فى الشأن الدولى: هل الشرق الأوسط فى مفترق طرق؟

 


 

الخضر هارون
14 December, 2015

 


maqamaat@hotmail.com

سنستعرض فى المقالة التالية رؤية امريكية كمحاولة للإجابة على السؤال أعلاه الذى جعلناه عنواناً لهذه المقالة ثم نحاول مضاهاة ذلك بما يجرى فى المنطقة من حراك هذه الأيام..
نهاية حقبة السلام الأمريكية*
 
الشرق الاوسط  مابعد الامريكي

 العنوان أعلاه يشكل الموضوع الرئيس للمقالات الأكاديمية عن موضوعات شتى فى الشرق الأوسط  تتفق وتختلف أحيانا فى رؤاها عما ينبغى أن تكون عليه سياسة الولايات المتحدة حيال هذه المنطقة المهمة من العالم. وتكمن أهمية مقالات هذه المجلة تحديداً كراصد لتوجهات الولايات المتحدة إزاء العالم فى كونها صادرة عن مجلس العلاقات الخارجية وهو مجلس يضم وزراء سابقين للخارجية والدفاع وعسكريين ولمسؤولين ساميين فى أجهزة الإستخبارات المختلفة ولفيف من الأكاديميين المرموقين تستأنس برؤاهم الإدارات الأمريكية المتعاقبة فى صناعة  السياسة الخارجية الأمريكية . وقد أخترنا المقالة التالية من بين موضوعات الملف  العديدة المتعلقة بأمور شرقاوسطية لأهمية ما حوى من رؤى. وعنوان المقالة لأهميته هو الذى يزين غلاف العدد الأخير من مجلة " شؤون دولية" للعام الميلادى الحالى 2015 فهو عدد نوفمبر وديسمبر.
         لماذا يعد الانسحاب الامريكي من الشرق الأوسط قراراً حكيماً
المؤلفان :استيفن سايمون
          وجوناتان استيفن
استيفن سايمون أستاذ زائر لكلية دارتماوث وقد سبق أن شغل منصب كبير مدراء قسم الشرق الاوسط وشمال إفريقيا في البيت الأبيض من 2011-2012م
جونوتان استيوزيسن ، بروفسور في الدراسات الاستراتيجية في الكلية الحربية البحرية الأمريكية وقد سبق أن عمل في مجلس الأمن القومي كمدير للشؤون السياسية والعسكرية للشرق الأوسط وشمال افريقيا من 2011- 2013م.
تجدون إذن  بأدناه ترجمة موجزة لأهم ما جاء في المقالة من وجهة نظر الأستاذيين المذكورين ولا تخفى أهميتها لجمع الكاتبين  بين النظر الأكاديمي والممارسة في وضع وإنفاذ السياسات:

عودة إلى المعتاد:
مايراه البعض من انسحاب لإدارة أوباما من الشرق الأوسط هو في الواقع عودة لما ظلت علية سياسة أمريكا في المنطقة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى أحداث 11 سبتمبر 2011م حيث كانت تدخلات الولايات المتحدة في حروبات الشرق الأوسط محدودة أو غير مباشرة مثل حرب1948 وحرب الأيام الستة عام 1967 وحرب يوم كيبور في 1973 وفي الحرب العراقية الإيرانية .ولقد أدى فشل بعثة السلام في لبنان 1982-1984( تعرضت لعمليات إنتحارية أدت لسحبها من هناك) إلى  تبني مبدأ "القوة الكثيفة الرادعة" والتى إعتمد عليها عند غزو العراق للكويت عام 1990.
إن مصالح الولايات المتحدة تتماهى مع مصالح حلفائها في المنطقة وهى تتمثل في الإستقرار السياسي ، انسياب سهل واسعار معقولة للنفط وهذه أهداف يمكن تحقيقها من جانب الولايات المتحدة عبر علاقات إقتصادية ودبلوماسية ووجود عسكري محدود.
بعد قيام الثورة الإيرانية عام 1979 تلاقت مصالح إسرائيل ودول الخليج والولايات المتحدة في احتواء ايران وبعد اتفاقات كامب ديفيد عام 1978 تلاقت مصالح امريكا وإسرائيل ومصر وهى العلاقة الثلاثية والتى دعمت بمساعدات أمريكية هائلة للبلدين .وحتى بعد هجمات سبتمبر 2011 تضافرت جهود أمريكا ،إسرائيل ودول الخليج في محاربة الإرهاب.
تضاؤل المصالح ( مصالح أمريكا فى المنطقة حالياً) = ضعف الأهمية:
خلال العقد المنصرم لعبت عوامل عديدة لا علاقة لها بأجندة السياسة الأمريكية ، دوراً في إضعاف الأسس والقواعد التى قامت عليها تلك التحالفات والشراكات:
أولاً: أدت تقانة إستخراج النفط من الصخور في الولايات المتحدة الى إزالة قيمة واستراتيجية العلاقة مع السعودية ودول الخليج : وفى الحقيقة فإن الولايات المتحدة ستتفوق على السعودية كأكبر مصدر للنفط الخام في العالم وستقل حاجتها للإستيراد من الخارج. وعلى الرغم من أن دول الخليج ستظل متحكمة فى أسعار النفط وأن الشركات الأمريكية ستحافظ على اسهمها في آباره , إلا أن الولايات المتحدة ستتمتع بمرونه وحرية خيارات في سياساتها الخارجية.
إن إنتشار وتجدد نشأة الحركات الجهادية قد أضعف الروابط الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وشركائها في المنطقة .خلال العقد الذي مضى أقنعت الضغوط الأمريكية وحجم هجمات القاعدة داخل السعودية ،السعوديين وجيرانهم  بضرورة محاصرة ظاهرة التطرف لديهم .لكن عرب الخليج اليوم جعلوا الأولوية لإسقاط نظام الأسد في سوريا وجعلوه مقدماً على إستئصال الجهاديين لديهم . ذلك دفعهم لدعم الحركات السنية المتطرفة في سوريا رغم أن أمريكا ورغبة السعودية نفسها تكمن في الحيلوله بين  أولئك المتشددين وبين وراثة نظام بشار الاسد.
إن شركاء أمريكا في المنطقة يشعرون بأنهم أقل سماعاً لأمريكا وهى تشعر بأنها أقل إلتزاماً بحماية مصالحهم, تلك التى غدت تتزايد بعداً عن المصالح  والقيم الأمريكية .
إن تصاعد ظاهرة التشدد الإسلامي قد أدى لظهور مشاعر أممية إسلامية عامة بين المسلمين باتت تعقد تعاطى الغرب مع الشرق الأوسط . مثال على ذلك رفض معارضي الأسد من المعتدلين للمساعدات الأوربية والأمريكية لهم على إعتبار أن ذلك يؤدى الى نزع الشرعية والقبول عنهم لدى الإسلاميين. ومن وجهة نظر الولايات المتحدة فإن الاستثمار في الشرق الأوسط أصبح عديم الفائدة نظراً للفشل السياسي والاقتصادي لإقليم  يعانى من ندرة في المياه، وبزراعة قليلة متفرقة . وحتى تلك الدول التى لازالت متماسكة فيه, فإنها تعاني من إختلالات حقيقية وعجز في ميزانياتها كما أنها تنفق بكثافة على دعم ضروريات العيش لمواطنيها . وأغلب الظن أن تدنى اسعار النفط ستؤدى الى عجز دول الخليج عن الوفاء بذلك الدعم.
إن الصراعات في العديد من دول الشرق الأوسط قد أدت الى نزوح أعداد كبيرة من السكان وحرمت الشباب من فرص التعليم وبالتالي إنعدم الأمل في المستقبل لديهم . وهذه الظروف قد أدت إما إلى يأس خطير أو الى تنامي ظاهرة التطرف السياسي والديني.
وعليه فإن جهود جعل الشرق الأوسط حاضنة لنماء الديمقراطية الليبرالية والتى كان يؤمل أن تؤدي الى تهدئة الشباب واستيعابهم قد باءت بالفشل رغم الأموال الطائلة التى انفقتها الولايات المتحدة على ذلك البرنامج بعد أحداث سبتمبر 2001.
أخيراً فان المجموعات التى كانت موالية ومتبنية (بحكم الثقافة والتنشئة والمواقع) لثقافة الغرب ، كالجيوش الوطنية ، والنخب المرتبطة بصناعة النفط ، والتكنوقراط العلمانيين قد تضعضع نفوذها . وحتى عندما يصل أولئك للسلطة فإن مصالحهم وسياساتهم تتعارض مع المصالح الأمريكية . مثال على ذلك الجيش المصري الذي ظل لعقود واحداً من أعمدة العلاقات الأمريكية المصرية ونتيجة لتلك العلاقات المتينة فإن الإنقلاب الذى وقع في 2013 قد وضع جنرالاً سابقاً على رأس سلطة آتوقراطية جديدة في مصر . ولكن هذه النتيجة من الصعوبة إعتبارها في مصلحة واشنطن فإذا كان الماضى فاتحة ومقدمة للمستقبل فإن القسوة والغلظة التى استخدمت في سحق الأخوان المسلمين ستؤدي حتمياً الى زيادة عنف الجهاديين وتعرض الولايات المتحدة إلى  ماسعت لتجنبه بمساعدة مصر.
· إن الآمال التى عقدت خلال عقود الخمسينيات والستينيات عندما اعتلى علمانيون وتاكنوقراط ومستغربون من النخب العربية  سدة السلطة لنقل مجتمعاتهم إلى فضاءات أخرى , قد تبددت تماماً.
قوِى بلا قوة
يقول هذا العنوان الجانبى إن أمريكا قوية لكنها مكبلة بما يرد بأدناه:
لما كانت أهمية الشرق الأوسط لدى الولايات المتحدة قد تضاءلت ولما كانت مصالحها مع شركائها التقليديين قد تباعدت كذلك فإن قدرة العسكرية الأمريكية على القيام بتغيير أساسى في المنطقة قد زالت : فلا مركزية القاعدة ، وبروز داعش كقوة لمتشددين سريعة الحركة وتنتشر فى أكثر من قطر و تتصف بصفة شبه دولة , قد زاد من إختلال التوازن بين  قدرات العسكرية الأمريكية وقدرتها على التصدى الفعال للتحديات الملحة التى تواجه هذا الإقليم . إن إنزلاق العراق بعد الغزو الأمريكى وتحديدا فى 2006 إلى حرب أهلية , قد حدا  بالبنتاقون إلى تحسين قدرة العسكرية الأمريكية من حيث النظر والممارسة على التصدى للحروب غير التقليدية وللعمليات الخاصة . لكن الحكومات الديمقراطية الخاضعة للمساءلة فى بلدانها يصعب عليها الدخول فى وحل حروب مع جهة مثل داعش لا تعترف بالحدود السياسية ولا الجغرافية. كما أن انعدام وجود شركاء محليين يتمتعون بنظم إدارة فعالة ويتمتعون بشرعية شعبية منتجة ومساءلة لدى شعوبها, يغل أيادي القوى الخارجية الراغبة فى تقديم المساعدة العسكرية.
بالطبع لازالت لدى الولايات المتحدة القدرة على تحقيق نصر عسكري على دولة قطرية حديثة لكنها تعلمت وبأصعب الامتحانات أنه من الصعب أن تنتصر في صراعات اثنية تغذيها مشاعر دينية.
إنه بوسع الولايات المتحدة تحقيق إنتصارات ميدانية مرحلية على داعش. لكن عواقب ذلك الوخيمة ستصل إلى الداخل الأمريكي .لأن المحافظة على إنتصارات  تتطلب المحافظة عليها بإرادة سياسية يدعمها الرآي العام الأمريكي وكادر كبير الحجم من الخبراء المدنيين في إعادة البناء وتحقيق الإستقرار في البلد المعنى ومعرفة عميقة بالمجتمع الذى حققت له الولايات المتحدة الإنتصارات وأكبر مشكلة تكمن في الإبقاء على وجود عسكري أمريكي مناسب لحماية أمن الناس والبنى التحتية لديهم .وحتى لو توفرت تلك الشروط فإن الولايات المتحدة ستعاني حتي  تحصل على شركاء محليين أو حلفاء لمساعدتها.
 إن فشل واشنطن فى توفير تلك الشروط عندما غزت العراق في 2003 وعندما شاركت حلف الناتو في ضرب نظام القذافي في ليبيا 2011  هو السبب فى ما آلت إليه الأوضاع فى ذينك البلدين .وببساطة فإن الولايات المتحدة ستخسر أي حرب قادمة في الشرق الأوسط في غياب تلك الشروط وحتى في حالات المواجهات الأخف مثل التصدي لداعش الذي قد يتطلب فقط طائرات دون طيار وعمليات كماندوز من وقت لآخر ، الإ أن الخسائر الجانبية وسط المدنيين ستكون باهظة الثمن سياسياً كما حدث في باكستان وافغانستان حيث أدت الى عكس النتائج وجعلت السكان يعودون لمحور طالبان.
لذلك يتعين على صانعى السياسة الأمريكية النظر العميق وبعين الريبة في جدوى تبنى الولايات المتحدة لأى حرب في الشرق الأوسط . وتحرياً للدقة فإن تلك الشكوك والريب هى التى حدت بالولايات المتحدة الى تغيير إستراتيجيتها الأولى تجاه سوريا ففي2012 وفي بداية 2013 فإن إدارة أوباما فكرت في عملية كاملة في سوريا تشمل فرض حظر على الطيران وإنشاء منطقة خالية عازلة بين المتحاربين وتغيير النظام الحاكم (بدعم أمريكي ضخم ودعم من الحلفاء للمتمردين السوريين ضد بشار الأسد) وعمليات إنتقامية محدودة لنظام بشار بعد إستخدام السلاح الكيمياى ، لكن دخول إيران وحزب الله اللبناني معترك الحرب الي جانب بشار كان سيجعل التدخل الامريكي السافر عبارة عن حرب بالوكالة ضد ايران وفي تلك الحالة كان سيصعب الاتفاق النووي مع إيران كما كان سيجعل كلفة التدخل الامريكي باهظة حيث كان سيتطلب التفوق على  مساهمة إيران في الحرب الى جانب الأسد فضلاً عن أن الصين وروسيا كانتا – كما فعلتا- ستتصديان لأى مشروع قرار أممي يحشد التأييد لتدخل تقوده الولايات المتحدة هناك.
كما أن تدخلاً غربياً كبيراً كان سيؤدى إلى مزيد من الانتشار للتشدد الجهادي بين المسلمين في العالم.
 
واصل السعى دون ضجيج:
ورسالة هذا العنوان دعوة للتريث والسير بخطى وئيدة متعقلة بغية الوصول للأهداف المرجوة:
إن مصلحة الولايات المتحدة الأساسية في الشرق الأوسط هى الإستقرار. إن كوابح أستخدام القوة الامريكية هنالك وطبيعة الاعتماد المتبادل والمعقد مع الشركاء في شأن المصالح ، وترجيح إستمرار التنافس بين الولايات المتحدة والصين الذى سيوجه الإهتمام الأمريكي إلى اقليم آسيا_الباسفيك، سيحتم أن تنتهج الولايات المتحدة مايسميه منظرو العلاقات الدولية  سياسة (التوازن  والتأثير من على البعد) أى الابتعاد عن التورط العسكري في ما  وراء البحار بأن تصبح  أمريكا شبه إمبراطورية  تستخدم بطريقة إنتقائيه تأثيرها المقدر لإحداث التاثير الذي تريد لحماية المصالح الأمريكية ( أى عبر وكلائها الإقليميين كما كان الحال إبان الحرب الباردة أى بتكلفة أقل).
إن على الولايات المتحدة أن تتحكم في إستخدام قوتها في الشرق الأوسط بألا تلجأ لاستخدامها الإإذا تعرض وجود أحد حلفائها إلى الزوال وذاك أمر بعيد الحدوث .عليها أن تبعد أى تصورات تؤدى لنشر قوات كبيرة في مواجهة داعش.
هنالك من ينتقدون الكوابح الذاتية التى تفرضها واشنطن على نفسها بعدم تعجل التدخل العسكري ويرون أن ذلك يشجع إيران على إشعال الحروب و هذا ليس صحيحاً لأن أعداء واشنطن يعلمون أنها قادرة تحت ظروف معينة على التدخل الحاسم وأن ترددها في التدخل بقوة تحدده إرادتها هي . وطالما أن أمريكا تعلن دوماً أن علاقاتها باسرائيل ثابتة, فإن إيران لن تجرؤ على مهاجمة إسرائيل أو زيادة تدخلها في اليمن أو سوريا لأنها تعلم أن أمريكا سوف ترد بقوة كما أن أى تحرك إيراني غير محسوب سيعرض صفقة الاتفاق النووى  للخطر وسيعيد إيران الى مصفوفة العقوبات التى دفعتها  إلى قبول تلك الصفقة في المقام الأول.
وللتقليل من آثار التقارب الأمريكى-الإيرانى على قدرة أمريكا على التأثير فى المنطقة تقول المقالة:   
وعما إذا كان التقارب الأمريكي الإيراني واعداً  بالتغيرات (أى فى ظن المتخوفين منه) فإن ذلك بحاجة الى وقت للتأكد منه.
التأثير الإيرانى على الامور في العراق سببه الفراغ الذى  تركه إنسحاب أمريكا من هناك لكن ونظراً لأيلولة الحكم إلى الأغلبية الشيعية في العراق فلم يكن تفاديه.
إن إعتماد العراق على أمريكا في دحر داعش يعطى أمريكا فرصة لخلق عراق معتدل ويقلل من التأثير الإيراني عليها.
إن دعم إيران للحوثيين في اليمن وللشيعة في البحرين ليس إستراتيجية إيرانية ولكنها عمل إنتهازي قصير المدى لن يؤثر على ميزان القوى في المنطقة.
تدخل إيران في الشأن الإسرائيلى الفلسطيني لم يصعد لدرجة تحد إستراتيجي حقيقي لإسرائيل حيث لم تتمكن حماس من تحويل الدعم الإيراني إلى تفوق على إسرائيل .
إن التدخل الإيراني في سوريا ولبنان قديم لكنه لن يمكن إيران من السيطرة على الإقليم بل قد يكون عبئاً عليها.
إن صفقة الاتفاق بشأن برنامج إيران النووى قد أحدث شرخاً في العلاقات الإسرائلية الأمريكية لكن الخلاف لن يكون له آثار عملية محسوسه لطبيعة علاقات البلدين.
دول الخليج والسعودية قلقة أيضاً ولكن عليهم إدراك أن أمريكا لإعتبارات إقتصادية دولية ولمكافحة الإرهاب ستظل تدافع عن أمن وسلامة تلك الدول .كما أن ابناء المنطقة  لا زالوا يرسلون للتعليم في الولايات المتحدة. (أى أن ذلك دليل على خصوصية العلاقة.)
صوب هدفك إلى أدنى لتحقيق درجات أعلى:
وهذا عنوان جانبى آخر يدعو السياسة الخارجية الأمريكية إلى الواقعية وعدم المبالغة والتهويل لتحقيق الأهداف على النحو التالى:
واشنطن بحاجة لإعادة النظر في أولوياتها الدبلوماسية:
فبالإضافة إلى التوقف عن التدخل العسكري بعد تجربة 11 سبتمبر على الولايات المتحدة , يلزم إعادة النظر في أولوياتها الدبلوماسية. إن أحداث ماوقع بعد الانتفاضات العربية 2011خاصة في مصر وليبيا وسوريا أوضحت أن مجتماعات الشرق الأوسط ليست مهيأة لخطوات كبيرة نحو الديمقراطية وعليه فإن محاولات أمريكا ترقية حريات سياسية أكثر ينبغي لجمها.
على الامريكيين الاقتناع بأنه لايمكن تحقيق سلام بين الفلسطينيين والإسرائليين في المدى المتوسط .الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تمكنت من إجهاض محاولات أمريكا تحقيق السلام هنالك دون أن يترتب على ذلك أى ضرر يلحق بها.
عدم مقدرة أمريكا على إنجاح مساعيها قد ساهم في الإعتقاد بأن قوة أمريكا بدأت في الإضمحلال لكن تلك الجهود تجعل في نفس الوقت دول الخليج تثمن ضغوط أمريكا عبر تلك المساعى وتراها كشواهد على صدقية أمريكا كحليف.
ينبغي على أمريكا دوماً السعي لتحقيق الديمقراطية في الشرق الأوسط وتحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين .لكن وعلى المدى المتوسط ينبغى عدم التعلق بتلك المساعى فأهم منها إنجاح صفقة برنامج إيران النووى لأن تطبيع العلاقات مع إيران كفيل بتحقيق مرونة في مواقفها تجاه المنطقة وتحسين علاقاتها بالسعودية مما يمكن من تحقيق سلام في سوريا ومحاصرة داعش. ( نهاية موجز مقالة شؤون دولية).
لابد هنا من الإشارة إلى المستجدات التى حدثت بعد كتابة المقالة أعلاه والمتمثلة  فى إسقاط تركيا للمقاتلة الروسية وتفجيرات باريس وكاليفورنيا. هل تخلق تلك  الأحداث واقعاً جديداً يغير مسار الموقف الأمريكى من الشرق الأوسط ؟ وهل فى وسع الولايات المتحدة ترك هذه المنطقة الحيوية من العالم للنفوذ الروسى المتزايد؟  وماذا عن إلتزاماتها تجاه شركائها الأوربيين ؟
رغم ان العديد من التحليلات الأمريكية لا تقرأ فى الجرأة الروسية عودة للحرب الباردة ولا  لتجديد الإعتقاد فى فاعلية دور الجغرافية السياسية فى الصراع , إلا أن قلقاً بدأ فى التنامى لدى مراكز التحليل العسكرية فى الولايات المتحدة. فالمحلل ديمترو هاريكوان كان قد كتب فى أسبوعية (يو اس نيوز) وتحت عنوان ( ليست حرب أبيك الباردة) أن الحرب الباردة كانت حربا أيدولوجية بين الشيوعية والرأسمالية بنظامها السياسى التعددى واقتصادها الحر الذى تحكمه حركة الأسواق . وهى بتلك الصفة قد انتهت وأن التوسع الروسى فى المنطقة يشبه رغبات روسيا القديمة فى القرن التاسع عشر التواقة لخلق حزام عازل يقى حدودها من التوسع الغربى خاصة وأن ذلك التوسع قد طرق أبوابها بعد سقوط الإتحاد السوفيتى ودول المنظومة الشرقية التى كانت تدور فى فلكه فجاءات الحرب ضد جورجيا وضم جزيرة القرم والضغط على جورجيا وأوكرانيا بعد  ذلك لكى لا تنضم لحلف شمال الأطلسي وبلغ الأمر حد التهديد بإستخدام السلاح النووى.  وعدّت تحليلات سابقة  أن التحركات الروسية الجريئة نابعة عن خوف لا عن قوة. إلا أن الكاتب يريد موقفاً أقوى من أوروبا وأمريكا يمنع روسيا من التمادى فى سلوكها العدوانى كما يصفه.
أما مارك قاليوتى الخبير الأمريكى فى الشؤون الروسية فقد عدد أوجه التفوق العسكرى الأمريكى على الروسيى فيما يلى: الإنفاق العسكرى الأمريكى يساوى عشرة أضعاف الإنفاق الروسيى ولأمريكا عشر حاملات طائرات فى مقابل واحدة لروسيا كما أن البحرية الأمريكية متفوقة تكنولوجيا بما لايقاس. لكنه يعترف فى ذات الوقت بأن روسيا فى عهد بيوتن قد طورت قدراتها إلى حد بعيد. ورغم أنه يتشكك فى قدرتها على مواصلة المواجهات فى محيطها وفى الشرق الأوسط فى نفس الوقت وأن ذلك سينهك إقتصادها الضعيف أصلاً  وقد يلحق بها ذات الضرر الذى ألحقه تورط الإتحاد السوفيتى فى أفغانستان  وأدى إلى زواله, وأنه فى حالة حرب مواجهة فإن أمريكا منتصرة لا محالة, إلا أنه  يستدرك قائلا إن حرب المواجهات قد انتهت وأن لروسيا مواطن قوة فى مواجهة حلف شمال الأطلنطى فبإمكان بيوتن إثارة الأقليات الناطقة بالروسية فى دول البلطيق مثل إستونيا مثلاً وخلق أوضاع تشبه أوكرانيا مما يحد من توغل الحلف قريباً من الحدود الروسية .وهنا إيماء إلى أن إنغماس روسيا فى شأن الشرق الأوسط هو بعض الصراع الأساس مع الغرب وهو منع تمدد ذلك الحلف  (حف شمال الأطلسى أو الناتو )شرقاً بما يهدد روسيا فى حدودها وفى مناطق نفوذها التقليدية التاريخية. ويبدو أن الرمال متحركة بوتيرة أسرع من التنبؤات وأن الليالى حبالى بالمفاجآت.
هل ينتبه الشرق الأوسط لتحليل ما يحمله المستقبل القريب لوجوده ونموه؟ وهل فى مقدوره ذلك أم ينتظر ما تفعله مصالح الآخرين بحقه وجوداً وعدماً؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*يقصد بها حقبة السلام العالمى الممتدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى الآن Pax Americanaعلى إعتبار أن قوة الولايات المتحدة الضاربة هى سبب ذلك.

 

آراء