قانون جهاز الأمن …شنُ يجب أن يوافق حزبه!
3 November, 2009
Abuthar Ali [abuzzzar@yahoo.com]
الاتجاه العام لدفاع الحكومة عن مشروع قانون الامن تولته قيادات (قادمة) للأنقاذ وليست (قديمة). فوزير العدل عبد الباسط سبدرات يؤسس دفوعاته على خلفية تهديدات دولية وقضايا داخلية، وبدرية سليمان تؤكد أن مهام وسلطات واختصاصات جهاز الأمن لاتخرج عن العمل الوطني العام وأن جهاز الأمن هو (الجهة الوحيدة التي لا يمكن أن تتجزأ) – الراي العام 26 أكتوبر-. أما غازي صلاح الدين فلم يؤسس تصريحاته على خلفية مواقعه وأدواره الرسمية، وإنما على أساس (شخصي) ونقلت عنه الراي العام 27 أكتوبر قوله "....وقال د. غازي بأنّه لن يكون مع القانون إذا كان يصادر أي رأي سياسي. وقال: (أنا أول شخص سأكون ضده)، وزاد: يجب أن لا يفسر القانون بأي حال من الأحوال بأنه قانون قمعي، وأنه إذا كان قائماً على حماية النخبة الحاكمة أو الحزب أو غيره، فإنّهم ضد السمات العامة". وما جاء على لسان غازي يمثل كل الحقيقة (الواقعة) والتي هي تجسيد لجهاز أمن (حزبي) بل ينحصر كل نشاطه في تأمين وحماية حزب المؤتمر الوطني وحكومته وكل سلوكياته. والملاحظة الرئيسة هنا أن من تقدم للدفاع عنه هم (قادمين) وحرصوا على تغليفه واضفاء البعد القومي وحراسته من التهديدات الأمنية الدولية والداخلية، وعجز غازي عن تبنيه كون الاعتراضات تأسست على كون جهاز الامن ليس إلا جهازاً حزبياً ينشط ضد المعارضين وبسلطات وأمكانيات الدولة وتمويل الشعب السوداني!. ولما كان الوضع خطيراً وملحاً كونه هو الحقيقة الواقعة لجأ غازي لشخصه وليس لتبني موقف من موقع المسؤولية. وهو ما تفضحه وقائع اجازة نسخة المؤتمر الوطني بأغلبية المؤتمر الوطني وضمن جلسة كان فيها منفرداً بقاعة المجلس الوطني.
إن الوقائع التي حدثت خلال الاسبوعين الماضيين تقدم دلائل قاطعة بأن جهاز الأمن ما هو إلا جهاز حزبي!!، وأن المخاطر التي ترتبت على تراكم الصلاحيات جعلت منه المهدد الأكبر ليس على مجمل الاوضاع السياسية في البلد، بل أن يتحول إلى الجهة الحاكمة والوحيدة كونه جهاز (عابر) لكل الاجهزة والمؤسسات القائمة بما فيها الاقتصادية والاستثمارية، ناهيك عن كونه جهاز أمن له قوات ضاربة وتسليح أكثر تقدماً مما للجيش الوطني اضافة الى مليشيات غير محصورة، وهذه الملاحظات مشهورة كون جهاز الأمن هو من أعلن قبل أكثر من عام باحتفاله بتأسيس قوات ضاربة قام بعرضها علناً عبر مسيرة (من مدني للخرطوم) كانت هي بمثابة اعلان جهاز الأمن بأنه أصبح الآن قوة ضاربة هذا اضافة لمشاركته دوناً عن قوات الشعب المسلحة في صد هجوم العدل والمساواة على أمدرمان. وأفاد أكثر من رمز من رموز المعارضة في تصريحات مشهورة لهم أن جهاز الأمن لا يشبه الاجهزة الاخري في أي من بلاد الدنيا، على الاقل هذه التفاصيل افاد بها كل من على الحاج نائب الامين العام للمؤتمر الشعبي، وأمين مكي مدني النشاط السياسي المعروف ضمن الحملة الاخيرة التي تقودها المعارضة ضد قانون الامن الوطني، كما أودتها رويترز (26 اكتوبر) ضمن تقرير لها حول قانون الامن الوطني عن محللون قالوا ".. ان قوات الامن الوطني والمخابرات السودانية بنفس قوة الجيش تقريبا وتسيطر على كم هائل من الميليشيات ولا تخضع لمحاسبة تذكر على أفعالها". ولكن ما هي الوقائع التي وقعت خلال الاسبوعين الماضيين وتؤكد أن جهاز الأمن جهاز حزبي صارم ولا هم له سوي حماية الحزب والحكومة؟!!.
في ليلة يوم 21 أكتوبر وعلى خلفية توزيعه بيان داخل الجامعة بمناسبة ذكري 21 أكتوبر، تعرض للطالب بالهندسة بجامعة النيل الازرق بخاري الصديق الطيب وعلي قارعة الطريق (أشخاص) يستقلون عربة أتوس (ملاكي) ويرتدون (العراقي) وأمروه أن يذهب معهم!!؟. وعندما سألهم من أنتم أجابوا بأنه سيعرف بعد أن ينفذ ما أمروه وعندما رفض تأسيساً على أنهم لم يعرّفوا أنفسهم دخلوا معه في شجار وأجبروه على دخول العربة ليجد نفسه داخل مكاتب الأمن بالروصيرص. وداخل المكتب بقي الطالب بخاري يتلقي صنوف من التعذيب والضرب على العيون وتحت الاذن والبطن والظهر وتلقي الاوامر المتناقضة بالجلوس والوقوف وغيرها، واستمر ذلك من الساعة الثامنة والنصف مساءاً وحتى الثانية عشر والنصف ليلاً. وبعد ذلك أحالوه إلى مكتب أفرغوا منه جل محتوياته وتركوا له (مسندي كرسي) لينام حتى صباح يوم 22 أكتوبر على الأرض في الوقت الذي جلس فيه بعضهم على باب ذلك المكتب وظلوا يلعبون الورق ويسببون ازعاجاً كثيفاً له مما جعله لا ينعم بشئ من نوم من فرض هياج اللعب. و خلال كل هذه المدة لم توجه له تهمة، وأن التحري معه والذي استغرق أربع ساعات كاملة لم تتوقف الاهانات اللفظية مع استمرار التعذيب، ولم يدور التحقيق حول قضية محددة أو تأسيساً على اتهام، بل شملت حتى ملتقي جوبا حيث اتهموه بأنهم الشيوعيين عاملين مشاكل للحكومة بجوبا (عاملين لينا مشاكل في جوبا) وأنهم لن يسمحوا بذلك في أي موقع بالشمال، ثم سألوه عن اسمه وقبيلته وتواصلت الاسئلة لتبلغ من يتم الرجوع إليه؟، وعندما استفسر عن أهمية ذلك قالوا له في حالة وفاتك لمن نسلم جثتك، فأجاب رفقائي بالداخلية. ولكن تلك الاجابة اعتبرها رجال الامن إهانة لهم وتلقي بسببها الكثير من الضرب وعندما يئس من أنهم سيتركوه قال لهم أكتبوا (صالح جوامع)، وعندما سألوه من يكون قال لهم هو مسجل الكلية التي أدرس بها .
في العاشرة صباحاً من يوم 22 اكتوبر أخلي سبيله ولكن بعد توجيه جملة من النصائح (الأوامر) بأن يتخلي عن السياسة وينصرف إلى دراسته، وبعد مقدمة دينية ذات مغزي طلبوا منه ترك الشيوعية. توجه الطالب بخاري بعدها إلى قسم البوليس وسجل بلاغاً ( رقم 1622) ضد جهاز الأمن كونه لا يعرف أحداً ممن تعرض له ولا ممن قام باستجوابه، واستلم (أورنيك 8) توجه به إلى المستشفي الملكي بالروصيرص وعندما عاد إلى القسم بتقرير الطبيب وجد أمامه بلاغ آخؤ مفتوح ضده بذات القسم من قبل جهاز الأمن بتهمتي اعتراض السلطات والازعاج (وفقاً للمواد -77- و -99-) وتم التحفظ عليه على اثرها بالحراسة حتى تم الافراج عنه بالضمان الشخصي!!!؟. كل هذا جري بقسم البوليس يوم (الخميس) وهو اليوم المعلوم بأنه يوم ممنوع فيه اجراء مثل تلك الاجراءات وفقاً لأوامر وقواعد معلنه سابقا.
أفاد الطالب بخاري بأنه كان عليه أن يقابل وكيل النيابة يوم الاحد 25 أكتوبر، وعندما ذهب وقابله أبلغه أن اللجنة الأمنية بالولاية من المفترض أن تطلع على هذه الحادثة كونها بلا علم، وأن الوكيل أبلغه أن اللجنة لن تجتمع إلا بعد يوم 1 نوفمبر (ربما على خلفية زيارة الرئيس للولاية). عندها أبلغ الطالب بخاري وكيل النيابة أن بلاغه ضد جهاز الأمن سيظل مفتوحاً وستتم متابعته بواسطة محامي.
أما الواقعة الثانية والتي واكبت من حيث الزمان هذه الواقعه فتحكي ما وقع لمرشح الرئاسة عبدالله على ابراهيم الاكاديمي والكاتب المعروف، عند تدشين حملته الانتخابية ولا نحتاج هنا لتفصيل ما جري في قد أوفى وأجاز وأفاض في عرضها الاستاذ كمال الجزولي ضمن رزنامته الاخيرة (راجع: أيام تُدير الرأس .. العنوان الجانبي -الخميس- سودانايل).
الواقعتان تؤكدان أن الدافع خلفهما لا علاقة له (بأمن البلاد) بل تتعلق وتحديداً (بأمن الحزب) و(مرشح الحكومة وحزبها)، وأن الواقعتان تم فيهما تجاوزات لأبسط معايير القانون (الساري)، ففي حالة بخاري جري له كل ما جري بلا اتهام أو جريمة كون توزيع بيان داخل الجامعة أو خارجها لا يعتبر جريمة في حد ذاته، وبالطبع لا يرقى لجريمة تمس بأمن الوطن أو المواطن كونه تلعق بمناسبة وطنية ، وإلا كان الاجدر بالامن بعد اعتقاله توجه تهمة واضحة له وهو ما لم يحدثً. وفي حالة المرشح الرئاسي عبد الله على ابراهيم فبالرغم من أنه استوفي كل الاجراءات المطلوبة من قبل الشرطة إلا أن تدخلاً من جهة ما (قد) تكون هي جهاز الأمن (فحيثيات ووقائع ماجري تشئ بذلك) هي من دفع بالشرطة لتعطيل انشطة المرشح الرئاسي رغم تسليمه التصديق النهائي باقامتها. وفي الحالتين ما يقوم به جهاز الأمن لا يقف على خلفية جهاز قومي يهتم حقاً بالتهديدات الدولية والقضايا الداخلية بحسب دفوعات عبد الباسط سبدرات.
لكن في كل هذه الوقائع نلمس وبقوة ما أشارت له بدرية سليمان بإشارة ذات مغزي بحسب ما جاء بقولها أن جهاز الأمن هو (الجهة الوحيدة التي لا يمكن أن تتجزأ). والاشارة هنا ووفقاً لخلفية الحادثتان التي استعرضنا توضح الكثير الذي يجعل جهاز الأمن متمدداً وله (القوامة) على الاجهزة الأخري مثل البوليس!!. خاصة وأن القانون الجديد مثار الجدل الساري، يعطي رأس جهاز الأمن صلاحيات الشرطة والنيابة وغيرها من الاجهزة، بل يمضي أكثر من ذلك ليعطي رأس الجهاز ومن قبله ذات الحق لأي من الضباط أو الأفراد العاملين بالجهاز. وفوق ذلك يوفر لهم الحماية بمنحهم الحصانة والتي تتجاوز حتى المنتسبين للجهاز لتشمل (المتعاونين معه) وهذا غريب. ولكن ذلك ما عنته بدرية بأشارتها أن جهاز الأمن لا يمكن أن تتجزأ سلطاته فهو الجهة الوحيدة التي تتحطم وتتكثر عندها قاعدة فصل السلطات وتنهار التخصصية. وهذه الخلفية هي التي تنذر بالمخاطر كلها والتي أشار لها حتى من هم محايدين مثل د. الطيب زين العابدين الذي أورد ضمن مقال له بموقع الجزيرة نت تحت عنوان (مناكفات الأحزاب السودانية حول ملتقى جوبا) وفي معرض تناوله لقانون الأمن وحديثه عن خطوة الرئيس الاستباقية لملتقي جوبا برفع الرقابة عن الصحافة قال د. الطيب زين العابدين " .. ولكن قرارات رئيس الجمهورية لا تغني عن تعديل القوانين المقيدة للحريات، فقد سبق للحكومة أن رفعت الرقابة ثم أعادتها مرة أخرى، وبقاء قانون جهاز الأمن الوطني كما هو فيه مخالفة صريحة للدستور يصعب الدفاع عنها". لكن ملمح الخطورة التي بات يمثلها جهاز الأمن عبر عنه بجراءة وقوة د. محمد وقيع الله في مقال له بعنوان (هل يسيطر جهاز الأمن والمخابرات الوطني على البرلمان القادم؟) والذي أفتتحه بهذه الجملة " ربما تكون أغرب النتائج التي تتمخض عنها الانتخابات البرلمانية القادمة - إن قامت - أن يسيطر جهاز الأمن والمخابرات الوطني على نتائجها تماما) وخلفية المقال بحسب وقيع الله افادة الصحفي عابد سيد أحمد – أخبار اليوم- اعتزام جهاز الأمن ترشيح أحد ضباطه المعروفيين بالنيل الابيض وأسمه فيصل حماد عبد الله ليمثل دائرة كوستي بالبرلمان القادم. وما قدمه د. وقيع الله وهو المحسوب على المؤتمر الوطني توضح جملة المخاطر المترتبه عن جهاز يملك صلاحيات الجيش والشرطة والنيابة ونضيف له أذرع اقتصادية تسيطر تماماً على السوق وتتمدد فيه بلا روادع وهي معروفه للكثيرين ليس في تفاصيل الاشخاص الذين يديرونها بل حتى في مجالات انشطتها ومعاملاتها.
أمام هذه (الوقائع) والشهادات يكون من المستحيل قبول قانون جهاز الامن الوطني وفقاً لنسخة المؤتمر الوطني المعروضة أمام المجلس الوطني، فقد صدق د. الطيب زين العابدين إنه قانون يصعب الدفاع عنه، لذلك لن يتقدم أي من رموز الانقاذ المعروفين بالدفاع عنه لكنه متروك لسبدرات وبدرية وربما من تولى اعلام المؤتمر الوطني بعد المؤتمر الاخير. ولكن أهل الحارة يعرفون ما يريدون وهم صادقين في ضرورة تمريره وعلى أسوأ الفروض ابقاء القانون الحالي على ما هو عليه ولكن تعديله كما نصت الاتفاقية وثبت بالدستور فدونه المهج والارواح حتى ولو سالت (كل الدماء) في سبيل بقاء المؤتمر الوطني ممسكاً بزمام السلطة وتوفير حماية لرموزها من المحاكمات على خلفية احداث دارفور والذي بات يتهدد من لم تعلن اتهامه محكمة الجنايات الدولية أن ستطاله محاكمات المحاكم المختلطة التي شرع الاتحاد الافريقي بعد تقرير لجنة أمبيكي الاخيرة التي افردت حيزاً كبيراً لإستيفاء عجز محكمة الجنايات الدولية عن محاكمة اعداد كبيرة فأطلعت بها لجنة أمبيكي والآن الاتحاد الافريقي. ولذلك لن يظهروا هم للدفاع عن قانون الامن الوطني فأهل الحارة يريدون من آخرين ضمن التحالف الذي يشكل كتلة المؤتمر الوطني ضمن حكومة الوحدة الوطنية أن يطلعوا هم بذلك عنهم.
أما القضايا الدولية فقد مثلث أقوي مظاهر فشل جهاز الأمن كونه تولاها رغماً عن الاجهزة والوزارات التنفيذية ووفق ترتيبات ومسار كان فيه منفرداً، فلم تعود بنتائج ولو في حدها الادني ذات اعتبار، فتعاون جهاز الامن مع السي أي أيه لم يحقق حتى رفع اسم السودان عن قائمة الدول الراعية للارهاب، بل ما يزال أسم السودان ضمن تلك القائمة بل ويبتز به ضمن سياسة العصا والجزرة الجديدة. واتهامات تشاد تدفع بأن جهاز الأمن هو من يتولي دعم المتمردين التشاديين ورعايتهم داخل البلاد، واخيراً الغارات الاسرائيلية على الشرق والتي جرت في ظل صمت رسمي لا يحتاج إلى دليل. وعليه حتى على هذا المستوي جهاز الأمن لا يخدم مصالح السودان وشعبه، بل يخدم في أجندة بعيدة عن الفهم والوضوح فلا دوافعها واضحة ولا نتائجها ملموسة!!. وفوق ذلك هي محض إذلال للبلاد وشعبها وبيع صُراح للسيادة وبلا مقابل.