في ذكرى رحيله الرابعة والستين: الدكاترة زكي مبارك : فارس البيان الثائر
تحتفل العديد الأوساط الأدبية بجمهورية مصر العربية في الثالث والعشرين من شهر يناير كل عام بذكرى رحيل العلاّمة زكي مبارك خاصاً أحد عمالقة الأدب والفكر العربي على مر العصور. وإحياء لذكراه العطره نورد مايلي مقتطفات من حياته الثرّة:
يعتبر زكي مبارك من جيل الأدباء والمفكرين الرواد في العصر الحديث مع صحبه من أعلام الأدب العربي وعلى رأسهم العميد طه حسين، عباس محمود العقاد، إبراهيم عبد القادر المازني ، توفيق الحكيم ، محمد صادق الرافعي ، أحمد أمين ، أحمد حسن الزيات وغيرهم ممن حملوا مشعل النهضة الأدبية والفكرية في مصر والعالم العربي بإسهاماتهم المميزة التي شكلت أفق الثقافة العربية في النصف الأول من القرن العشرين.
أطلق الأدباء والمثقفون العرب العديد من النعوت على العلاّمة زكي مبارك. فهو "الدكاترة زكي مبارك" و " أديب الأمة العربية" و "فارس البيان الثائر" . وهو أحد عباقرة الأدب واللغة والفكر العربي قل أن يجود الزمان بمثله. ولعل أدق وصف له ما جاء على لسان الدكتور أحمد السيد عوضين نصاً وحرفاً: "زكي مبارك ، هذا الصرح الضخم، والعلم المفرد ، والشاعر الكبير ، والعالم الفذ، والكاتب المبدع ، والبحاثة المدقق ، والدارس المحقق، والأديب الذي كتب في فنون الأدب جميعاً ، شعراً ونثراً ، إبداعاً ونقداً، مقالاً وبحثاً ، دراسة ووصفاً ، بل حتى في فن القصة عالجه، وجانب الفكاهة طرقه ، وكانت له فيه إبداعات وإبداعات...".
هذا الرجل الذي ملأ الدنيا وشغل الناس لا يزال يعيش بيننا بمقالاته ومؤلفاته وأفكاره ، التي يخال للمرء إنها بنت ساعتها رغم أن بعضها قد كتب منذ عشرات السنين ، فما هي خلفية هذا الأديب المفكر وما فحوى هذه المؤلفات والإبداعات وما رأي الأدباء والمثقفين عنها؟
1- مولده ونشأته وتعليمه:
إسمه بالكامل محمد زكي عبد السلام مبارك . ولد بقية سنتريس مركز أشمون منوفية بجمهورية مصر العربية في 5/8/1882م وتوفى في 23/1/1952م بالقاهرة. إلتحق بالأزهر الشريف وهو يافع وشارك في ثورة 1919م وكان من أبرز خطبائها . وزج به في السجن آنذاك . حاز على ثلاث شهادات دكتوراه فلقب بـ "الدكاترة " زكي مبارك" . حصل على الدكتوراه الأولى عام 1924م من الجامعة المصرية: عن موضوع "الأخلاق عند الغزالي" ، حصل على الدكتوراه الثانية سنة 1931م من جامعة السوربون بباريس عن موضوع: "النثر الفني في القرن الرابع الهجري"، وحصل على الدكتوراه الثالثة سنة 1937م من الجامعة المصرية: عن موضوع "التصوف الإسلامي في الأدب والأخلاق".
2- تدريسه بالمدارس والجامعات:
عمل لفترة قصيرة معلماً بوزارة المعارف ثم أستاذاً بالجامعة المصرية القديمة "جامعة فؤاد الأول" والتي تطورت فيما بعد إلى جامعة القاهرة . وشارك في التدريس بجامعة بغداد.
3- أهم آثاره في خدمة التراث والأدب العربي:
للدكتور زكي مبارك العديد من المؤلفات فاقت الثلاثين كتاباً، فضلاً عن ديوان شعر مطبوع ، وعشرات المقالات والدراسات المبثوثة في المجلات الثقافية والدوريات العلمية.
ولعل من أبرز مؤلفاته "بين آدم وحواء" ، "المدائح النبوية في الأدب العربي"، "النثر الفني في القرن الرابع الهجري" ، "عبقرية الشريف الرضي" ، "ذكريات باريس" ، "ليلى المريضة في العراق" ، " وحي بغداد" ، "الحديث ذو شجون" ، "العشاق الثلاثة"، "البدائع" ، "أحاديث الحب" ، وحقق كتاب "الأم" للإمام الشافعي . والقائمة تطول عن كتاباته وترجماته وإبداعاته المنفردة مما لا يسمح الحيز بايرادها جميعاً.
4- معاركه الفكرية والأدبية:
شارك في العديد من المعارك الفكرية والأدبية نصيراً للغة العربية والثقافة الإسلامية . وكان عنيفاً في مقاومته لمحاولات التغريب والذوبان في الحضارة الأوربية. ومن أبرز سجالاته الفكرية تلك التي إشتبك فيها مع طه حسين وأحمد أمين وغيرهما. وألقى باللائمة على بعض الأدباء العرب الرواد لإهمالهم روائع الأدب العربي والإكتفاء بالقشور والأصداف. وإتهم العميد طه حسين بإخفاقه في كثير مما كتب عن الأدب العربي وكبار الشعراء ويقول في ذلك "إنه – أي طه حسين – ترجم لأبي العلاء فأفلح ثم ترجم للمتنبئ فأخفق" ووصف كتابات طه حسين بأنها متحاملة بإعتمادها على آراء المستشرقين وتجاوزها للحقيقة في كثير مما نقله من مصادر غربية سيما في الحديث عن أبي العلاءالمعري وعلاقته بالفاطميين في مصر ، وعلاقته بآل الشريف الرضي في بغداد . وذكر زكي مبارك أنه إنزعج حين تحدث الأستاذ المقدسي في كتابه عن "أمراء الشعراء في العصر العباسي" وإهتم بشكل خاص بابي العتاهية وتجاهل الشريف الرضي مع أن ديوان الأول – حسب رأي زكي مبارك – لا يساوي قصيدة واحدة للشريف الرضي. وهذا يدل على ما يكنه زكي مبارك للشريف الرضي من تقدير حيث وضعه في مرتبة رفيعة بين فحول شعراء العربية.
5- بعض آرائه الفكرية:
( … أما الدين الصحيح فهو ثروة قومية يجب أن يحرص على تنميتها ساسة الشعوب وهو حين يقوى يصبح من أدق الموازين في ضمائر الأفراد).
- ( لو لا الإيمان بعدل الله ورحمته لهدمت عزائم وتحطمت قلوب وانطفأت أرواح).
- ( الوطن يعتمد بعد الله على نفسك العالية ، فكن عند ظنه الجميل. الوطن يرجو أن تفي له في أيام الشدة كما وفى لك في أيام الرخاء).
- ( وأخشى ألا أظفر بكلمة رثاء يوم يشيعني الناس إلى قبري ، فذاكرة بني آدم ضعيفة جداً وهم لا يذكرون إلا من يؤذيهم أما الذي يخدمهم فلا يذكره أحد بخير).
6- بعض آراء الأدباء والمفكرين عنه:
- قال عنه الأديب العراقي عبد الرازق الهلالي الذي نشر كتاباً بعنوان "زكي مبارك في العراق : (زكي مبارك كان كوكباً ساطعاً في أفق الأدب العربي وكان داعية صادقاً للوصل بين أجزاء الوطن العربي).
- ووصف الدكتور نعمة العزاوي أسلوب مقالاته بقوله: (إنها كانت فناً خالصاً، تدنو من الشعر إذا كانت "ذاتية" ومزيجاً من الذات والعقل إذا كانت "موضوعية").
- وكتب عنه الأديب التونسي رشيد الزوادي في مجلة الفكر التونسية (العدد الثاني 1983م) (… وماذا أقول في زكي مبارك الذي دافع عن عروبة مصر وراسل الصحف بشعره ونثره مهدداً الاستعمار … وكافح كفاحاً علمياً ونال أرفع الشهادات).
- ووصفه الكاتب العراقي أحمد مطلوب بالقول: ( كان في كتاباته ومواقفه صادقاً مع نفسه ومع الآخرين ، فهو لم ينافق أو يداهن).
- ويقول الأديب فاضل خلف : ( إن غرام زكي مبارك الذي يجده القارئ منبثاً في شعره ونثره ما هو إلا غرام المجد ، ولا شيء غير المجد وما ليلى التي يعنيها في كتبه سوى اللغة العربية التي عشقها زكي مبارك فأصبح أمير العاشقين).
ألا رحم الله تعالى أستاذ الأجيال الدكاترة زكي مبارك فقد كان أحد النماذج النيِّرة التي يرنو إليها الكثيرون في مجال الفكر والثقافة والأدب العربي. ولا ريب أنه أحد القامات السامقة التي أثرت الحركة الثقافية العربية في النصف الأول من القرن الماضي. نسأل له المثوبة والمغفرة وطيب الله تعالىثراه وجعل الجنة مثواه. والله المستعان.
زكي مبارك
khabirjuba@hotmail.com