في غمرة الدخان سايكولوجيا الشباب تستغيث
شريحة الشباب في المجتمع هي عصب الحراك والنشاط الفكري والثقافي ،باعثا التغيير تلقائيا ، او عن قصد عبر التنظيمات المختلفه سياسيه كانت او مدنيه ، والسودان من البلدان "لا اقول العربيه" التي تضج وتعج جامعاتها بتنوع كبير في الفعاليات الشبابيه المختلفه ، حتى أن الشارع على مر تاريخ البلاد شهد انفعالات مدروسه ، كان ورائها طلاب وطالبات الجامعات المختلفه ، تتويجا للايمان بالتغيير نحو مايرقى لكرامة الانسان . فهل هناك مايوازي حجم اهمية هذه الشريحه من خدمات واعادة تاهيل ، دفعا لباكورة الانتاج المادي والمعنوي ؟
أحلك مايواجه العالم الان من أزمات هي انتشار الحروب ، وما يواجه السودان بشكل خاص تصاعد وتيرة الصراع المسلح الداخلي والعنف ، والذي يستهدف الاطفال والشباب كأداه وكهدف ، باعتبار خصائص الشريحتين من قوه بدنيه وذهنيه ، وغياب الاراده او ضعفها ، كما في الاطفال فيصبحو مصدر استغلال .
وقد كان تشريفا لا تكليفا ، أن أقدم الورقه المتخصصة عن الآثار النفسية للحرب على الشباب والأطفال ، ضمن فعاليات سمنار حول آثار الحرب على الشباب والاطفال ، والذي أعده اتحاد الشباب السوداني ، في يونيو 2008 ، على خلفية الاعداد لمؤتمره الثالث ، انطلاقا من رسالته الهادفة لخدمة قضايا الشباب . والتي احتوت :
تعريفات الورقه :
الحرب : عباره عن صراع مسلح ينشأ بين طرفين ، او اكثر لتحقيق مكاسب محدده ، بعد الفشل في تحقيق ذلك بآليه سلميه .
الأثر النفسي : هو استجابه الفرد الانفعاليه تجاه مؤثر معين سواء كان خارجي بيئي أو داخلي بيولوجي .
الشباب : ذكور واناث في المرحله العمريه من 15 عام تقريبا وحتى 40 عام.
الاطفال : اناث وذكور في المرحله العمريه من 4سنوات تقريبا وحتى 14 عام.
تعتبر الحرب من ابشع الظواهر الاجتماعيه السياسيه التي تتاتى بفعل الانسان حيث يترتب عليها كثير من الخسائر الفادحه على جميع المستويات ، المستوى الاقتصادي والتنميه ، المستوى السياسي ، العلمي والتكنولوجي ، الاجتماعي والنفسي ، والاخير يعتبر الجانب الاقل اهتماما قبل الباحثين عند ملاحظة وحصر الخسائر بعد انتهاء الحرب واعادة التعمير ، سيما داخل السودان .
والخسائر على المستوى النفسي تظهر في شكل ردود افعال سلوكيه او وجدانيه او ذهنيه او كلها مجتمعه ، تطال كل افراد المجتمع المشارك في الحرب سواء كان موقفه دفاعي او هجومي . وتعتبر فئة الشباب والاطفال من اكثر الفئات الاجتماعيه تضررا نسبه لان التكوين النفسي لهذه الفئه ذي سمه خاصه ، ففي الاطفال والمراهقين نجد عدم النضوج الوجداني والانفعال وعدم اكتمال النمو الفسيولوجي "الجهاز العصبي " . وعند الشباب نجد النضج النفسي والعقلي المتسم بالطموح والعزيمه ، لتحقيق الذات وبناء الاهداف الحياتيه المستقبليه والرغبه في الاستقرار والبناء والتعمير . وتعتبر هذه بنيه نفسيه حساسه تجاه الصدمات النفسيه . ويؤكد المختصون أن أخطر آثار الصدمات هو ماسيظهر بشكل ملموس لاحقا ، في جيل كامل من الاطفال الذين سيكبر من نجا منهم وهو يعاني من مشاكل نفسيه على راسها صدمات الحرب ، وتقول الدكتوره نعمه البدراوي اختصاصية الطب النفسي " تعتبر الصدمات التي يتعرض لها الانسان بفعل الانسان اقسى مما يتعرض له من جراء الكوارث الطبيعيه واكثر رسوخا في الذاكره ، ويزداد الامر صعوبه اذا تكررت هذه الصدمات لتتراكم في فترات متقاربه . ويتعقد الأمر عند الأطفال حيث يصعب الكشف عن هذه الىثار لعدم قدرتهم على الوصف والتعبير عن حالتهم فيختزلها العقل وتتعمق في النفس وتصبح مزمنه " .
ويمكن حصر وتصنيف المؤثرات المباشره قبل وأثناء وبعد الحرب في :
مؤثرات سمعيه: تتمثل في الأصوات المرتفعه للانفجارات والقنابل واصوات الصواريخ والطائرات واصوات صفارات الانذار ، واصوات الصراخ والرعب والفزع .
مؤثرات بصريه: مشهد الجثث والدماء والاشخاص المصابون ، مشاهد الدمار المعماري والبيئي ، رؤية الحيوانات الميته ، الحرائق المشتعله والنيران والاسلحه بأنواعها ومنظرالجنود.
مؤثرات لمسيه : الحروق المباشره وغير المباشره ، الاصابات البدنيه الاخرى المباشره
مؤثرات شميه : اشتمام رائحة دخان الانفجارات والحرائق والغازات ورائحة الجثث والدماء .
في الحرب يتعرض الأفراد للفقد المريع من اصدقاء وعائله وممتلكات ومأوى ومال ، وعلى المستوى الذاتي فقد الاعضاء الحركيه والحسيه مما يسبب الاعاقات الكليه او الجزئيه المستديمه او المؤقته .
الاضطرابات والأمراض النفسيه الناجمة عن ماسبق ذكره من مؤثرات :
أثبتت الدراسات النفسيه أن كارثة الحرب عامل مشترك رئيس للعديد بل لأغلب الاضطرابات والامراض النفسيه ، تفصيلها كما سياتي :
أولا: القلق النفسي: وهو الاضطراب الاكثر انتشارا قبل وأثناء وبعد الحرب ، عباره عن توتر وانشغال البال لأحداث عديده لأغلب اليوم ولمده لا تقل عن ستة اشهر ، ويكون مصحوب أعراض جسميه كآلام العضلات والشعور بعدم الطمأنينه وعدم الاستقرار ، وضعف في التركيز والشعور بالاعياء والعصبيه والتحفز والخوف ، يلازم ذلك أعراض فسيولوجيه مثل خفقان القلب ، رعشة اليدين ، بروده الاطراف واضطرابات المعده . وتاثير تلك الاعراض يكون سلبيا على المريض وعلى من حوله فتضطرب العلاقات الاجتماعيه ويتدنى مستوى التحصيل الدراسي او العملي او الاثنين معا .
ثانيا: الاكتئاب النفسي : وهو حاله من الشعور بالياس وفقدان الحماس وفقدان الاحساس بمتعة الانشطه المفضله والاشياء . واعراضه تتمثل في الشعور بالحزن والغم طول اليوم ، الارق ، فنقص القدره على التركيز .
ثالثا: انفصال الوعي التحولي" الهستيريا": وهي حالة تغيير او فقدان وظيفه حسيه او حركيه نتيجه لضغط نفسي ، ولا يكون لهذا التغيير اي اساس عضوي ويتم بطريقه لا اراديه واعراضه تتمثل في قصور في واحده او اكثر من الوظائف الحسيه او الحركيه مثل العمى ، فقدان الصوت ، الشلل ، ...الخ ، مما يؤدي الى اعاقة الأداء الوظيفي اليومي .
رابعا : الفصام : وهو مرض ذهاني "عقلي" يؤدي الى عدم انتظام الشخصيه والى تدهورها التدريجي مما يؤدي الى الانفصال عن الواقع ويكون المريض في عالم خاص بعيد عن ادراك ما حوله . وأعراضه تتمثل في اصابة المريض بهلاوس سمعيه ، بصريه ، شميه ، ولمسيه ، مصحوبه بحديث غير منتظم او حديث بلغه غريبه غير مفهومه او معروفه في اي قاموس ، مع انعدام الادراك والسلوك الغير منتظم ، يفقد المريض علاقاته الاجتماعيه والتواصل الاسري حتى مع اقرب الناس ، ويشهد تدهور أكاديمي او عملي ويفقد الاهتمام بالمظهر العام والنظافه الشخصيه .
خامسا: اضطراب ضغوط مابعد الصدمه : وهو اختلال في الاتزان النفسي والتفكير والادراك ، وفقدان الشخص السيطره على انفعالاته ، فيظل في حالة ذهول ورعب ويستعيد المشاهد الصدميه باستمرار ، ولا يقوى على التركيز او الستجابه للمحيطين به ، وعدم القدره على النوم من هول الكوابيس ، رغم ابتعاده عن اماكن الحدث. والأعراض المميزه استرجاع الأحداث المؤلمه بصوره مستمره ، احلام اليقظه الخاصه بصورة الحدث الصادم ، محاولة تجنب اي صوره او فكره او شيئ يذكره بالحدث المفجع ، ويحدث تنميل وتبليد في العواطف مع تجنب الأختلاط بالآخرين ،تفاديا لذكر موضوع الصدمه ، ويتجمد الاحساس بالماضي والحاضر والمستقبل ، ويعيش المريض داخل الحدث فقط .
ومما لاشك فيه أن الأضطرابات والامراض السابقه لها عظيم الأثر في اعاقة المسار الطبيعي لحياة الفرد ، فتختل التفاعلات التفاعلات الاجتماعيه العامه والخاصه ، ويعاق التطور العلمي للفرد والتطور في مجال العمل والاهتمام بالواقع الشخصي الفردي ، مما ينجم عنه اعاقه تطور المجتمع بكامله على جميع المستويات .
"المصادر والمراجع:الطب النفسي المعاصرللدكتور اسامه أحمدعكاشه،ورقه علميه للدكتورمحمد عبد الله شاويش،الارشاد والتوجيه النفسي للدكتور عبد الرحمن السيد".
وعليه فما هو مصير الاجيال المتعاقبه التي شهدت خمسين عامل من الحرب في الجنوب ، ومصير الشعب في دارفور الذي عايش حربا ومازال لمدة ثمانيه سنوات ، وارجاء السودان المختلفه التي تشهد الانفلاتات الأمنيه والعنف المنتشر ، هل الآلاف من خريجي كليات علم النفس هم مفتاح الحل؟ في ظل واقع مهني وتعليمي اصبح يفرخ للعطاله والفقر التقني والانغلاق العلمي ، وتجارة البحوث العلميه والاسترزاق ببيع المعلومه ومنح الدرجات العلميه العليا تبعا لولاءات تبعد عن المنحى الاكاديمي وتقترب من " الدقون وصقر الجديان"؟؟
هل واقع المستشفيات اليوم وبالأمس وفي المستقبل ينذر ببادرة امل ؟؟ بعد ان تحول الطبيب الى مجرد آله" تعبأ بموية الفول والشاي الساده"؟؟ ، وغصبا عنه لا يتجرد من الاحساس ليدرك أن حقه من ميزانية الدوله يتيح له "كل انواع البروتينات والفيتمينات والدهون " ، وأنه عرضه للنهب والذل .
وتوافقا مع توصيات الورقه ، لابد من تفعيل النشاط العلمي المتخصص داخل داخل منظمات المجتمع المدني لعلاج آثار الحرب والعنف والتعذيب ، النفسيه والاجتماعيه ، الشيئ الذي أيضا يعد مسؤوليه على عاتق الدوله ، بدلا من ان تنتهج سياسات الاستثمار بضحايا الحرب المغلوبين على أمرهم ، كأن تنشيئ الهيئه القوميه للأطراف الصناعيه "ست فروع في ست ولايات" لتجد الضحيه نفسها ملزمه بشراء الطرف الصناعي من حر مالها ، لصالح اعمار جيوب فئه معينه من المواطنين . ولا بد أيضا من تفعيل نشاط الاجسام الشبابيه ، لتكوين وحدات خاصه بعلاج ضحايا الحرب والعنف .
ندى حليم / اختصاصية نفسية وناشطة في مجال حقوق الانسان
Nada Haleem Saeed [nadahaleem19@yahoo.com]