فكرة تآمرية ضد دولة جنوب السودان!! … بقلم: الاستاذ/ يوهانس موسى فوك

 


 

 

انه من الصعوبة بمكان التكهن بمستقبل جنوب السودان دون التعمق فى دراسة مستفيضة عن حالة (الاقليم ) شبه المستقل عن الشمال والذى يقع تحت سيطرة الحركة الشعبية لتحرير السودان بمقتضى اتفاقية السلام الشامل، لانه يهيمن الترقب على المشهد الان داخلياً وخارجياً انتظارا لما تسفر عنه نتائج الاستفتاء التى ستجرى فيه فى يناير عام 2011. ولان التغييرات السياسية التى شهدتها السياسات الدولية لم تكن الجنوب بمناى عنها، كان لا مناص من تحليل وتفسير تصريحات قادة افريقيا وشخصيات دولية مثل العقيد معمر قذافى الذى قال كلمته قبل ايام، وغيره من الذين ابدو مواقفهم من امكانية انفصال الجنوب وما سيترتب عن عواقبه، بعضهم حاولوا تطمين الجنوب بزيارات رسمية على مستوى عال كما فعلت مصر، وبعض اخرى قدمت دعوة لقادة الجنوب لزيارة بلادهم والصين كانت فى مقدمتهم، واخرى من اكتفى بالتطمينات السياسية، ولكن من بين هذا وذاك كان هنالك عبارة يطلقه الذين لا يهمهم بحق وحقيقة، مستقبل جنوب السودان وبرهنت تصريحاتهم بما لا يدع مجالا للشك ان اهتماماتهم بالاقليم لا يعدو كونها من باب تحقيق الرغبات الطامحة فى ابقائه (جنوب السودان) تحت نيل الظلم والاستغلال والتهميش العربى فى دائرة ما يسمونها بـ"الوحدة الوطنية" حتى ولو كان ذلك على حساب كرامة الجنوبيين انفسهم.

يذكرنى هذا بالمقابل، برجل قابلته بالصدفه فى مطار اسطنبول (تركيا) كان يسمع عن السودانيين ولكنه لم يتبادل اطراف الحديث مع احدهم، فسالنى : ما هذا الذى نسمعه عن حتمية انفصال جنوب السودان؟ هل انتم راضون بذلك ام هذا احد الحروب التى تمارسه اسرائيل عليكم بالوكالة؟ فى البداية تجهم وجهى ، كان ردى ستكون قاصية ولكنى اكتشفت باننى لم اساله عن جنسيته، وعندما سالته قال انه ايرانى الجنسية، وقته فضلت ان اجامله، فسالته: هل اسرائيل نفسها هى التى اخبرتكم فى طهران بانها تقود حرب فى السودان بالوكالة ام انك تتهم بعض الاطراف فى السودان بالتنسيق مع جهات امنية اسرائيلية فى السودان؟ قال لى وهو يستعد للمغادرة: نحن؟ من؟ كيف تسالنى هكذا، وان ذعيم جنوب السودان سافر الى اسرائيل قبل اشهر، الا تعرف ذلك؟ ... فى بادى الامر ضحكتُ على الرجل واكتشفت بانه يخلط بين دارفور وجنوب السودان، وقلت فى سرى يبدؤ انه سودانى من طهران. ثم جدفته بهذه العبارة الساخرة: اسمح لك بالمغادرة يا اخى حتى لا تفوتك طائرتكم المتجهة الى "تل ابيب".

 وهذا هو مشكلة اصدقائنا العرب، يقولون ما لا يعرفون تفسيره، ويفسرون الامور بطريقه تفوه منها رئحة الحقد والكراهية البغيضة . دعونى اقول، ان كل من تكهن ـ وفى الواقع يتمنى ـ ان جنوب السودان اذا ما اختار شعبه الانفصال عن السودان الكبير، فى الاستفتاء التى ستجرى فى عام 2011 ستكون دولة فاشلة وضعيفة، وفى الوقت نفسه غير مستقرة بسبب التناحرات القبلية التى ستمذقه، وانه ستكون محل تدخل دولى...كل من بنى اعتقاده على ذلك هو بالتاكيد يحلم بالنهار... فكتابات اهولاء تتالف من امنيات الحاقدين على استقلال جنوب السودان، متذرعين باستنتاجات سخيفة غير منطقية من دلائل تجاوزتها الزمن.

 قرات مقالاً للكاتب المصرى عطية عيسوى بموقع اسلام اونلاين.نت تحت عنوان : (الجنوب وليس دارفور‏..‏ مكمن الخطر على السودان) قال فيه (..."ويبدو الآن أنه لن يكون أمام الشماليين سوى خيارين أحلاهما مر‏:‏ التسليم بالانفصال للجنوب،‏ أو وقفه بالقوة من خلال انقلاب عسكري يلغي اتفاق نيفاشا ويطالب باتفاق جديد عبر مفاوضات تبدأ من الصفر‏، وإذا حدث ذلك سيدخل السودان في مرحلة جديدة من الحرب الأهلية والعزلة والعقوبات الدولية المؤلمة؛ لأن اتفاق نيفاشا تضمنه أطراف دولية وإقليمية.‏ أما إذا تم الانفصال فليس معنى ذلك أن السلام سيعم ربوع الجنوب، إنما الأرجح أن يدور صراع دموي بين القبائل العديدة التي يعج بها الإقليم حول الثروة والسلطة،‏ فمعظم القبائل مثل الشلك والنوير تخشى هيمنة قبيلة الدينكا على الدولة الجديدة وتستأثر بخيراتها على حساب الآخرين. ويجب أن نذكر هنا بأن معظم حقول بترول الجنوب تقع في أراضي قبيلة النوير ذات العداء التاريخي مع الدينكا"..).

اريد ان اشير هنا الى نقطة هامة: جنوب السودان هو اقليم يضم قبائل اكاد لا اتزكر بعضها لكثرتهم، ويسوده قبل عام 2005 صراعات قبلية طاحنة انعكست عليها الخلافات السياسية بين قادته كانت اشداها فى عام 1991، ولكن هذه الخلافات اندثرت بعد دخول الجيش الشعبى لتحرير السودان الى مدينة جوبا بموجب الاتفاقية الموقع بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية، وما تلاها من فجيعة تاريخية بسقوط المروحية التى كانت تقل ذعيم ورئيس الاقليم بعد زيارة سرية الى اوغندا، مما ادى الى استشهاده. بعده، اصبح جنوب السودان اكثر ادراكا لمصالحه، ولذلك كان من المنطق ان يتوفق رئيس حكومة جنوب السودان الجديد الفريق اول سلفاكير ميارديت فى لعب دور الراعى الصالح  بضمه الجنوبيين المتشددين والذين كان بعضهم على علاقة وطيدة مع الحكومة المركزية الى صفه ، امثال الفريق اول فاولينا ماتيب نيال ـ نائب رئيس القائد العام الحالى فى الجيش الشعبي لتحرير السودان والذى اثبت للجنوبيين والجهات الشامته بان الوحدة بين النخب السياسية الجنوبية هى الاولوية القصوى على الاطلاق...ونجح الفريق اول سلفاكير ميارديت بتشكيل الحكومات فى جميع المستويات بالجنوب واشراك جميع الاحزاب الجنوبية وقادة المليشيات الجنوبية الذين اختاروا طوعاً الاندماج مع الحركة  الشعبية والجيش الشعبى ولتحرير السودان وفقاً لبنود اتفاقية السلام الشامل، وهذه من المؤشرات الايجابية التى توحى بان المذاعم التى تدعى ان جنوب السودان متى ما انفصل  مقبل على الحروب الداخلية والاقتتالات الدموية بين القبائل الجنوبية، هى مجرد افتراءات و نوع اخر من الحروب النفسية الذى تمارسه الحاقدين على مستقل جنوب السودان، ولكنه بالتاكيد مجرد "حرب الحلم".

بطبيعة الحال، اتفق مع الذين يفسرون الامور من منظورها السياسي بدون اقحام نؤاياهم، واذا قال احدهم ان جنوب السودان مقبل على صراعات سياسية، سيكون هذه المقولة واقعية، لان اى دولة جديدة لابد لها ان تمر باخطاء ومن ثم تتغير الامور فيها تدريجياً، ولكن ان تصل الامور الى حد الحرب لاقليم خرج من اطول الحروب فى القارة، فهذه مسالة تجوزتها الساسة الجنوبيين منذ عام 1991وليس هناك اى سبب مقنع لنظن ذلك.

وربما يسال سائل: ولماذا الوضع فى جنوب السودان حاليا مضطرب؟..واقول: ما نسمعه عن حروب قبلية طاحنة من هنا وهناك فى الجنوب حاليا هو فى الواقع يؤكد ما قالها المدام ربيكا مبيور ـ مستشار رئيس حكومة جنوب السودان، فى حديثها يوم الاحتفال بذكرى الشهداء قبل اشهر، والتى اكدت فيها: ..‘‘ان الصراعات القائمة حاليا بين شعبنا فى الريف وهلكت العديد من الارواح ليس حروبا قبلية كما بات يوصفه الكثيرين، بل حروب بسبب الجوع والعطش...’’.

 وهذه مسؤولية فى اعتقادى تتحملها الحكومة، ليس من شاننا ان نخوض فيه حاليا لاننى ساخصص له مقال اخر، ولكن ما اريد ان اثبته هنا هو: ان البعض يحاولون رسم خارطة الشر على جنوب السودان فى حالة انفصاله عن الشمال ليصير فيها حتى الهلاك، ولكن اهولاء لن ينجحوا، وربما هذه الادعاءت ستنجينا من الشرور وبالتاكيد ستجلب لنا الحظ، بل ستجعلنا مدركين عن الاخطار المحدقة، وستضعنا فى الانسجام مع بديهة باستور الشهير ((الحظ يفضل الذهن المستعد سلفاً)).

 

 

mr.yohanis pouk [yohanis_sa@yahoo.com]

 

آراء