في صحبة الدكتور “كمال أبو ديب “…. بقلم: عبد الله الشقليني

 


 

 

adballashiglini@hotmail.com

 

  

في صحبة الدكتور "كمال أبو ديب "و نصه :

 

 (مزامير لامرأة لا تليق بأوصافها التسميات)

  

مقدمة قبل الإطلاع على النص  :

 

    تهنئة من القلب للدكتور (كمال أبو ديب ) على هذا النص العجائبي الناصع . من قبل أن أنقل لكم فحوى هذا السرب اللغوي وهو يملأ فضاءات الخيال ، يتعين أن نتذكر أن الأكاديميين من أكثر الناس ميلاً للنقد والتحليل والدراسة ، وقلما يطلقون لأخيلتهم عنان ركوب الأفراس بدون ألجمة غير أعرافها.

 

  عرفنا كيف كانت المعارك منذ ألف عام تنشأ بين الشُعراء المنفلتين من قواعد اللغة وموازين الضبط وبين أهل اللغة  وعلماء النحو والقواعد التي تضبط الواقف والمتحرك والراكض ، ولكن كتابة  الدكتور (كمال أبو ديب)  هي هجين  اثنين : الشِعر واللغة . التقيا في النور و وُلد الشعر النثري كثيفاً ثم أمطَر لؤلئياً . له في اللغة فُسحة واسعة فهو يدرِّسها في الجامعة، يعرف خباياها وأصولها وامتداداتها و له في الإبداع انفلات الخواطر ولكن بموازين اللغة وقواعدها وقواعد التصريف مُنطلقاً لسماواتٍ أرحب  لاستحلاب شرابها من أثداء الفطرة ، ثم أعاد طبخها بمعرفة الحاذق الذرب .

    تحية لك سيدنا في موكب اللغة الباهرة ، وحمائمكَ تنطلق من بنانك حين تكتُب وفي صدرك رؤيا مُتألقة تندلق فتنة بين الأحرف .

 أنتَ بحق إنسان جديد .

 

  تفرسنا النص ونزلت المعاني من برزخ الخواطر وأحلام القيم الجديدة التي تنظر الأجساد والأرواح فتشف ما تحتها ، وما حولها ، وأكوان القهر المُبطن في لفائف التاريخ  لنُعيد  نحنُ قراءة كل ذلك  ببصر الحديد.

 

النص :

 

مزامير لامرأة لا تليق بأوصافها التسميات

 

بقلم الدكتور كمال أبو ديب

 

أستاذ كرسي العربية في جامعة لندن

 

(1)

 

   تخرجين من فَجوات التاريخ ، ملفَّعة بالسُّور العتاق، مضمَّخة بحكايا العشيرة ، مكفَّنة باليماني المقصَّب ، والدمشقيّ الحرير . من ثناياك تفوح توابل الغوايات التي نسجتها الجدّات من أجل أن تطيِّب جسدكِ لليلة افتتاحكِ الجليلة ، على مذبح ذكرٍ يشتري رياضكِ اليانعات بجواهر الصين ، وكنوزكِ الفائرات بألماس المدارات ، ومفاتن جسدكِ برمل الصحارى !

 

   وتخرجين من حُطام تاريخ الذكَرِ المُعفّر بالعار ، المٌثقل بالهزائم ، المُشبّع حتى النخاع بالفساد والانحلال ، والقمع والطغيان ، واستنزاف الأرض والسماء ، واستغلال مزرعة لإتخام البطون .

 

   و تطلعين من معتقل الزمان الذي سجنكِ فيه الذكَرُ قروناً طوالاً ، باسم الآلهة والدينِ حيناً ، وباسم الأنوثة فيكِ حيناً ، وادعاء لشفقة عليك ورعايةِ لكِ حيناً ، و صيانةً لكنوزكِ الثمينة ولشرفه الموشوج بها حيناً .

 

   لكنكِ تخرجين دونما ضغينة ، نقيةً من الحقد ، متحررةً من روح القبيلة التي يغلي في دمها طلب الثأر ، تلوبين من أجل أن تحرّري نفسكِ ، وتُحرري سجّانكِ أيضاً ـ ضحية لتُراث من الاستبداد ، بقدر ما ترين نفسكِ ضحية لهذا التُراث وللرجل الذي قضى الدهور يلعب دور الحارث لميراث هو سجّانكِ وسجّان نفسه فيه .

 

   تخرجين وأنتِ ترين حولكِ أتراباً لكِ يرزَحْنّ في سلاسل الكبت ، يلفَعْنَ الأجساد عُنوة بأقماط مغموسة في مستنقعات التاريخ ، أصواتهن عورة في آذان سجّانيهنّ ، وجدائلهنّ المفتولة شراك غواية تنصبها شياطين الشهوة للذكور الهائجين.

 

(2)

 

   بلى ، من فجوات التاريخ تشرقين ، وإليّ تأتين : صبية تخطر كما ناقة بيضاء في صحارى من الشهوة و بوادٍ من الكبت و احتراق العروق في تعاليم صحف الأنبياء .

 

غير أني الآن أرى لكِ ألقاً لم أعهده فيكِ من قبل ، و وهجاً لم يُشرقْ مرّة في فضاء العيون ، و عزيمة انخطافٍ إلى مدارات الوعي والحرية والإنجاز لم تَبُحْ مرة بمثلها شفتاكِ . لكأنكِ تأتين إليّ مسربلةً بعُريك ، مدثرة بكِ ، ولا شيء آخر ، في رفّة الأهداب بين أملٍ كان وحلم سيكون . وكذا جديدة تولدين في زمن شدّ ما أجهضتْ فيه الولادات الجديدة .

 

   ذاك أنكِ لم تتلوثي بكل ما غمرتْ به مستنقعاتُ الحياة هياكل الرجال ، ولم تبتُرْ أغصان دوحتكِ البكر سيوف الطغيان ، ولم تفسد النسغ الذي يغذي أعراقكِ النابضات ـ كما أفسدت نسغهم ـ قرونٌ من التآمر والدسيسة ، والنفاق والرياء والتقية والتمويه ، والتذلل للسلطان ، والخنوع للقهر ، والتنمّر على الضعيف والانكسار أمام القوي .

 

وأراكِ ، فيهدهدني وعدٌ ، ويمرع في عروقي حلمٌ وتنبضين أنت بالشبق للحياة في كلا الوعد والحلم .

 

   أراك في المصانع والسهول ، في مقالع الجبال ومنابت المزارع ، وفي معارك الصراع من أجل مستقبل أكثر بهاء وحرية و كرامة . وأبصركِ في ردهات المصارف ومكاتب التجارة ، وفي مدرجات الجامعات وعبر مُختبرات العلم ، وفي مشارح المستشفيات و رياض الأطفال ، وفي نوادي المترفات و خيام البداة الراحلين إلى مساقط الغيث .

 

   أراكِ تهندسين السدود ، وتشقين الطرقات وترسمين السياسات وتغوصين في منابع الفكر و تقوضين التصورات التي ورثناها و تغرفين من خضمّ المعرفة التي تكتظ بها الحواسيب ن وتديرين المتاجر الأنيقة ، وتُصمّمين الأزياء الفاتنة ، و تشعّين على شاشات التلفاز ، و تأتلقين في الصحف والمجلات ، وتحنّين على طفلٍ رضيع ، و تواسين عجوزاً معدمة ، و تميلين شفقة على قامة ذكر حنَتْها السنون ، وأثقلتها أعباءُ عمر قضَمَتْه سنواتُ البحث عن لقمة العيش .

 

   وفي كل شيء أراكِ فيه ، وفي كل هيئة بها تتجلّين، أعشق في سيمائكِ القدرة على الخلق وحدّة الذكاء ، و نقاء السريرة ، و صفاء العطاء ، وروعة التفاني ، والوله بالابتكار ، والصبر على المكاره ، و الإباء على الضيم ، والتضحية بكل نفيس من أجل ما هو حقٌّ و خير وجمال . وأحسُكِ حرّة تجوع ولا تأكل بثدييها من شراسة الضنَك ، وفي زحمة  الكفاح .

 

   وأزهو بكِ ابنة ، و حبيبةً ، وأختاً ، و أماً، و زوجةً ، و عشيقةً ، و صديقة ً ، و زميلةً ، و منافسةً ، و سبّاقةً ، و طالبة و معلمة ، و مُلهمةً ، و فاتنة مفتونة ، و قائدة داعمة ، و رائدة ورفيقة طريق بكر .

 

(3)

 

   وأراكِ  تخلعين عباءة التاريخ المزركشة بذهب الهند ، المُثقلة بلآلئ ديمون ، والمنقوشة بالفيروز والكهرمان ، كما أراك تخلعين الملاءة الموشومة بدم البكارات ، وترفضين بيع بهاءكِ لتُجار العذارى ، وسماسرة المتعة التي يسمونها " زواجاً " وأشهدكِ تحتفين برغبات جسدكِ و توقه للحب ، وباتلاق شهوتكِ للارتواء ، وبنداء أعضائكِ اللاهفة للُجَج جسدٍ مُستفز ، وأبارككِ تجمحين في إصراركِ العنيد على أن يكون لكِ كل شيء حق أن تختاري ما تشائين ، و حرية أن تجهدي لتنالي ما إليه تصبين .

 

   وأراكِ قامة لا تكبُلها السلاسل التي صنعها الذين ترتعد فرائضهم خوف أن تفتحي عينيكِ على آفاق الحرية ، وتندفعي في مسالك المشاركة والريادة ، والاكتناه و الاكتشاف ، والذين يرعبهم أن يكون جسدكِ طليقاً ، وعقلكِ وقّاداً ، و ذكاؤكِ فعّالاً ، ويداكِ قادرتين على الهدم كما هما قادرتان على البناء .فيقمّطونكِ بتراث العشيرة ، و يقنعونكِ بحُجُب الكتب الصفراء ، وآيات الكبح والإقصاء ، وترانيم الهياكل الوثنية . وعلى شرفات نهديكِ يعلقون تمائمَ خوفهم على ما يسمونه " الشرف " كأنما جسدُكِ صنمهم المُقدس ، وهيكلُ عباداتهم الراعفة .

 

   وتبصركِ مقلتاي ، فأبصر ما لا تراه الأحداق ؛ ذاك أني لا أراكِ رؤيةَ عينٍ ، بل أغور فيكِ إلى ما تستشفه البصائر التي تتقرى الباطن الخفي ، المستتر الذي ما يزال في رحم الغيوب .

 

   بلى ، أبصركِ في ما لم يكن ، موقناً أنه سيكون :

 

   امرأة تنتصب في مسالك الرحيل ، مكتظة بشهوة الاكتشاف ، ونشوة العبور إلى معارج الصراع ، و مفازة البحث عن مفاتن المعرفة . امرأة لا تهاب حميّا العراك ، ولا يرف لها جفن في مغاور التيه ، حين يفتنها نداء الحقيقة ، وتعصف بأعراقها رغبة الولوج إلى مغاور المبهمات ، ودهاليز المحرمات . امرأة تحتفي بجسدها ، برغباته وشهواته ، و ببهائه ومعارجه ، و بغياهبه وأسراره ، مثلما تحتفي الطبيعة كل يوم بولادة فجرٍ جديد / و شفقٍ خضيل .

 

   ثم أراكِ في ما تجئ به السنون ، نافرةَ الصدرِ ، مزهوَ الجيد ، عالية الرأس ، سامقة الجبين ، والنسيم يعابث شعركِ الفائر ، طليقةً في رياح المسافات ، تخلعين عنكِ ربقةَ الوصاية ونيرَ الحماية ، بأيَ اسم نقشهما لكِ الرجال في تاريخ الاستعباد الذي من أجلك ابتنوه و صاغوه . و كذا تمضينَ وحدَكِ في ما أراكِ عليه من نشوة الانفلات نحو كرامة العيش ، لا وصي عليكِ و لا قَوّام ـ سوى ما تقيمينه أنتِ لنفسكِ من حدود ، وما تُجلِّينه من قيم و مفاهيم ، وما يزدهر في حدائق مشاعركِ النقية من أوراد ـ ولا حامل سياط يهُش بها عليكِ في المخادع ، أو يفرقعها إرهاباً ، لكي يُنيخَكِ فريسةً لسطوته المتلذذة بانصياعَكِ لوحش رغباته الأثيمة .

 

    بلى ، أراكِ في ما لا يُرى رؤية العين ، بل تدركه البصيرة التي تتمتع بنعمة النفاذ إلى أغوار الأعماق ، و ملَكة التشوّف والاستشفاف ، تنتصبين بين أسراب من صبايا يُهَمهمن أناشيدَ لعالم سيكون : عالم يكتظ بقامات ترهج في صفوفها سناء محيدلي ، ترهف العين لتستحضر صورة الدمار الجميل قبل أن يكون ، وتبصر راية الحرية تخفق مركوزة في أضلاعها الفتيّة وَ توشوش الموت بنعومة عاشقة ٍ رأت حبيبها فجأة يتعرى على شاطئ النهر ، فغمغمت على صدره بلغة العشق وشجن الوداع .

 

    وتضيء بينها نوّار ، الصبية التي دثرت جسدها ببرودة البقاء ، حين راودتْ مناضلاً عن عباءته البيضاء التي رفرفت آية انتصار على قمم الجنوب .

 

و تغني في كتابها الصاعدات أم بيسارها تهزّ السرير لطفل وليد ، وبيمينها ترسم الخطط التي تضيء الطريق لمئات العاملين في شركة استثمار تشيّد مستقبلاً للوطن .

 

(4)

 

    وكذا أراكِ : تولدين من توق أرضٍ إلى العطاء ، وحنين تربةٍ لمطر الربيع ، ولهفة غِراس لآلهة الخصب . و تولدين من لهفتي لأن أكون ، فتكونين كلما اشتعلت نفسي لهفةً إليه .

 

لكن ما من ضلوعي تخرجين ، ولا من خيال ذكر تتشكلين ، بل تكونين من طينة البدء ، ومن رحم الأرض ، و تنبثقين بفعل شهوة ذاتكِ للوجود ، فتكونين لي رفيقةً على دروب البقاء ، إلى جانبكِ أمشي ، وعلى إيقاع خطواتكِ الواثقة أخطو ، وبألق الخلق في عينيك النبيتين أهتدي .

 

    وأراكِ حفيدةً فاتنة لشهرزاد ، غير أنكِ لا تغاوين شهريار بألعوبة الكلام ، وأحابيل الحكايات المتعثولة كشرانق الموت ، بل تجبهين إرادة الطاغية بِألمعية الرؤية ، و صلابة الشجاعة ، وتقلِّمين براثنه بحدّة الفهم ، ورهافة الذكاء ، و صلابة اليقين ، وفيض المعرفة ، و روعة التقدير ، و دقّة التحليل ، وسلاسة الكلمات ، فتكونين في كل شيء كما نصلِ سيفٍ صقلته أنامل الله ليكون صارماً يبتر الطغيان ، و يجُبُّ رأس الأفعوانِ الذي يُكبّل بكلاكله حُريّة الإنسان ، ويلتف خانقاً و مستنزفاً ، على صدور الأوطان .

 

(5)

 

   و كذا أراكِ في ما يأتي ، لا في ما هو كائن الآن ، ولا في ما كان ، فأهلل لكِ أيّما  تهليل .

 

  وفي احتفائي بتفتُّح براعمَكِ الواعدة ، و إطلالة فجركِ الوليد ، أعمّدَكِ بماء الحبّ ، و أسربل جسدك الفارع بغلالة الجلال ، و يمجدكِ الآتي أحتفي بغبطة رفيقٍ ، معكِ يحرث ويغرس ، و يروي ويربّي لتكون دوحةُ الحياة في مُقبل أيامكما أكثر اخضلالاً ، وأسمى قامةً ، وأوفر ظلالاً ، وأحلى ثماراً ، وأنبلُ رؤى و تطلعات ، وأشدّ عزيمة و صبراً على النائبات .

 

   و تأخذ بي شهوة لأن أسمِّيكِ ، فأهبَ لمجدكِ الأسماء حُسنى ، ولبهائكِ أنحني ، وأستجيركِ أنْ : خذي بيدي ، و كوني منارة لهذا الظلام الذي أسدلته زنود الرجال على شغاف القلوب ، و نوافذ الأحداق .

 

  وفي بهجة العماد ، قد أسميكِ وقد لا ، وقد يكون ما به أسميكِ ضلالاً أو لا يكون ، وسواء أعرفتِ أنت اسمكِ أو لم تعرفيه ، وسواء أأدرككِ الآخرون أو لم ، فإنكِ ستكونين ما حلُمْتُ لكِ أن تكونيه :

 

   صافيةً تترقرقين كما نبع في الجبال ، خارجاً من نقاء الصخور البيض ، ومن ثلوج شتاءٍ أنيق.

 

   نقيةً لأنكِ لم تتلوّثي بجرائر الاستعمار وعقلية المستعمرين ، فلقد حمَتكِ من شواظ سعيرها عزلتُكِ وراء جدران القمع ، فظللتِ ينبوعاً للأصيل الأصيل ، تصونين روح الحياة ، و كنوز الثقافة ، مكنونة في غياهب ذاتك ، طاقةً رائعة لاستعادة غبطة الوجود ، و حيوية التغيير ، وجماليات الإبداع ، وبشائر الخلاص .

    و نوراً جديداً تكونين ، وسفراً بكراً إلى ما لم تره من قبلُ عينٌ ، ولم تشنَّفْ بطلاوة أحرفه أذن ، ولم تطأ ثراه قدمان ، أفلم تكوني أنتِ أصلاً أولَ الفعل ، ورائدة الرحيل ، والرحِم الأولى للخلق والإبداع ، حين فتحتِ عينيه على مفاتن جسدَكِ البدائي متقنّعاً بشجرة المعرفة ؟

   بلى ، لقد كنتِ ،

 

أيتها التي لا تستنفد بحارَ روعتها محيطاتُ الكلام ،

 

ولا ينضب فيضُ عطائها أني عصفت بها الأنواء .

 

يا التي قد يكون اسمها بثينة شعبان ،

 

وقد يكون اسمها دلال السليمان ،

 

وقد يكون اسمها غيداء عبد اللطيف ،

 

وقد يكون اسمها سحر خليفة ،

 

وقد يكون اسمها لُبنى عبد الله

 

وقد يكون اسمها هدى وصفي ،

 

وقد يكون اسمها ريما خلف ،

 

وقد يكون اسمها خالدة سعيد ،

  وقد يصير اسمها ، في لحظة انخطاف ٍ و سحر ، أمية ورهام و حنان ، أو ليلى ونُعْم و عزّة ، أو أسماء و رابعة ، أو زينب و بلقيس .

وقد يكون اسمها ما يزال جمرة في رحم الغيب .

 

وقد لا أسميها باسم ، ولا أسمِها بوسْمٍ ، لتظلَّ أكبر من الأسماء كلها ،

 

جميلةً لا تُحيط بها الكلمات ،

 

نبيلةً لا تستنفد رحابة فضاءاتها الحدود .

 

وأيَّا كان اسمها فإنها امرأتي الجديدة .

 

قد تكون امرأة جديدة .

 

وقد تكون امرأة وحسب .

 

امرأة لا تليق بأوصافها التسميات .

  

صافيتا و دمشق

 

تموز ـ آب 2008 م

  

انتهى النص المنقول .

 

في صحبة نص ( الدكتور  كمال أبو ديب ) :

 

(أ) الكتابة عند الدكتور أبو ديب :

 

  لا أعرف كيف نهض النص !، كمن نهض صاحبه من نوم هادئ من بعد سفر عمرٍ طويل . لقد أطلق (الدكتور أبو ديب ) روحه السمحة بيننا وانتظر عليل النسيم ليدلك بشرته ، وهموم الدنيا أن تتخفف من على ظهره ، وأطلق المرأة الحُرة الفاتنة في مملكة عشقه النبيل و نزع نفسه من كُرسي مملكة الذكورة وأودعنا نصاً مُترفاً لا أعرف كيف تسلل هذا النص في هدوء ضجيج مجلة ( دُبي الثقافية ) في عددها الشهري الخامس ، ليندس  بيسر من بين أوراق وثنايا مواضيع أُخَر ! .

 

(ب) خلفية  الاقتباس  من معجم اللغة القرآنية  :

      عندما تحدث ( أبو سليمان الخطابي ) وهو (حمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب البستي )  عن بلاغة النصوص القرآنية كتب  :

{ إن أجناس الكلام فيه مختلفة ، ومراتبها في نسبة التبيان متفاوتة ، ودرجاتها في البلاغة متباينة غير متساوية ، فمنها البليغ الرصين الجزل ، ومنها الفصيح القريب السهل ، ومنها الجائز المطلق المرسل . وهذه أقسام الكلام الفاضل . فالقسم الأول أعلى طبقات الكلام وأرفعه ، والقسم الثاني أوسطه وأقصده ، والقسم الثالث أدناه وأقربه ، فحازت بلاغة القرآن من كل قسم من هذه الأقسام حصة ، وأخذت من كل نوع من أنواعها شعبة ، فانتظم لها بامتزاج هذه الأوصاف نمط من الكلام يجمع صفتي الفخامة والعذوبة ، وهما على الانفراد في نعوتهما كالمتضادين ، لأن العذوبة نتاج السهولة ، والجزالة والمتانة في الكلام تعالجان نوعاً من الوعورة . فكان اجتماع الأمرين في نظمه ـ مع نبو كل واحد منهما عن الآخر ـ فضيلة خص بها القرآن }

 

(ج) بعض اقتباسات النص من مفردات القرآن ومن مفردات"العهد الجديد" أيضاً :

 

ـ في عينيك النبيتين أهتدي .

 

ـ تكونين من طينة البدء

 

ـ و بغياهبه وأسراره

 

ـ التي تتقرى الباطن الخفي

 

ـ أعشق في سيمائكِ القدرة

 

ـ ملفَّعة بالسُّور العتاق

 

 ـ لآلهة الخصب ،

 

ـ من ضلوعي تخرجين،

 

ـ أنامل الله

 

ـ فأهلل لكِ

 

ـ أ عمّدَكِ بماء الحبّ ( اقتباس من العهد الجديد )

 

ـ بغلالة الجلال

 

ـ يمجدكِ الآتي ( اقتباس من العهد الجديد )

 

ـ الأسماء حُسنى

 

ـ بهجة العماد

 

ـ أسميكِ ضلالاً

 

ـ شواظ سعيرها

 

ـ مكنونة

 

ـ وبشائر الخلاص ( اقتباس من العهد الجديد )

 

ـ ما لم تره من قبلُ عينٌ

 

ـ بشجرة المعرفة ( اقتباس من العهد الجديد )

 

ـ لا تستنفد بحارَ

 

ـ الأسماء كلها

 

(د)  في لغة نص (الدكتور أبوديب ) :

 

      خطابه مباين للمألوف ، مشتمل على الغرابة والفصاحة ، والتصرف البديع والمعاني اللطيفة ، والثراء الغزير في التشبيه والوصف . هنالك تناسب في البلاغة وتشابه في البراعة والدقة . عجيب النظم وبديع التأليف . لا يتفاوت ولا يتباين ، رغم أن حديث الأدباء والكُتاب عادة  يراوح بين كثافة التعبير وارتخاء السلاسة اللفظية لتقريب الإفهام للعامة ، لكنا نلحظ قربه من السالكين الدروب يُمسك أيديهم بيسر ، مادته مُيسرة للعامة والخاصة بسعة أفق ودراية بدروب التخاطُب . عنده الاقتصاد في التعبير والإيجاز  وهي ميّزة يتداخل فيها الشِعر في النثر أو النثر في الشِعر  . و تجد اللُطف وتجد اليسر والصعود والهبوط بغزير المعاني .

 

      نهل الكاتب ( الدكتور  أبو ديب) من مكتبة ثرية لا تحُدها حدود ونهل أيضاً من اللغة القرآنية وأخذ منها غير ما أخذ الأقدمون ، بثرائها وغرائبها البليغة  وفتح سراً من أسرار استخدام المفردات القرآنية والجُمل المنزوعة من دسم الثقل الديني الذي يحيط بلغة معظم الذين كتبوا قبساً منها مُضمراً في لغة القرآن و مفاهيمها ورؤيتها ، فيجدون أنفسهم في أسْر سياجها المعرفي  وأغلال العقيدة . يهربون من بحرها هنا  ليسقُطوا في بِرَكها وَ وَحْلها هناك.

 

      لكن ( الدكتور أبو ديب ) غنيٌ بمعانيه ، مُتماسك الفِكَر ، يُمسك بالكلمات القرآنية الاقتباس ، يسوقها طائعة ، وقد غسلها من ملبسها القديم ، وأبدل وبر الماشية  بمساند ومُتكآت طريّة ارتدتْ لباس العصر من فخامة الرياش و نعومته و روائحه المُبتكرة الفوّاحة  .  نقلنا ( الدكتور أبو ديب ) لعصرنا بيُسر  وأفرغ الكلمات المُقتبسة من معاجم القرآن وغيرها من غبار القديم  وألبسها معانٍ  أُخر ، و شيد مبانيها على أسس جديدة . لا تفوته الدقة في الوصف والتمكُن من تصريف الكلمات والحلي وزخارف التجويد بموازين دقيقة . يصعد بكَ درج  المعاني وفق قدرتك على الصعود . يتخفف عليك من ثقل الكلمات الغريبة غير ما اعتدنا إلا فيما ندر ، و عندها يُغذيها من حليب إحاطته بأسرار نسيج الشعر النثري ،أو النثر الشعري  .

 

(هـ) في نصرة نص  (الدكتور أبو ديب ) للمرأة :

 

     تجد  نص ( الدكتور أبو ديب ) شغوفاً بالمرأة  ومُحباً  مُتيماً بها ، مُبجلاً لأنوثتها ، رافضاً أغلال تاريخ سلطة الذكور أن تستمر أبد الدهر. يراها سيدة جسدها ، وقائمة في أمر حياتها . شريكة في كل فعل نيّر ، ومن خلف كل بادرة إبداع تقف شامخة . لم تنتقص أنوثتها من أفعالها الجبارة إن لم تزدها قوة.

    تجده عاشقاً أمسك بميزان التكافؤ بين المرأة والرجل ليعيده عادلاً، ونثر غلظة عَالَم الذكور وسلطتهم وإحباط تاريخهم المشين وكال عليه النعوت التي يستَحِقْ. رمى بالرذائل عليه حين تكالب ذلك العالم على المرأة في وجبة الخضوع لتاريخ الإنسان المُستبِد ونسيانه العدالة مع سبق الإصرار والترصُد. عَرّى النص كل هذا التاريخ من أوراق التوت وأغلق الباب عن الأوصاف التي اعتدنا وصفاً للمرأة ونحن في استرخاء من غلبة تاريخ الذكور على الفكر حين يحسّ الظالمين منا يستمتعون بظلم  الآخرين  دون أن يرمش لهم جفن! .

    رَسَم نضارها ، وخلْقَها الباهر وقوتها ، وفتش في التاريخ العقائد وتاريخ الأساطير  لينصُرها ، فحقّ علينا الشُكر والعرفان على هذه الوليمة الدسمة وهي تخرجُ من مُختبر طاهٍ ماهر .

  

عبد الله الشقليني

 21/10/2008 م

 

آراء