التحية بمحبة واحترام لنساء بلادي: من اماني ريناس ولكل الملكات السمراوات الكوشيات وصولا لرفقة (صائدة البمبان) وصويحباتها، مرورا (برابحة وبنونة ومهيرة في الميدان) وبرحمة ومدينة وسارا وسارة ومريم وبلقيس ولتهاني عباس الناشطة الحقوقية الفائزة بجائزة "مارتن انستيت" لحقوق الانسان للعام 2020 .. التحية لأمي حفية الكرم و للأمهات والبنيات وللنساء في معسكرات النزوح واللجوء و في كافة أرجاء المعمورة وفي ( الوطن العزيز بناسو ما الحيطان).. التحية لكن جميعا في العمل: رئيسات وموظفات ومعلمات وطبيبات وممرضات وعاملات وستات شاي وجالبات الماء والكلأ مطعمات وكاسيات وستات بيوت لا تعرفن الكسل ولا الملل، تتجافى جنوبكن عن المضاجع في غيرية محيرة للانسانية لكنها من طبعكن وممارسة يومية لكُن بلا صخب ولا ضجيج. كما نحمد الله كثيرا على نجاة الدكتور عبدالله حمدوك نصير النساء رمز الثورة الذي تعرض لحادثٍ ارهابيٍ في يوم 9 مارس المنصرم استهدف نسف الانتقالية والثورة في شخص حمدوك. خلفية تاريخية عن يوم 8 مارس : في مثل هذا اليوم من عام 1856 خرجت آلاف النساء في ولاية نيويورك بأمريكا احتجاجا على الظروف اللا انسانية للعمل وتكرر ذلك الفعل الاحتجاجي في 8 مارس 1908 حيث تظاهرت أيضا آلاف النساء في شوارع نيويورك حاملات قطعا من الخبز وباقات ورد مطالبات بتحسين ظروف العمل والأجور ومطالبات بالحصول على حق التصويت في الانتخابات وقد كانت تلك بداية الحركة النسوية المنظمة داخل الولايات المتحدة الأمريكية و من ثمّ اتخذ يوم 8 مارس يوما للاحتفال بالمرأة الأمريكية منذ العام 1909 بمبادرة من (الحزب الاشتراكي الأمريكي). وفي عام 1910 اقترحت السيدة الألمانية كلارا زيتكن جعل هذا اليوم( 8 مارس) من كل عام يوما عالميا للاحتفاء بالنساء في مؤتمر دولي للمرأة العاملة في كوبنهاجن بالدنمارك باشتراك 100 امرأة من 17 دولة وافقن على اقتراحها بالاجماع، فكان أن تم الاحتفال باليوم لأول مرة في 1911 في النمسا والدنمارك والمانيا وسويسرا. ومنذ 1975 تبنت الأمم المتحدة فكرة الاحتفال بالنساء في يوم 8 مارس من كل عام وبدأت بالاحتفال بهذا اليوم في عام 1976 وكان أول موضوع للاحتفال يدور حول "الاحتفاء بالماضي، والتخطيط للمستقبل". احتفال هذا العام 2020 كان موضوعه: " العالم المتساوي هو عالم التمكين"، وشعاره : “Each for Equal” "نحن جميعا أجزاء من الكل للمساواة" وفكرته العمل بشكل جماعي لاحداث التغيير و العمل على خلق عالمٍ مساوٍ بين الجنسين.. في عالمنا العربي ومنذ الموجة الأولى لثورات الربيع العربي برز دور طاغ للنساء حيث تقدمن الصفوف الأولى في التظاهرات والاعتصامات . وفي موجة الربيع العربي الثاني في الجزائر برزت أسماء مثل سميرة مسوسي ونور الهدى ياسمين دحماني وقد حوكمتا بتهمة"التعبير عن الرأي" والخالة زاهية التي تحمل مكنسة في التظاهرات (لتنظيف البلاد من الفاسدين). وفي لبنان برز اسم ملك علوية أيقونة ثورة تشرين التي ركلت أحد رجال الأمن ومنعته من اطلاق النار على المتظاهرين. و في السودان برزت أسماء مثل ايقونة ثورة ديسمبر آلاء صلاح ورفقة عمر صائدة البمبان وفي العراق ثائرات تحدين القهر رافعات شعار: "ولدت لأصبح ثائرة". في مثل هذا اليوم من كل عام يحتفي العالم بانجازات النساء في السياسة والاقتصاد والعلوم والمجتمع وفي كافة المجالات. النساء السودانيات لسنا بدعا! وقد استحققن ان يحتفى بهن لعطائهن المبكر "وقد نالت المرأة معظم حقوقها في أوقات مبكرة نسبيا كالحق في الترشيح والانتخاب والأجر المتساوي"(سامية الهاشمي). فالسودان يمتاز تقليديا بأمرين في مجال المجتمع المدني وتحرير المرأة مثلما أكد الامام الصادق المهدي في ورقته عن (دور الأحزاب السياسية في تفعيل دور المرأة)،2004: الأول: أن المجتمع أقوى من الدولة، وذلك نتيجة لحقيقة أن أهم مكونات الهوية نمت من تحت لفوق فمراكز نمو الثقافة المركزية السودانية تنصرت سلميا وثم وفي مرحلة لاحقة أسلمت سلميا. هذا النمط جعل زمام المبادرة للمجتمع المدني. 1- الثاني: إن ثقافات السودان التاريخية لا سيما الكوشية ثم المروية أعطت دورا للمرأة في الحياة العامة مخالفا لدورها في الكثير من الثقافات المعاصرة لها. سجل كل من بعنخي وترهاقا فخرهما بأميهما وسجلا دورهما في تربيتهما كما أن الحضارة المروية عرضت دورا مرموقا للملكات المدعوات كنداكات. إذن فالشجاعة والنضال والصبر والتصدي للملمات والقيادة مميزات ليست بالغريبة على السودانيات فهي مواصفات مغروسة في جيناتنا منذ الملكات الكنداكات في مجتمع يتميز عن محيطه العربي بثقافة أمومية تحترم النساء وتقدر عطائهن ..وتجد من رجال الدين من خلف ابنته على سجادته مثل الشيخ أبو دليق الذي خلف ابنته عائشة وكان له ولد غيرها. ومنهم من كان حريصا على تعليم المرأة في زمان كانت فيه المرأة الأوربية مطعون في إنسانيتها ومرفوض تعليمها. كما تبنت منظمات المجتمع المدني السوداني مثل جمعية نهضة المرأة السودانية منذ الأربعينات والاتحاد النسائي السوداني (الخمسينات) قضية تحرير المرأة. صحيح أن التراكم الطبيعي لتجاربنا قطع انسيابه التاريخي والحضاري الغزو التركي المصري على يد محمد علي باشا الذي استقدم في ركبه فهما صوريا للدين وتفاسيرا ظاهرية مكرسة لثقافة اضطهاد النساء ودونية المرأة وقد تعزز ذلك بسنوات الانقاذ العجاف المكرسة لاضهاد النساء و(التعامل مع المرأة بروح الاتهام والنظر لها كعورة كما في قانون النظام العام، تصفية وجود النساء في الخدمة المدنية في المواقع القيادية، و منع النساء من العمل عن طريق القرارات السياسية و التشريعية (قرارات والي الخرطوم في العام 2000 )، الردة في مجال الحقوق والقوانين والتشريعات المتعلقة بالمرأة مما شكل ردة في الصورة الثقافية للنساء،القيود على أزياء النساء والفتيات في المرافق العامة ومؤسسات التعليم العالي).سامية الهاشمي ومع كل ذلك القهر المستمر لثلاثين عاما وبسبب الطغيان الذي وقع على كل الوطن فقد استشرت ظاهرة هجرة الذكور فزادت نسبة الفتيات في التعليم العالي، وزادت نسب الأسر التي تنفق عليها وترأسها نساء حتى كانت عام 1993 حوالي 22.6% من الأسر، وكانت تلك النسبة في تزايد مستمر بسبب هجرة الذكور للخارج، وزيادة نسب الطلاق بسبب الإعسار أو الغياب. هذا الواقع الذي وضع أعباء على النساء قابلنها بمسئولية اضافة لحقيقة أن اضهاد النساء في السودان ثقافة دخيلة على المجتمع السوداني فقد كانت النتيجة أنها سرعانما اختفت مثل كل طاريء لا يملك فرص الاستمرارية لمخالفته أصولا راسخة ولمخالفته مزاجا سودانيا عاما لذلك لا عجب أن أفلحت تجارب المقاومة النسائية ضد انقلاب يونيو الشمولي و أثمرت تراكميتها ثورة ديسمبر المجيدة وأفلحت في إعادة الصورة الحقيقية لعطاء النساء السودانيات والتي تبلورت في مشاركة نسوية بلغت أكثر من 70 % ، حيث تصدرن المواكب وتصدين لعنف الدولة ولارهاب العسكر ولتعدي رجال الأمن بسلمية كسرت البندقية وحولت قوتها القاهرة الى صفر كبير. وفي عيد نساء العالمين نقول لا يكفي الاحتفاء بالنساء بالكلمات وعلينا أن نصطف معا لنجعل احتفالنا بالنساء اعترافا بدورهن في تماسك مجتمعنا والاعتراف بدورهن في تحريرنا من قهر الانقاذ والوفاء للنساء بما اتفق عليه في الوثيقة الدستورية بنسبة 40% في كافة أجهزة السلطة التنفيذية والتشريعية . وبمراجعة قوانين الأحوال الشخصية وكافة القوانين المضهدة للنساء وتفعيل القرار 1325 الذي يحض على اشراك النساء في السلام والمصادقة على سيداو ومقابلة أهداف الألفية الثالثة الثمانية خاصة المتعلقة بتعميم تعليم النساء وتمكينهن وأن نعمل معا بحسب شعار احتفال هذا العام، رجالا ونساء على جعل المساواة بين الجنسين ممكنة: فطائر بجناح واحد أو مهيض الجناح لا يطير! وسلمتم