في ضوضاء المصريين ..!

 


 

 



"المواقف الاستباقية تزيد من تعقيد المشاكل التي تدعي حلَّها" .. آرنست همنجواي!
في معرض تفكيكهم لمصطلح "الإيحاء"، يقول علماء النفس، إنك إذا ما أردت أن توجِّه أنظار مجموعة من الناس نحو شيء ما، فما عليك سوى أن تقف محدقاً نحو ذلك الشيء، عندها سوف يحذو الجميع حذوك .. قل لهم إن تلك البناية تحترق ولسوف تجد من يتبرع قائلاً إنه قد اشتم رائحة الدخان، وآخر يجزم بأنه قد رأى ألسنة اللهب ..!
أما الاستحواذ ــ عند ذات الاختصاصيين ــ فهو أن تسيطر بعض الأفكار على بعض الأشخاص، فيعيشون انفعالات غير منطقية، ويأتون بأفعال غير سوية، قد توردهم موارد هوس الحكومات الامريكية بالحرب على الإرهاب.. أو هوس جماعات أنصار السنة السودانية بالمد الشيعي .. لا فرق يذكر في موازين علم النفس الاجتماعي، الذي ينهض في مجمله على عَوْلَمة الأفعال، وأنْسَنة الانفعالات ..!
ومن ظواهر الاستحواذ ــــ ذات الصداع المزمن ــــ هوس الإعلام في مصر باستهداف أمنها المائي كلما سولت نفس إحدى دول حوض النيل لها بان تبتني لشعبها سداً (أنظر تاريخ النسخة السودانية من الهوس الإعلامي المصري بأخطار إنشاء سد مروي!) والذي ظل يمارس الإيحاء النفسي على أبناء شعبه ليل نهار حتى كاد المتطوعون أن يخرجوا إلى الشوارع لغزو الهضبة الإثيوبية دفاعاً عن مجرى النيل العظيم ..!
معظم البرامج الحوارية في مختلف القنوات المصرية تم تخصيصها بالكامل للحديث عن سد النهضة وأخطاره المحدقة على أمن مصر المائي، أنظر مثلاً نص الخبر الذي تصدر عناوين صحيفة "المصري اليوم" بعنوان عريض يقول ـــ "وزير الري في الرئاسة: الخيار العسكري مستبعد"! ــــ (أكدت رئاسة الجمهورية رفضها المزايدة على موقفها الوطنى من قضية سد النهضة، الذى تعتزم إثيوبيا بناءه، وقالت إنها فى الوقت الذى لا تسمح فيه بالمساس بمصالح مصر المائية، فإنها لا تعارض التنمية فى إثيوبيا وأفريقيا، فى حين استبعد الدكتور محمد بهاء الدين، وزير الرى، اللجوء إلى الخيار العسكرى لحل الأزمة) ..!
أي خيار عسكري وأي أزمة؟! .. من يعطي إعلام ما بعد الثورة في مصر رأسه؟! .. وهل يعقل أن يتظاهر شعب أمام سفارة دولة ـــ مهدداً بنشوء حرب ـــ لأن حكومة بلادها قررت أن تبني سداً سيؤدي إلى تحويل مجرى مياه نهر النيل لبضعة أمتار فقط قبل أن تعود بعدها للتدفق في مسارها الطبيعي ..؟!
مشروع بناء سد النهضة سوف يسير في أمان الله، والوسائط الإعلامية في مصر سوف تصعر خدها للقضية بعد أن يخفت بريقها حينما يطفو على السطح شأن أكثر حداثة وأشد إلحاحاً، ولكن ..!
يبقى الإعلام المصري ـــ بحملاته الشرسة المنظمة ــــ من أحداث مباراة مصر والجزائر في الخرطوم (والحرب التي كان يحث شعبه بلاده على إضرامها بسبب كرة من المطاط!) .. إلى تناوله العنيف لملف قضية بعد زيارة الريس مرسي للخرطوم .. إلى موقفه المُرجف من إنشاء سد النهضة الأثيوبي .. إلخ .. بات حالة تستحق الدراسة .. رسالة ماجستير أنيقة بعنوان متحذلق على غرار (ظاهرة الاستحواذ في الإعلام المصري وأخطارها المحدقة على العلاقات الدبلوماسية) ..!

منى أبو زيد
munaabuzaid2@gmail.com

 

آراء