قانوني الصحافة والإعلام بأفكار شمولية

 


 

 

السؤال المركزي هل نحن في حاجة إلي قوانين خاصة بالإعلام و الصحافة ،إذا كانت البلاد بالفعل تريد تحولا ديمقراطيا؟ أي فكرة لعمل قانون خاص يحكم العمل الإعلامي و الصحفي، و عمل مؤسسة للصحافة لكي تراقب المهنة تكون العقلية التي فكرت في ذلك هي عقلية لم تستطيع أن تفكر خارج صندوق الثقافة الشمولية. منذ المدعو " التجمع الوطني الديمقراطي" في تسعينيات القرن الماضي؛ كانت فكرة قانون للإعلام و الصحافة مختزنة في عقول العديد من قيادات الأحزاب ذات المرجعيات الشمولية، الذين مايزالون أن يحلموا بدور الإعلام المحتكر للسلطة أيام ألمانيا الهتلرية، و وزير إعلامها غوبلز، و الذي استطاع أن يدخل الإعلام كأداة في الحرب النفسية علي شعوب الدول التي حوله، و يستخدم فيها كل ما انتجه علم النفس في ذلك الوقت. و بعد غوبلز أصبح الإعلام أهم أداة للأنظمة الشمولية في الدول التي تحكم بأنظمة عسكرية، أو أنظمة الحزب الواحد، و هؤلاء الذين جاءوا بفكرة قانون للصحافة و الإعلام باعتباره يحفظ حقوق آهل المهنة و يؤدي إلي توسيع مواعين الحرية لكي يؤدي الإعلام و الصحافة دورهم كسلطة رابعة في المجتمع، و لكن دائما يصبح أداة لقمع الصحافيين و الإعلاميين، حتى لا يتجاوزوا الخطوط الحمراء، و فكرة القانون أن تخلق رقيبا ذاتيا عند الممارسين للمهنة حتى يصبحوا أداة ناقلة فقط لرأي السلطة. أو إعلام يخدم السلطة لوحدها.
كانت المسألة مقبولة عندما كان السيد فيصل محمد صالح وزيرا للإعلام، فالرجل مايزال في حالة عشق لعبد الناصر و نظامه السياسي، و بالتالي قانون الصحافة مسألة من أهم أجندة الناصرية التي تسمح بحرية مقيدة ذات ضوابط تقدرها المؤسسة الأمنية، و هي لا تخضع للدائرة السياسية، لذلك كانت السجون مليئة في تلك الفترة بكبار الصحافيين المصريين أمثال الأخوين "مصطفى أمين و علي أمين." الغريب في أمر الشموليات أن القضايا التي تحتاج لقوانين المرتبطة بالعدالة لا يديرون لها بالا، لذلك قدمت سلطة الفترة الانتقالية قوانين الصحافة و الإعلام علي قوانين المؤسسات العدلية. فالداعين لقوانين إعلامية بهدف تقييد الحرية الإعلامية، هؤلاء يخافون من قضايا الرآي يسارعون في طآطيرها بالقوانين و ممارسة القبضة القوية عليها. كان المتوقع عندما تصبح الوزارة في أيادي قوى سياسية تحسب نفسها ديمقراطية، أن تراجع فكرة قوانين للإعلام و الصحافة التي تقيد بها عملية الرأى، و ممارسة ضوابط لتعطل استحقاقات تصاديق الصحف و القنوات الفضائية. فدعاة الديمقراطية دائما تفضحهم الممارسة، و لذلك ليس غريبا أن الدكتور محي الدين صابر و الدكتور موسى المبارك و الدكتور أحمد السيد حمد كانوا اتحاديين رافعين لشعارات ديمقراطية و لكنهم شاركوا في إنقلاب مايو 1969م ضد النظام الديمقراطي في ذلك الوقت، و جلبوا نظاما شموليا ماركسيا نكاية في أسماعيل الأزهري و المذكرة التي كان قد كتبها " إلي من يهمه الأمر سلام" و التي ابعدت هؤلاء من الحزب.
الإعلام و الصحافة في الدول الديمقراطية في أوروبا و أمريكا و استراليا و كندا ليس هناك قانون مخصص لها،بل أن مشاكل الصحافة و الإعلام تحاكم من خلال القانون الجنائي و المدني في الدولة، و التصديق لصحيفة أو قناة تلفزيونية يتم من خلال قانون الاقتصاد و الاستثمار، باعتباره " Business" أن تخرج رقم العمل، و تخرج للسوق، الدولة فقط تريدك أن تدفع لها ضرائب، أما التجاوزات الأخرى يطبق عليها القانون الجنائي و المدني كما ذكرت، و نجاح الجريدة و الوسيلة الإعلامية يحدده الشارع، لذلك السلطة التنفيذية تسأل فقط عن الضرائب. باعتبار أن التعبير عن الرآي مسألة كفلها الدستور و يجب أن لا تضع لها العديد من أدوات الحجر و الضبط و غيرها، و الذين يصيغون قانون الصحافة و الإعلام لا يجردون أنفسهم من الولاءات الحزبية و الفكرية، و خاصة هذه حكومة غير منتخبة، و وزارة الإعلام خضعت لمحاصصات سياسية ليس في قمة هرمها بل حتى في وظائف الخدمة المدنية، و الذين جاءوا من وراء ظهر الشعب جاءوا لكي ينفذوا أجندة سياسية، ربما لا تتوافق مع الديمقراطية.أن الذين يدعون ألي تخصيص قانون خاص للصحافة و المطبوعات و الإعلام، هؤلاء بعيدين عن الديمقراطية، و مدفوعين بفلسفة نظام الحزب الواحد الذي يريدون أن يسير الصحافة و الإعلام بالرغبة الحزبية و السلطوية، و حتى إذا كانوا متجردين من الانتماءات الحزبية أن الثقافة العامة الموجودة الآن هي الثقافة الشمولية التي خلفها النظام السابق، الذي أخضع الصحافة و الإعلام إلي رقابة لصيقة. جعلها تعاني كثيرا. و بدلا من قانون للصحافة و الإعلام أزيلوا القوانين المقيدة للحريات، و أجعلوها بالفعل سلطة رابعة تستطيع أن تكشف انحرافات السلطة و المفسدين و مستغلي وظائفهم للمنافع الخاصة. نسأل الله حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com

 

آراء