فنتازيا الإنقاذ وتمكين الفقر: أهى سياسة الفقر أم فقر السياسة ؟!.
من صحيفة الجريدة ، وهى صحيفة ورقية محترمة ، تتمتّع بإحترام قطاع واسع من القراء، كما تحظى بنصيب الأسد فى الإستهداف والمصادرة الأمنية ، أنقل المانشيت التالى : (( " قيادى بالوطنى : مكافحة الفقر غير جائزة ومن يحاربونه يحاربون الله " )) / صحيفة الجريدة – الإثنين 3 سبتمبر 2018 . وذات القيادى يقول فى حوار صحفى (( " احمدوا الله على الوضع الإنتو فيهو دا ... وجيبوا لى زول مات بالجوع " )) ويُضيف (( " اشكروا الإنقاذ لأنّها عملت مالم تعمله الحكومات منذ الإستقلال " )) / صحيفة الجريدة – الخميس 30 أغسطس 2018..... ولكى لا نتعجّب فإنّ القيادى هذا يحمل صفة رئيس اللجنة الإقتصادية وشؤون المستهلك بتشريعى الخرطوم، واسمه عبدالله سيد أحمد .
والمدهش - بل المضحك المبكى - أكثر فى الأمر، أنّ الصحيفة، تعود وتنشر على لسان قائد آخر فى حزب المؤتمر الوطنى، فى عددها بتاريخ 4 سبتمبر (( " الوطنى يحتج على وصف رئيس اللجنة الإقتصادية بتشريعى الخرطوم بــ(( القيادى فى الحزب " ))!.. ولا ندرى ماهى صفات القيادة ومؤهلاتها فى هذا الحزب العجيب، الذى يُلبس من يشاء من عضويته جلباب وعباءة القيادة، حين يشاء، وينزعها منهم حين يشاء بغير حساب. نقول هذا، ونعيد للأذهان، الحديث المبذول منذ سنوات الإنقاذ الأولى عن " استئجار" الأقوياء / الأُمناء ، المأخوذ من الآية الكريمة، (( إنّ خير من استأجرت القوى الأمين))، ولن نُضيع وقت القراء الكرام، فى البحث عن تعريف القيادة والقائد، فى قواميس اللغة، والعلوم الحديثة، فهذا ضرب آخر من المعرفة، ليس من أهداف هذا المقال الولوج فى منعرجاته ودهاليزه الأكاديمية.
ولن نبرح عوالم وفنتازيا قادة الإنقاذ، فى الترويج المُعيب، والحديث العجيب لمقولات و أحاديث تتجلّى فيها جهود " تمكين " ( سياسة الفقر وفقر السياسة )، دون أن نعرض –على الأقل – واحد الأقوال التى يتفضّل بها علينا بها صباح ، مساء، قادة الإنقاذ الميامين، ونشكر - من قبل ومن بعد - الميديا الإجتماعية التى تحفظ لنا أطنان من الأقوال فى شكل مقاطع صوتية وفيديوهات أحاديث بعض القادة الإنقاذيين.. ولنعيد - معاً- الاستماع والمشاهدة للفيديو الذى يظهر فيه نائب رئيس الجمهورية السيد حسبو عبد الرحمن ، وهو يخاطب ويُحاضر المجلس الوطنى عن الإقتصاد السودانى..... وأستأذن القراء فى تحويل النص المُشاهد والمسموع إلى نص مكتوب . يقول السيد القائد الإنقاذى حسبو (( " بالأمس – أمس الصباح – كانت معاى بعثة صندوق النقد الدولى ، بتقول لى دا اقتصاد غريب ...ديل ناس النقد الدولى، بيقولوا لى دا اقتصاد غريب ...ما شفنا اقتصاد زى دا فى العالم ...اقتصاد طلع منّو بترول الجنوب سبعين / تمانين فى الميّة ...اقتصاد مُحاصر ...فى عقوبات ...فى مقاطعات ...لكن ، اقتصاد بينمو وبيزيد وبينتج ...وكل المؤشرات اقتصادية ايجابية ... مادهاكم ؟ ما وراء ذلك ؟ ...قلت ليهم : نحن نؤمن بى الله سبحانه وتعالى ... خُتُّوا دى ...خُتُّوا دى فى نظريتكم الإقتصادية ..وأدرسوها ...خُتّوا هذا الإقتصاد السودانى فى النظرية الإقتصادية العالمية ...التوكُّل على الله سبحانه تعالى ...الذى بيده الغيث ...بيده الأمطار ..يفجّر السماوات والأرض ...بركات من السماء ......إلخ " . انتهى مقطع الفيديو، ونترك للقراء العودة لأصل الفيديو ليستمعوا للحماس الذى يتحدّث به نائب الرئيس، وللتصفيق والتكبير والتهليل – البرلمانى - الذى صاحب الحديث الرئاسى!.
هذا، وذاك، مجرّد نماذج ساطعة ، وقليل من كثير، من أحاديث البروباقاندا الإنقاذية المُستخدم فيها الخطاب الدينى، لتمكين الوضع المزرى الذى يعيشه المواطنون – اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً - ، ويُستخدم عند الضرورة لصرف نظر الشعب عن قضايا الراهن السياسى والإقتصادى، وهو خطاب عفا عليه الزمن، وما عاد مقبولاً فى عصر الفضاءات المفتوحة، والمعارف المُتاحة للجميع، وهو خطاب مقصود منه محاصرة ومحاربة أفكار التغيير والإصلاح، حتّى يستمر الوضع كما هو، ولكن، لن تنطلى على شعبنا بروباقاندا تمكين سياسية الفقر، وفقر السياسة ..فشعبنا أقوى من أن تحرفه هذه البروباقاندا الرخيصة – ضعيفة المبنى والمعنى - عن هدفه الرئيس، المُصاغ بدقّة فى الشعار الخلّاق : " الشعب يُريد اسقاط النظام " .. وماهذا ببعيد على شعبنا العظيم.
فيصل الباقر
faisal.elbagir@gmail.com