في الأحفاد مع زينب البدوي … بقلم: خالد موسي دفع الله

 


 

 

Kha_daf@yahoo.com

 

لا أدري لماذا تذكرت مقال الطيب صالح عن الأم تريزا، وأنا أحدق في ذلك الوجه الأبنوسي الوضئ، وهو يفيض علي قاعة مكتبة الحفيد بجامعة الأحفاد بحيوية مترعة بالسرد،والذكريات وهي تحكي عن تجربتها الأعلامية المتميزة في الصحافة البريطانية عبر رحلة تميزت بالتألق والنجاح حتي توجت بجائزة الشخصية الأعلامية الأولي للعام 2009. كانت زينب بدوي في ذلك المساء، رغم لغتها الأنجليزية المعتقة ،ترش علي المستمعين لمحاضرتها عن تجربتها الأعلامية، عطرا من الحميمية، ومزيجا مبدعا من المرح، والذكاء الآخاذ والروح السودانية المتدفقة، وهي تتطلع لصورة جدها بابكر بدري في الجانب الآخر من القاعة.يقول الطيب صالح عن الأم تريزا: "والآن ونحن ننتظر اقلاع الطائرة التى ستعود به الى باريس وكان الوقت أواخر الليل ، اذا ضوء يسطع الى عينينا. التفت الى مصدره فاذا السيدة العجيبة ، تدخل بهدوء كما يسيل الماء فى الجدول ، عليها الثوب الأبيض التى اشتهرت به ، وحولها فتيات فى مثل زيها ، سمراوات ، هنديات ، أو أثيوبيات أو خليط من أجناس ..ذهبت وسلمت عليها ، وعلمت أنها كانت فى " سنار" فى الجزيرة جنوب الخرطوم و أنها قضت شهرا تحاول أن تساعد ضحايا المجاعة .. قال وزير الاعلام أنه لم يكن يعلم بوجودها فى السودان ، والا كانوا احتفوا بما يليق لمثلها. دخلت بلا ضوضاء ، وها هى ذى تخرج بلا ضوضاء" لعل وجه الشبه بين وصف الطيب صالح عن زيارة الأم تريزا للسودان، في أواخر العقد الثامن من القرن الماضي، وزينب بدوي هو ذلك الأحتفاء التلقائي من قبل الحضور ،وتداعيات المشهد الجميل مع طالبات الأحفاد، وهن يتحلقن حولها، ويلتقطن معها الصور التذكارية، كما إلتف حولها عدد من البريطانيات بكثير من الود والأعزاز كأنها قديسة تؤدي صلواتها في قلب الأنسانية النابض. كانت زينب بدوي تضج بالتلقائية في ذلك المساء، وهي تحكي عن رحلتها في قلب لندن، وعمرها لم يتجاوز العام الواحد،فتأثرت بالروح الأعلامية المستكنة لوالدها الذي عجمته البي بي سي،كانت تحس في أول مراحلها بالغربة في ذلك المناخ المضطرب، ولكنها سرعان ما أندغمت في محيط الحياة البريطانية بكل تفاصيلها،لم تعش ذلك الوجدان الممزق، بين تقاليد أسرتها السودانية المحافظة، وليبرالية الثقافة البريطانية.درست الثانوي في شمال لندن في مدرسة   هورنسي للبنات، ومن ثم أنتقلت الي جامعة أكسفورد، كلية سانت هيلدا، حيث درست السياسة، والفلسفة والأقتصاد. ومن ثم إلتحقت بمدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية،حيث تحصلت علي درجة عليا في دراسات الشرق الأوسط. وشاركت خلال دراستها الجامعية في نشاطات جمعية الأعلاميين بأكسفورد. عقب تخرجها عملت في وظيفة باحثة، ومقدمة برامج في تلفزيون يوركشير،في الفترة من 1982 وحتي العام 1986،وبعد فترة وجيزة في بي بي سي مانشيستر، أنضمت الي فريق القناة الرابعة عام 1988،وقدمت في تلك الفترة برامج تلفزيونية متنوعة، حتي أنضمت الي  تلفزيون البي بي سي في 1998. وشهدت مسيرتها منذ ذلك العام، تألقا لافتا حيث قدمت،برامج سياسية حية من ويستمنستر، هذا فضلا عن برامج، العالم هذا المساء في الراديو، وأخبار العالم اليوم، وأخبار الساعة. ومن ثم قدمت برنامجها الأشهر(هارد توك) الذي أستضافت فيه العديد من الشخصيات العالمية، ورؤوساء الدول والحكومات، والعديد من المشاهير والشخصيات العامة في جميع مناحي النشاط البشري والأبداع الأنساني.

في حديثها عن أكثر المقابلات العالقة بذاكرتها قالت، إن مقابلتها مع جون قرنق كانت حافلة بالتميز، لأنه شخصية فرضت حضورها علي مسرح الأحداث في كل المنطقة، كما أنه يمتلك رؤية نافذة، وتصورات مكتملة لما يريد فعله. أما المقابلة الثانية التي تعتز بها فهي مع زعيمة باكستان الراحلة بنازير بوتو، التي تجاوزت كارزميتها و تأثيرها محيطها الطائفي، وأرثها الأسري . ولكن للأسف فقد توفي كليهما في ظروف غامضة. وقالت أنها تأثرت أيضا بالحوار الذي أجرته مع ربيكا أرملة الراحل جون قرنق، التي روت لها قصة الساعات الفاصلة قبل موته، حيث أتصلت به عبر الهاتف فلم يرد،فتملكها القلق،فكان قلبها يحدثها أنه بخير، أما جسدها فكان يهتز ويرتجف ليقول لها شيئا آخر، فباتت ليلة مسهدة، لم يرقأ لها فيها جفن، فلما حضر العسكريون في الصباح قالت لهم : أخبروني بكلمة واحدة: نعم أم لا..فقالوا لها لا..فأنتحبت بحرقة وعلمت أن جسدها المرتجف كان يقول لها الحقيقة، وتذكرت ربيكا الوعد الذي قطعته مع جون قرنق بألا يتزوج أي منهما إذا رحل الآخر قبله، لهذا قالت زينب بدوي أنها بمعجبة بموقف ربيكا قرنق التي رفضت الزواج وفاءا للوعد الذي قطعته مع زوجها الراحل ، وقالت ربيكا أنها لو خيرت لأختارت أن تكون في مكانه بالطائرة التي أحترقت لتفديه بنفسها..وعن أنطباعاتها عن سلفاكير، قالت أنه يتميز بالهدؤ والحكمة، ويبدو أنه متسق في حججه وآرائه.وأشارت الي أنه أقرب في مزاجه للأنفصال،علي عكس ربيكا قرنق التي تبدو أكثر ميلا للوحدة. وقالت زينب بدوي إن سلفاكير أستفزه سؤالها عن ضرورة تنحيه عن منصبه في رئاسة حكومة الجنوب إذا أختار الجنوب الأنفصال في الأستفتاء القادم. وفي ردها علي سؤال لسفير السودان الأسبق في لندن عمر بريدو عن طبيعة الشخصيات التي تحاورها قالت، إن تبحث جيدا عن السير الذاتية وخلفيات الشخصيات التي تود محاورتها، كما أنها ممتنة لفريق المنتجين الذين يقومون بتزويدها بالمعلومات الضرورية.. وذكرت أن طريقتها تقوم علي الموضوعية، والمباشرة، والأعتماد علي الحقائق المجردة. وفي رد علي سؤال من الحضور قالت أنها أحست بالحرج مرتين أثناء مسيرتها الأعلامية الأولي عندما حاورت موسيقي بريطاني مشهور، فقام بخلع المايكرفون، ومغادرة الأستديو فورا لأن أحد أسئلتها لم يعجبه. أما الثانية فكانت مع أمير خليجي رفيع المستوي زارته في قصره لأجراء حوار، فكان محاطا بأكثر من خمسين رجلا في بهو قصره الفخيم، فكانت هي المرأة الوحيدة وسط عشرات الرجال، فأحست بالخجل والحرج، ربما لأنها غلبت عليها سودانيتها..

عن علاقتها السلبية باللغة العربية، ولماذا لم تجهد نفسها بتعلمها ، قالت إن والدها أجتهد في تعليمها اللغة العربية منذ وقت مبكر، ولكن نسبة لندرة مدارس اللغة العربية في لندن في مطلع عقد الستينات من القرن الماضي، فأنها لم تستطع الأنخراط في دراسة نظامية لأتقان اللغة، رغم أنها تستطيع أن تتواصل مع والدتها وبعض أفراد عائلتها باللغة العربية في مجالات محدودة. وقالت إن مشكلتها تكمن في أنها تنطق إسمها باداوي علي الطريقة الأنجليزية وليس بدوي علي الطريقة السودانية.

أدهشني الأهتمام الدولي بتجربة زينب البدوي الأعلامية، فقد قارن بعض المهتمين بين تجربتها في برنامج (هارد توك) وتجربة بل أورالي في فوكس نيوز الأمريكية في برنامجه الشهير (أورالي فاكتور). وقال موقع (نيوز برسونالتي رانت) ، إن بل أورالي يكرس كل همه لمهاجمة الضيف من أجل تعزيز الأجندة السياسية الشخصية. وقال الموقع إن أستيفن ساكور مقدم البرنامج الأصل لـ(هارد توك)، رغم بريطانيته القحة التي يحبها الأمريكان، إلا أن المشاهد العادي يتفاعل أكثر مع زينب البدوي،فهي إذا وجدت ضيفها من الجانب الآخر سريع الأنفعال،فأنها تستخدم تكتيك الملاكم، حيث تمطره بوابل من الأسئلة والضربات السريعة، أما إذا كان وئيدا، بطيئا مسترخيا، فأنها تلاعبه كالقط، تضحك، وتمص شفتيها، قبل أن تقضي عليه بضربة قاضية. وقد هاجمها أحد المتنطعين عندما عيرها أن حكومتها تنتهك حقوق الأنسان، وتسرف في القتل وهي تحاصر ضيوفها من الدول المتقدمة بالأسئلة الحرجة عن أنحرافات الديمقراطية وأنتهاكات حقوق الأنسان. وطالبها مشاهد أمريكي بمحاورة الرئيس السابق بوش الأبن، ونائبه ديفيد شين، ووزير الدفاع رامسفيلد، حتي تجعلهم عبرة لمن يعتبر. وأتهمها أحد الناشطين الأمريكيين ،أن برنامجها يركز علي تعرية أجندة اليمين السياسية، وتعزيز الحركة المناوئة لحرب العراق. وأشار الي أن فريد زكريا أراد أن ينقل ذات فكرة البرنامج الي السي أن أن إلا أنه فشل لأنه لم يرتق الي جرأة وذكاء زينب بدوي. في المقابل يبدو أن الأفارقة  أكثر المشاهدين أعتزازا بتجربتها ، خاصة سلسلتها الوثائقية OUT OF AFRICA ، وكذلك برنامجها الذي تعرضه البي بي سي هذه الأيام عن زنزبار. وتعرض في البرنامج تجربتها عن أعادة أكتشاف زنزبار التي عانت في تاريخها القريب عن أحداث دموية في العام 1964 في أطار توحيدها مع الأرض الأم في تنزانيا. هذا فضلا عن أنها كانت أحد مراكز بيع الرقيق في شرق أفريقيا، ولكن أستطاعت أن تكون في الوقت الراهن بحيرة من الأمن والأستقرار والسلام. شاركت زينب البدوي أهل زنزبار رقصاتهم التقليدية، وهي تعيد أكتشاف بلدة في مساحة مدينة لندن، بأعتبارها أحد قصص النجاح في أفريقيا. وقد تباري المشاهدون الأفارقة في دعوتها الي أقطارهم لأجراء تحقيقات مع مسئولين ووزراء، لمحاربة وكشف الفساد في الحكومات الأفريقية، وقال أحد أفراد أسرة قنجاري السودانية بالخارج أن زينب بدوي، أعطت الأمل لأسرته وأطفاله ، وعززت إنتماءهم للبلد، لأنها مصدرا للفخار والعزة السودانية.

لم تكتف زينب البدوي بأبداعها الأعلامي فقط، بل أقتحمت مجالات الحياة الثقافية العامة في لندن، فشاركت عضوا في أدارة المجلس الثقافي البريطاني، كما عملت مستشارا لمركز السياسة الخارجية،وعضوا في إدارة معهد تنمية ماوراء البحار. ومجلس أمناء قاليري الصور الوطنية.

لعل أهم الأسهامات الفكرية التي قدمتها زينب البدوي في أوار الجدل المحتدم عن هوية أروبا الثقافية،هو دعوتها لضرورة أن تحافظ أروبا علي تنوعها الثقافي، والأثني، والديني. وقالت في ندوة بعنوان (أروبا تخون مسليميها) في العام 2007، إن أروبا تخسر قضيتها الأنسانية والأخلاقية إذا عززت من مناخ الأسلاموفوبيا،وعملت علي محاربة الوجود الأسلامي والعربي،في أروبا بدوافع عنصرية، أو أمنية. وتتضح ملامح مدرستها الفكرية والسياسية الصميمة في الشهادة التي أدلت بها في مجلس العموم البريطاني في ديسمبر 2000، عن "هوية عرب الشتات في أروبا متعددة ثقافيا"، حيث حذرت في شهادتها من تفشي روح الكراهية في أروبا ضد العرب، مستشهدة بأرتفاع وتيرة الخطاب السياسي العنصري لعدد من الأحزاب اليمينية ضد سياسات الهجرة لمحاربة الوجود العربي في أروبا. وحاولت زينب بدوي أن تحدد مواطن العجز النظري في الحراك السياسي للمجتمع الأروبي الذي أصبح أقل تسامحا، كلما أرتفعت نسبة التنوع الثقافي والعرقي في المجتمع الأروبي. وقالت إن ظاهرة العولمة، رغم أسهامها في تقليص الحدود القومية للدول إلا أن البشر أصبحوا أكثرعزلة وفردانية، ودللت علي ذلك بقولها إن تخفيض صلاحيات المركز لصالح الأطراف أدي لتكريس روح العزلة بدلا من توسيع قاعدة الأجماع الوطني لخلق هوية متعددة ثقافيا. وأشارت الي أن العرب في بريطانيا يشكلون نسبة ضئيلة من مجموع الأقليات التي تمثل 6% فقط من مجموع السكان. وعارضت زينب البدوي بقوة خلق هوية أروبية علي قاعدة العرق أو الثقافة، لأن ذلك سيؤدي الي خلق هوية يغلب عليها تحكم الأغلبية المسيحية البيضاء، وتهميش بقية القوامات الثقافية الأخري، وأقترحت حلا لهذه المشكلة تأسيس ما أسمته "الروح الوطنية الشعبية" 'popular patriotism.' ، لتكون قاعدة صلبة للمواطنة. وعززت هذا الأتجاه بتأسيس مفهوم جديد أطلقت عليه بناء الهوية القومية علي قاعدة القيم المدنية الكوكبية،حيث تتساوي كل المجتمعات، وتعمل علي بناء لغة وطنية لا تقبل بسقف التسامح فحسب بل تقبل وتستوعب الأقليات كأحد مكونات الكل القومي في أروبا. ولم تغفل في محاضرتها عن تحديد دور الأقليات التي يجب أن تنهض لتسريع عجلة التغيير لتحقيق هذه الغايات بدلا من الأكتفاء بدور الضيف في بلدان أروبا. وأكدت علي ضرورة حصر الأثنية الثقافية في المنازل ودور الأسر الخاصة، أما الفضاء السياسي الخارجي، فهو مساحة لتفاعل الهويات المدنية فقط. قدمت زينب البدوي أسهاما فكريا عميقا في دائرة الجدل المحتدم عن هوية أروبا الثقافية ، ودور الأقليات في تشكيل هذا التنوع ، وكذلك قدمت مفردات نظرية هامة لأعادة تعريف مرتكزات الهوية الوطنية في أروبا، ودعت الأقليات خاصة العربية بالأسهام الفاعل لأحداث التغيير المنشود، من خلال النشاطات السياسية والأقتصادية والثقافية،ونعت علي العرب أن البريطانيين من أصول آسيوية، يسهمون بمبلغ 50 بليون جنيه أسترليني في الأقتصاد البريطاني سنويا،وكذلك يفعل العرب، إلا أنهم أقل تأثيرا في تشكيل أتجاهات السياسة العامة في بريطانيا..

إحتفاءا بنجاحاتها المتعددة، خصصت لها صحيفة الأندبندنت البريطانية في 4 يونيو 2007، مقالا مطولا بقلم الصحفي أيان بيرل تحت عنوان "زينب الرسول العالمي". وقالت الصحيفة أن زينب أستطاعت أن تجذب مشاهدين في أكثر من 200 قطر في الكرة الأرضية. "لا تجعلني أبدو جادة" هكذا قالت للصحفي بيرل، ولكن يصحو عقلها الباطني فجأة وهي تحس بأنتمائها للأقلية العربية والأفريقية في بريطانيا. قالت للصحيفة " لا تجعلني أحس أنني أجنبية، أنا لندنية..فالبعض يظن أنني من ملاوي لأن أسمي يبدو غريبا بعض الشئ". وقالت أنها تحس بالمتعة عندما تنتزع ضحكة من ضيفها العنيد مهما علا شأنه وأرتفع نجمه في سماء السياسة. وسلطت الصحيفة الضوء علي تجربتها مع (الدلاي لاما)، وهو زعيم التبت الروحي الذي يحظي بتبجيل وتقديس محبيه ومسانديه، ويطلقون عليه ألقاب تعظيمية مثل ، بحر الحكمة، والجسد المقدس وغيرها من الأسماء والصفات. ولكن زينب بدوي بعنادها المعروف قالت له، وهو يحتفي بجائزة نوبل للسلام : "أنت فشلت في تحرير قومك بعد أن أسلسوا لك القياد والزعامة لمدة خمسين عاما؟"..بالطبع أرتفع حاجب الدهشة لدي حراسه ومرافقيه،ولكن بروحه المرحة قال الدلاي لاما"إن شقيقي قال لي أيضا أنني بعت القضية". وأعترفت أن أصعب اللقاءات التي أجرتها كانت مع الجنرال الأمريكي تومي فرانز الذي قاد الجيش الأمريكي لغزو العراق.كان الرجل الضخم يتحدث مثل مدفع سريع القذفات، فلم تجد زينب بدوي أي سانحة لمقاطعته، أو حتي محاصرته بالأسئلة. قالت الصحيفة إن جذورها السودانية ربما تكون قد أسهمت في تشكيل ملكاتها للتعاطي مع قضايا السياسة الدولية، ولكنها تقول إن الأعلام أصبح تحت رحمة القوي الدولية، وبالتالي أصبحت كلمة أجنبي لا تحمل أي دلالات محددة، لأن العولمة أختزلت تلك الكلمة وأصبحت الأخبار العالمية يصنعها ويتعاطاها المواطنون العالميون. وتنتقد زينب بدوي الفكر الطالباني المنغلق، خاصة فيما أسمته معارضة تعليم المرأة وقتل المدنيين،وأبدت حماسة كبيرة لدعوة العالم المصري زكي بدوي لتعظيم المشتركات في الديانات التوحيدية الأبراهيمية. وأعترضت علي أستخدام الصحافة البريطانية لمصطلح" الأسلاميين المتطرفين"، وأعتبرته نوعا من التمييز السلبي، وأقترحت أستخدام كلمة أسلاميين مثالا مقابلا لكلمة فاشيين.ورفضت المفهوم السائد في وسائط الأعلام البريطانية بأن الأسلام يحمل جينات العنف في داخله.

تعترف الأندبندنت أن زينب بدوي أصبحت عنصرا فاعلا ومؤثرا في الحياة الثقافية البريطانية العامة، من خلال عملها الأعلامي،وعضويتها في مجالس أدارات العديد من المؤسسات القومية الهامة، إذ يحتفظ لها القاليري القومي بلندن، بصورة إلتقطها المصور البارع سينامون هيثكود عام 2005 و تم ضمها لمجموعة صور العظماء الذين مروا علي التاريخ البريطاني.

قالت زينب بدوي في محاضرة الأحفاد إنها تعكف الآن لتأليف كتاب عن الحضارة الكوشية في شمال السودان.هل ذلك بحثا عن الأصول والهوية الضائعة؟، أم أنها تريد إعادة أكتشاف الحضارة السودانية القديمة.يقول الطيب صالح أنه أصيب بلعنة الكتابة لأنه أراد أن يقيم جسرا من الحنين والذكريات والحيل الفنية مع عالم كان يخاف عليه من الضياع، ولكن زينب بدوي لا تعاني من علل الوجدان الممزق، لأنها لم ترتبط في طفولتها بالسودان، لذا لا تحاول أن تبني جسرا مع عالم مضاع، بل تحاول الأتصال مع جذور الحضارة السودانية ، كما تتفاعل مع  القضايا والأحداث العالمية بقلب المراقب البارد، والمهني المحايد.

أظن أن النخبة السودانية تظلم نفسها كثيرا وهي تتجاهل الأهتمام بالأسهام النظري الباذخ لزينب بدوي في قضايا الهوية والأقليات في سياقها الأروبي. لأنها تحاول أن تقفز فوق حواجز العرق، والقبيلة والثقافة وتأسيس قواعد جديدة للهوية علي مرتكزات التعددية الثقافية في أطار القيم المدنية المتفق عليها. ولعلها بذلك تكون الصوت الوحيد المفقود في جدل الهوية السودانية المتأزم بين النخب. إن أجمل مداخلات المحاضرة، هو ما قاله السيد أنيس حجار، الذي أقترح تأسيس منحة دراسية بأسم (زينب بدوي) تمكنها من زيارة السودان، وإلقاء محاضرات بالأحفاد والجامعات السودانية الأخري لتشجيع الجيل الناشئ من السودانيين ليتمثل خطاها ويتعلق بأمل النجاح الباذخ الذي حققته في مجال الأعلام الدولي.

 

آراء