غياب مفهوم ثورة الديمقراطية.. الواثق كمير العمامة والأفندي

 


 

طاهر عمر
29 September, 2022

 

يعتبر عالم الاجتماع العراقي فالح عبد الجبار واحد من المهتمين بمسألة التحول الديمقراطي وله محاولات جبارة في تقديمه ما يفيد في مسألة فك الارتباط مع قيم تقليدية قد أقعدت مجتمعات العالم الثالث و أخّرتها عن اللحاق بمواكب الانسانية و في مقدمتهم النخب التي إلتبس عليها الحال. عندما تقرأ كتبه عن حال الفكر في العراق كأنك تقرأه يكتب عن حال السودان و نخبه الغائصة في وحل الفكر الديني و لم تعرف منه فكاك.
من كتبه التي تتحدث عن العراق و نخبه و نجدها كأنها تسرد حال النخب السودانية كتابه العمامة و الأفندي و نجده عبر كتابه يشرح لنا كيف كان الأفندي عاجز من أن يخرج من معطف رجل الدين و يواجه مشاكل عصرنا الحديث بفكر يستطيع أن يقارب به مشاكل العصر الحديث.
عجز النخب و عدم مقدرتها الخروج من إنكفاءها و تدثرها بمعطف رجال الدين قد أخر إمكانية النقلات النوعية في مستوى الفكر التي يحتاجها مجتمع تقليدي في أشد الحوجة لمفارقة عقله الجمعي التقليدي و هذا لا يكون بغير طفرة هائلة فيما يتعلق بتحول المفاهيم كما حدث في المجتمعات الحية و كيف صاحبت التحولات الهائلة في المفاهيم لميلاد فكر جديد يتحدث عن المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد و تعتبر نقلة ترفع الفكر الليبرالي الى مستوى يمكن أن يوصف بأنه ثورة الديمقراطية.
فالح عبد الجبار في كتابه العمامة و الأفندي تجده مهتم بكيفية إرتقاء الأفندي بفكره و خروجه من معطف رجل الدين و خاصة في مجتمعات هياكلها الاجتماعية هشة التركيب كحال السودان لهذا قلنا كأنه يكتب عن واقع السودان حيث ما زالت النخب السودانية تجسد عنوان كتاب فالح عبد الجبار العمامة و الأفندي.
لفالح عبد الجبار أيضا كتاب آخر بعنوان الديمقراطية المستحيلة الديمقراطية الممكنة و هو كتاب منشور قبل كتاب المرحوم عبد العزيز حسين الصاوي بما يزيد عن العقد من الزمن و كتاب الصاوي بعنوان الديمقراطية المستحيلة لاحظ التشابه الى درجة يتطابق فيها عنوان الكتاب مع حذف جزءه الاخير الديمقراطية الممكنة من عنوان فالح عبد الجبار.
ما دعاني لكتابة هذا المقال ما نشره المحترم الواثق كمير بعنوان وحدة الاتحاديين.. لم يكتمل العقد بعد و هو في هذا المقال لم يطل كنجم البشارة أي بأن يبشرنا بميلاد زمن جديد يطوي حقبة الأفندي و العمامة في السودان بل يعيدها سيرتها الاولى. الغريب نجد أن الواثق كمير في مقاله يصر بأن وحدة أفندية الاتحاديين لا يمكن أن تكون بغير أن تجمعهم العمامة صرة في خيط كأنهم فريني زمان أبو قرشين الصغيرون و لا يمكن المحافظة عليه غير أن يكون صرة في خيط عمامة مولانا الطائفية.
ما يحزن أن مقال الواثق كمير ذو علاقة عكسية مع ما ينطوي عليه كتاب العمامة و الأفندي لفالح عبد الجبار و كيف يحاول فيه كيف يفك الأفندي إرتباطه مع عمامة مولانا و المرشد و الامام و هم عندنا أتباع أحزاب الطائفية و الكيزان؟ في كتب فالح عبد الجبار تجده عندما يتحدث عن التحول الديمقراطي يدرك بأن الديمقراطية ثورة خفية كما تحدث عنها فلاسفة و علماء إجتماع و كيف أنها أبنة القيم و التشريعات و القوانيين التي قد جعلت من التطور الهائل في التحول في المفاهيم أن تصل الديمقراطية الى مستوى نضج العقل البشري و قدرته في إدارة و تحليل الظواهر الاجتماعية حيث أصبحت فيه الديمقراطية بديلا عن وحل الفكر الديني.
لا أعرف كيف فات على الواثق كمير أن الديمقراطية كثورة قد أصبحت بديلا للفكر الديني في زمن مجد العقلانية و إبداع العقل البشري. الواثق كمير في مقاله نجده يجدد ميثاق النخب السودانية و عهودها و إرتباط الأفندي السوداني بعمامة رجال الدين و هذا يعاكس جهود فالح عبد الجبار في محاولاته كيف يتم التحول الديمقراطي و خاصة في ظل مجتمعات تقليدية تمتاز بأنها أكثر مقاومة لأفكار الحداثة و المضني للنفس عندما نجد كاتب بقامة الواثق كمير يقف في محطة تأبيد فكر العمامة و الأفندي.
الواثق كمير في مقاله الأخير يجدد لنا مذاق خيبة الامل في النخب السودانية و يذكرنا كيف تندفع النخب السودانية في تأبيد علاقة الأفندي بعمامة رجال الدين و هنا لا أريد الحديث عن أتباع المرشد و كيف قد رأينا تجربتهم الفاشلة لمدة ثلاثة عقود من حكم الكيزان و قد رأيناها قد ملأت الساحة بمن يظن أنه مفكر اسلامي كفيلسوف الانقاذ الخايب أمين حسن عمر و علاقة الكيزان بعمامة مرشدهم الترابي و فشلهم الذي قد وضعهم في خانة العدميين أعداء الاشراق و الوضوح هذا المشهد الكالح وحده كان كفيل بأن يمنع الواثق كمير من أن ينزل و يغوص في وحل علاقة الأفندي و العمامة و ينادي بحضور بيت الطائفية كهالة نور تبارك اتحاد أفندية الاتحاديين.
ربما يكون الواثق كمير قد تملكت لا شعوره شخصية قصّاص الأثر ليسير كالسائر في نومه خلف كل من كمال الجزولي و الحاج وراق و من خلفهم أفندية جامعة الأحفاد في تخليد فكر الامام الصادق المهدي و تبقى حكاية الأفندي السوداني و عمامة رجال الدين عروة وثقى لا فكاك منها و هذا يمحق فكرهم و حديثهم عن التحول الديمقراطي و يوضح أن أفقهم يغيب عنه مفهوم التحول الاجتماعي الذي يقود الى التحول الديمقراطي و لا يكون التحول الاجتماعي و قد غابت جهودهم التي تساهم في رفع مستوى الوعي الذي يكشف لنا إمكانية مفارقة العقل الجمعي التقليدي.
و لا يكون ذلك باليسير أي مفارقة العقل الجمعي التقليدي في ظل إصرار أمثال الواثق كمير على العروة الوثقة التي لا إنفصام لها ما بين الأفندي و العمامة و لكننا نذكر الواثق كمير بأن إنفصام عروة الأفندي و العمامة قد تم بكل سهولة و يسر في المجتمعات الحية عندما كان المفكر منتصر للحياة. عندما أيقن المفكر أن الحديث عن المساواة و الحديث عن التسامح يكون نتاج عقلنا البشري و هذا ما يجعلنا نفارق محطات المرشد و مولانا و الامام بلا خوف و لا وجل لأن عقلنا البشري قد وصل لدرجة من النضوج وفقا لتجربة الانسان و ضمير الوجود لا تجعلنا في حوجة لكهنة و رجال دين حيث أصبحت العلاقة بين الفرد و ربه علاقة مباشرة توضح عقلانية و أخلاقية الفرد.
و كذلك نقول للواثق كمير لا يحتاج الأفندي السوداني لوسيط كعمامة رجال الدين لكي تصبح عروة وثقى تربط الأفندي برجل الدين في زمن قد أصبحت فيه الديمقراطية ثورة إلا أنها تحتاج للمفكر الحصيف الذي يستطيع أن ييقن بأن مسألة وصول مجتمعنا التقليدي الى مستوى المجتمعات الحية لا شك فيها إلا أنها تحتاج لشخصيات تاريخية تعرف كيف تؤسس لفكر يفارق عقلنا الجمعي التقليدي و الجميل أن تاريخ البشرية ملئ بتاريخ الشخصيات التاريخية و كيف يوضح لنا طريق الانسانية التاريخية و الانسان التاريخ و قطعا أنه طريق يفارقه مقال الواثق كمير و هو يصر على ديمومة العلاقة ما بين الأفندي و العمامة و في نفس الوقت يعشم في تحول ديمقراطي في ظل علاقة أبدية ما بين العمامة و الأفندي و هذا ما يحزن.

taheromer86@yahoo.com
//////////////////////////

 

آراء