في سبيل التحول الديموقراطي … بقلم : د. عمر بادي
11 March, 2010
المشهد السياسي في السودان هذه الأيام ملبد بالغيوم و بالزوابع التي ربما تستفحل و تتحول إلى أعاصير مدمرة تقضي على الأخضر و اليابس . كل ذلك في سبيل التحول الديموقراطي الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه . نحن شعب قد سبق شعوب العالم في وعيه الجمعي , و في تفجيره لثورتين كانتا مثالا يحتذى لشعوب عدة , و لذلك فقد خاب كل من إستخف بهذا الشعب و لم يعطه قدره, و في المقابل قد أفلح كل من إهتدى بنبض الشعب و صار لصيقا به . لذلك فإن التحول الديموقراطي في مصلحة الشعب , الذي كان قد عانى الهجران و التجني طيلة العقدين الماضيين , و الآن ظهرت بوادر التوادد و طلب القرب , طمعا في أصواته العزيزة .
في سبيل التحول الديموقراطي , كان على الحزب الحاكم أن يثبت للشعب السوداني و لكافة دول العالم انه جاد في مسعاه الذي إختطه بعد عشرين عاما من الحكم الشمولي . لكي يثبت ذلك للجميع داخل و خارج السودان , كان عليه أن يعمل بمبدا التداول السلمي للسلطة , و أن يتنازل طواعية و بكل قواه العقلية عن خوض الإنتخابات القادمة , حتى يفسح المجال لحزب أو تكتل آخر ليتسلم مقاليد الحكم في الأربع سنوات القادمة , و يرتاح هو إستراحة المحارب يراجع فيها ما قد كان منه ثم يخطط إلى ما سيكون عليه مستقبلا عند خوضه للإنتخابات بعد أربع سنوات قادمة . هل أنا إنسان حالم و غير واقعي ؟
أنظروا إلى ما قاله السيد ياسر سعيد عرمان المرشح لمنصب رئيس الجمهورية من الحركة الشعبية لتحرير السودان . لقد قال إن على الرئيس عمر حسن أحمد البشير أن ينسحب من ترشيحه لمنصب رئيس الجمهورية في الإنتخابات القادمة حتى يمهد بذلك لفوز مرشح الحركة الشعبية , أي ياسر نفسه , بعد دعم المؤتمر الوطني له , و بذلك تحل ذاتيا قضية إنفصال الجنوب و لا يعود لها مبرر و لا للإستفتاء المرتقب في يناير 2011 . أنظروا إلى الدعم العالمي الذي سوف يلقاه السودان إذا ما أنسحب حزب المؤتمر الوطني من خوض الإنتخابات القادمة . سوف تتحول دول الإستكبار إلى دول الإستنصار , و ستكون داعمة و مانحة للسودان , و سوف تسقط محكمة الجنايات الدولية ملاحقاتها للرئيس البشير و مطالبها له للمثول إليها للمساءلة , و سوف يسقط إسم السودان من الدول الداعمة للإرهاب , و سوف تنتهي المقاطعة الدولية التي أضرت كثيرا بالسودان , و سوف تحل مشكلة دارفور سلميا و تنتهي الحركات المسلحة , و تنتهي قوات اليوناميد و التدخلات الدولية , و تنتهي معسكرات اللجؤ و النزوح , و سوف يتم الإنفتاح و العمل بدولة القانون .
يبدو أنني حقا حالم و غير واقعي , لأن حزب المؤتمر الوطني لن ينسحب أبدا من خوض الإنتخابات القادمة , بل يبدو لي أنه سوف يسعى إلى الفوز بكل السبل ! هذه الأيام تشكو الأحزاب المنافسة للمؤتمر الوطني من التضييق عليها ماليا بعدم صرف مستحقات الحملات الإنتخابية المتفق عليها مع المفوضية القومية للإنتخابات , و بعدم إتاحة الفرص الإعلامية للتعريف و الدعاية . أرجو أن تقارنوا بين الزخم الإعلامي لزيارات الرئيس البشير الإنتخابية للأقاليم و بين القصور الإعلامي لجولة مولانا السيد محمد عثمان الميرغني الإنتخابية في شرق السودان , رغم نجاحها الجماهيري الباهر . إن تاريخ الإنقاذ مليء بالتجاوزات التي تحفها بعض الإشراقات , و به ظلامات باقية و متجددة تستدعي أي حزب آخر يأتي إلى السلطة إلى عمل كم هائل من التعديلات تطال كل مناحي الدولة من خدمة مدنية و نظامية , حتى تستقيم الأمور إلى ما كانت عليه قبل عام 1969 , و يعود المنصب الحكومي إلى أصحاب الكفاءات لا الولاءات و إلى ذوي الخبرات لا ذوي التخبطات . سوف تراجع صياغة الكثير من القوانين التعسفية و المصادرة للحريات , و بحكم ذلك سوف تطال الملاحقات كل من عمل على خرق الدستور و الإستيلاء على السلطة , و كل من عمل على إذلال الناس و تعذيبهم في بيوت الأشباح و حرمانهم من العمل بالإحالات للصالح العام و تشريدهم و قتلهم دون محاكمات عادلة . سوف تنفتح أبواب جهنم على هؤلاء الجناة لأن الذاكرة الجمعية لا تنسى , و كل من عانى من القهر و التعذيب يظل في دخيلته منتظرا يوم أن يأخذ حقه من جلاده !
سوف تنفتح المساءلات المالية عن الثراء الحرام و التلاعب بأموال الشعب و خصخصة المؤسسات الناجحة , و عن أموال الثروات الغير خاضعة لمراجعات ديوان المراجع العام , و كذا الشركات و العقارات المسجلة تمويها بأسماء أقرباء المسؤولين و هي حقيقة ملك لهؤلاء المسؤولين . إن كل ما ورد يجعلني حقا حالما و غير واقعي في دعوتي لحزب المؤتمر الوطني أن ينسحب و يتيح الفرصة لحزب آخر ليحكم السودان عملا بالتداول السلمي للسلطة .
في سبيل التحول الديموقراطي , لا بد من وضع مصلحة الوطن فوق مصلحة أي حزب أو مجموعة أو جهة , و هذا يستدعي قدرا كبيرا من المسؤولية ووعيا كاملا بالمنعطف الخطير الذي تمر به بلادنا . اللهم إحفظ لنا سوداننا وطنا واحدا يسع الجميع .
omar baday [ombaday@yahoo.com]