤتمر الصحفي الأخير الذي عقد بدار صحيفة (أجراس الحرية) تضامناً مع الشاب المشار إليه، كنت أعتقد أن بين الناس الذين يعيشون في العوالم الإفتراضية (وهذه يدخل فيها الجن والأشباح والمخلوقات الأرواحية ومناضلو الإنترنت)، وبين الناس الذين يعيشون في عالم الواقع ويأكلون الزاد ويشربون ، حوائط تمنع الإختلاط. الآن بدأ هذا الإعتقاد يتداعى عندي إذ تبينت أن الشخص الحقيقي يمكن أن يتحول إلى شخص إفتراضي، لكن الشخص الإفتراضي لا يمكن أن يتحول –بالطبع – إلى شخص حقيقي بسبب غربته وحاجته للكهرباء وللكمبيوتر وللإتصال عبر الإنترنت.
***
ما عدا الإرهابيان أسامة بن لادن ومساعده أيمن الظواهري، لم ينجح أحد في قطع المسافات ذهاباً وإياباً بين العالم الإفتراضي والعالم الواقعي. من مخبأهما السري واصل الرجلان إنتاج الأفلام الوثائقية وإصدار اشرطة الكاسيت وكتابة البيانات وتقديم التحليلات السياسية مثلهما في ذلك مثل أي شخصين إفتراضيين نموذجيين، لكنهما عندما يقررا قطع الصلة بعالم الإفتراض والعودة إلى عالم الواقع فإنهما يوقعان ذلك بأصابع من نار. كل العالم يفضل بقاء هؤلاء في عالم الإنترنت والقنوات الفضائية إلى الأبد لأن بقاءهما هناك يسعد الملايين من سكان الأرض وينثر المرح والحبور بين مواطني العالم. في أحد البرامج الكوميدية الهزلية تم ترشيح بن لادن لجائزة الأوسكار التي تمنح لأفضل الأفلام السينمائية! حين يتحول بن لادن للعيش في عالم الإفتراض يصبح أضحوكة وحين يعود إلى الواقع يشكل حضوره مأساة في غير مكان، أرأيتم؟
لم يتحول الأستاذ وراق بعد إلى مواطن إفتراضي بعد، وإن بدأ في التواصل مع العوالم الإفتراضية، فقد ترك قيادة حزب فيه أعضاء من لحم ودم إلى مؤازرة جماعة يحمل غالب أفرادها اسماء وهمية ويعيشون دورة حياتهم-القصيرة- في منتدى (فيسبوك) على شبكة الإنترنت. ترك القيادي الكبير حزباً كان يمكن أن يجمع الناس بإشارة واحدة وقليل من الجهد والبسالة في شوارع الخرطوم إلى مؤازرة جماعة لن تجتمع- فيزيائياً- إلا يوم الحشر، حيث الجميع ملزم-لا محالة- بالحضور.
ترك جماعة من البشر يحملون أسماء وشهادات ميلاد وأهل وأنصار ويعيشون في حيز مادي من الأرض إلى مؤازرة مجموعة تحمل هوية مصطنعة وتضع صورة مزيفة سواء كانت وردة أم رشاشاً أم مسجداً أم سيارة، وربما وضع البعض صور اشخاص آخرين غادروا هذا العالم إلى الأبد من لدن كارل ماركس وتشي جيفارا وفرانز فانون. بنظرة سريعة لعضوية الجماعة وجدت عضواً إسمه محمد يضع لوحة كارتونية مكان صورته وعضوة إسمها أليشيا تضع وردة برتقالية مكان صورتها وواحدة إسمها نونا تضع صورة الدكتور قرنق وهكذا. بالطبع لا يمكن تصنيف أعضاء الحركة كذكور أو إناث مثلهم في ذلك مثل شخصيات العوالم الإفتراضية كلها.
هذه الجماعة الجديدة والتي تزعم أنها تسعى إلى تغيير النظام في الخرطوم تضم 5787 شخصاً إفتراضياً فقط وهي أقل من حيث العدد من معجبي المطربة نانسي عجاج على نفس الفضاء الإفتراضي في فيسبوك. يبلغ عدد أعضاء مجموعة نانسي عجاج 6988 أي ما يقل بإثني عشر شخصاً فقط عن السبعة آلاف. إن مجموعة معجبي الفنانة الراقية نانسي أحق بادعاء تغيير النظام من تلك الجماعة البرتقالية.
***
من خلال متابعتي للمتوفر من ذلك المؤتمر الصحفي وبالنظر إلى جملة من أدبيات ولافتات وشعارات الحركة إياها، تبينت بعضاً مهماً من التحولات الكبرى التي طرأت على نظام الخطاب السوداني، وطريقة الشباب في التعبير عن أنفسهم باستخدام مفردات تغلب عليها الإستعارات، واستخدام عبارات عابرة للنوع بحيث يمكن استخدامها عند الرجال والنساء على مستوى متساو ودون قيود مثل شعار يقول (أتعبتوا قلوبنا)!
خلال المؤتمر الصحفي استغربت لإشارة الشاب المتحدث الرئيسي لبعض الناس بعبارة (الكائنات). ومفردة الكائنات هي مفردة تم انتزاعها من قاموس اللغة العربية لترد في مقام الإشارة للبشر في سياق التقليل من الشأن والإحتقار دون أي مسوغات أو حيثيات دلالية. هذا الجانب من التطور اللغوي جدير بالتأمل إذا خرجنا قليلاً عن سياق هذه المقالة، ويعتمد في الغالب على التقاط العوام لبعض المفردات التي تتعامل بها النخبة ثم يتم الطرق عليها واستخدامها بطريقة مكثفة طمعاً في فلاح التشبه بالنخب. ومن ضمن المفردات المبتذلة من كثرة الإستخدام مفردة (إندياح) و(بوح) و(نوعي) التي كتب عنها مرة أستاذنا مصطفى عبدالعزيز البطل، وفي الآونة الأخيرة برزت عبارة (مثقف عضوي) التي باتت تلصق بأي مجتهد أو محظي دون التأمل في أصل المصطلح الذي سكه للمرة الأولي الماركسي الإيطالي أنطونيو غرامشي. على كل فإن أكثر ما استغربت له هو إشارة الأستاذ الحاج ورّاق الى الرئيس باسم (عمر حسن أحمد) ولست أدري ما هي الحكمة في نزع إسم جد الرئيس (البشير) واسم شهرته؟ وإلى أي مدى يمكن أن يخدم هذا (النزع) قضية المعارضة وإسقاط المؤتمر الوطني والتحول الديمقراطي؟
***
لدي انتقادات كثيرة لتلك الحركة أولها متعلق باسم (قرفنا) الذي يعني (أصبنا بالتقزز) أو ما شابه، وهو إسم يعبر عن موقف عبثي لا يستحق تكوين حركة سياسية أو إجتماعية، فكونك أصبت بالتقزز من شيء ما فهذا موقف غير سياسي، كما إن المفردة تعبر عن تطلعات طبقة إقتصادية وإجتماعية معينة تستأثر بحق القرف إزاء طبقات أخرى تدافع عن مصالح سياسية حقيقية برفضها أو تأييدها للنظام. للتدليل على انتماء المفردة الى طبقة ذات قدرات معينة أود الإشارة هنا إلى مسرحية عادل إمام الشهيرة (الواد سيد الشغال)، ففي مشهد من المسرحية تخلص البطل من ملابس الشغالين وارتدى روباً (برتقالياً للمصادفة) وتقمص شخصية الدبلوماسي الرفيع زوج إبنة صاحب المنزل الثري الذي يعمل فيه ثم حاول الحديث إلى أحد ضيوف العائلة الأثرياء بطريقة أولاد الذوات الأثرياء فقال له "...عشان أنا بقرف..أنا نفساويتي منقرفة.. تصور مرة بفتح بطيخة لقيت فيها حبات سودة سودة.. قرفت أوي أوي، ومرة باكل منقاية لقيت فيها حبة كبيرة أغمن (أغمي) علىَ على طول"! المسرحية فكهة وساخرة بالطبع وتكشف عجز الفقراء عن الانتماء للعالم الأرستقراطي دون معوقات وأعتقد أن حركة (قرفنا) هذه تعاني نفس المشكلة، إذ سيصعب عليها التحول إلى حركة شبابية جماهيرية ينتمي إليها أبناء الفقراء ممن لا يملكون كهرباء مستقرة الإمداد، وأجهزة كمبيوتر، وإتصال بشبكة الإنترنت، وحسابات خاصة على موقع (فيسبوك).
لكن بغض النظر عن السلبيات والإنتقادات فإن تشكيل أي حركة مدنية ذات تمثيل وفعالية –ضعيفة كانت أم قوية- يدفع للتفاؤل في بلد إعتادت منذ خمسين عاماً أو يزيد على تسوية إختلافات أبنائها عبر وسائل تعتمد على العنف وتبادل القهر.
كشف تشكيل هذه الحركة المعزولة –بطبيعة تكوينها ونوعية المنتمين إليها- عن أزمة القوى المعارضة إذ ما إن اسفر هؤلاء الشباب عن وجه حركتهم هذه إلا واندفع عدد من الشخصيات الإفتراضية لمؤازرتها والتشبث بها تشبث المنقطع في الصحراء بالسراب. رأى البعض فيها- يا لرقة حالهم!- مخلصاً جديداً يقيهم شر الأحزاب السياسية والقيادات المتكلسة الأعضاء على مقاعد (سلطة المعارضة) العصية على الإصلاح الديمقراطي هي الأخرى. أكثر ما يمكن ان يسر هذه الحكومة هو إن ملتقى أيوا الذي يضم عدداً كبيراً من الشخصيات الإفتراضية قد بث خبراً –عبر أحد منسوبيه- يقول بأن الملتقى تدارس أمر تقديم الدعم والمساعدة للجماعة الشابة. بالطبع سيسعد الحكومة جداً أن تنتقل معارضتها من بوابة الفعل السياسي إلى بوابة الهتافات المدوزنة في الأسواق. ستسعد الحكومة لا محالة وهي ترى أن معارضيها يتخفون وراء ظهر شبيبة تسلي الناس في الأسواق شعراً، بأن بقاء هذه الحكومة قد "أوجع قلبها" وزاد من سأمها وأنها تحب أن ترى وجوهاً جديدة تذهب عنها السأم ووجع القلب، وربما طالبوا بحكومة تسر القلب والخاطر والعين.
***
تصعب بشكل كبير الإحاطة أو حتى تقديم أمثلة كافية للمواطنين الإفتراضيين المقيمين بصورة دائمة في شبكة الإنترنت بحيث يصعب التواصل معهم أو نقلهم خارجها. هؤلاء في تقديري نمو طبيعي لمن كانوا يعتمدون في السابق على العيش في نشرة أخبار البي بي سي حتى قيل في وصف وقع الأحداث عليهم (إذا لم تذعها البي بي سي فهي لم تحدث If it’s not on the BBC, It didn’t happen) بمعنى أنهم لا يصدقون حدوث الواقعة إلا إذا أذاعتها البي بي سي، أما إذا لم تذعها فهي في حكم العدم. هناك جيل موازٍ أو لاحق كان يعتمد على الصحف حتى صارت مقولة " نشروه في الجرايد" دلالة على الصدقية. الآن يعيش البعض على شبكة الإنترنت كما لو كان العالم كله هناك، فعلى الشبكة يتم تبادل التهاني وإقامة مجالس العزاء ومكالم النميمة، وعلى الشبكة ذاتها تدور المعارك ويتم تبادل الشتائم، وتنطلق التظاهرات ولا تكف الحناجر الإسفيرية عن الهتاف. بهذا الشكل تتحول الإنترنت من معين على الإقامة والحياة في عالم الواقع إلى بديل عن الحياة نفسها والواقع وهذه هي الخطورة.
متطلبات الإقامة على الإنترنت بالنسبة لكثير من المهاجرين أيسر من الإقامة في على كوكب الأرض في بلاد السودان بسبب إرتباطات الكسب والمعاش والأسر والأبناء والدراسة وهلمجرا. هكذا يحاول الكثيرون التعويض عن غيابهم الفيزيائي عن ارض الوطن بالحضور الأثيري على شبكة الإنترنت. غالب الذين هاجروا من السودان لم يكونوا راضين عن نظام الحكم القائم وتوقف الزمان عندهم في تلك النقطة فما انفكوا يعارضون. هم يعارضون في عالم الإفتراض والحكومة ما تزال موجودة في الواقع لكن أخطر ما في الأمر هو الخلط الجديد ما بين الحكومة والوطن.
بالطبع يستطيع أي شخص حقيقي شاء التحول إلى شخص إفتراضي أن ينشيء جماعة إفتراضية وموقعاً على شبكة الإنترنت يزعم فيه أنه يدافع من خلاله عن الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان فيما هو يقيم في الواقع دكتاتوتورية إفتراضية تهدر أول ما تهدر الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان. في ذهني موقع إفتراضي سوداني يهدر ضمن ما يهدر أيضاً فضيلة الحوار السلمي، ويسوق الحوارات الثقافية والفكرية –قسراً- إلى حيث يمكن لها أن تتحول إلى معارك مشينة ودامية. هذا الموقع الإفتراضي يتحول الآن شيئاً فشيئاً إلى صالة (جيمنازيوم) إفتراضية، يقوم فيها بعض الكتاب وأتباعهم من الغاوين بتفريغ طاقات العنف الكامنة فيهم من خلال التورط في معارك عبثية، تتوفر للتحكيم فيها وسوقها نحو غاياتها الأكثر ضراوة وعنفا سيدة الموقع المعني ذاتها وسلاحها القاهر دائماً في حث المشاركين على التحاور بوسائل شريرة هو وصمها للمشاركين المهذبين السلميين بعدم الشجاعة ومسك العصا من المنتصف وما شابه! نعم.
***
الآن اضحت الإساءة للوطن وللمواطنين مرادف طبيعي –عند نماذج كثيرة- للإساءة للحكومة. يكتب أحدهم "أن الحكومة تطبق الشريعة لكن مواطني حلايب يشربون الخمور التي لا تخلو منها أي مناسبة من مناسباتهم" هكذا! . الرجل يعتقد أنه يسيء للحكومة وأنه يعايرها بعجزها عن تطبيق الشريعة في المثلث المتنازع عليه لكنه يسيء –من حيث يدري ولا يدري- للأبرار الكرام المقيمين هناك ولمن لا يعرف أهل حلايب فقد فاته التعرف على كرم وشهامة وأصالة وحسن خلق يندر أن يكون له مثيل بين الناس قاطبة.
واحد يريد أن يسيء للحكومة عبر انتقاد سياسة التعليم العالي فيصف المؤسسات الجامعية بأنها صارت أوكاراً للجريمة والمخدرات والدعارة والعراك بالمطاوي. هنا يسيء هذا الكاتب إلى عشرات الآلاف من الطلاب الأذكياء والأنقياء والشرفاء والفقراء أيضاً الذين يحلمون باكتساب علم ينفعهم من أجل مستقبل ينتفع به أهلهم والوطن. ما ذنبهم إن لم تنجح الدولة في تأسيس جامعات بمستوى جامعات أوروبا والعالم العربي وأمريكا؟ ولماذا يتم أخذهم بجريرة لم يرتكبونها؟
كم مرة قرأنا انطباعات لأشخاص إفتراضيين زاروا السودان ثم عادوا يسيئون إلى أهله بحجة المعارضة ولن أسقط في مستنقع الإتيان بأمثلة لكن، في تقديري، وقد كتبت هذا مرة في أحد المنتديات على شبكة الإنترنت، إن الخلط بين الإساءة للوطن والإساءة للمواطن أمر متعمد عند الكثيرين ممن عجزوا عن التواؤم مع مقتضيات العيش في المهاجر الجديدة . صحيح أن الكثير من المهاجرين نجحوا في تحقيق نجاحات أكاديمية وإقتصادية ومهنية في أوطانهم الجديدة، ولكن هناك من عجزوا عن بلوغ مثل هذه النجاحات فلم يتمكنوا من اكتساب لغات المهجر ولم يندمجوا في العيش وفق إيقاع مجتمعاتهم الجديدة، وفشلوا في الحصول على وظائف رفيعة أو مكاسب إقتصادية كانوا يشتهونها. هؤلاء في الغالب يتحولون إلى كائنات إفتراضية تنهش من لحم الوطن والمواطن بذريعة معارضة الحكومة التي يحملونها مسئولية عجزهم. تجد البعض يعملون في مهن مختلفة وغالبها ليست مهناً رفيعة في الواقع لكنهم يؤسسون إتحادات وهمية في العالم الإفتراضي مثل جمعية الأطباء في بوسطن مثلا أو جمعية الصحفيين في ترينيداد أو إتحاد المحامين في سكسونيا السفلى! هذه الأمثلة لجمعيات غير حقيقية قصدت بها تفادي الإشارة إلى جمعيات واتحادات ذات اسماء محددة ومنتشرة في الكون الإفتراضي.
***
على كل يصعب وضع نقطة نهائية على سطر هذا المقال، لكن ربما كان فيما كتبنا دعوة لسكان العالم الإفتراضي لترك محاولة إصلاح الحياة في الواقع وإلا فإن أول شروط إصلاح الواقع هو الإنتماء إليه.
(صاحب نشر النسخة الأولى من هذا المقال في صحيفة وموقع (الرأي العام) أخطاء طباعية تم تصحيحها في هذه النسخة)