فقه المشير وفتاة اليوتيوب
يبدو أن السودان ما بعد الإستفتاء مقبلٌ على عقيدة الولي الفقيه ، هذا المصطلح الديني الذي شغل الساحة السياسية في إيران ولبنان ، ونحن في العادة نستخدمه في توصيف الحالة الشيعية ، وبإختصار أن الولي الفقيه هو الحاكم الذي ياتمر بأمر الله ، لذلك فإن كل ما يقوله لا يخضع للمعارضة أو الـتأويل ، الولي الفقيه هو الذي يحدد لنا الخير والشر وسبل النجاة من الهلاك ، ومن شاهد المشير البشير في قناة الجزيرة يوم أمس لأيقن أن الخطر المٌحدق بالسودان ليس هو إنفصال الجنوب ، وليس هو تدهور الحالة الإقتصادية ومصرع الجنيه السوداني ، الخطر هو من الأفكار التي يحملها هذا الرجل وتصوره الخاص للشريعة الإسلامية ، فالرجل يقول أنه شاهد شريط اليوتيوب أكثر من مرة ، لكنه على العكس من الإجماع البشري الذي وصف هذا العمل بالوحشية ، يعترف المشير البشير أنه لا يشعر بالحرج من رؤية هذه الفتاة وهي تُجلد بتلك الطريقة الحيوانية ، وقد أستدل بنصوص قرآنية حتى يقطع الطريق على أؤلئك المتشككين الذين راعهم منظر قدو قدو وهو يهوي بسوطه على جسد تلك الفتاة المسكينة ، وقد دافع المشير البشير عن الشرطي قدو قدو وعن القاضي " المُستعجل " الذي نطق بالحكم ، وقد وجد لهما العذر الشرعي ، الفتاة كانت تتحرك ولم تجلس في الأرض كما طُلب منها !!!! إذاً تتحمل هذه الفتاة المغلوبة عقوبة ذنبها لأنها لم " تركز " للسوط كما يفعل الجعليون عند البطان ، لذلك كان حقاً على قدو قدو أن يطاردها بالسوط حتى ولو دخلت في جحر ضب ، ووصف المشير البشير تلك الفتاة بأنها صاحبة سوابق ، ولكن الأمر المؤسف أن قمة هرم السلطة في حكومة الإنقاذ يخوض في هذه القضية وهو ملمٌ بكل التفاصيل حتى سوابق هذه الفتاة ،لكن هذا يجعلنا نسأل أين هي أجهزة الدولة العدلية ؟؟ ولماذا يكون المرجع في هذه القضية هو ما يقوله الرئيس البشير والطيب مصطفى ووالي الخرطوم ؟؟ ولماذا لايسمحون لهذه الفتاة أو لأسرتها بالرد على هذه الإفتراءات في وسائل الإعلام ؟؟ لماذا يجلدونها من أعلى هرم في قمة الدولة ويخافون من صوتها ؟؟ فكل العالم لا يعرف حتى إسمها ولا يعرف مكانها الآن ..فلماذا تخشى حكومة الإنقاذ عواقب ذلك وهي الحكومة التي تقيم شرع الله ولا تتحرج من ردات الفعل ؟؟ بل أن تلك الجلدات كما قال الرئيس البشير لا تهز شعرة من راسه .
في تلك المقابلة،بدأ الرئيس البشير واقعياً ومتصالحاً مع الحركة الشعبية ، فهو لا يشعر بالحرج لو مدت الحركة الشعبية جسر التواصل مع إسرائيل ، وقد نسى المشير البشير أن مشروع حربه لمدة عشرين عاماً قام على نظرية محاربة إسرائيل ومنعها من تطويق العالم العربي والإسلامي من ناحية الجنوب ، لا يشعر المشير البشير " بالحرج " وهو يفقد بالجنوب بكل خيراته ، وهو لا يمانع في حكم السودان حتى لو أصبحت مساحته مثل جزيرة توتي ، وهو يحكم السودان حتى هذه اللحظة ليس بسبب اصوات الطاهرين التي حصدها في الإنتخابات الأخيرة ، لكن الصوت الكبير الذي نصره في تلك الإنتخابات هو صوت الولايات المتحدة ، وها هي هيلاري كلنتون تطير بطائرتها من واشنطن إلى مدينة جوبا مباشرةً من غير أن ترصدها طائراتنا التي تطير بلا طيار ، انها حتى لا تعترف بحقه الأدبي ولا تطلب منه إذن العبور ، سيدي الرئيس نحن لا نحتاج لسوطك الذي تمزق به جسد النساء وأنت لا تشعر بالحرج ، فمن يُقتطع جزءاً من وطنه ولا يشعر بالحرج ..عليه أن لا يشعر بالحرج البتة في كل الأمور.
سارة عيسي
sara issa [sara_issa_1@yahoo.com]