غُصَص أم روّابة وأم دوم

 


 

 


كيف لا

كيف لا يفجع مواطن سوداني بمصيبة أم روابة ونحن ما فتئنا يهدُّ ظهورنا ثقل الآلام وتطوق أعناقنا دماء الضحايا هنا وهناك . ما زلنا نترقب بحذر صدور البيانات من الطرفين وكلها تتحدث عن النصر ودحر الآخر، والأمر في حقيقته هزيمة نكراء . هزمت الجبهة الثورية نفسها وشعاراتها التي نادت بها من أجل حقوق أهل الهامش وكرامتهم حين استجمعت قواتها ودخلت المدينة الآمنة ، ولم تكسب غير استعداء آخر تضمه إلى سجلها ، لا يشفع معه شعارها برعاية حقوق الهامش واستعراض قواتها وعتادها  .
وهزمت الحكومة نفسها حين لم تحرس سور المدينة ولم تستطلع براداراتها ما لم تعجز عن رؤيته زرقاء اليمامة لو كانت موجودة في شمال كردفان ، فطبيعة المنطقة سهول رملية منبسطة  لا تعجز عن أن ترى من على البعد شجراً يسير .
دخلت القوة المهاجمة مدينة أم روابة بحوالي "60" لاندكروزر مدججة بأفراد وعتاد وأسلحة أثارت الرعب في قلوب الأهالي الآمنين الذين لم يسبق أن تعرضوا لهجوم مسلح من قبل ففرّ منهم من فرّ وبقي من بقي يشل الفزع تفكيره وما سيكون عليه مصيره ومصير أبنائه . حذرت قوات الجبهة الثورية المسلحة  المواطنين من الاقتراب لأنها ليست ضدهم بل ضد الحكومة ، ولكنها في النهاية قتلت 10 أشخاص على الأقل بينهم 7 من الشرطة حسب تصريحات معتمد محلية أم روابة ، واتخذت المواطنين في ميدان المدينة كدروع بشرية ليسهل لهم نهب البنوك والمحال التجارية .
لا يكفي استنكار الحادثة فقط لأنّ معارضة الحكومة ليست مبرراً لتصفية مواطنين وأفراد من الشرطة يقومون بواجبهم ، كما أنّه ليس هناك من مبرر لعمليات السرقة والنهب على البنوك التي تحوي مدخرات المواطنين .
لا ندري متى تنتهي ازدواجية الحزن والغضب في بلادي . نبكي لأنّ قوات الجبهة الثورية اجتاحت مدينة أم روابة الساكنة وروّعت وقتلت أهلها ، أم نغضب لأنّ اجتياحاً آخر تمّ على مدينة أم دوم شرق النيل وقتلت الشرطة الحامية على إثره الشهيد محمد عبد الباقي .  لم يطلب أهل أم روابة غير الحماية ، وهي نفس الحماية التي لم توفرها قوات الشرطة لأم دوم ليس من بطش عناصرها بالمواطنين فحسب ولكن من حماية المواطنين مما هو أكثر من ذلك بتمليكهم المعلومة .  
وللمفارقة فإنّ أفراد الشرطة الذين تم اغتيالهم على أيادي قوات الجبهة الثورية كانوا عزّلاً حسب ما جاء في صحيفة الصحافة على لسان العقيد علي أحمد ادريس مدير شرطة مرور شمال كردفان . وللمفارقة أيضاً أنّ الصورة هنا مقلوبة لأن السلاح الذي تجردت منه شرطة أم روابة كان حاضراً بيد أفراد شرطة أم دوم ، فأيهما أحق بحماية نفسه ومواطني منطقته ، شرطة أم روابة أم شرطة أم دوم ؟
لا أحد ينكر أن ما تم مأساة بكل تفاصيلها وهي لا تزيد عن مآسي الحروب التي مرت على تاريخ السودان الحديث، ولكنها تتفوق بحجم قتل الغيلة والترويع وما تخبئه أخلاق اجتياح المدن. إنها الفجيعة التي لا يمكن تجاوزها حتى لو نقص الوقت عن التفاوض ، فماذا لو  تفاقم الوضع وبات الأمر أكبر من مبررات قوى الجبهة الثورية . إنّ الأحداث التي وقعت في أم روابة  مع جسامتها وبشاعة صورتها إلا أنها لا تعني إعطاء التبرير لأي من كان أن  يمارس انتقامه  من الحكومة بسفك دماء الأبرياء .
(عن صحيفة الخرطوم)
moaney [moaney15@yahoo.com]

 

آراء