(1)
أذكر فى عهد صبانا ..بجزيرتنا الساحرة صاى..، كنا نهرع اليها ابان عطلاتنا المدرسية، و حين يصل اليها الراحل محمد ابراهيم شريف يعقوب ( شاطر افندى*)..تتحول ايامنا افراحا ..حيث تتاح لنا فرصة الذهاب الى داره مرحبا بنا ، نجلس متجاورين على الارض، منبهرين بالراديو فيلبس الكبير على منضدة عالية وعلى رأسه بطارية كبيرة، نشنف اذاننا باغان من برنامج ما يطلبه المستمعون او فى ربوع بلادنا ، أو تأخذنا أمواج المذياع الى محطات أخرى نتزود من خلالها باخبار متنوعة ، وحين ننتهى من طوافنا الممتع ، من هذا الجهاز الذى كنا نعتبره من معجزات العلم الحديث انذاك، كنا نكون أسعد للجلوس مع _ شاطر افندى _ يمتعنا بحديثه الشائق عن عالم اللاسلكى الذى برع فى فنياته ، و ينقلنا الى محطات عمل بها، و يحكى لنا عن اسرار تطور محطات الاتصالات . والتى كانت نموذجا فى الاتقان...وحلقة رئيسة لربط بقاع السودان المختلفة بعضها ببعض وايضا مع دول العالم فى الخارج.
(2)
فى ذاك الزمان كان حبيبنا _( فتحى*) صغيرا فى عمره واخوته امال ، وشريف واقبال و شنقيطى ما زالوا فى ميعة الصبا وبعضهم فى مرحلة الطفولة المبكرة ،بينما اخواه صلاح و ابراهيم كانا من زعمائنا فى العمل الطلابى العام.
فتحى شاطر كان صورة طبق الاصل من والده، مهموما بمشاكل وطننا الكبير والصغير ، متتبعا للتطورات التى تحدث على الصعيد المحلى والعام، و ينفعل بالقضايا المتعلقة بتطوير جزيرتنا الساحرة صاى ، لا يتردد من المشاركة فى كل ما يتعلق من فعاليات تقام من اجل تنميتها.
(3)
كان بيته مفتوحا ابان ايام عمله بدولة الامارات العربية المتحدة لكل الاهل والاحباب تساعده رفيقة دربه ابتسام دياب...و قد عبر عن هذه الخصال شقيقى عبد الله الذى عاش معه فى بلاد الغربة قائلا :_ وداعا الصديق الحبيب فتحى شاطر ، كنت نسمة عليلة امتعتنا سنوات عمرنا ، و ستظل ذكراك تعطر أيامنا بكل ماهو جميل، الهمة ، الرجولة ، المواقف النبيلة، الكرم ، البشاشة، حب الناس ، اكرام الضيف الخ الخ من الصفات المحمودة والاصيلة والخلق العظيم، و اخال ان عبد الله عبر عن مشاعر ابنائنا و بناتنا الالى عاشوا هناك فى الغربة التى تبان فيها معادن الناس.
(4)
فى يوم من الايام أتانى صوته من ساى دفى وهو بالقرب من متحف الاثار هناك..متهللا بأن شيئا هاما يحدث بالجزيرة ، وكادت العبرة تخنقه وهو بجوار منزل خليل فرح بساب ، يقول بحماس علينا أن نتكاتف سويا لنجعل صاى نموذجا يحتذى فى التنمية ، شخص بهذا الهم الكبير بالشأن العام جدير بأن نذكره بكل التقدير والاجلال.
فى حديث لى معه أشرت اليه ان والده الراحل كان من أكبر الدعاة .. لانشاء مطار عبرى ، و بذل فى هذا المجال جهدا كبيرا، ووجدته ملما بتلك المجاهدات التى
بذلها لانجاز ذاك الحلم ، مضيفا ان والده الراحل كانت نظرته الثاقبة تقول بأن بلادنا فى أرض الشمال معزولة والوصول اليها انذاك محفوف بكثير من العقبات والمتاعب ، و كانت دعوته ان تهبط الطائرة التى تصل لدنقلا لعبرى، و نظرته الواقعية كانت تشير بأن وجود مطار بعبرى سيجعل الوصول اليها سهلا حتى من طيورنا المهاجرة فى بلاد الخليج و غيرها ، ، ثم ان المنشأت التى تقام حول المطار ستحدث حركة تنمية فى مجالات عدة ، اضافة لامكانية وصول الامدادات الضرورية من ادوية وغيرها للمنطقة بسهولة ويسر..، و ذكرت له اننى كنت من المتحمسين لهذه الفكرة ابان عملى مساعدا للمحافظ بالمنطقة الشمالية لنحصر مطالبنا فى هذا المجال الذى يحتاج الى قرار ادارى لا يكلف مالا رغم بروز اعتراضات من بعض المتصدرين للعمل العام بحجة انه مطلب يلبى مطالب فئات معينة، نافيين انه مطلب سيلبى مطالب كل قطاعات الشعب فى مجالات عدة ، كان فتحى متمشيا مع رؤية والده الراحل ناذرا نفسه للعمل فى تحقيق ما يمكن انجازه لتنمية المنطقة.
(5)
فى اخر لقاء لى معه فى مناسبة عقد زواج أصر على اعطائى نسخة من كتاب خاله الراحل استاذ الاجيال شريف أحمد حاطر الذى صدر تحت عنوان _( لمحات من سيرتى ) كان ذلك فى العشرين من ينائر الماضى ، ولم اره بعد ذلك ليدوم التواصل بيننا عبر الهاتف.
رحل فتحى واختطفه الموت ..منا .. فى غمضة عين ، وغول المنايا انشب اظافره القاسية جراء فيروس فتاك هبط على كوكبنا دون ان ندرى كيف يهاجم ومن يهاجم !!! و لماذا يهاجم ! .
قبل يومين من نبأ رحيله أخطرنى الصديق محمد حسن طه شريف ان هناك ارهاصات تحسن فى صحة فتحى بمشفى رويال كير ، و منيت نفسى ان اراه فى داره العامرة بالدروشاب .. ليحكى لى عن تجربته مع هذا الداء اللعين… وبينما اتصفح اسافير هذا الزمن العجيب قرأت نبأ رحيل فتحى واعدت القراءة اساءل نفسى يا ترى هل ما اقرأه صحيح__نعم أجاب الاخ محمد ….خطف الموت فتحى شاطر رحمه الله بقدر عطائه ووفائه للاخرين واخلاصه ونبتهل الى الله عز وجل ان يلهم زوجه وانجاله واخوته الصبر الجميل و ما المنايا انها اقدارنا و بشر الصابرين.
salahmsai@hotmail.com