في “جاينا كندا ” بلا مسرح بلا بطيخ
بدرالدين حسن علي
18 July, 2011
18 July, 2011
يكتبها بتاع المسرح المهووس : بدرالدين حسن علي
أذكر جيدا عندما دخلنا عالم المسرح في السودان في منتصف الستينات من القرن الماضي ، كنا مجموعة من الشباب " الثائر " نتخذ من المسرح مدرسة للتعليم والتثقيف والتحريض والتغيير الإجتماعي ، وكنت شخصيا قائد هذه المجموعة ، إذ أنني كنت من المحظوظين الذين توفرت لهم قراءة كتب كبار عمالقة المسرح العالمي والعربي والإفريقي وغيره ، وذلك من خلال مكتبة الخال الراحل المقيم الفكي عبدالرحمن والذي يمتلك أكبر مكتبة مسرحية في البلدان العربية ما تزال تحتل مكانها في منزله العامر بالصافية .
وقبل أن أبدأ مشواري مع المسرح القومي بأم درمان كنت قد قرأت مسرحيات وليم شكسبير مثل هاملت وعطيل والملك لير وماكبث وغيرها ، وكنت أيضا قد قرأت مسرحيات رائد المسرح الملحمي برتولد بريخت ، وقرأت مسرحيات رواد المسرح الإغريقي القديم أمثال سوفوكليس واسخيلوس ويوربيدس وغيرهم ، بل قرأت كتاب فن الشعر لأرسطو بدل المرة ثلاث مرات وأصبحت مشهورا جدا وسط عائلتي كفنان مسرحي لدرجة أن خيلاني وأعمامي رفضوا تزويجي بناتهم باعتباري كافر وملحد و"صعلوك " .
كانت القراءة هي وجبتي المفضلة وتحديدا قراءة كتب المسرح وذلك ما دفعني كي أهجر منزلنا وأقيم في دار الفكي عبدالرحمن في بيت المال قبل رحيلهم إلى الصافية ، و الذي فتح لي قلبه وعقله ومكتبته وعلمني ألف باء المسرح ولم أخذله وأجت على كافة أسئلته ، ليس ذلك فقط بل كنت أحضر أصدقائي إلى المكتبة ونقضي فيها الساعات الطوال وأحيانا أسرق منها ما أشاء من الكتب بمعرفته وكان فقط يطالبني بأن أشرك أصدقائي في الإطلاع عليها وكان ذلك يسعده كثيرا ، وكان لخالي الدور الرئيسي في هجري لجامعة الخرطوم وجامعة القاهرة والإنخراط في دراسة المسرح بمعهد الموسيقى والمسرح والذي كان مولودا جديدا وغير معترف به من المؤسسة الرسمية وكذلك من كبار الأهل .
وتوفرت لي قراءة المزيد من الكتب ومعرفة ما يدور في عالم المسرح الرائع العظيم وأصبحت أحد المطلوبين لمخابرات جعفر نميري حيث شاهدت بأم عيني " نجوم السما في عز الضهر " ، وما زلت أضحك حتى أقع من الكرسي عندما أتذكر خطاب فصلي من معهد الموسيقى والمسرح ومن صفحتين وبتوقيع السيد بونا ملوال عندما كان وزير دولة بوزارة الإعلام حيث كان معهد الموسيقى والمسرح يتبع لها ، وأنا متأكد من أن السيد ملوال لا يعرف شيئا عن محتوى الخطاب ، وكان سبب فصلي أنني أعمل على إخراج مسرحية " حكاية تحت الشمس السخنة " ومسرحية أخرى موضوعها زيادة سعر السكر لقلب نظام مايو !!!!!!!
والغريب في الأمر أنني زرت عددا من البلدان العربية ووجدت حال المسرح أسوأ من حالنا ، إلى أن أستقر بي المقام هنا في كندا ، فحمدت الله وقلت هذا هو البلد الذي يحترم المسرح ولكن للأسف الشديد خاب أملي فالوضع ليس بالصورة التي رسمتها لبلد ديمقراطي و Diversity ويحلو لصديقي أن يقول عنها " جاينا كندا " باعتبار كثرة الصينيين !!!!!!!
وهذه مناسبة كي أحكي لكم عن مثال واحد فقط عايشته بنفسي في منطقة شمال أميركا و" أرض الأحلام " كما يقولون .
في العام الماضي أدان مكتب رئيس الوزراء في مقاطعة أونتاريو - وهي أكبر مقاطعة في كندا – مسرحية " هوم جرون " للكاتبة " كاثرين فريد " بدون أن يقرأها أو
يشاهدها ، وتذكرت جعفر نميري الذي أصر على مشاهدة مسرحية " نبته حبيبتي " لصديقي العزيز هاشم صديق عندما كثر القيل والقال عنها وتعرضت للإيقاف ثم العرض .
ومسرحيتنا هذه من فصل واحد وتدور حول محامية تبحث في قضية أحد المحكومين بالإرهاب ممن يطلق عليهم إسم " تورنتو 18 " وهو المحكوم شريف عبدالله ، الوزير قال في تصريح صحفي أنهم " خاب أملهم بشدة لأن المعونة الفيدرالية التي تقدمها حكومة بلاده أستعملت لتمويل مسرحيات تمجد الإرهاب " أي والله هذا ما قاله السيد الوزير ، والمسرحية لا " ناقة لها ولا جمل " مع موضوع تمجيد الإرهاب ، ولكن الإرهاب أصبح لافتة أميريكية كندية أوروبية بعد الحادي عشر من سبتمبر .
في مطلع هذا العام لم يوافق وزير التراث الكندي على توقيع إعطاء معونة مالية للمهرجان المسرحي الصيفي الذي كان قد قدم نفس المسرحية في الصيف الماضي على الرغم من أن كندا بلد غني جدا و" الفلوس فيها بالهبل " أو كما يقولون " تعلم السرقة "
وكرد فعل على ذلك أعلن 45 فنان مسرحي في كندا عزمهم عرض قراءة المسرحية في 15 يوليو الماضي وفي الأيام القادمة ، كتعبير عن موقف وكتحد من قبل المسرحيين الذين يتمسكون بحق حرية التعبير والرأي .
في مدينة كتشنر والتي لا تبعد عن مدينة تورنتو كثيرا تم تنظيم مثل هذه القراءة من قبل مجموعات مثل : فلاش إنك – م ت سبيس – نيرودا – إنتر آرتس ماتريكس . ومجموعة من الممثلين والفنانين المسرحيين في المنطقة أمثال : مجدي بومطر – نك كامينج – كاترين ميلز – جاري كيركهام - جينفر كورنيش – ليندساي ستيورات و أندرو فراي .
جميع الفنانين يقولون ويؤكدون أن المسرحية لا علاقة لها بالإرهاب ولا تمجده ، والأمر برمته متروك لتفسير المشاهد .
هكذا يا سادتي حرية الرأي والتعبير تبقى هي هي ، في السودان في مصر في بريطانيا وسأبقى مدافعا عنها هنا أو هناك أو في بلاد الواق واق ، والمسرح أيضا يبقى هو هو ، ولو ولدت من جديد سأكون أيضا مسرحيا .
badreldin ali [badreldinali@hotmail.com]