فنان افريقيا محمد وردي: لا يجب ان يكون الغناء حسب الطلب وغناء محمد ميرغنى الرد فى السد حدوته!

 


 

 

 

خرج الاستاذ محمد عثمان حسن وردي من منطقتى السكوت و المحس قبل ان ينتقل الى الخرطوم و منها لكل العالم حيث عبر صوته البحار و إجتاز المسافات. و فى هذا الحوار  يحكى وردي عن تجربته فى المنفى و الوطن.. عن علاقته بالرئيس البشير و صديقه الفريق عبد الرحيم محمد حسين.. وعن علاقته بشاعر الشعب محجوب شريف التى اصابها الفتور.. وعن خروجه من الحزب الشيوعى،، و ما اليه من مراحل شكلت تجربة هذا الفنان المثير للمشاعر و الجدل، فماذا قال...

  

وردي: لو رضخت لمشيئة جدى ودخلت الازهر الشريف لكنت الان ماذوناً فى دنقلاً !

 

      كنت ادوزن العود مع الراديو

 

      عبد الرحمن الريح و الطاهر ابراهيم إستطاعا توظيف الإيقاعات الافريقية

 

شحذتنى الإذاعة للغناء لها

   

أجرى الحوار: عبد الفتاح عرمان:

   

* بادية استاذ وردي حدثنا عن النشاة و التكوين؟

  

-من المحرر- بدأ حديثه مداعباً: دى زى سِفر التكوين يعنى! ثم اكمل:" نشات فى منطقتي السكوت و المحس، يعنى انا من المنطقتين السكوت و المحس. نشاة عادية لطفل عادى ولكن قريتنا كانت (شوية) مميزة بالطمباره و المغنين ومنذ الصغر نشات على موسيقى الطمبور ولم يكن هنالك ما يمنع الاطفال و الشباب من الجنسين باللعب و الغناء مع بعضهم البعض. وفى الاسرة لم اجد ما يمنعنى من موهبتى بل بالعكس كانت الاسرة تقوم بتشجيعى و يقولون لى بان صوتى وغنائى جميل و هذا كان قبل الدخول الى المدرسة الإبتدائية. دخلت المدرسة الإبتدائية و انا عازف طمبور ممتاز وكان عمرى وقتها ستة اعوام. هذه هى كانت النشاة الاولى و ما يميزنى فى هذه النشاة هو فقدانى لابويى مبكراً. لا اذكر صورة والدتى لانها توفيت وكان عمرى عاماً واحداً وقتها وتوفى والدى وانا فى سن الثامنة. كنت مدلل فى الاسرة على اساس انى فقدت عطف الامومة و الابوة واى شخص كان يعطف على وعلى الرغم من هذا كله لم (اطلع ) طفلاً مدللاً ولكنى مشيت فى هوايتى ولم اكن اسمع اى كلام غير اننى اريد ان اتعلم الطمبور و اغنى، و هكذا.

  

- بالتحديد من شملك بالرعاية؟

  

كل الاسرة كانت تعطف و تحنو على لدرجة مخيفة وليس هنالك احداً من اعمامى قام بضربى لانه كان لدى حماية من (الحبوبات)، لا استطيع ان اقول لك انى لم اكن اخطىء ولكنهن وفرن لى الحماية. استمريت فى الدراسة وفى عام 1946م وانا فى الرابعة عشر من عمرى ذهبت الى جدى فى القاهرة وهو كان يعمل فى سرايا الملك فاروق وكاد ان يغير مجرى حياتى لانه كان يريد إدخالى الازهر فتمردت عليه و سالته لماذا تريد إدخالى الازهر؟ فرد:" ادخلك وين؟. قلت له: ادخلنى حته ادرس فيها الموسيقى فقام بطردى من المنزل ولو قبلت وقتها دخول الازهر لكنت اليوم ماذوناً فى دنقلا او منطقة اخرى.

  

- متى شعرت بان هنالك موانع و حواجز تقف فى طريقك؟

  

اتت الموانع عندما اصبحت معلماً لان المعلم فى القرية هو امام الجامع و المصلح الاجتماعى ويعد من كبار الاجاويد وهو كل شىء فكانت غير مقبولة ان يكون المعلم لديه عود ويلحن و يغنى الاناشيد فى المدرسة. تمت شكوتى اكثر من مرة وكان ياتى مدراء التعليم و يرون الفصول و الطلبة الذين ادرسهم وكانوا يقولون للناس بان هذا المدرس يقوم بعمله على اكمل وجه ولا نستطيع ان نفعل له اى شىء وقالوا لهم ايضاً:" كونه يغنى او يرقص بالليل دا ما بهمنا لانو يؤدى واجبه فى المدرسة تمام".

  

* ما هى الاغانى التى كنت تتغنى بها فى بدايتك الفنية؟

  

كانت معظمها اغانى نوبية الا عندما عزفت العود وعزفته باعجوبة لانه لم يخبرنى احد بكيفية (دوزنة العود) وكنت اتى بالراديو حتى ادوزن العود عليه وكانت الدوزنة تخرج مضبوطة. كنت اغنى لاى فنان، كنت اغنى لابراهيم عوض لانه من جيلى و شاب فى سنى و فى مرحلته كان هنالك تغيير فى الغناء الحركى بمعنى انه كان قبله فنانين اداءهم كلاسيكى مثل احمد المصطفى، حسن عطية، عثمان حسين و عبد العزيز احمد داؤود و غيرهم. عندما جاء ابراهيم عوض قام بتحريك الغناء لان ملحنيه مثل عبد الرحمن الريح و الطاهر ابراهيم إستطاعوا ان يوظفوا الإيقاعات الافريقية و يحركوا الغناء من الجمود الكلاسيكى الى الحركة فكنت اغنى اليه كثيراً.

  

- يقال انك سالت ابراهيم عوض وقتها عن إمكانية مساعدته لك فى مشوارك الفنى و لكنه قال لك بان هذا مشوار صعب.. ما صحة هذا الحديث؟

  

هذا الحديث صحيح، كنا فى شندى عام 1956م عندما كنت فى معهد التربية، اتت به نقابة الممرضين و ذهبت اليهم وقلت لهم اذا اتحتم لى الفرصه لاسلم على ابراهيم عوض سوف اوزع و اضمن لكم تذاكر المعلمين، وافقوا على ذلك و قاموا باعطائى اكثر من 70 او 80 تذكرة لتوزيعها وفعلاً قمت بتوزيعها. جئت الى الحفل و كالعادة تم الحجز للفنانين منطقة خاصة فى السينما لا يدخلها الناس و الذين وعدونى بمقابلته تنكروا لى و قالوا:" و الله الزول دا قال ما عايز يقابل زول". فى تلك اللحظة كنت متحرك بالقرب من باب الغرفة التى يجلس بداخلها ابراهيم عوض و قلت لنفسى ربما يفتح احدهم الباب. فعلاً فتح الباب فجاة فدخلت انا ونظر لى ابراهيم عوض وقلت له:" ازيك يا استاذ، ياخى انا بحبك جداً وبغنى اغانيك و الناس بتقول انا صوتى جميل، فهل ممكن تساعدنى عشان ادخل الإذاعة؟. فرد:" دى حكاية صعبة جداً". خرجت منه وكان هذا الحديث فى اواخر عام 1956م وفى عام 1957م جئت للخرطوم و اصبحت مغنياً فى الإذاعة الصعبة دى!. وجمعتنى بابراهيم عوض حفلة فى سينما الخرطوم جنوب وكنت ارتدى نفس (البدلة) التى كان يرتديها ابراهيم عوض وكنت بجواره واثناء جلوسى بجواره اتى الي شخص يسمى بابكر من ابناء السجانة وقال لى نفس الحديث الذى قلته للاستاذ ابراهيم عوض:" والله يا استاذ وردى انا معجب بيك وانا صوتى كويس و عايز ادخل الإذاعة و ما عارف شنو..." نظرت اليه ورددت:" ياخى دى حكاية صعبة جداً. –من المحرر- ضحك الاستاذ ودري ثم إستعدل فى جلسته- واصل: كان نفس الكلام الذى قاله لى ابراهيم عوض عندما اتيت اليه لمساعدتى ثم نظر الى و قال لى:" إ يه دا.. ايه دا؟؟!!. ثم قام بطردى من جواره وقلت له:" حبيت اذكرك بما قلته لى من قبل.

  

* ما هى اول اغنية سجلتها للاذاعة؟

  

دخلت الاذاعة بسهولة وفى الاول قدمت اغانى نوبية. انا كنت معلم وناس الاذاعة اقترحوا على بان صوتى جميل و من المفترض ان استقر فى الخرطوم وقلت لهم لا استطيع الاستقرار فى الخرطوم لانى اتنقل فى مدارس المحافظة مثل شندى، عطبرة و حلفا وحتى دنقلا وقالوا لى بان محمد نور الدين الحلفاوى هو وزير الحكومات المحلية ولكنى قلت لهم بانى لا اعرفه وقالوا لى نحن سوف نتحدث معه فى شانك وكان هذا حديث مدير الاذاعة، يعنى انا شحذتنى الاذاعة للغناء لها. ذهبوا الى نور الدين وقال لهم لا مانع لديه معللاً ذلك بانه منذ رحيل خليل فرح لم يعد هنالك فنان نوبى فى الاذاعة وربما اكون احد المهمين فى الغناء للاذاعة. قلت له بانى فى محافظة حلفا الشمالية ولا يستطيعون نقلى الى الخرطوم وقال لى:" كيف ما بنقلوك." حسن نجيله رحمة الله عليه كان مفتش التعليم فى الخرطوم وقام نور الدين بالاتصال به و اخبره بقصتى وطلب منه ان ينقلى الى مدرسة فى الخرطوم ولكن رد عليه حسن نجيله:" والله يا معالى الوزير، الخرطوم دى مليانه ملى، واذا اراد الذهاب الى الحصاحيصا او اى حته قريبه ما بتكون فى اى مشكلة." رد عليه:" حصاحيصا بتاعت شنو نحنا جايبنو يغنى فى الخرطوم!." ولكن نجيله رد عليه بانه ليس هنالك مدرسة خالية فى الخرطوم فامره الوزير بفتح مدرسة لى و فعلاً تم فتح مدرسة لى فى الديوم و انا الذى قمت بفتحها واستقريت فى الخرطوم.

  

* هل تذكر اول اغنية سجلتها للاذاعة؟

 

نعم اذكر، اسمها الحب و الورود يا طير يا طائر، من كلمات الشاعر المرحوم اسماعيل حسن و الحان خليل احمد.   

  

* هل يعبر الفن الموجود الان عن الواقع؟

  الواقع الان معكوس، وهو يمثل هبوط الشارع و المتلقى اصبح يستمع الى لمثل هذا الفن. الخطأ فى هذا ان هنالك فنانين و لكنهم بعيدين عن الواقع. وبعضم مثل ما كان يتعارف عليهم فى الماضى الـ(الغناين) لان معظمهم لا يعرفون جغرافية بلدهم! ولا يعرفون تاريخها. و (تسطيح) العاملين فى الوسط الفنى يدل على عدم وجود فن فى السودان. هنالك تطبيل فى الغناء وعلى سبيل المثال هنالك من يقول:" الرد فى السد!." اعتقد هذا محمد ميرغنى وهو استاذ و درس معهد الموسيقى ومن غير الممكن ان يكون الغناء سد طلب. فى لحظة معينة مثل موضوع محكمة الجنايات الدولية و الرئيس يفتتح سد مروى و يكون الرد فى السد!. هذه (حدوته) غير مفهومة وهكذا. اذا كان هذا احد الفنانين الذين اظنهم من الواعين فما بال الاخرين؟!.   

 

آراء