في عيد الأضحى، هل تُضحُّون بالخراف فقط؟

 


 

 

في صباح العيد الكبير، هل تذبحون خروفاً فقط وتريقون دمه، أم تذبحون حب الدنيا بكل ما فيها، وتريقون دمها، حتى لا يبقى في قلوبكم إلا حب الله وحده، لا شريك له؟
اعلموا أن الله عليم بنا، يعلم أننا نحب الدنيا، وآية حبنا للدنيا تعلق قلوبنا بأبنائنا وبناتنا وأهلينا وأموالنا، وافتتان نفوسنا بمباهجها وملذاتها وشهواتها.
لكن الله يريد أن يكون هو الحب الأول والأكبر في قلوبنا.
ويريد الله أن تكون قلوبنا مكاناً نظيفا يليق بحبه.
نعم الله لا يحبنا فقط، بل ويغار علينا.
فسبحانه من محبّ غيور!
لكنها غيرة مختلفة تماماً، غيرةٌ تليق بجلاله وكماله وغناه.
غيرة رحيمة نافعة!
يغار ربنا علينا خوفاً علينا.
نعم، لا يريدنا أن نحب غيره أكثر منه، خوفا علينا من كل ما سواه، وكل من سواه، حتى أبنائنا.
فهو العليم بأن أولادنا وأزواجنا وأموالنا بل وأنفسنا، وكل ما نحبه ونتعلق به من دون الله، قد يكون عدوا لنا إنْ أفرطنا في حبه!
فإن كان الله سبحانه وتعالى يغار علينا من حبنا لأبنائنا، فمن باب أولى أن يغار علينا من حب ما هو أدنى من ذلك من الشهوات والأموال والمناصب والجاه.

لكل ذلك، حين أوحى الله في الحلم لعبده إبراهيم، عليه السلام، أن يذبح ابنه، فإنما أراد سبحانه وتعالى أن يُعلِّم خليله أنه أقرب إليه وأبر به من ابنه.
أراد أن يقول له: يا إبراهيم لن ينفعك ابنٌ من دوني.
ولكي يثبت له مصداق ذلك أوحى إليه أنْ اذبح ابنك!
هل تحبني يا إبراهيم؟ إذن اذبح ابنك!
اذبح ابنك ليكون ذلك دليلاً على حبك لي!
واختار إبراهيم حب الله على حبه لابنه الوحيد!
انصاع إبراهيم لأمر الله، فوضع ابنه، وفلذة كبده، موضعَ الذبيحة واستل سكينه ليُحز رقبته!

ونجح إبراهيم الأب في الامتحان!
ونجح إسماعيل الابن في الامتحان!

لكنّ الله أثبت أنه أرحم بالابن من الأب وأبرّ بالأب من الابن!
أثبت سبحانه وتعالى أنه أرحم بالابن حين فداه بذبح عظيم!
وأثبت سبحانه وتعالى أنه أبرّ بالأب حين قال له: لا تفعل ما يوجع قلبك ويفطره!

والآن، وأنتم تذبحون خرافكم، هل ستذبحون معها حب الدنيا ومتاعها؟
حب الدنيا بخلافاتها وأحقادها وسفاسف أمورها؟
حب الدنيا ودولاراتها وعماراتها وفارهات سياراتها؟
حب الدنيا ومناصبها وألقابها ونياشينها؟
حب الدنيا ونسائها ورجالها، وحب زعمائها ووجهائها ومشاهيرها وفنانيها ولاعبيها؟
هل ستذبحون فيه العنصرية والقبلية والحزبية والطائفية والمناطقية؟
هل ستذبحون فيه أعراقكم وألوانكم وانقساماتكم إلى نساء ورجال وإلى جيل شباب وجيل كبار؟
هل ستذبحون أرجاس قلوبكم وأوساخها لكي تغدو مكاناً يليق بحب الله سبحانه وتعالى؟

ثم هل ستذبحون حبكم لطاغوت الدنيا الأكبر: الأنا؟

إذن، فانّ الله سبحانه وتعالى لا يريد أن يوجع قلوبنا ويفطرها بذبح فلذات أكبادنا من الأبناء أو البنات، بل يريد أن يعلمنا أن نذبح "فلذات أكبادنا" من الشهوات والرغبات، ومن العداوات والأحقاد، ومن الغرور وحب الدور والقصور.

وأخيرا، هل الخروف كل ما تذبحون أم آخر ما تذبحون؟

كل عام وأنتم بخير

alrayyah@hotmail.com
///////////////////////

 

آراء