قبل أن يختار الجنوبيون: الحركة الشعبية…أي الخيارات ستدعم!! .. تقرير: خالد البلولة ازيرق

 


 

 

الحركة الشعبية في شكل تهديد مبطن، اعلنت أنها قد تضطر لتحديد موقفها من الوحدة أو الانفصال حال تباطأ المؤتمر الوطني في دعم خيار الوحدة كما نصت على ذلك اتفاقية السلام الشامل، موقف ربما يحدد بشكل شبه قاطع اتجاه الناخبين الجنوبيين عند ممارستهم لحق تقرير المصير المرتقب في يناير القادم، لجهة سيطرة الحركة الشعبية على مقاليد الإمور في جنوب السودان «الجهاز التنفيذي والتشريعي» ومن الناحية الأخرى إمساكها بالملفات السياسية التي ستحدد خيارات الناخبين والتأثير عليهم عند الاستفتاء.

وتشئ مواقف الحركة الشعبية بأن معظم قياداتها تدفع بإتجاه خيار دعم الانفصال، والمضي قدماً في ترغب مولد الدولة الجديد والتمهيد لرعايتها دولياً واقليمياً، وإن كانت قيادات الحركة الشعبية لم تعلن صراحة دعمها لمشروع الانفصال، إلا أنها تتحدث كثيراً عن عدم الإيفاء بجعل خيار الوحدة جاذبة للجنوبيين، وتشير الى ان سياسات المؤتمر الوطني تمهد الطريق لانفصال الجنوب، وكان النائب الاول لرئيس الجمهورية، رئيس حكومة الجنوب سلفاكير ميارديت قد قال قبيل انطلاقة الانتخابات، انه لن يقود حملة الوحده عند بدء الترويج لها حتى لا يسأله الجنوبيون عن ماذا فعل لهم الشمال حتى يصوتوا للوحدة، كما قال في حديث سابق له بجوبا مخاطباً الجنوبيين «اذا اردتم ان تكونوا مواطنين درجة ثانية صوتوا للوحدة». وليعلن اخيراً نائب رئيس الحركة الشعبية رياك مشار قد قال في شكل تهديد مبطن في لقائه بالمبعوث البريطاني للسودان مايكل اونيل، ان المؤتمر الوطني اذا لم يتحرك بصورة عاجلة لاتخاذ موقف رسمي لدعم الوحدة، فان الحركة الشعبية ستكون حرة في اتخاذ قرار بدعم احد الخيارات المتاحة والدفع بها الى شعب الجنوب، لكنه لم يفصح عن اي الخيارات «الوحدة ام الانفصال» ستختار الحركة، وقال مشار «البشير وعد بأن يقود حملة الوحدة في الانتخابات، والحركة وعدت الجنوبيين بالوصول بهم للاستفتاء ليقرروا مصيرهم» واضاف «ما لم يتحرك المؤتمر الوطني بانفاذ وعوده بشأن الوحدة، فان المسألة ستكون خطيرة جداً، ومثار جدل خلال الفترة القليلة المقبلة، والتي يتعين فيها على الشريكين ان يتحركا للترويج للخيار الذي وصل اليه، وارسال رسالة الى المواطنين.

ويرى مراقبون ان التلميح لخيار الحركة فيما ذهب إليه مشار يبدو أنه اتخاذ موقف داعم للانفصال، لأن حديثه كان يدور حول عدم الايفاء بمتطلبات الوحدة، وبالتالي فإن الخيار الآخر هو الانفصال، كما ان الاتفاقية نصت على دعم خيار الوحدة بالنسبة للشريكين، وبالتالي قد يفهم موقف الحركة القادم في دعم اي من خيارات الاستفتاء انها تمضي بإتجاه دعم خيار الانفصال من واقع حديث قادتها المتكرر عن عدم دعم خيار الوحدة من شريكها. ويرجع مراقبون عدم اعلان الحركة الشعبية لموقفها من خيارات الاستفتاء الى حالة تناقض تتجاذب موقف الحركة الشعبية بسبب تباين رؤية التيارات داخلها وانقسامها حول الموقف من دعم الوحدة والانفصال، وقد قال الاستاذ الدرديري محمد احمد القيادي بالمؤتمر الوطني أول أمس في برنامج «مؤتمر اذاعي»إن الحركة الشعبية تقدم رجلاً وتؤخر الأخرى في مسألة الوحدة» وتوقع ان يدخل الشريكان في تفاوض حول أجندة تنفيذها. وكان الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي قد قال في حوار سابق له مع «الصحافة» ان هناك تناقضاً يواجه الحركة الشعبية ما بين طرح الجنوب للجنوبيين وطرح الجنوب للسودان الجديد، وقال هنا تبرز مشكلة دور الجنوب القومي الذي له وزن متناقض مع دور الجنوب الجهوي، ولابد لقيادة الحركة الشعبية ان تحسب بحيث لا يكون فيها هذا التناقض، وقال الآن لايمكن لقيادات الجنوب ان تدفع العربونين مرة واحده، لابد يكون في تمييز، واضاف المهدي «اعتقد ان قيادة الحركة الشعبية تفكر في ماذا تفعل، فكثيرون في الجنوب يرفعون شعار «الجنوب للجنوبيين» قياسا على شعار «السودان للسودانيين» اي الانفصال، وهناك آخرون بحماسه شديده يطرحوا «السودان الجديد» القائم على الوحده ضمن معادلة جديده.

وما يعزز من خيار اتجاه الحركة الشعبية لدعم الانفصال حال ساءت علاقتها بشريكها المؤتمر الوطني الايام القادمة، رغم صوت الوحدويين الذي خفت كثيراً لصالح الانفصاليين، الموقف الدولي الذي بدا اكثر تحمساً لإنفصال الجنوب خاصة الولايات المتحدة الامريكية التي عبرت عن موقفها من خلال مبعوثها للسودان اسكود غرايشن الذي قال قبل اسبوعين امام الجالية الجنوبية بواشنطون «عن علم بلاده بالتزوير والصعوبات التى واجهت العملية الإنتخابية فى السودان، وقال إنهم سيعترفون بها من اجل الوصول لإستقلال جنوب السودان وتفادى العودة الى الحرب» بما يوضح أن الهدف الامريكى من العملية الانتخابية برمتها كان ينحصر فى كونها خطوة ضرورية على طريق التقدم نحو الاستفتاء على حق تقرير المصير وفصل جنوب السودان، فالدعم الدولي وخاصة الأمريكي لمشروع الانفصال قد يشكل أكبر مؤثر على مواقف الحركة الشعبية وكذلك الناخب الجنوبي عند ممارسته للاستفتاء.

ورغم أن مراقبين يرون ان انفصال الجنوب سيؤدي لمخاطر، تتمثل في ضغوط تفتتية في الشمال، وضغوط تفتتية في الجنوب، وكذلك ضغوط تفتتية في الجنوب مع دول الجوار لأنه سيغري عناصر في شرق الكنغو وشمال يوغندا وغرب اثيوبيا بتوجهات انفصالية، إلا أن موقف بعض دول الجوار يبدو متوافقاً مع التوجهات الدولية خاصة للولايات المتحدة الداعمة لإنفصال الجنوب، فيوغندا تبدو اكبر المتحمسين لإنفصال الجنوب لمصالح اقتصادية واستراتيجة لها في الجنوب، والتداخل القبلي لها بوجود قبائل مشتركة مع جنوب السودان، وكذلك لتنسيق جهودها مع جوبا بشكل أكبر للقضاء على جيش الرب الذي ينشط في جنوب السودان وشمال يوغندا، أما اثيوبيا برغم حرصها المعلن على وحدة السودان، إلا أن رئيس وزرائها ملس زيناوي قال لسلفاكير في زيارته الاخيرة لأديس ابابا، إنه اذا وقع انفصال الجنوب الذي لا يرغبون فيه إلا أنهم سيتعاملون معه كأمر واقع، فيما لايختلف الموقف الكيني عن اليوغندي كثيراً، فنيروبي تربطها علاقات قوية مع الحركة الشعبية لتحرير السودان منذ نشأتها، ورعايتها كذلك لإتفاقية السلام الشامل بين الحكومة والحركة الشعبية، كما تجمعها قبائل مشتركة مع جنوب السودان، ولديها كذلك مشكلة في الحدود مع جنوب السودان متمثلة في سيطرتها على مثلث «أليما» على الحدود المشتركة، وبالتالي فإنها ستدعم خيارات الحركة الشعبية حتى تتفادى مصاعب كثير من الملفات المشتركة وقد استضافت قبل اكثر من شهر على طاولة الايقاد شريكي نيفاشا بقيادة سلفاكير وعلي عثمان حول الاستفتاء ومستقبل السودان.

ويبدو أن التمهيد للانفصال من المجتمع الدولي ومنظماته يمضي سراعاً نحو غاياته، فقد قالت مجموعة الازمات الدولية في آخر تقرير لها أول امس «الجمعة» ان جنوب السودان اذا ما قرر الانفصال عبر الاستفتاء سيحتاج الى دعم كبير من الجيران، بالاعتراف الفوري ومنع وقوع عنف، واشار التقرير الذي اوضح موقف دول الجوار اثيوبيا وكينيا واوغندا ومصر وليبيا، والعلاقات التاريخية والمصالح الاستراتيجية ومشاركتهما في اتفاق السلام الشامل، وحذر التقرير من تأثر هذه الدول من نشوب حرب جديدة اذا لم يكن هناك انفصال سلمي وسلس، ودعا دول الجوار الى التدخل قبل الاستفتاء واضفاء مصداقية عملية عليه وفق اتفاق السلام الشامل، موضحاً ان الاعتراف بدولة الجنوب الجديدة ينبغي ان يكون غير معقد نسبيا، ورأى المحلل في المجموعة زاك فيرتن، ان دول الجوار يتعين عليها ان تتدخل اذا كانت العملية لا تسير وفقاً للخطة او حاولت الخرطوم التلاعب او عرقلة العملية، واضاف «عليها ان تنظر في افضل السبل للرد على ضمان حق تقرير المصير وتجنب صراع جديد ودعا المجتمع الدولي الى الاستعداد لكافة الاحتمالات، وفقا لما تراه دول الايقاد والاتحاد الافريقي، واشار الى ان دول الايقاد والاتحاد الافريقي عليها تنسيق الجهود لدعم عملية الاستفتاء والاعتراف بنتائجها.

وإن كانت دول الجوار الافريقي تبدو الاقرب لدعم رؤية الانفصال للحركة الشعبية بحثاً عن مصالحها المتعددة مع الجنوب، فإنها ربما تجد ذات الدعم لمواقفها من بعض دول الجوار العربي خاصة الجماهيرية الليبية، حيث تحتفظ الحركة الشعبية بعلاقات تاريخية معها، وسبق لطرابلس ان دعمت الحركة الشعبية في احدى مراحل صراعها مع الخرطوم عند تاسيسها ابان خلافات القيادة الليبية مع نظام الرئيس جعفر نميري وقتها، وكان العقيد معمر القذافي، دعا الجنوبيين للتصويت للانفصال، والاستقلال حسبما روي الفريق سلفاكير ميارديت رئيس الحركة الشعبية، ابان زيارته الأخيرة لطرابلس بقوله للمصلين بكنيسة جوبا إن الزعيم الليبي معمر القذافي الذي اجري معه مكالمة هاتفية عند الثالثة صباحا للقاء يجمعه به، وعده فيه بتأييده للجنوب إذا اختار الانفصال عن الشمال ومساندته اذا قرر ان يكون وطناً لذاته، قبل ان تنفي السفارة الليبية ذلك. فيما تبدو مصر الدولة الوحيدة من بين دول الجوار السوداني التي تسعى بجد للحفاظ على وحدة السودان انطلاقاً ايضاً من مصالحها الخاصة التي تتمثل في حماية أمنها القومي وتأمين مياه النيل، حيث يقوم اليوم وزير خارجيتها احمد ابو القيط ومدير مخابراتها عمر سليمان بزيارة للخرطوم وجوبا لبحث قضية الوحدة ومياه النيل.

 

 

khalid balola [dolib33@hotmail.com]

 

آراء