في وداع ” النور عثمان أبكر” : جرَّة ذَهبٍ إلى بحرِ الغيابْ . بقلم: عبد الله الشقليني
6 February, 2009
abdallashiglini@hotmail.com
أنطوى البُستان وشرب النهر العظيم ماءه وأجدب .
سيدي ..
تعجلت الرحيل ،.. فهو أكثر الردود اقتضاباً في وجه ما يجري .
عندما كتبنا وأنتَ على سرير الاستشفاء :
{ قُم يا بهي المراتب ، يا عصياً على النسيان . بطول فراقك جسداً حملتَ وطنك بين جنبيك . كنت قد شققت بطن المسألة ، وزرعت وردك في كل الحواشي وزينتَ المزارع بالرؤى . كنت في المُبتدأ مثقفاً مال على أوجاع الوطن وأوجاعه وهموم الوطن وهموم الجسد (الخلاسي) الذي جمّله الكثيرون من أهل البلاد منذ عهود هجرات قديمة ، جرّ معه اللغة و حقنته العشيرة بجُرعات من الدمٍ وانطلق بعنفوانه وتسلق أسوار جنة الإبداع مُبكراً .
سيدي نعرف أنك تنسى نفسك في الزحام . العمر يمرّ علينا جميعاً ولا نعرف كيف نفر من قدر الجسد الواهن إلى من بيده السحر الإنساني الكبير ، ليحيل الوهن قامة صحة فارعة الطول . سيكون معك ملائكة الرحمة لنُصرة إن ترجع إلينا كما عهدناك سندساً تفرُش بنايات الذاكرة و تمد أراوحنا بالوهج .
أ أنت من زرع فسيلة الغابة والصحراء ؟
أ أنت الذي تدثرتَ مُحرراً من وراء تخوم الكتابة في الدوحة القطرية أيام نهضتها الأولى ؟.
أ أنت المُترجم ، والمثّال والناقد ، والشاعر ، والكاتب والطباخ الماهر ؟
كيف حالك سيدي ، وكيف مقام الذهن المُتوقد بالفعل المُبدع وبالنار التي سقيتنا أنتَ و لم تعلم أنها أضرمت الفيافي و غابات الفرح عندما ينهض الوعي يرتقي سلمه.}
لم نكُن نعلم حينها أن طريق الرحيل أقصر .
إلى روحك الراحلة من فوق السحاب :
إلى الدوحة التي تحت فيء ظلالها علينا جلسنا نتسامر ونزهو فتُسَاقِطْ عَلَيْنا رُطَباً جَنِيّاً فنستطعِم. إلى شِعرك ( الوريف ) ونعمة مولانا الكُبرى حين تنزّلت علينا،
وامتطت فراشة ذهنك الوثاب شِعراً ولؤلؤاً وبشائر .
هذا يوم ميعادك .
رفرفت الروح ومدّت أجنحة تضرب الآفاق وهبت علينا ريح سوداء من حُزن فراقك .
ليت الأقدار بقدر التمني ، ولكن كتاب الفراق سيفٌ قاطع فصلنا عنك ،
و حجب جسدك الذي كانت مطمورة في دنّه الكثير من أحزمة الكلام المُتفجِر .
لحِقتَ أنتَ بالجيل الذي رحل . السهم مكان السهم . والحافر مكان الحافر وإن تنوعت السوابح :( محمد عبد الحي ومحمد المهدي المجذوب وجمال محمد أحمد وعبد الله الطيب المجذوب ومحمد عُمر بشير ومحي الدين فارس و مصطفى سند وصلاح أحمد إبراهيم ... )
جميعكُم كتبتُم لنا وثَقُلت موازينكُم وفاء لشعب يقرأ ، أو لشعب سوف يقرأ ،
أو لشعبٍ سوف يُفسح له الكون من بعد الخيبة أن يتمكن من القراءة الوثابة فينهض ،
ليعيد قاطرة وطن تهُمُ أن تخرج عجلاتها من القضبان إلى هاويات المجهول .
لم تكُن الدنيا رحيمة بنا أبدا ، ولست أنتَ سيدي أول الراحلين لتترُكنا .
إنا لفراقك لمحزونون .
بسم الله مولاك وحافظ روحك الهائمة فوقنا ،
و حافظ أرواحنا الراكضة في لهث الدُنيا ،
نستسمح فضله أن يتخير من يشاء من ملائكة الرحمة ليغسلوا بأنوار البهاء جسدك المجدول شِعراً و وعياً وتقدُم .فنحن نودع جرّةً مملوءة بذهبِ الشِعر وهي تغطس في بحر الغياب .
abdallashiglini@hotmail.com
عبد الله الشقليني
04/02/2009 م