فنجان شاي ” بالجكة ” مع سعادة المستشار … بقلم: سارة عيسي

 


 

سارة عيسى
20 March, 2009

 


أستمعت إلي التسجيل الصوتي للدكتور مصطفى عثمان إسماعيل والخاص بحديثه عن شعب الشحاتين  ، فقد كان الرجل منفعلاً في حديثه ويتحدث بحرقة ، وكان هناك أحد الهتيفة يذكره "بالرغيف المسوس " الذي كنا نأكله قبل أن تأتينا الإنقاذ وتنقذنا من الجوع والشحذة ، بالفعل قالها الرجل : أن الشعب السوداني كان يقف في الصفوف مثل الشحاذين ، لكن ردة الفعل العنيفة جعلت سعادة المستشار يحاول أن يتنصل عن أقواله ، ربما نسى أننا في عهد الثورة الإلكترونية ، فالتسجيل الصوتي موجود في موقع يوتيوب ، ولا مجال للإنكار ، بل المطلوب منه أن يعتذر عما  بدر منه ، وأن يكون شجاعاً ويقول أنه أخطأ في الحكم على الشعب السوداني ، ونحمد الله أيضاً أن سعادة المستشار أستنقذنا وإن كان لبعض الوقت من حمى أوكامبو التي تفتك بالأوصال ، فكل حديث المنتديات يدور عن الشحاتين ، ونسى الناس أوكامبو ومذكرته ،  لكن لا بد لنا من العودة لتحليل ما قاله سعادة المستشار حرفياً ، وقد أستوقفتني عبارة : أن الشعب السوداني كان يشرب الشاي " بالجكة " ، ويبدو أنني أخطأت ثلاثة مرات في تعريف هذه الكلمة  ، فهي ليست العجوة ، وليست الجكا والمقصود بها الجري المتوسط مثلما يفعل متدربو الشرطة والجيش  ، كما أنها ليست تربة الجردقة المعدنية التي نستخدمها لعلاج مرض البطن وعسر الطمث ، فكما عرفت من بعض الأخوة النيليين أن كلمة الجكة تعني بالرطانة الشاي المسيخ والخالي من حبيبات السكر ، وبعضهم ذكر أن الكلمة تعني شرب الشاي بالبلح ، كما قال أحدهم : مثل الذي يشاهد فلماً مترجماً ، فإن قرأ الترجمه فاته المشهد ، وإن شاهد المشهد فاتته الترجمة ، وهذه ليست المرة الأولى التي يتنصل فيها رجال الإنقاذ عن تصريحاتهم ، ففي عام 91 أعترف وزير الزراعة أنذاك أن السودان يواجه خطر المجاعة ، فغضب عبد الرحيم حمدي ، أبو إقتصاد الإنقاذ وصاحب نظرية المثلث الشهيرة ، أعترض على هذه العبارة وقال : إن ما يحدث في السودان ليس بمجاعة ولكنه فجوة غذائية ، في تلك السنة مارست حكومة الإنقاذ سياسة سلب الزراع من محاصيلهم مما جعل الزراع ينفرون من مهنتهم ، وخاصة أن أصحاب المكوس والضرائب والزكاة كانوا لهم بالمرصاد ، هذه السياسة الحكومية هي التي تسببت في المجاعة أو ما أصطلح عليه عبد الرحيم حمدي الفجوة الغذائية ، وفي ندوة عُقدت بكلية الإقتصاد بجامعة الخرطوم تحدث عبد الرحيم حمدي عن المشروع الثلاثي للإنقاذ ، وهو المشروع الذي تم فيه إلغاء الدعم عن السكر والدقيق والخبز ، فالبطاقة التموينية كانت تقدم للمستهلك السلعة بسعر يساوي ربع سعرها في السوق السوداء ، لذلك كانت تلك الصفوف الغفيرة، فنحن شعب قليل الدخل وإذا وجدنا السلعة بربع سعرها فما المانع أن أستيقظ من صلاة الفجر للحصول عليها ، وفي تلك الندوة سأل الطلاب السيد|حمدي عن سر إختفاء سلعة السكر من المتاجر ، فرد عليه عبد الرحيم حمدي أنها ذهبت لتحرير كبويتا وكاجي كاجي والبيبور !!! وبالفعل هذا ما حدث ، صار السكر السوداني يُباع في الخارج وحصيلته تذهب لقتل الجنوبيين  ، لم يكن السكر معدوماً لكن للإنقاذ أوليات جعلته يختفي من الأسواق ، فمن أجل إنشاء طريق الإنقاذ الغربي طلبت حكومة الإنقاذ من أهل دارفور بأن يتنازلوا عن حصتهم في السكر ، فشرب أهل دارفور الشاي ابو جكة حتى تاريخ اليوم وطريق الإنقاذ الغربي لم ينفذ بعد، بل لم تتذكره الإنقاذ إلا بعد صدور مذكرة أوكامبو ، أما حصيلة السكر المنهوب فقد ضاعت بين دفاتر الدكتور علي الحاج وخصومه ، وقبل يومين صرح الرئيس عمر البشير أن السودان كان يستضيف لاجئين من أثيوبيا وإرتريا وأفريقيا الوسطى وتشاد والصومال  ، فكيف نكون شحاذين وكل هؤلاء كانوا يتقاسمون معنا الخبز والسكر؟؟ ولا ننسى أن الجنيه السوداني كان يساوي ثلاثة جنيهات من الإسترليني ، ملاحظة هامة : معظم الشحاذين الذين قابلتهم في مختلف دول العالم يمدون " قرعتهم " للشخص السوداني بالذات وذلك لما عرف عنا من نجدة وشهامة ، وكان الإنسان السوداني يفضل الموت جوعاً ولا يطرق باب الصدقات والزكاة ، ربما تكون هذه الصورة قد تغيرت الآن بسبب الخلل الكبير الذي أحدثته الإنقاذ وتسبب في خسارتنا لقيمنا الأخلاقية ، فجرائم الإغتصاب والقتل وقطع الرقاب هي جرائم دخيلة على المجتمع السوداني ولم تكن منتشرة بهذا الشكل،وحتى مصطلح جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية لم نكن نسمع بها مجئ الإنقاذ في يونيو 89، ربما كنا نشرب الشاي بالجكة ولكن كانت لنا كرامة وأخلاق .
سارة عيسي
sara_issa_1@yahoo.com

 

آراء