قانون النظام العام: لا للمارسة والتشريع .. العنف ضد النساء فى موجة جديدة
عادت إلى الشارع العام حملات عنف الدولة ومؤسساتها القمعية ضد النساء، بصورة شبيهة بتلك التى السنوات التى سادت على أيّام "جنون عظمة " وعنفوان دولة (( المشروع الحضارى))، وعادت شرطة النظام العام لممارسة حملة جديدة من " موجات " جنونها المُتأصّل ضد النساء، بالاعتداءات الأثيمة على (( الحقوق الفردية ))، فتم فى الأيام القليلة الفائتة استهداف الناشطات والمدافعات عن الحقوق (( وينى عمر - نموذجاً ))، بتلك المادة السخيفة " الزى الفاضح " التى تُعطى رجال الشرطة - حقّاً إلاهياً - فى تحديد نوع وطبيعة " الزى المحتشم "، وبالتالى " الزى غير المحتشم "، وفق المزاج الشخصى، لـ(مُنفّذى القانون)، ليبدأ مشوار العنف ضد النساء بـ" الجرجرة " والإعتداءات اللفظية والمعنوية والمادية ضد النساء، كما وضح فى قضية المدافعة الحقوقية والصحفية وينى عمر، وهى محررة بمجلة (( الحداثة السودانية ))، حيث اضطرّ- وكيل النيابة (( الجلّاد)) لإضافة سابقة جديدة تحت عنوان " المشية "، بعد أن عجز أمام القاضى، عن اثبات أنّ الزى الذى كانت ترتديه " الضحية " غير ملائم للشارع العام !!!.. ونحمد للقاضى أنّه حكّم ضميره، فجاء حكمه لمصلحة " الضحيّة"، ولكن، دون أن ينال " الجلّاد " أىّ عقوبة، وهذا ما يتوجّب على المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان، و" الحقوق الفردية"، مواصلة مشوار (( التقاضى )) وجهود المناصرة فيه، حتّى يتم الإلغاء الكامل لقانون النظام العام، وشرطة النظام العام، ويتم الغاء (( المادة 152 )) من القانون الجنائى لعام 1991، المتعلقة بارتداء الزى الفاضح، حتّى تتوائم القوانين السودانية مع الالتزامات الدولية التى اصبح السودان طرفاً فيها، وهذه - بلا شك - معركة طويلة، لن تتحقّق بين عشية وضحاها، وتحتاج إلى بذل الجهد والعمل الجماعى، وبرؤية استراتيجية، فى مواجهة كافة القوانين الحاطة بالكرامة الإنسانية.
فى واحدة من محاولات إمتصاص الحدث، اعلنت رئيسة (( لجنة التشريع والحكم المحلّى وحقوق الإنسان )) بمجلس تشريعى ولاية الخرطوم " استعدادها " لتعديل قانون النظام العام، و" ابدت " تعاطفها مع النساء من ضحايا قانون وشرطة النظام العام، وحدّدت الشريحة الاجتماعية المتمثلة فى " بائعات الشاى"، وقد جاء ذلك الحديث فى منبر نظمته ووزارة الاعلام بالولاية، وعلينا أن نُنبه - و نؤكّد – من قبل ومن بعد، أنّ مثل هذا (( الإعلان )) " المجّانى"، ليس بجديد، إذ سبقته - وستلحق به - " اعلانات " مشابهة، كُلّما برزت الى السطح مثل هذه الاعتداءات ضد النساء، الصادمة للوجدان السليم فى المجتمع السودانى.
ولأنّ مسألة " الحقوق الفردية " قضيّة مجتمعية محورية، فى عمل المدافعيىن والمدافعات عن حقوق الإنسان، بما فى ذلك حقوق النساء، ينبغى - بل، يتوجّب - النظر اليها والتعامل معها برؤية استراتيجية، وبصورة متكاملة، أجد من الضرورة ونحن فى هذا المقام - وهو مقام مقاومة العنف ضد النساء- التنبيه إلى مساهمة فكرية جريئة، جاءت بعنوان (( أوان الميلاد: النسوية السودانية - الموجة الثالثة )) للمدافعة الحقوقية غادة شوقى، والورقة مبذولة فى الأسافير، لمن أراد/ت، وقد جاءت كمساهمة من الكاتبة، التى ترى " أنّ هناك ظروف موضوعية مُحفّزة تكشف عن حاجة ملحة لميلاد ثالث للحركة النسوية السودانية، بأُطروحات نسوية تحررية كلية وبمدخل حقوقوى ملائم .....إلخ "، ويقينى أنّ تكامل الرؤية الإستراتيجية، مع الممارسة اليومية، مطلوب فى قضايا الدفاع عن حقوق الإنسان، و يُوجب ذلك، علينا إعمال الفكر والممارسة فى مقاومة العنف ضد النساء، وأن لا تغيب عن أجندتنا اليومية مسألة تضافر الجهود النظرية، مع جهود المناصرة اليومية، لتحقيق الأهداف والغايات النبيلة. وهذه دعوة لمواصلة مشوار مناهضة العنف ضد النساء، بداية من مقاومة قانون النظام العام، وشرطته، و (( المادة 152 )) من القانون الجنائى، " سيئة الصيت والسمعة"، وصولاً لتعميق الحوار المجتمعى حول أُطروحة " ميلاد ثالث للحركة النسوية النسوية السودانية". فلنواصل كل الجهود الخيّرة والمخلصة لمقاومة الفكر الظلامى، فى منابعه الفكرية، وكذلك هزيمة مصبّاته المتمثلة فى قوانينه ومؤسساته القمعية.
faisal.elbagir@gmail.com