في ماسية حزب الأمة: “هاؤم اقرؤوا كتابيه”!

 


 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

umsalsadig@gmail.com

(1)
لا بد لنا أولاً قبل مناقشة موضوع اليوم من تهنئة الأمانة العامة بحزب الأمة القومي على إعلانها الموفق عن تشكيلة جامعة لأطراف السودان، وممثلة للنوع، ومزدانة بالشباب في مؤتمرصحفي محضور انعقد بدار الأمة يوم الاثنين الموافق 24 فبراير الجاري. ندعو للأمانة العامة بالأداء المتناغم والعمل الجماعي والتوفيق والسداد لرفعة الحزب ونهضة الوطن. فصلاح الأحزاب لا شك من شروط نجاح الديمقراطية التي أثبتت دراسات رصينة أهميتها بل حتميتها للتنمية وللنهوض وللتقدم وإعمار الأوطان.
كما تلزمني في هذه السانحة مخاطبة الشباب وجلهم ولد في عهد كفّرهم بالأحزاب بتحميلها مسئولية فشل الدولة السودانية وغيّبهم بالكامل عن أي وعي سياسي فصار منهم من يهتف: (عايزين سودان بدون أحزاب)!
وفي الحقيقة شيطنة الأحزاب و الدعوة للفظها تبناها على طول الخط الشموليون عملوا على ذلك بوسائل هدم عديدة وبديلهم الحزب الواحد وحكم الفرد تغييبا لمن يمكنه مسائلتهم ليرتعوا في المفاسد بلا رادع ولا محاسب ولا رقيب..
كما نجد من ضمن هذه الفئة ربائب الشمولية من مثقفين ما فتئوا يعيبون الديمقراطية ويلعنون الأحزاب انتصارا لخياراتهم الخاطئة بالوقوف على الجانب الخطأ من التاريخ بدلا عن الاعتذار للشعب بسبب دعمهم لنظم قهرته وفرطت في سيادة الوطن وأفسدت بلا حدود..
لكن مهما اصطف هؤلاء وغالوا فإلغاء دور الأحزاب مطلب مستحيل في ظل الديمقراطية والدولة المدنية التي ننادي بها اليوم فالأحزاب السياسية هي الشكل المتعارف عليه للمشاركة الجماهيرية والأحزاب هي بنية النظم السياسية الأولى وهي آليات مأسسة الديمقراطية المتعارف عليها. وحتى تلد العبقرية الانسانية شكلا آخر للممارسة السياسية وللمشاركة الشعبية ليس لنا سوى الرضا بالأحزاب السياسية- المواعين الحالية التي توافقت عليها الأمم لضمان المشاركة الشعبية والممارسة الديمقراطية.
لشبابنا مطلق الحرية في رفض الأحزاب القائمة لكن ليتهم يفعلون بعد التعرف عليها بعيدا عن دعايات الشموليين وترويج ربائبهم من المثقفين وعليهم في هذه الحالة تأسيس أحزابا تنافسها هذا مشروع وممكن .
هذا المقال أكتبه احتفاءً بمرور 75 عاما على قيام حزب الأمة منذ تأسيسه الأول في مارس 1945 ويعتبر حزب الأمة -بلا ادعاء الوريث الشرعي لتاءات تميز السودان ونسبه الحضاري الثلاث: التفرد كمهد للحضارات الانسانية الأولى،التنوع الذي مثله التعدد الاثني فيه والتوسط بحسب الموقع الجيوسياسي. هذه التاءات يقابلها في حزب الأمة كونه مع كيان الأنصار يشكلان أكبر حلقة وصل بين سودان وادي النيل والسودان الغربي، و بين شمال السودان وجنوبه. وهو حزب متجذر في لب السودان التقليدي وكذلك الحداثي، مما يرشح الحزب للعب دورا هاما كحلقة وصل بين سودان الأمس وسودان الغد، وقد قام الحزب أصلا استجابة ملحة لعاملين:
خوفا من مطالبة مصرية بالسودان كمكافأة لها نظير خدمات قدمتها للحلفاء إبان الحرب العالمية الثانية وبروز اتجاه قوي في مصر بتسوية المسألة السودانية في مفاوضات مصرية بريطانية .
وبسبب من هذين العاملين الدافعين لقيام الحزب كان حزب الأمة الأكثر حساسية تجاه قضايا السيادة والأكثر حرصا على الخصوصية السودانية، وهو ما يفسر مناداته باستقلال السودان بكامل حدوده تحت شعار"السودان للسودانيين".
تحت رعاية الامام عبدالرحمن المهدي ونفر كريم من الاستقلاليين بدأت اجتماعات الحزب التأسيسية وصدر بيانه التأسيسي في 31 مارس 1945 كتحالف بين الأنصار وزعماء العشائر ونفر من الخريجين المنادين باستقلال السودان بهدف تحرير السودان بكامل حدوده مع الاحتفاظ بعلاقة خاصة مع دولتي الحكم الثنائي(مصر وبريطانيا).
أتى في بيانه التأسيسي الأول: " أن الوقت قد حان لقيام حزب سياسي يكون نقطة ارتكاز لليقظة الفكرية السودانية التي بدأت تتلمس طريقها للافصاح عن رأيها في مستقبل البلاد وللمطالبة بحقوق السودان الطبيعية التي قطع السودانيون شوطا بعيدا في طريق التأهل لتحمل أعبائها" وقد تم اختيار الاسم"حزب الأمة" كناية عن الترحيب بكل السودانيين المؤمنين بأهداف الحزب وأهمها تحقيق استقلال السودان عبر التطور الدستوري. متخذا بنود مذكرة مؤتمر الخريجين ذات ال 12 بندا دستورا له (رفعها ابراهيم أحمد رئيس المؤتمر للحاكم العام ابريل 1942)، وأهم بنودها :المطالبة بتقرير المصير، إلغاء قوانين المناطق المقفولة وبنود خاصة بتمكين السودانيين من حكم أنفسهم.
تلك المرحلة التأسيسية وسمتها الأبوية بصفة عامة لكن يجدر بنا الوقوف عند نقطتين مهمتين شكلتا بذرة التطلع لنظام مؤسسي:
الأولى: بيان من الإمام عبد الرحمن المهدي عام 1950م بتنازله عن حق النقض (الفيتو) في قرارات الحزب كخطوة هامة.وتعريفه لنفسه كعضو في الصف أتاه الله مقدرة مالية ينفق منها على الحزب( عندما سئل عن ماهية موقعه في حزب الأمة).
الثانية: مخالفة راعي وممول ومؤسس الحزب في مسألة تأييده لانقلاب عبود ببيان، وقد انخرط الحزب بمن فيهم رئيسه- وهو ابن الامام عبدالرحمن البار في معارضة نظام عبود بل انضم للمعارضة فيما بعد، عبدالله خليل الذي قام بتسليم الحكم للعسكر نفسه .
من انجازات الحزب بعد التأسيس الأول 1945-1964 :
-الاعتراض على الاتفاقيات التي عقدت بشأن السودان دون اشراك أصحاب المصلحة مثابرا حتى أفشلها (اتفاقية 1936 واتفاق صدقي/بيفن 1946).
-عرض قضية السودان في مجلس الأمن 1947 بمعزل عن مصر.
-المطالبة بالحكم الذاتي من خلال مؤسسات المحتل منذ 1950 فاز الاقتراح بصوت واحد برغم الدسائس والمكائد.
-تنظيم الحشود الهادرة في زيارة الرئيس المصري نجيب للسودان عام 1954 لعكس وجهة نظر الاستقلاليين والتي انتهت بحوادث مارس المؤسفة لكنها أثبتت تمسك الحزب القوي بقضيته.
--تحقيق استقلال السودان عن طريق المشاركة الفاعلة في مؤسسات التطور الدستوري التي أوجدها المحتل .
- حاكما(بعد الاستقلال): استطاع المحافظة على كرامة السودان وسيادته عندما ادعت مصر سيادتها على حلايب 1958 (حكومة عبدالله خليل).
-و معارضا(بعد انقلاب عبود): جمع الصف الوطني وكون الجبهة الوطنية. وقاد المعارضة عبر (المذكرات،المفاوضات، المخاطبات الجماهيرية، الصمود في حوادث المولد، استقبال الرئيس جمال بما عكس له قوة موقف الحزب ، تقديم مطلب الأمة وهو الديمقراطية عبر وصية رئيسه الامام الصديق).
كان التأسيس الثاني لحزب الأمة في 1964:
- وتم فيه انتخاب رئيس الحزب وأمينه العام ومكتبه السياسي، و تكوين سكرتارية حديثة لقيادة العمل السياسي مكونة من شباب خريجين واتخاذ برنامج سياسي جديد بعنوان (نحو آفاق جديدة).
-كتب ميثاق اكتوبر 1964 الذي وقع عليه الجميع.
-راهن على موكب التشييع شرارة الثورة.
-نجح في الضغط من أجل قيام انتخابات 1965 في موعدها وفاز بها.
-التطور في مؤسسات الحزب الذي أدى الى التطلع لمحاسبة رئيس الوزراء.
- كان الانشقاق نتاجا لذلك التطور في مؤسسات الحزب منقسما لثلثين هم الذين طالبوا بالمسئولية عن محاسبة رئيس الوزراء وقد عقدوا مؤتمرهم ببرنامج (اصلاح وتجديد) وثلث تحت قيادة الامام الهادي وقد خاض الحزب انتخابات 1968 منشقا(1966-1969) فخسرها. لكن النقد الذاتي البناء أدى الى إعادة وحدة الحزب وادراك أهمية بقائه موحدا .
-تمكن من تنظيم العلاقة بين الكيانين الديني والسياسي.
-أبرزت تلك الفترة توجه الحزب القومي وجودة تحضيراته في الديمقراطية الثانية(حكومة الصادق الأولى 66-67) و التي استفادت منها اتفاقية اديس ابابا 1972 فيما بعد.
-رفع اسم السودان عاليا(مؤتمر اللاءات الثلاثة في الخرطوم اغسطس 1967 إبان حكومة المحجوب الثانية والوساطة بين مصر والسعودية).
- تمكن الحزب موحدا بعد انقلاب مايو 1969 من التعبئة السياسية الفاعلة وقيادة المعارضة وتوحيدها عبر العمل العسكري عند انسداد الأفق يوليو 1976 والعمل المدني الفاعل متى ما وجد كوة للحريات (شعبان 1973، وما بعدها).
-تم تكوين مدرسة الكادربعد المصالحة الوطنية يوليو 1977 وعودة القيادات وأدى العمل المكثف فيما بعد الى انتفاضة رجب/ابريل 1985( انتصار الهيئة القضائية بتكوين دستور يقضي بالمحافظة على استقلال القضاء، المعارضة الفاعلة لقوانين سبتمبر،الاحتقان السياسي الذي ولده تنفيذ حكم الردة على محمود محمد طه،الضائقة المعيشية).
-كتب رئيس الحزب ميثاق الانتفاضة المقترح في 2 ابريل 1985 ثم دعا الجيش للانحياز للشعب في خطبة 5 ابريل وولد ميثاق الانتفاضة عشية 6 ابريل فكان أن أعلن سوار الذهب انتهاء العهد المايوي في 6 ابريل 1985.
التأسيس الثالث للحزب كان عند عقد حزب الأمة لمؤتمره العام الخامس 1986 الذي انتخب الصادق رئيسا وكون امانته العامة الخماسية وبدأ في التجهيز للانتخابات ،جدد الحزب بموجبه برنامجه باسم (نهج الصحوة). وانتخب قياداته ووضع قواعد انتخابية جديدة لمرشحي الحزب للنيابة بحيث يؤسس ترشيحهم على قرار لجان الدائرة دون تدخل مركزي.
من الانجازات منذ التأسيس الثالث:
- الفوز بانتخابات 1986بأكثرية(101 مقعد مقابل 63 مقعدا للاتحاديين و51 مقعد للاسلاميين) ، النهج القومي، النزاهة العالية ،الهمة والمسئولية في الكوارث(أمطار وفيضانات 1988، برنامج شريان الحياة، الأولوية للتنمية والانتاج، علاقات خارجية متوازنة، تحقيق تقدم اقتصادي ملموس، التعامل مع مزايدات (الاسلمة والسلام) بحكمة، تحديد موعد المؤتمر الدستوري لمناقشة كافة قضايا السودان المختلف عليها.
- تشكلت معارضة الحزب لنظام الانقاذ بعد انقلاب يونيو 1989 بذراعين داخلي سري وخارجي علني ونجحت في تكوين التجمع الديمقراطي الذي جمع الأحزاب الأخرى وفيما بعد الحركة الشعبية واستقطاب الدعم للمعارضة.
- عمل الحزب في معارضة النظام عبر العمل العسكري الذي كان من نتائجه اختيار النظام التحاور بدلا عن التعسف والاقصاء .
- حاول الحزب عن طريق الحوار الجاد مع النظام المباد تسويق مباديء العدالة والحريات والسلام الشامل دون اقصاء لأحد ودون هيمنة من أحد ومع أن هذا المسعى فشل لكنه نجح في تفتيت نظام المؤتمر الوطني من داخله مما أدى لاضعاف النظام.
- نبه لمشكلة دارفور مبكرا ونصح الحكام دون جدوى وقدم أسس حلها بعد دراسات ميدانية وعن طريق ورش العمل.
- عمل على نقد اتفاقيتي نيفاشا وأبوجا نقدا بناء.
- جرد انتخابات 2010 بعد أن اكتشف تزويرها من كل شرعية بعد انسحابه منها.
- نبه لما يمكن عمله لوحدة جاذبة أو جوار أخوي في اطار التوأمة مع الجنوب.
- عرى حوار الوثبة الذي دعا له نظام الانقاذ في يناير 2014 بغية شق الصف الوطني وكشف زيفه.
- تمكن الحزب من جمع الصف الوطني في اعلان باريس 8 أغسطس 2014 مع الحركة الشعبية الذي حقق اختراقا كبيرا لصالح الدولة السودانية: وضع السلاح لصالح حوار بمستحقاته، لا لتقرير المصير، ارجاء مسألة الدين والدولة للمؤتمر الدستوري، أوجد دورا لمصر وللعرب أسوة بالاتحاد الافريقي والاوروبي،أن يكون الحل بأيدي سودانية.
- طور اعلان باريس لنداء السودان ضاما اليه الاجماع الوطني ومبادرة المجتمع المدني.
- تمكن الحزب بعد مواجهات عديدة مع النظام المباد ومن خلال الجهاد المدني الجاد من عزل النظام خارجيا وداخليا مهيأً المسرح للضغط نحو حوار باستحقاقاته أو انتفاضة شعبية.
-أثمرت الجهود التراكمية ثورة ديسمبر المجيدة التي لعب رئيس الحزب دورا هاما بالعبور بها من المواجهات الدامية الى الوضع الانتقالي الحالي.
- رفد الحزب الحكومة الانتقالية بكل مساندة ولم يبخل عليها بالنصح والنقد البناء تحصينا لها من كيد أنصار النظام المباد ومزايدات المزايدين.
سنكمل الاسبوع القادم بإذن الله عن الشبهات حول حزب الأمة والاخفاقات كما نتناول التحديات أمام التأسيس الرابع لحزب الأمة القومي .
وسلمتم

 

آراء