فقر الفكر والممارسة

 


 

عمر العمر
4 February, 2024

 

بقلم عمر العمر

لاحتراب عسكر الانقاذ على السلطة مبررات من الممكن تسويقها. لكن انقسام المثقفين المنغمسين في الشأن السياسي تجاه إطفاء نار الحرب يفضح قصوراً في الرؤى من الصعب استيعابه ،خاصة في ظل تدهور حال الدولة واستفحال معاناة الشعب . هذا القصور يشكل في الواقع أبرز عناصر اتساع رقعة الحرب زمانا ومكانا.فما كان لعسكر الانقاذ مواصلة رمي الشعب في أتون هذه المحنة قرابة العام لو لا انزلاق المثقفين في وحل الإنتماءات الضيقة. فحين تتعلق المسألة بمصير شعب ومستقبل دولة على المثقفين النهوض بمهمةالإنحياز للحق أولاً عبر التبصير بالحقائق والمخاطر خاصة فيما يختص بانتهاك حقوق الإنسان وفق رؤية المفكر الاميركي نعوم تشومسكي.لا استثناء في ذلك حتى للمثقفين المدجنين من قبل النظام.
*****
محنة هذه الفئات المستنيرة لا تنبع فقط من الانغلاق داخل الانتماءات الضيقة على حساب المصالح الوطنية العليا ، بل كذلك ارتكازها على فهم سياسي خاطئ معزز بالممارسة. فتاريخنا يثبت قناعة، بل خطيئة ، مثقفينا الراسخة بأن السلطة لا يتم فقط انتزاعها بالعنف عنوة بل كذلك يجري احتكارها بالقوة تكريسا.هذه القناعة الخطيئة تؤجج الانقسام ازاء قضية اسكات الحرب من منطلق رؤية خاطئة. فالمنقسمون يرون في تفوق أي الطرفين عسكريا انتصارا حاسما لقضية الصراع على السلطة.هذا الفهم الخاطئ يوازي في الواقع فهم طرفي الاقتتال القاصر عند إشعال نار الحرب.فبغض النظر عمّن أشعلها فقد خاضاها معا بقناعة قدرة كلٍّ منهما على تحقيق فوز عاجل وحاسم.
*****
في الحالتين ؛العسكر عند إشعال الحرب والساسة بعد إخمادها يسقط الفرقاء قوى الشعب والثورة من حساباتهم .فعندما تسكت المدافع، تسكن المسيّرات وتكف القاصفات لن تهدأ ذاكرة الجماهير المثخنة بعذابات لم تكن لترد في الخيال،المشرّبة بغبار التدمير العشوائي الأحمق.ففصول الحرب الرعناء تجعل من الغباء الاصطفاف إلى أيٍّ من أطرافها بغية استمرارها وصولا لنصر متوهّم. فالمؤسسة العسكرية أثبتت اخفاقها مرات فأصابت المواطنين بالاحباط. الجنجويد ارتكب فظائع موجعات. فالميليشيا أتخمت صدور الشعب بصنوف الإستعلاء الإثني الوهمي فأغرقت الوطن في مستنقع الكراهية.
*****
كيفما جاءت نهاية هذه الفصول الدامية فلن يغفر الشعب ذنوب قادتها الآثمين.من ثم يصبح تقبل عودتهم إلى دائرة صنع الفعل السياسي قضية مستحيلة طالما ظل الشعب يتمتع بذاكرته وقواه العقلية. صحيح تظل العملية السياسية رهينة لموازين القوى .لكن مرحلة مابعد الحرب لن ترتكز على القوة العسكرية. حينها ستدرك كل القيادات المتورطة في جريمة الحرب القذرة حتما أنها أطلقت النار على اقدامها. بل هي ظلت طوال الحرب تمارس عملية انتحار سياسي بطيئة.من المحزن وجود فئة إعلامية ضالة تجنح في سياق انحيازاتها الضيقة الخاطئة حد مساواة تجريم الجلاد والضحية.تلك معادلة لا تتسق منطقيا حتى عندما يبدو طرفاها متسربلين بالشر. فهناك فارق -مثلا-بين جورج بوش الابن وبن لادن.كما لاتوازي شرور الصهيوني بن غفير عنف الفلسطيني يحيى السنوار.
*****
على نار هذه الحرب تجري عملية طهي هادئة لإنضاج قيادات جديدة ستهض بمهام إعادة بناء الدولة والإعمار.تلك عملية مخاض قد تبدو عسيرة لكنها ليست مستحيلة.فالقيادات الجديدة لديها استعداد شبه فطري للتحرر من الانتماءات الضيقة والانحياز للحق وحده .بل لديهم كذلك التأهب نفسه بغية التفاني حد التضحية من أجل الشعب والوطن.تلك ليست فرضيات وهمية بل سمات تطبع تجارب أجيال المقاومة الشعبية إبان مصادمة دولة الإنقاذ وأذنابها.هذه الشريحة من المواطنين باتوا مشبعين بحتمية الفرز بينا أصحاب (ثقافة الشرف وثقافة العلف)حسب موازنة الباحث العماني على المعشني.فعند الفئة الأولى تهون التضحيات من أجل مستقبل أفضل.وفق هذه الموازنة فإن هذه القيادات تتمتع بأبرز خصائص الاستقامة الوطنية حيث يطابق الإيمان بالفكر الممارسة على الأرض.
*****
على هؤلاء المتقاتلين الحمقى وأولئك المزورين أن يتذكروا دوما أن الثورة انبثقت بلا منفستو من مثقفين كما أن الشباب ، وقود الثورة ، لم ينتظر زيت التنظير السياسي. علينا جميعا استيعاب أن رأس الخيبة بدأ يوم استسلم شباب الثورة وسلّم زمام الأمر للخاطفين الهواة المزورين والمحترفين.

 

آراء