في اختبار الشرعية، لم ينجح أحد (3): بعض الحركات خانت شعوبها وخاضت مع القتلة في دمهم  !! 

 


 

 

مهداة: إلى شباب المقاومة في كل بيت


انتهينا في الحلقتين السابقتين إلى نتيجة لم تعد محل جدال بناء على وقائع العامين السابقين، وهي، أن المكون العسكري والحاضنة السياسية لا يمكن – قياساً  بأدائهما خلال الفترة الانتقالية، بل وما قبلها – أن يدعيا أي نوع من الشرعية لقيادة الدولة.

وبالتالي، وبالأحرى لا تملك قوى الحركات المسلحة – وهي الطرف الأضعف في كابينة قيادة مثلث السلطة الانتقالية – لا الكفاءة ولا القدرة ولا الشرعية للعب هذا الدور. مثلها في ذلك مثل اللاعبين السابقين في مثلث السلطة الانتقالية. وأيضاً، لنفس أسباب تجريدهما من الكفاءة والقدرة والشرعية.


(2)

تستمد قوى الكفاح المسلح (دعنا نسميها كذلك) شرعيتها من تمثيلها للمناطق الأكثر تهميشاً، وبما حس العدالة لا يتتجزأ، فإنها بالتالي تنحاز لكل المهمشين في الوطن، وهذا مبدأ شرطي لئلا تتحول إلى واحد من اثنين:

- فهي إما صارت قوة تهميش مضاد

- وإما تحولت إلى حركة عنصرية مناطقية أو عرقية. ولا فرق.

وعندما تصير الحركة رهنا لقيادتها، ويتم توظيفها لتحقيق مصالح النخبة المسيطرة على قيادتهافإن ذا يجرد هذه القيادة من شرعية تمثيلها للمناطق المهمشة والتحدث باسمها.

وهذا ما فعلته قيادات الحركات تاتي رهنت ‘رادتها للمكون العسكري وقبل ذلك رهنت إرادة الجماهير التي تدعي تمثيلها. وربما يخطر بذهنك السؤال: ولماذا فعلوا ذلك؟.\إذا نحينا جانباً الدوافع الشخصية، والمتمثلة في تحقيق المصالح والطموحات الذاتية، رغم أهميتها. لأن هناك طريق آخر لتحقيقها عن طريق التخندق مع جماهيرها ومطالبها، وهذا كفيل بمنحها وزناً أثقل في موازين القوة بينها وبين القوى المضادة لمصلحة الجماهير وحقوقها المشروعة. فلماذا اختارت هذه القيادات خيانة جماهيرها المهمشة؟.

إن عدم الكفاءة الفكرية والسياسية لهذه القيادات ترك بصمة لا يمكن محوها في رؤيتها للثورة. وأعني بذلك حركتي جبريل ومناوي، أما "حركات الفكة" فلا تثريب على قياداتها، فهي كالنبت الشيطاني طلعت من المجهول لتلحق ولو بالقليل من فتات ما يجود به حليفها.


(3)

لقد تعاملت قيادات هذه الحركات مع الثورة كـ"مغنم". وليس كـ"مشروع" سياسي، يهدف إلى تأسيس دولة الحرية والعدالة والسلام التي كان ينبغي، ومن المفترض بداهة، أن يكون هو ذات هدف هذه الحركات.

فهل تم هذا التحول والانتقال بدون وعي ولخطأ غير مقصود في حساباتهم، أم تم بوعي تام وإرادة حرة؟.

الاحتمال الأكبر أن ذلك كان خيار إرادي، تم بوعي تام من هذه القيادات.

ويأتي تأكيدنا من أن هذا الخيار يتوافق تماماً مع عقلية الانتهازي الذي يسعى وراء الغنائم ولا يبالي، وهو عادة واحد من اثنين: إما أن يكون بلا مبدأ مثل مناوي، أو أن يكون صاحب مبدأ، ولكنه ميكيافيلي، الغاية عنده تبرر الوسيلة مثل جبريل.

وهكذا، بدلاً من أن تكون قضايا المهمشين – الذين يدعي تمثيلهم – على رأس أولويات حكمه، انشغل بتوطيد سلطانه ملكاً على دارفور، مع كل متطلبات الأبهة الملكية، وصرف على حفل تنصيبه مليارات كان أولى بها النازحون والمهجرون في معسكرات اللجوء. وليته قام بوجبه الملكي بحفظ أمن مملكته ، وحماية أرواح وعروض مواطنيها، حدث العكس، فآلة القتل التي أوقفها هدير الثورة، استأنفت دوران طاحونتها، وبشكل أبشع، بعد تربعه عرش مملكته !.

ولك أن تسأل : كيف طابت لمناوي نفسه أن يضع يده في يد حميدتي ومليشيا الجنجويد الذين قتلوا أهله واغتصبوا حرائرهم وأحرقوا منازلهم وهجروهم من ديارهم ؟!!.

وأما جبريل، فمنذ هبوط طائرته أرض الوطن، ولا شغل له سوى "أولاد كاره" من الفلول، الحبيس منهم والطليق، والتواصل معهم ومحاولاته العبثية لإحياء نظام مات وشبع موتاً، فصار في كبينة حكومة الثورة يحاول الاتجاه بها للماضي، أو عرقلة مسيرة تحقيق أهدافها.


(4)

لقد سعى حثيثاً للسلطة، فما الذي فعله بها؟.

ورد في تقرير لسيمون ماركس بصحيفة بلومبيرغ (17 سبتمبر 2021) أن وزير المالية جبريل إبراهيم صرح بأن الدولة ألغت أهدافها للنمو للعام المقبل وتستعد لفترة متواصلة من الدعم الخارجي المحدود. وأنها كانت تتوقع في وقت سابق من هذا العام أن يتوسع الاقتصاد بنسبة 3٪ في عام 2022. "وقال عبر الهاتف من العاصمة الخرطوم "نحن نبني أسوأ سيناريو ونخطط للاعتماد على مواردنا الداخلية". "لن نحقق النمو الذي كنا نخطط له". وأن " من بين التخفيضات التي تدرسها الحكومة خفض دعم القمح والكهرباء. قد يؤدي ذلك إلى تجدد عدم الاستقرار: أثار إلغاء دعم الدولة لتعويض تكلفة الوقود في وقت سابق من هذا العام احتجاجات وساهم في ارتفاع معدل التضخم إلى أكثر من 400٪.

إذن ما هو الحل في تصور الوزير وحكومته؟.

يقول التقرير:" أن بعض المسؤولين في الجيش السوداني (ما يعني قادة الانقلاب البرهان وحميدتي) كانوا يأملون في أن تدعم الدول ذات الثقل الإقليمي مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة - وهما دولتان تعهدتا تاريخيًا بتقديم دعم اقتصادي ومشاريع استثمارية في السودان - بعد الانقلاب، إلا أن ذلك لم يحدث أبدًا. وقال إبراهيم إن الحكومة الجديدة التي شكلها رئيس الوزراء المعاد عبد الله حمدوك تواصلت مع دول الخليج بشأن الدعم المالي".

وقال "ليس لدينا ضمانات حتى هذه اللحظة بأنهم سيدعمون المرحلة الانتقالية في السودان". نحن نحاول التحدث معهم. ولكن بالطبع الخليج اليوم ليس خليج أوائل عام 2010 أو أوائل التسعينيات ، ولا يمكن أن يكونوا كرماء كما كانوا في السابق".

حسناً.

إذا كان جبريل يعرف ويعي كل ذلك، فما الذي دفعه ليدعو بشة للانقلاب ويؤيده ويدعمه، وهو يعرف نتائج الانقلاب الكارثية على السودان كدولة وعلى الشعب السوداني؟!. هل هو طموح السلطة؟. لقد نال أكثر مما يستحق منها، وقطف من ثمار الثورة منصب وزاري سيادي، وجعله على يمتلك مفاتيح خزينة الدولة. وقد أغدق منها على أهله ومؤيديه بلا حساب منها (وهذا ملف سيفتح قريباً). فما الذي يطمع فيه من الانقلابيين؟!.

ولك أن تسأل: هؤلاء يمثلون من ويتحدثون باسم من، وأي صفة تمنحهم شرعية ذلك ؟!!.

إنهم مثل سابقيهم اختطفوا صوت من يدعون التحدث بلسانهم، ينتحلون صفة ليست لهم. وبالتالي لا شرعية تبرر وجودهم في كبينة قيادة المرحلة الانتقالية.


(5)

حقاً كانت تلك التي قادت المرحلة الانتقالية، سلطة "لحم راس"، لا يجمع أطرافها سوى الاختلاف، قبل أن يحسم أمرها المكون العسكري، بتحالفه الهش مع خليط بديل، هو الآخر "لحم راس" جديد من بعض حركات مسلحة وغير مسلحة (زي ترك)، وشيء من فلول، وثلة من المتطفلين على مائدة اللئام (زي هجو).

فهل من عاقل يظن، مجرد الظن بأن حظ التحالف البديل سيكون أوفر من التحالف الأول، رغم أن أركان الأول أكثر رسوخاً في فعل الثورة ونصيبه فيها أوفر ؟.

 وها هي النتائج تتري  وتتطور، فالخيارات الاقتصادية أمام السلطة الانقلابية بأت بقطع التمويل الي كان يمكن بدعم السلع الاستهلاكية يمتص يئاً من غضب الشارع واحتقانه، وكان هذا هو رهانهم عند تدبير الانقلاب.

وبعقلية "كيزانية" تعتمد التكتيك منهجاً، وترمي بالاستراتيجيات قي المزبلة، كانوا يظنون أن مشكل الاقتصاد يمكن حلّه بالرشوة. إذ  لم يعد سراً أنهم قاموا عند حصار "تِرك" للبلد بقطع الطريق وإغلاق الميناء، بتخزين مواد استهلاكية غلى رأسها القمح لتوزيعها في الأسواق بعد الانقلاب، كرشوة تؤكد للشعب أن عدم توفرها كان  بسبب عجز وفشل الحكومة المدنية، وأن الحكم العسكري هو الأصلح والأنسب للسودان.

والنتائج تتري وتتفاقم توتراً، وها هو الشارع وقواه الحيّة يزداد غليانه ويعلنها داوية للمرة الأولى كفره صراحاً بكل ما يمت للسلطة الانتقالية وأضلاعها المدنية والعسكرية والمسلحة وغير المسلحة بصلةـ بل ويقوم بطرد بعض من حاول منهم أن يركب موجة الغضب المقدس منهم، باندساسهم بين المتظاهرين، وهم من كانوا وزراء وتنفيذيون في السلطة الانتقالية.

فذلك فصل في كتاب الثورة وقد طويت صفحاته. والآن يبدأ الثوار كتابة أولى صفحاتها الجديدة.

فما الذي بقي في جعبة من طويت صفحاتهم، يقدمونه لقوى الثورة الحيّة، لاعتمادهم شركاء في صناعة المستقبل ؟.


tarig@sudanile.com

 

آراء