فلسفة التكنولوجيا بين المنظورين الغربي والإسلامي

 


 

 

Sabri.m.khalil@gmail.com

تعريف التكنولوجيا :

التكنولوجيا لغة:

ا/في اللغة الانجليزيه: كلمة ” Technology ” في اللغة الانجليزيه مركبة من كلمتين مأخوذتين أصلاً من اليونانية ” Techno ” ومعناها المهارة أو الفن ، و ” LOGO ” وتعني في الفلسفة اليونانية القديمة : العقل أو المبدأ العقلاني في الكون ، وهي هنا بمعنى علم . فكلمة تكنولوجيا في هذا الإطار تعني : العلم المرتبط بشكل منظم بالفنون الدقيقة أو التطبيقية.

ب/في اللغة العربية: وفى اللغة العربية تقابلها كلمه تقنيه، وهى مشتقه من أتقن اتقانا، وجاء في لسان العرب أن عمر بن تقن كان رجلا من عاد يجيد الرمي بالسهام، فصار العرب يسمون كل من يجيد عملا انه رجل تقن، وجاءت في القران في صيغه الفعل” صنع الله الذي أتقن كل شيء”(النمل).وقد جاءت الكلمة في كتاب أبى جعفر الدمشقي عن الحرف والصناعات في العهد الأموي(احمد عبد الرحمن العاقب، إسلام المعرفة في مجال العلوم والتقانه،نحو برنامج للبحث العلمي في إسلام العلوم ص1994،648).

التكنولوجيا اصطلاحا:

أما معنى التكنولوجا اصطلاحا فيختلف بحسب السياق الذي يستخدم فيه ، وهنا نورد بعض تعريفات التكنولوجيا:

· أن التكنولوجيا هي معرفة الوسيلة، والعلم معرفة العلة، فالعلم
ينتج المعرفة أما التكنولوجيا فتساعد على إنتاج الثروة.

· التطبيق العملي للاكتشافات والاختراعات العلمية المختلفة التي
يتم التوصل إليها من خلال البحث العلمي.

· *عبارة عن مجموعة المعارف والخبرات المتراكمة والأدوات والوسائل
المادية والإدارية التي يستخدمها الإنسان في أداء عمل ووظيفة معينة في مجال حياته اليومية لإشباع حاجته المادية.

· من الناحية هي عبارة عن التطبيق العملي للاكتشافات والاختراعات
العلمية المختلفة التي يتم التوصل إليها من خلال البحث العلمي.

· من الوجهة الاقتصادية هي عبارة عن تطوير العملية الإنتاجية
والأساليب المستخدمة فيها بما يحقق خفض تكاليف الإنتاج أو تطوير الأسلوب .

تعريف منهجى: أما التعريف الذي نأخذ به فهو تعريفها بأنها:

أولا: مجموعه الأدوات والآلات والأساليب التي تحدد أسلوب العمل اللازم لحل المشاكل التي يواجهها الإنسان( فهي تتعلق هنا بثالث خطوات المنهج ”
العمل “).

ثانيا:وهذه الأدوات لابد أن يجيء تصميمها على مقتضى القوانين الموضوعية (أو السنن الإلهية بتعبير القران) التي تضبط حركة تحول الطبيعة ،وتطور الإنسان، لكي تكون صحيحة،( فهي تتعلق هنا بالعلم فتمثل الجانب التطبيقي
للعلم) .

التكنولوجيا والحضارة:الحضارة هي حصيلة تفاعل الإنسان مع كل من الطبيعة والمجتمع ،والتكنولوجيا هي جزء من حصيلة تفاعل الإنسان مع الطبيعة، فهي جزء من حلول تصبح بمجرد وقوعها أضافه ذات نوعيه متميزة عن كليهما ، بما تتضمنه من إبداع الإنسان، فهي احد مصدري المشكلة وهى التي تقدم إمكانيات حلها ،فهي لا تصنع التاريخ ،ولكن تقدم عناصر صنعه، أما صانع الحرية فهو الإنسان.

التكنولوجيا و الأخلاق:ترتبط التكنولوجيا من حيث هي متعلقة بثالث خطوات المنهج اى العمل (مجموعه الأدوات والآلات والأساليب التي تحدد أسلوب العمل اللازم لحل المشاكل التي يواجهها الإنسان) بالأخلاق من حيث هي مجموعة القواعد ،التي تحدد للإنسان ما ينبغي أن يكون عليه سلوكاً، تجاه الآخرين (من طبيعة ومجتمع) يكتسبها الإنسان من انتماءه إلى مجتمع معين زمان ومكان،

التكنولوجيا و العلم:كما ترتبط التكنولوجيا بالعلم لأنها تتعلق الجانب التطبيقي للعلم فالتكنولوجيا لابد أن يجيء تصميمها على مقتضى القوانين الموضوعية (أو السنن الإلهية بتعبير القران) التي تضبط حركة تحول الطبيعة ،وتطور الإنسان، لكي تكون صحيحة.

التكنولوجيا و الفلسفة:كما ترتبط التكنولوجيا بالفلسفة لان الاخيره تمدها بالأفكار و المفاهيم الكلية المجردة السابقة عليها ، وتتناولها تناولا نقديا عقلانيا…

مفهوم التكنولوجيا في الفكر الغربي:

السوفسطائيه : في الفكر اليوناني أعلت السوفسطائيه من قيمه العمل، وذهب بروتاجوراس استنادا إلى مقولته) الإنسان معيار كل شئ ) إلى القول بان الطبيعة لم تزود الإنسان بشيء ،وانه بالفنون التي يكتسبها يستطيع السيطرة على الطبيعة، ولكنهم ربطوا العمل بالمنفعة.كما قالوا أن الفن نفسه مهارة مكتسبة بالخبرة والتعلم، ونفوا اى مصدر الهي أو مقدس له كما هو معتقد الشعوب الشرقية واليونانية القديمة القائلة بوجود اله للجمال يلهم الفنانين .

فيثاغورس : ونجد نجد بذور الفصل بين النظر العقلى والتطبيق العملى فيما نسب إلى فيثاغورس انه كان يشبه الناس بجمهور الالعاب الرياضية، بعضهم يحضر للعب، وبعضهم للربح والتجاره والبعض للاكتفاء بالنظر وهؤلاء هم الحكماء.

أفلاطون : فأفلاطون يأخذ بالتأمل العقلي الميتافيزيقي( تعقل عالم المثل)، وهذا التأمل معزول عن الفعل في الواقع الموضوعي المحسوس ،لان الأخير هو مجرد ظلال لواقع الحقيقي (عالم المثل) والذي يجب تجاوزه عبر مراحل المعرفة الحسيه (الظن) فالعقلية (الاستدلال) فالحدسية (التعقل).

أرسطو : كما أن أرسطو فصل بين النظر العقلي والتطبيق العملي، ففي مجال المعرفة يفصل بين العقل النظري الذي يتناول الجوهر (الفكرة) والعقل العملي الذي يتناول العرض (المادة )،وفى مجال الأخلاق يفضل بين الفضيلة النظرية المتاحة لقلة من الحكماء والفضيلة العملية المتاحة لكل الناس.

 

فرنسيس بيكون : وفى الفكر الغربي الحديث نجد فرنسيس بيكون الذي انطلق من نقد العقل، حيث رأى انه يجب تكوين عقل جديد يستند إلي منطق جديد يهدف إلي استكشاف الطبيعة بدلاً من العقل القديم القائم علي منطق أرسطو الذي ابتعد عن التجربة و استهدف معرفة ماهية الوجود، لذا أسمى كتابه (الارجانون ) يعارض به ارجانون أرسطو (اى منطق أرسطو الذي اسماه بالارجانون اى الأداة باللغة اليونانية).

و لتحقيق هذه الغاية وضع منهج تجريبي ذو بعدين سلبي و ايجابي.

(أ) المنهج السلبي (الأوهام الأربعة):مضمونه أن العقل إذا استمر وحده أداة للوصول إلي الحقيقة فلن يؤدى بنا ذلك الى التقدم لان العقل أداة تجريد, وإذا– ترك علي سجيته انقاد لأخطاء طبيعية فيه تضلله فلا بد من تطهيره منها حتى تضمن له البعد عن الانحراف عن هذه الأخطاء و هي الأوهام (أو الأصنام ) الأربعة.

(ب) المنهج الايجابي (الاستقراء):إذا كان العلم القديم يبحث في ماهية الوجود من منظور نظري بحت، فإن العلم الجديد يبحث في الكيفية، أي صور الأشياء التي يدل عليها لفظ ما بالفعل، وهذا يتم عن طريق الملاحظة والتجربة الذين بهما يستطيع استخلاص القوانين التي نتحكم فيها في الطبيعة

بيكون : لم يكن بيكون يرمي إلي انشأ فلسفة جديدة إنما هدفه الأساسي ( إصلاح أساليب التفكير وطرق البحث), فالفلسفة القديمة فشلت لكونها كانت تهتم بالمعرفة لذاتها في حين ان المعرفة (الفلسفة والعلم) هدفهم هو السيطرة علي الطبيعة لإخضاعها لإغراضنا العلمية, وتغير الهدف يستلزم تغيرا في الوسيلة يقول بيكون (لا يمكن السيطرة علي الطبيعة الا بالخضوع لها, لا بالثورة ضدها، يجب أن نتعلم كيف نفهم الطبيعة… إن ذلك هو ما سيمكننا من توقع نتائج أعمالنا, وبالتالي التحكم في الضرورة التي تريد الطبيعة فرضها علينا)

و تنبأ بيكون بان البشرية بربطها بين العلم والاختراع تستطيع أن تمد سلطانها على الأرض بما يعنى انتفاضه كبرى لتعويضها ما أصابها من سقطه ادم من ثم تستعيد سيادتها على العالم في رعاية الله.(د.محمد إسماعيل, و عبد الوهاب سر الختم, الفلسفة, دار النشر التربوي الخرطوم, ط1, 1974, ص134-137).

جون ديوى : أما في الفكر الغربي المعاصر فنجد جون ديوى الذي تناول لتكنولوجيا (وسائر النشاطات الانسانيه) من خلال نظرية معرفة ذات أساس براجماتي ترفض الفصل بين الذات ( العارفه ) عن الموضوع (المعروف ) استناداً إلى تعريف الخبرة بأنها . “تفاعل حيوي بين الإنسان وبيئته ” هذا التفاعل يتم خلال الانتقال من الصراع بين الإنسان وبيئته (الحاجة) إلي التوازن بينهما (الإشباع ) وهكذا.وبناءا على هذا فان التكنولوجيا هي محصله تفاعل حيوي بين الإنسان وبيئته.كما يربط جون ديوي بين التكنولوجيا (وسائر النشاطات الانسانيه) والمنفعة،وهنا يرفض الفصل بين الفنون الجميلة حيث يرى الفنون الجميلة لها قيمة تربوية تتمثل في أثرها التربوي على النفس كما أن الفنون التطبيقية تنطوي على قيمة جمالية حين تجئ إشكالها متلائمة مع استعمالها .

وهكذا فان جون ديوي قد نجح في تأييد الارتباط بين التكنولوجيا والحياة ،إلا انه تطرف في هذا التأكيد إلى درجة أحالة التكنولوجيا(وسائر النشاطات
الانسانيه) إلى مجرد نشاط أداتي لخدمة غايات أخرى حيوية أو اجتماعية .

الفكر الإسلامي و التكنولوجيا:

التحليل المعرفي الاسلامى للتكنولوجيا:

من المشاكل التي تتعلق بمفهوم التكنولوجيا التحليل المعرفي للتكنولوجيا حيث نجد ثلاثة مواقف أساسيه:

التحليل المعرفي المثالي: قائم على اولويه ألفكره، فصنع أدوات العمل يفترض ابتداء تصميما فكريا لها(هيجل).

التحليل المعرفي المادي: قائم على اولويه المادة ، وبناءا على هذا فهي تنطلق من العمل الذي يبذله الناس لإنتاج ضرورات وكماليات الحياة، فهو شرط ضروري يتوقف عليه وجود المجتمع ذاته، وان العمل يفترض ابتداء وجود أدوات عمل(ماركس).

التحليل المعرفي التبادلي(الانسانى): قائم على التأثير المتبادل للمادة والفكرة، فحركه الإنسان تتم عبر ثلاثة خطوات: المشكلة فتصميم الحل ، فتنفيذه بالعمل.وبناءا على هذا فأن لكل إنسان غاية يحددها عمله، وان أدوات العمل تحدد تلك الغاية، والتصميم الفكري لأدوات العمل يحددها ذاتها، ووراء كل هذا مشكله هي التي تحدد تصميم أدوات العمل.والمقصود بالتحديد الضبط النوعي ،فالغايات لابد أن تتحقق طبقا لنوع العمل الذي حققها ،وان العمل لابد أن يتم طبقا لنوع أدوات الإنتاج التي استعملت فيه،وأن الأدوات لابد أن تصنع طبقا لنوع الفكرة التي سبقتها، وان الفكرة لابد أن تكون مطابقة للحل الذي تقتضيه المشكلة.(د.عصمت سيف الدولة ،الأسس، ص214،اللجنة العربية، ط،1965.)

التحليل المعرفى الاسلامى للتكنولوجيا تبادلى انسانى:

وفيما نرى فان التحليل المعرفي الاسلامى للتكنولوجيا هو تحليل تبادلي، اى قائم على التأثير المتبادل للمادة والفكرة ،وإقرار القيمة المتساوية لهما، استنادا إلى أن الإسلام ينظر إلى الإنسان كوحدة نوعية من المادة (الجسم والمخ والجهاز العصبي كجز منه) والفكر (الوعي). وهو ما يؤكده التصور القرآني للنفس ،حيث نجد أن لفظ نفس يرد في القرآن بدلالات عدة:
الدلالة الأولى الإنسان كوحدة نوعية من المادة والفكر: (كل نفس ذائقة
الموت) ” آل عمران: 185″.الدلالة الثانية البعد الذاتي للإنسان: (يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك) “آل عمران: 154”.كما أشار القرآن للبعد المادي للإنسان في جملة آيات: (ومن آياته أن خلقكم من تراب) ” الروم: 20″.(وبدء خلق الإنسان من طين) ” السجدة: 7″.

كما انه تحليل انسانى لأنه يرى طبقا لمفهوم الاستخلاف أن الإنسان هو الفاعل المغير المطور(وإذ قال ربك للملائكة أنى جاعل في الأرض خليفة) و طبقا لمفهوم التسخير أن الطبيعة ليست إلا موضوع فعله (ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض والفلك تجري في البحر بأمره) (الحج: 65).

فهو يتفق مع التحليل المادي في التأكيد على الوجود الموضوعي للمادة وأهميه التكنولوجيا، إلا انه يختلف عنه في أن التحليل المادي يعتبر إن للمادة وجود مطلق ،وأنه يؤدي إلي تسخير الإنسان لما هو مسخر له.

كما انه يتفق مع التحليل المعرفي المثالي في التأكيد على أهميه الفكر في تصميم التكنولوجيا، إلا انه يختلف عنه في إنكار الأخير للوجود الموضوعي للمادة وبالتالي التقليل من قيمه التكنولوجيا بصوره خاصة والتطبيق العملي بصوره عامه.

الإسلام والعلم والتكنولوجيا:

كما يمكن تحديد موقف الإسلام من التكنولوجيا من خلال تناول موقفه من العلم -إذ التكنولوجيا هي الجانب التطبيقي للعلم- فقد هدي الإسلام المسلمين إلي أسس منهج البحث العلمي وترك لهم استكماله واستعماله ،فقرر أن حركه الوجود منضبطة بسنن إلهيه لا تتبدل ودعاهم إلى معرفتها والتزام حتميتها ” ولن تجد لسنه الله تبديلا ولن تجد لسنه الله تحويلا”( فاطر:43).. وقد نجح المسلمون في تطوير حياتهم الاجتماعية عندما وفوا بمسئولياتهم كمسلمين ،فقام العلماء المسلمين باستكمال المنهج العلمي واستعماله في مجالات عديدة، ولم يحتج المسلمون إلى كثير من الوقت لاحتلال المراتب الأولى في كثير من العلوم. كما ساد انتهاج الأسلوب العلمي في التفكير والحركة،وهنا تقدمت المجتمعات المسلمة تكنولوجيا لأنها تمثل الجانب التطبيقي للعلم، وتخلف المسلمين عندما لم يوفوا بمسئولياتهم كمسلمين فعندما أخذت المجتمعات المسلمة تتخلف حضاريا تخلفت تكنولوجيا أيضا، لأن التكنولوجيا أحد أنماط النشاط الحضاري.

المنهج العلمي والتجربة عند بعض العلماء المسلمين:

وهنا نورد نموذجين لعلماء مسلمين استعملوا المنهج العلمي والتجربة والاختبار العلميين.

جابر ابن حيان: فجابر ابن حيان في الكيمياء رأى استحالة المعادن ،أي تحول ماهية معدن ما إلي ماهية معدن أخر . وكما رأى أننا لا نصل في الغالب إلي معرفة الماهية (أي معرفة الكيف) بل نصل الي وزن الطبائع (أي معرفة
الكم) يقول ابن حيان “فللوصول إلي معرفة الطبائع ميزاتها, فمن عرف ميزاتها عرف كل ما فيها وكيف تركبت”. ولا نعرف الكم إلا بالتجربة ” والد ربه تخرج ذلك فمن كان دربا كان علما حقا ومن لم يكن دربا لم يكن عالما ) وهو يستخدم أيضا كلمة تجربة وامتحان

ابن الهيثم : وابن الهيثم له نظريات في الرياضيات والبصريات، وبصدد بحثه لكيفية الإبصار جمع بين الاستقراء والقياس وقدم الأول علي الثاني.وحدد الشرط الأساسي للبحث العلمي وهو الموضوعية في طلب الحق دون تأثر رأي أو عاطفة سابقة.واسمي التجربة “بالاعتبار” واسمي من يقوم بها “بالمعتبر”
نبتدي في البحث باستقراء الموجودات …. وما هو مطرد لا يتغير وظاهر لا يشتبه من كيفية الإحساس ثم نترقى في البحث والمقاييس علي التدرج والترتيب مع انتقاد المقدمات والتحفظ في النتائج ونجعل غرضنا في جميع ما نستقريه ونتصفحه استعمال العدل لا إتباع الهوى ونتحرى في سائر ما نميزه وننتقده طلب الحق لا الميل مع الآراء فلعلنا ننتهي بهذا الطريق الي الحق الذي به يثلج الصدر ونصل بالتدرج والنطق إلي الغاية التي عندها يقع اليقين ونظفر مع النقد والتحفظ بالحقيقة حتى يزول معها الخلاف”. .(د. سامي النشار, مناهج البحث عند مفكري الإسلام, ص360-370)

الإسلام وعلاقة الفكر بالعمل: لما كانت التكنولوجيا تتعلق بالعمل والجانب التطبيقي للعلم فان مشكله علاقة التفكير النظري بالتطبيق العملي من أهم المشاكل ترتبط بمفهوم التكنولوجيا، واهم الحلول التي قدمت لهذه المشكلة
هي:

أولاً: علاقة فصل: يقوم الحل الأول على الفصل بين النشاط العقلي والفعل، وهذا الحل يمهد للقول بأولوية النشاط العقلي على الفعل السلوك، هذه الأولوية تقود إلى تأكيد النشاط العقلي وإلغاء أو التقليل من دور الفعل، ومن ممثلي هذا الحل الفيثاغوريه والايليه وأفلاطون وأرسطو في الفلسفة اليونانية و كانط في الفلسفة الحديثة..

ثانياً: علاقة دمج:أما الحل الثاني فيقوم على دمج النشاط العقلي في العمل، ويمكن اعتبار هذا الحل بمثابة رد فعل (متطرف) على الحل الأول ينتهي إلى إلغاء الوجود الفعلي للنشاط العقلي (الوعي) وإحالته إلى مجرد انعكاس للفعل(كما في الماركسية) أو أداة له (كما في البرجماتية). ونجد جذور هذا الحل في الفلسفة اليونانية عند أعلام الفلسفة الطبيعية
(الأيونية) والسوفسطائية..

ثالثاً: علاقة تأثير متبادل واتساقها مع الحل الاسلامى:أما الحل الاسلامى فيتسق مع الحل الذى نظر إلى العلاقة بين النشاط العقلى والفعل والسلوك على أنها علاقة وحدة لا دمج، وتمييز ولا فصل، أي أنها علاقة تأثير متبادل، وتأكيد القيمة المتساوية لهم، إذ المعرفة انتقال من العيني(المشكلة)إلى المجرد (الحل النظري بما هو نشاط عقلي) إلى العيني مرة أخرى من أجل تغييره (العمل بما هو سلوك). حيث يمكن تحديد الموقف الايجابي للإسلام من التكنولوجيا من خلال تقريره لاهميه العمل والفعل“… فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه“ ( الملك : 15)، “ أن ليس للإنسان إلا ما سعي وأن سعيه يري ثم يجزاه الجزاء الأوفى “ ، ” ما أكل طعاماً قط خير من عمل يده وأن نبي الله داود يأكل من عمل يده”( رواه البخاري) كما يمكن تحديد هذا الموقف الايجابي من خلال تحديد موقفه من العلاقة بين النظر العقلي والتطبيق العملي- إذ التكنولوجيا كما سبق بيانه متعلقة بالفعل والعمل- فالموقف القرآني يؤكد على الوحدة بين النظر العقلي والتطبيق العملى كما في جملة الآيات التي تربط بين الإيمان (كنشاط عقلي) والعمل الصالح (كسلوك). (والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات). و يرفض الفصل بينهما. (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ، كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون).غير انه لا يتطرف إلى درجه الخلط بين النظر والعمل كما في البراجماتيه.

قضيه تأصيل التكنولوجيا : ترتبط مشكلة تأصيل التكنولوجيا بمشكلة (حضارية) أشمل هي مشكلة كيفية تحقيق التقدم الحضاري في المجتمعات المسلمة؟ ويترتب على هذا أن هناك ثلاثة مواقف من مشكلة تأصيل التكنولوجيا هي ذات المواقف من مشكلة الأصالة والمعاصرة.

الموقف الأول(التقليد والعزله): يقوم على أن تحقيق التقدم الحضاري المجتمعات المسلمة(المتضمن للتقدم التكنولوجي) يكون بالعودة إلى الماضي والعزلة عن المجتمعات المعاصرة، وفي مجال تأصيل التكنولوجيا يفهم عملية تأصيل التكنولوجيا على أنها الاكتفاء بإسهامات و اجتهادات العلماء المسلمين العلمية والتقنية. مع الرفض المطلق لإسهامات المجتمعات الغربية المعاصرة في مجال التكنولوجيا دون تمييز بين مجالاتها ألمعرفيه المختلفة.

الموقف الثاني(التغريب والتبعيه): يقوم على أن تحقيق التقدم الحضاري للمجتمعات المسلمة (والمتضمن للتقدم التكنولوجي )لا يمكن أن يتم إلا باجتثاث الجذور وتبني قيم المجتمعات الغربية. فهو يقوم على القبول المطلق لإسهامات المجتمعات الغربية في مجال التكنولوجيا دون تمييز بين مجالاتها المعرفية المختلفة.

الموقف الثالث(التجديد والجمع بين الاصاله والمعاصره): يقوم على أن تحقيق التقدم الحضاري للمجتمعات المسلمة(والمتضمن للتقدم التكنولوجي) يتم باستيعاب ما لا يناقض أصول الإسلام “التي تمثل الهيكل الحضاري لهذه مجتمعات المسلمة”، سواء كانت من إبداع المسلمين أو إسهامات المجتمعات المعاصرة الأخرى، وهناك الكثير الادله على هذا الموقف في التاريخ الاسلامى، فقد اخذ المسلمون من الفرس في عهد الرسول (صلىالله عليه وسلم) فكره الخندق،واخذوا منهم في عهد عمر بن الخطاب(رض) فكره الدواوين. كما اخذ المسلمون من المجتمعات المعاصرة لهم بذور العلم والتكنولوجيا السائدة في عصرهم ثم نموها وطوروها. هذا الموقف يتجاوز موقف الرفض المطلق والقبول المطلق لإسهامات المجتمعات الغربية في كل مجالات التكنولوجيا ،إلى موقف نقدي يقوم على التمييز بيمن مجالاتها المختلفة.فهو يميز بين مجالات التكنولوجيا التي تنطوي تحت مجال فلسفه التكنولوجيا ومجالاتها التي تنطوي تحت مجال التكنولوجيا كعلم وفن، فمجال التأصيل من هذه الجهة ينصب على الأولى لا الثانية.وبالتالي فهو يفهم عمليه تأصيل التكنولوجيا على أنها نشاط معرفي عقلي محدود بالوحي يبحث في مسلمات نظرية كلية سابقة على البحث في التكنولوجيا كنمط من أنماط الفعل. فالمنهج الاسلامى لا يلغى التقدم التكنولوجي بل يحدده من خلال تحديد أسلوب العمل اللازم لحل المشاكل التي يواجهها الإنسان ،وهو يقوم على أخذ وقبول إسهامات المجتمعات الغربية في مجال فلسفه التكنولوجيا التي لا تتناقض مع النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة ورد ورفض ما يناقضها. غير أن هذا لا يعني القبول المطلق لإسهامات المجتمعات الغربية في مجال التكنولوجيا كعلم وفن، بل يعني أن المعيار هنا هو التجربة والاختبار العلميين ومدى صلاحيتها لحل المشاكل التي يطرحها واقع المجتمعات المسلمة، فالتكنولوجيا قبل أن تكون تكون سلعه للتجارة الدولية هي أولا معرفه وتنظيم فالمعرفة والكفاءة الاداريه وطاقه الإبداع تشكل معا ركائز كل تطور تكنولوجي(جورج قرم،الشركات متعددة الجنسية،ص19، الفكر العربي العدد 7، يناير،1979).

خاتمه: نتائج وتوصيات الدراسه:

تجاوز النظرة الجزئية للتكنولوجيا إلى نظره كليه تقوم على اعتبار أن التكنولوجيا نشاط حضاري لا يوجد بمعزل عن النشاطات الحضارية الأخرى (السياسة،الاقتصاد،التربية والتعليم،الإعلام… )وان تحقيق التقدم التكنولوجي للمجتمعات المسلمة لا يتم إلا من خلال تقدمها الحضاري الشامل.

الأخذ بالتخطيط في مجال التكنولوجيا من خلال وضع نظريه تحدد أهداف ووظائف التكنولوجيا طبقا لفلسفتنا وقيمنا الحضارية،واستراتيجيه تحدد ألخطه التكنولوجية وأسلوب علمي يحدد المنهج التكنولوجي.

أن تفهم عمليه تأصيل التكنولوجيا على أنها تنصب على فلسفه التكنولوجيا لا التكنولوجيا كعلم أو فن وبالتالي فهي نشاط معرفي عقلي محدود بالوحي يبحث في مسلمات نظرية كلية سابقة على البحث في التكنولوجيا.

جعل المعيار أخذ أو رفض إسهامات المجتمعات المعاصرة في مجال التكنولوجيا كعلم التجربة والاختبار العلميين، وفى مجال التكنولوجيا كفن مدى صلاحيتها لحل المشاكل التي يطرحها واقع المجتمعات المسلمة.

ربط التكنولوجيا بالمشاكل التي يطرحها واقع المجتمعات المسلمة باعتبارها مجموعه الأدوات والآلات والأساليب التي تحدد أسلوب العمل اللازم لحل المشاكل التي يواجهها الإنسان.

مراجع ومصادر الدراسه

1.احمد عبد الرحمن العاقب، اسلام المعرفة في مجال العلوم والتقانه،نحو برنامج للبحث العلمي في إسلام العلوم،1994.

2.بيتر كاز ،تاريخ الفلسفه فى امريكا، ، الانجلو مصريه، القاهره،1983.

3.جورج قرم،الشركات متعددة الجنسية، الفكر العربي العدد 7، يناير،1979.

4.عصمت سيف الدولة ،الأسس، اللجنة العربية، 1965.

5.سامي النشار, مناهج البحث عند مفكري الإسلام.

6.محمد إسماعيل, و عبد الوهاب سر الختم, الفلسفة, دار النشر التربوي الخرطوم, ط1, 1974.
///////////////////////////////

 

 

آراء