في انتظار اللحظة الفارقة

 


 

 

تخبرنا مسيرة التاريخ وسيرته أن حركه الحياة وسننها لا تتحرك وفق خط مستقيم مستديم لافكاك منه ولامناص..إنما الديدن هو التأرجح بين الهبوط والصعود واحيانا السكون والخروج من الفعل تماما و ربما السقوط ذاكرة التاريخ والقبوع في مدافنه..فكم من أمم وشعوب وممالك بلغ صيتها الثريا ووصل صولجانها لأركان الدنيا..ولكنها هوت لهوة سحيقه وتردت الي بئر عميقه ثم انزوت فلفها النسيان فأصبحت ذاكرة في التاريخ وذكري للاعتبار..وعكس ذلك كم من أمة كانت ضعيفه مستضعفه تشكو ذلتها وهوانها علي الناس..فجاءتها اللحظه التاريخيه الفارقه التي تومض في تاريخ كل الشعوب فاهتبلتها واحتوتها وتمسكت بها ثم سعت وثابرت فكان لها ماارادت فخرجت من اضابير المسكنه والذله و هامش الحياة الي مركزيه الفعل والتفاعل.. فبلغت شاوا عظيما وأصبحت رقما صحيحا يصعب اللعب في ساحه الحياة بدون وضع اعتبار له..بعد أن مجموعه اصفار لايوبه لها..هكذا تخبرنا قراءات الماضي ووقائع الحاضر المعاش..والشواهد السالفه التالفه ..والحاضرة الشاخصه...اذن..فما بالنا نحن؟!! لم هذه الاهتزازات والارتجاجات في الافكار وفي المواقف وفي السياسات؟!! لم هذا التوهان والتخبط الذي يحيط بمجمل حركة حياتنا؟ الاتوجد تجارب نستقي منها عبر الدروس وعبرة المآلات؟ لماذا الحركه السياسيه السودانيه بهذا البؤس والضحاله في طرح رؤاها وبرامجها؟ ٱلم تمر علينا طيله تاريخنا السياسي منذ الاستقلال الي الان لحظه تاريخه ومضت وأضاءت؟!بلا لقد جاءت هذه اللحظه بل تكررت عدة مرات.. فقط كانت تحتاج لعقل فذ ثاقب الرؤيه يستكشف المستقبل يعينه صاحب قرار عبقري وشجاع يتخذ القرار في وقته وتوقيته ليقتنص الفرصه ويعبر بالبلاد الي شاطئ الأمان..والامثله علي هذه الومضات لا تنقضي..لكن الذي حدث هو ان سيطرة الغباء الاستراتيجي ومحدوديه الخيال هي التي منعت البلاد من الاستفاده من هذه المنح واللحظات الفارقه..هل احدثكم عن النكوص عن الوعد الذي منح للجنوبيين بأن يمنحوا الحكم الفيدرالي في حال نيل البلاد استقلالها وخروج الانجليز ..هذا النكوص الذي ادي لتطاول أمد الحرب وبكل المأساة التي خلفتها ومن ثم انفصل الجنوب..لان تطاول أمد الحرب جعل أجندة وأسباب الحرب الحقيقه متحركة حذفا واضافه حتي وصلنا لمرحله المفارقه فنشأت دوله فاشله في الجنوب ودوله مأزومه ومهدده بالانهيار في الشمال..ثم ماذا بعد.. في جانب الاقتصاد هل احدثكم عن مشروع تعليه خزان الرصيرص المقدم من ستينيات القرن الماضي وبطاقه استيعابية تفوق مشروع التعليه الذي قام في عهد الإنقاذ لزياده التكلفه أضعافا مضاعفه.
حينها كان الأموال متوفره ومن الموارد الذاتيه ولكن عندما طلب من وزير الماليه حينها الشريف الهندي للتصديق علي تمويل المشروع..اعتذر عن ذلك بحجه عدم توفر أموال لقيام هذا المشروع..طيب يا سيدي توجد أموال لذلك وزياده فهل لك اولويه أخري غير هذا المشروع الحيوي؟ الذي يمكن اذا تم إنشاؤه أن يمد معظم مدن وقري السودان بإمداد كهربائي دائم ومستقر.. ويساعد كذلك علي كهربه المشاريع الزراعيه الحكوميه والاهليه؟ فأخبرنا عن اولويتك الأخري الاكثر اهميه.. فقدم لهم مشروع بند العطاله بإعتباره اولويه..وهنا ينظر الوزير للامر من منظور الكسب الحزبي حيث الانتخابات والتباري لكسب اصوات المقترعين بهذه الترضيات الرغائبيه الفطيره. ولهذا فالتتأجل المصالح الكبري والقضايا الكليه التي تمس البلاد ..هذا نموذج لتفكير الطبقه الحاكمه التي وضعتها الأقدار في مراكز صنع القرار وتحديد مصير البلاد..هل احدثكم عن الفرص التي لاحت لحقبه مايو..التي صديقه الجميع بعد خلافها مع اليسار عقب أحداث يوليو١٩٧١ ..لقد انفتح الغرب وحلفاؤه الاقليميين والدوليين علي نظام مايو. كانت هذه فرصه كبيرة لبناء مشاريع كبري جديده وتحديث القديم الموجود وخصوصا ان الولايات المتحده الامريكيه..في ذلك الأوان ومن منتصف الستينات كانت تري في السودان بموقعه وموارده وتنوعه وخصاله التعدديه يمكن أن يكون نموذجا للتجربه الامريكيه في افريقيا(هذا عرض قدم للفريق عبود في أوائل الستينات ولكن عرض علي المجلس المركزي حينها الذي كان يغلب عليه الشيوعيون فاخبروه أن هذه مؤامرة ضد السودان من الإمبريالية العالميه..فقلص عبود المشروع من نموذج كامل للتنميه لمعونه في القمح وعمل شارع المعونه في بحري الآن الذي كان نواة لشارع مخطط من قبل يبدأ من بورتسودان الي جوبا بتقنيه وتمويل امريكي..فذهبت الأموال المخصصة لهذا المشروع لنيروبي وبعض المدن الافريقيه..وتبعثر المشروع الذي في الأساس كان مشروع للنهوض لدوله كامله في افريقيا..بعد أن نجح النموذج الآسيوي في كوريا الجنوبيه).. اضاعت الحقبه المايويه فرصه هذه العلاقه بل علي العكس من ذلك بدا تدهور الأداء في معظم قطاعات ومؤسسات الدوله منذ ذلك الوقت؛ حتي وصلت قمه المأساة بالمجاعه التي ضربت البلاد في أواخر عهد مايو وكانت مع أسباب أخري سببا في ذهابه وسقوطه..هل من شواهد اخري في حركتنا السياسيه علي تضيع فرصه اللحظه التاريخيه..نعم اضاعت الإنقاذ ومعارضيها فرصه الاستفاده من جولات المفاوضات الكثيفه التي انتظمت إبان حقبتها.. والتي طافت أرجاء العالم وبعضها كان تحت اعتراف واشراف إقليمي ودولي(أبوجا..فرانكفورت..الدوحه..نيفاشا) قدم فيها عصف ذهني كبير وتداولت فيها من الأوراق العلميه والرؤي التي نقبت في جذور الازمه السودانيه مما يمكن أن يعتبر تراثا ضخما ومرجعيه للباحثين في العلوم السياسيه وعلم التفاوض وإدارة الازمات.. ضاعت هذه الفرصه بالمماحكات السياسيه والأجندة الصغيره والعقول المتحجره.. فدخلت شياطين الانس والجن في التفاصيل ومارست الغوايه بأصحابها و مريدوها.. فتم العصف بكل هذا الجهد ورجعنا القهقري للمربع الأول.. حتي غابت شمس الإنقاذ السياسيه كما غابت شمسها الاقتصاديه.. حينما عجزت عن الاستفادة من عامل جديد دخل في معادلات الاقتصاد لم يتوفر للحكومات المنصرمه.. ولكنه كان عامل إفساد بدلامن أن يكون عنصر إصلاح..فسد اولا جهاز الدوله الذي مارس بذخا واسرافا وفسادا لامثيل له بتبديد عائدات النفط في مسارات غيرمساراته الطبيعيه في رفد مظان الإنتاج النباتي والحيواني ودعم الصناعات التحويلية التي تعطي قيمه مضافه للمنتج الخام ..غير النهوض بالبنيات التحتيه من سكك حديد وطرق ومطارات حديثه وطائرات وتحديث شبكات الخدمات من كهرباء ومياه واستحداث وسائل لتوليد الطاقه والاهتمام بقطاع المعادن وتوسيع مظلته بأضافه أصناف ومعادن أخري يحتاجها العالم..كان كل ذلك يمكن أن يحدث بعوائد النفط وفرصه تقتنص لاقصي مدي وخصوصا ان استخراج البترول كانت معركه شرسه بذل فيها جهدمضني وخرافي.. فمن العبث أن تهدر موارده بهذا السفه..كان يمكن ان تتغير حياة الناس بمستوي افضل من هذا السلوك الاستهلاكي الشرس الذي أفسد حياتهم واذواقهم و الذي صاحب ظهور عائدات النفط في الاقتصاد..فظهرت أنماط سلوك استهلاكي غير مرشد أثر في جيل كامل من الشباب ومازلنا نعاني من تداعياته حتي الآن..ولم يحتمل جزء كبير من الشباب حاله الفطام والشقاء والعسر في الخدمات وترديها..فكان الخروج وحدث السقوط..وجاء حمدوك ورهطه ونال من التأييد ما لم ينله أحد..فإذا به يرنو ببصره للخارج لإيجاد الحلول وهي تحت قدميه.. فكان الثمن غاليا ..غلاء..أزمات..احتقانات..فقدان الثقه بين مكونات الحكومه كل يعمل شاكلته..بعد عامين شعر أن الأرض تميد تحت قدميه فقدم مبادرته للداخل بإيحاءات من الخارج..لعل وعسى يجد فرصته التاريخيه ويتخذ القرار العبقري ليخرج البلاد من وهدتها ويجعلها تستوي علي جاده الاستحقاق الديمقراطي والخيار الشعبي ونقلب صفحه ونمسك القلم ونقطه فسطر جديد لكتابه تااريخ جديد بمفاهيم جديده بإراده جديده.. إن ضاعت هذه الفرصه ..فلا نيأس ولانبتئس فربما هناك فرصه مدخرة بأيادي أخري.. فقانون الاستبدال عند التولي لايستثني أحدا..وأدوات صناعة التاريخ ادوات موضوعيه لامنحازة ولا محتكرة..

ameinmusa@gmail.com
////////////////////

 

آراء