فأل الأحداث

 


 

 

 

ليس أهون من الفأل عند كل حادثة، ولا أيسرها من خصيصة. وليس بالكاد أن يكون التشاؤم مربط الأفراس حين تصفّد الرغائب، وتصتّك الأسنان عند جلل المواقف. إن الأحداث مضطربة، وليس من الحكمة أن نلمسها ملمساً ناعماً. تدور الخطوب على أعقاب بارجة تجوب بمأمنها البحار الزرق. تظن أن العالم آمن، وأن الرضيعة تتغذى من لبن يدوم ضرعه، أو أن الثدي أرحم لراضعه ويحمي من عجائب الدهر و تقلب أحداثه.

إن التفاوض، كجرعة السّم في بطن الدسم. حين تقطع أنت صحارى الآراء المتنافرة، وتجفّ الحلوق. عند مفترق طرقات مفاوضات ( نيفاشا)، عند الذين يؤمنون بالحرية والعدالة من جهة ، ومن لا يعرفون إلا أنهم مالكي الحقيقة، يمثلون وطناً يظنون أنهم يملكونه. إن الحياة رحيبة بالتعدد، ولا شيء يسمى تملك الحقيقة المطلقة. لذلك احتاج المتفاوضون إلى جرعات من التدريب، كي يتعرفوا إلى الآخر الذي يشاركونه الوطن. سوف يتعرفوا على خياراته. وتفهم الجميع طريق الاتفاق.
(2)
من أكبر الأشياء التي تفرق بين المحامي وبين المفاوض أن المحامي لديه زبوناً واحداً، بينما للمفاوض المختص زبونان. للمفاوض شراكة بين المختلفين، ويتعين عليه أن يقوم بتدريب الطرفين أن التفاوض في معناه هو المقدرة على التنازل، وأن الأطراف المتفاوضة إن لم تعي ذلك، فيتعين تدريبها وتأهليها على التفاوض. لكل طرف مفاوض يتعين أن يتكون من خمسة أشخاص، مفوضين ولهم القدرة على الموافقة أو الرفض أو الاتفاق أياً كان. ومن الأهمية بمكان معرفة مصالح الطرف الآخر. ومن الطبيعي التدرب على تخيل المكاسب المحتملة ولا تتخيل سيء النتائج، بعد أن توضح متطلباتك. من المأمول أن تكتب المتطلبات وترتبها وفق الأوليات. وتدوين الاتفاقات وتوقيعها، ومن ثمة تحديد نقاط الخلاف.
(3) طرق التفاوض:
لا تقم بالمفاوضات لوقت يزيد عن الساعتين بدون استراحة. ومن الأهمية بمكان أن تدرس طبيعة الطرف الآخر، وميوله المفاوضون النفسية ورغباتهم. ويتعين تحديد الهدف لكل بند في عبارة واحدة. ومن الأهمية بمكان وضع مخطط للمفاوضات، وأن تناقش كل التفاصيل مع الوفد المشارك في وضوح وشفافية. ومن الأفضل أن يكون التفاوض على النقاط التي لم يتفق عليها سريّة. لأن التعابير والصياغات مهمة في تذليل عقبات التفاوض: ( رفض الاتفاق ) يختلف عن ( عدم التوصل لاتفاق). لتظهر للطرف الآخر أن كل تنازل تقدمه يمثل لك خسارة فادحة. يتعين أن تكون على دراية بأن الطرف الآخر قد يكون لديه جدول أعمال سري. ويتعين أن تتعرف إلى طبيعة شخصيات الطرف الآخر, ولا تترك مائدة التفاوض في حالة غضب مهما كانت الظروف. تدرب على الانصات للطرف الآخر. تمهل قبل الرد أثناء المفاوضات، ويجب اصطحاب كمبيوتر محمول لتساعد في ترتيب نقاط التفاوض. يمكن استخدام روح الدعابة في الوقت المناسب والزمن المناسب، ولا تحاول أن تكون خفيف الظل دون داع. ولا تحاول أبداً إضعاف مكانة الطرف الآخر.

(4)
حافظ علي امتيازاتك إذا فقد الخصم قوته. تجنب التفاوض علي القضايا الأساسية في نهاية اليوم. ابحث باستمرار عن نقاط الضعف في موقف الطرف الآخر. استخدم أسلوب التكرار ولغة الجسد الايجابية لإبراز النقاط الأساسية. ابحث باستمرار عن نقاط الضعف في موقف الطرف الآخر. حافظ علي الاتصال البصري بقوة للتأكد من أن كل تنازل تقدمه يمثل خسارة كبيرة بالنسبة لك. قدم التنازلات في الأمور الصغيرة, لتقلل العناد حول القضية الأساسية. كن واثقاً من نفسك عند ختام المفاوضات, دون أن تبدو عدوانياً. فكر في حلول غير تقليدية لحل الأزمة. اترك الانطباع الأخير طيباً, فربما تكون له نفس دلالة الانطباع الأول.

(5)

ربما يكون كتابة هذا المقال متأخراً بعض الشيء عن الاحداث التي تجري في الساحة، إلا أن المفاوضات حيّة ومستمرة في تنفيذ بنود تفكيك النظام القديم. إلا أن التفاوض لن ينتهي بنهاية الاتفاق على البنود الرئيسة، ولكن التفاوض هو نظام شفاف مستمر، يهدف تذليل العقبات في كل مرحلة من مراحل التنفيذ.

إن المجلس العسكري الانتقالي، يمثل أشخاص متفاوتي الخبرات. وتاريخ بعضهم سري يحوم حوله الغموض، فالمجلس الأربعيني الذي قاد انقلاب 1989، قد تم حلّه بعد انقلاب البشير عام 1999، فكل أولئك كانوا ينتمون للترابي، لذا كان من السهل إحالتهم للتقاعد بعد المفاصلة. ومن تبقى تم إعادة ترتيب أوضاعهم. بعضهم انتموا للمؤتمر الوطني تقيّة، وبعضهم بقي في الحياد السلبي: ينفذ كلما يطلب منه دون أي اعتراض ظاهر. وجزء من الضباط العسكريين من الذين انتموا لكفة انقلاب البشير، وساروا معه خطاه كلها دون اعتراض. ونذكر مقالة عن الأحنف في مجلس معاوية :

{ عندما جمع معاوية بن أبى سفيان أنصاره من أجل أخذ البيعة لابنه يزيد، أيده الجميع وكان أشدهم تأييدا ابن المقفع العذري، الذى أشار بسيفه إلى معاوية وقال: هذا هو الخليفة فإن هلك فهذا، وأشار إلى يزيد، ومن أبى فهذا. وأشار إلى سيفه. فقال له معاوية: اجلس فأنت سيد الخطباء. ثم التفت إلى الأحنف بن قيس سيد بنى تميم قائلا: ما تقول يا أبا بحر، فقال الأحنف: نخافكم إن صدقنا ونخاف الله إن كذبنا، وأنت يا أمير المؤمنين أعلم بيزيد في ليله ونهاره وسره وعلانيته، فإن كنت تعلمه للأمة خيرا فلا تشاور فيه، وإن كنت غير ذلك فلا تزوده الدنيا، وأنت صائر إلى الأخرة}.

عبدالله الشقليني
23 مايو 2019


alshiglini@gmail.com
////////////////////

 

آراء