في التطبيع مرة أخرى، ولا تجعلوا الطبع يغلب التطبع!

 


 

 


بسم الله الرحمن الرحيم

umsalsadig@gmail.com

 

قبل اسبوعين كنت قد كتبت عن موضوع التطبيع مع الدولة الصهيونية تحت عنوان"لا خير في كثير من نجواهم.." معتبرة أن ما تم في الإطار هو من قبيل ما يجري من خلف الكواليس بعيدا عن الأعين وذلك حينما رشحت أنباء عن أغراض زيارة الفريق أول البرهان رئيس مجلس السيادة الى دولة الامارات المتحدة الشهر الفات وفي معيته وفد وزراري. وقد صدر عن وزير اعلام الحكومة الانتقالية السيد فيصل محمد صالح تبيان لمهام زيارة الوفد الوزاري والتي ليس من بينها أي تفويض لبحث مسألة التطبيع مع اسرائيل ، كما صدر عن مجلس السيادة بيانا مقتضبا يوضح أن مهام زيارة البرهان كانت للتداول مع دولة الامارات حول العلاقات الثنائية ..
عند عودة الفريق أول البرهان أضاف لمهامه المعلنة في بيان المجلس مهماما أخرى تتعلق بمحادثات مع وفد أمريكي زائر للامارات حول حديث التطبيع ..
وهنا نرفع حواجب الدهشة على عدة أشياء ولنسمي الأشياء بأسمائها نقول مخالفات:
أولا مباحثات حول التطبيع مع الدولة الصهيونية ليست من مهام الفترة الانتقالية مثلما أسلفنا وكررنا مرارا ومثلما هو موضح في الوثيقة الدستورية.
ثانيا هذا الأمر من مهام وزارة الخارجية وليس من مهام مجلس السيادة المحدد المهام أيضا بحسب الوثيقة الدستورية.
ثالثا الفهم الخاطيء لكون رفع اسم السودان من قائمة الارهاب لابد له من المرور عبر بوابة التطبيع مع اسرائيل وهذا ما يروج له نتانياهو وحده (بهدف خلق زخم يخرجه من ملاحقة القضاء الاسرائيلي بتهم مالية) ومن تبعه بغير احسان.
رابعا كيف لرئيس البلد أن يتباحث مع وفد نكرة حتى أسماء أعضائه غير منشور.
خامسا العلاقة مع دولة اسرائيل مضرة بنا لأنها خلافية فستقعد بالفترة الانتقالية وريكتها ما ناقصة قندول يشنقلها.
سادسا العلاقة مع اسرائيل من باب دولة الامارات يضيف للمشهد سوداوية قطر السودان، في محاور متماسكة الحزز.
سابعا الدخول في تلك المحاور مخالفة أخرى لما هو منصوص عليه في الوثيقة الدستورية وقد نص فيها على وجوب الابتعاد عن أية محاور.
وفي الأسبوع الفائت أجرت قناة سودانية24 الفضائية مع نائب رئيس مجلس السيادة قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو لقاء استمعت لجانب منه تحدث فيه عن أن المباحثات تتناول علاقات مع اسرائيل وليس تطبيعا!
ويقول أنهم ماضون في هذا الأمر ويرغبون فيه بما يحقق مصالح السودان ويزيله عن قائمة الارهاب الأمريكية.
كما ذكر أن ما يقومون به ليس بدعا وأن البشير أخبره بإرادته في المضي قدما في أمر التطبيع مع اسرائيل فلا يقبل مزايدات أنصار النظام المباد ومع أن هذا ممكن يكون صحيح لكن لابد من تذكر أن هذه الثورة أتت للفظ البشير وأفعاله وليس التأسي به وأن أنصار النظام المباد انما ينتهزون مثل هذه الفرص لطعن الثورة والحكومة الانتقالية بلا مبدئية عاصمة!
صحيح أن هذه صراحة لا يحسد عليها و لم يسبقه عليها من قبله من الخائضين في أمر التطبيع-باستثناء السيد حيدر بدوي الذي عزل عن منصبه، لكن هي تقع أيضا تحت المخالفات السبع التي وقعت تحت طائلتها مباحثات البرهان.
بالنسبة لمحاولة الربط بين التطبيع مع اسرائيل أو (العلاقة) مع ازالة اسم السودان من قائمة الارهاب، هذا ملف تعمل عليه وزارة الخارجية ورئيس الوزراء العالم بأضابير ملابسات هذه التعقيدات وقد قطعوا فيه شوطا وأبلغ حمدوك وزير الخارجية الأمريكي لدى زيارته للسودان والتي قصد منها-ربما أن يحصل على تعهد بردف السودان في قطار التطبيع بكلام أبلج: أن هذا ليس من مهام الفترة الانتقالية وأنه يجب الفصل تماما بين الأمرين: الازالة والتطبيع وأظن الفهم الأمريكي أيضا مقتنع بهذا-على الأقل المعلن ولا يوجد أي سبب لوجود السودان في قائمة الدول الراعية للارهاب بعد أن نجحت ثورته في اسقاط النظام الذي كان راعيا رسميا للارهاب ، الا اذا أراد الأمريكان الانتظار ريثما يتسنم سدة مجلس السيادة رئيس مدني مثلا، أو ربما هي مساعي من الرئيس الأمريكي ووزير خارجيته وهما من المتحمسين لدولة اسرائيل ويريدون ارضاء اللوبي الصهيوني بإضافة أكبر عدد من الدول المطبعة مع الدولة الصهيونية في زمن الانتخابات الأمريكية وهي على الأبواب.
نعود لتصريح السيد نائب رئيس مجلس السيادة بخصوص أن الأمر مع اسرائيل للتباحث حول علاقات وليس تطبيعا وقد تملكني انطباع بحسب لغة جسده أنه يقصد تهوين الأمر على أساس أن العلاقات لتحقيق مصالح معينة وهذا أقل درجة من التطبيع بحسبه وقد ذكر في سياق المصالح رسوم المرور بالأجواء السودانية من والى اسرائيل ورفع اسم السودان من القائمة وفوائد التقنية الزراعية.
بالطبع العلاقات الدولية هي علم يدرس ولا أدري ان كان يمكن لجاهل به الخوض فيه لكني على محرك قوقل وجدت أن العلاقات الدولية هي فرع من فروع العلوم السياسية يهتم بدراسة كل الظواهر التي تتجاوز الحدود الدولية. ولا يقتصر فقط على دراسة وتحليل الجوانب السياسية بل يتعداها الى مختلف الأبعاد الاقتصادية والعقائدية والثقافية والاجتماعية وبهذا الفهم ،التطبيع يندرج تحت العلاقات الدولية. فالعلاقات الدولية أشمل من التطبيع وهو نوع منها.
وهنا أيضا نلفت الانتباه لضرورة دراسة تجارب العلاقات العربية والأفريقية مع اسرائيل أو التطبيع معها. وقد كنا ضربنا المثل في مقالنا السابق الذكر ، بدولتين هما مصر والأردن وقلنا أنهما لم تحققا مصلحة واحدة فلا داعي لتجريب مجرب.
هذا التدخل السافر من قبل المكون العسكري في المجلس السيادي بصراحة مقلق حد القلق خاصة عند قراءته مع محاولة فض الاعتصام والتي تمت على مرمى حجر من القيادة لمستجيرين بها. صحيح أن هذا الأمر ما زال قيد التحقيق طبعا لكن هذا مشهد ماثل أمامنا غض النظر عن ما ستسفر عنه التحقيقات.
أقول أن هذا مقلق لأن بعض تفسيره قد يكون ازالة الغشاء عن طبع متأصل للأسف في تلك المؤسسات من جيش وجهاز أمن ودعم سريع و محاولات مستميتة للبقاء على السلطة وكشف لنوايا مبيتة ربما عن أن انحياز تلك المؤسسات لثورة الشعب انما كان تخلصا من البشير للانفراد بالأمر وتكرار نموذج السيسي المصري.
وربما كان أيضا بعض التفسير: الخوف من المحاسبة بضمانة الكرسي.
لا نحتاج لكثير علم لندرك أن هناك فروقا بادية للعيان بين ما حدث في مصر وما حدث لاحقا في السودان وأن درس الثلاثين من يونيو 2019 علم الجميع درسا عادوا بموجبه الى طالولة المفاوضات مما تمخض عنه الوثيقة الدستورية التي تحكم الفترة الانتقالية وعلى أساسها قام الحلف بين المكونين المدني والعسكري.
من تلك الدروس: أن هذا شعب رأى النور فلن يسمح بعودة الظلام مرة أخرى فترى شبابا وشابات في عمر الزهور يهتفون (شيل معاك كفنك يا انت يا وطنك)، ومنها أن السلاح وحده لن يفلح في اقامة دولة ومنها أن المجتمع الدولي يرفض تماما التعامل مع الانقلابات.
ومنها ان كانت هناك أية فرصة للنجاة من المحكمة الجنائية مثلا فتكون عبر بوابة العدالة الانتقالية وليس بالالتفاف عليها والبقاء في السلطة فهذا تكرار غبي لتاريخ البشير وهو بلا طائل.
يدرك أصحاب القلوب السليمة والعقول المستنيرة أنه لا خروج للسودان من وهدته دون تقوية الحلف المدني العسكري ويمكنكم أيها العسكر مراجعة المخالفات المذكورة أعلاه و اعادة التطبيع معنا نحن شعب السودان قبل التعدي على مهام ليست لكم.
وسلمتم

 

آراء