قد فات الاوان الان ولم يبق سوي ان تقوم الساعة …. بقلم: د. عبدالسلام نورالدين

 


 

 

abdelsalamhamad@yahoo.co.uk

كما ان للسعادة كيمياء أو "استقصات" كما قد اطلق عليها  قديما حكماء يونان وسار علي منوالهم في مجري اخر ابوحامد الغزالي  ( 450هـ -505هـ ( فان للنهوض الاجتماعي لتحقيق الوفرة في الانتاج والعدالة في التوزيع والرفاة الحسي والروحي"السعادة"  ايضا  شرائط ومكونات  كاتساع الافق والامل الشارق والمشروع السياسي الشامل والقوي الاجتماعية الناشطة والزمان المواتي والمكان الصائب وتجسير الهوة بين التفكير والتنفيذ ,  فاذا اختلت مكونات النهوض (الثورة الاجتماعية ) بمعناها الواسع  أو غابت, بعضها أو كلها كحال السودان اليوم الذي يقدم نموذجا كاملا للدولة الفاشلة-  تشكلت مكونات أخري لمجري  يدور حول نفسه  ولا يفضي الا الي  الانحدار والهبوط واليأس فينتثر وينتشر في كل ارجاء المكان وفي كل الفضاءات  ضيق الافق والتشرد الروحي  والبحث عن الخلاص الفردي في قضايا المجتمع الكبري –الثروة والسلطة.

من طبائع الاشياء ان  يتبدي لبعض غلاة المحرومين من الثروة والسلطة الذين يتخبطون في تيهاء الطريق المسدود ان يلقي دهره غير مكترث فيحل لنفسه بفقة الأنا التي تكابد من لظي الحرمان  ان يمد يده اني اتجهت ووصلت وشاءت فيسرق وينهب ويغنم ويتخم وله في الواصلين اسوة حسنة وفي الغانمين نبراسا وقدوة  ولا بأس ان يستبدل ويحور  في سبيل ذلك الرايات والآيات والمبادئ  والمواقف والمواقع ولكل مقام مقال ولكل حادث حديث بالنسبة له ,فاذا لم يتيسر له من كل ذلك شيئا هرب وتغرب في شرنقة ذاته  أو في بلاد اللة الواسعة  فاذا لم يتوفر  له  حتي الهروب الي الداخل او الخارج حمل روحه علي يده  بلغة  الانقلابيين وقطع علي اصحاب المال والجالسين علي كراسي الحكم الطريق في رابعة النهار ولا غالب في هذه الحالة الا القوة الفظة بنبال الاصرار والترصد . واذا كان من السهولة بمكان ان تقضي الدوله علي الخارجين عليها  من افراد الجماعات   فان مثل هؤلا ء الافراد لا يرون في كل الدولة ونسيجها الاجتماعي سوي فرد واحد أو بضع افراد ينبغي تتبعهم اناء الليل واطراف النهار  للتخلص منهم قنصا ومن مآمنهم يؤتون وليأت بعدئذ الطوفان.

ليس من الغريب ان يتبدي لجيل مابعد الاسلاميين في السودان الذين شاهدوا  الفساد المالي والسياسي والاخلاقي بعيونهم في بيوتهم وفي الذين يتقربون زلفي من ذويهم  فنفروا منه وتبرؤوا في دواخلهم من كل ما يجري امامهم  فتطلعو ان تأتي الانتخابات التي جرت باحسن منهم فترحمهم وتنقذهم من شرور أهليهم   فخاب  رجاؤهم  وما يأملون فاستبد بوجدانهم الذي طاش  خشاش من الفكر متوحش  ان لاخلاص الا في التخلص  من كل ذلك الجيل الذي افسد عليهم وعلي كل السودانيين الدين والدنيا  فتبدي لهم ان السيف  اصدق انباء من الكتب, ويزع  بفوهة بندقية الاغتيال ما لا يزع  بالقران, واذا كانت الثورة الفرنسية هي القطة التي اكلت بنيها  فان جيل مابعد الاسلاميين هم الابناء الذين سيسفكون دماء ابائهم "ابن يري الصلوات الخمس نافلة ويستحل دم الاباء في الحرم"  ولا يسلم "البيت" الرفيع من الاذي حتي يراق علي جوانبه الدم.

يوازي جيل مابعد الاسلاميين ويلتقي معه في التعطش لسفك دماء اساطين المال والسلطة  جيل ما بعد اليسار الذي لم ينتظم يوما في نقابة أواتحاد او تنظيم اوحزب ولم يسمع بعوض عبدالرازق أو قاسم امين ولم يشاهد فيلم "تمرد علي السفينة باونتي" أو اسبارتكوس "ثورة العبيد" ولم يقرأ كتابا للينين أو محمود امين العالم أو ميشيل عفلق أو عصمت سيف الدولة ولم يشارك يوما في انتخابات ديموقرطية  مفتوحة نزيهة وقد تفتحت عينية علي ابيه المهني ووالدته المعلمة وعمه العامل وقد احيلوا علي التقاعد للصالح العام في الايام الاولي لانقلاب الانقاذ ولم يتفهم ذلك وعجز ان يعثر له علي سبب يعقل وقد التحم  بعد ان شب في معارك ضارية  مع قوات الامن والدفاع الشعبي  في شوارع المدن الكبري علي ايام  المرحلة الثانوية وجامعة امدرمان الاهلية وجامعة الخرطوم والجزيرة  وذاق المهانة ومرارة الاستجواب والضرب في حراسات أمن الدولة  وتدرب علي القتال في التجنيد الاجباري وقاتل بعضهم في الجنوب ولم يرزق لحسن أو لسوء حظه الشهادة هنالك ويعرف بالتفاصيل  المرعبة من اثري وتتطاول في البنيان  من سكان الحي  والاهل والاقارب  وجيران الجيران والاباعد  ومن اصبح من مستجدي النعمة ومن مات من الجوع صبرا ومن تاكل بثثدييها من النساء "من ذوات الشرف الذي كان يوما باذخا" .

تطلع جيل ما بعد اليسار بعد أتفاقية نيفاشا  الي جون قرنق "المنقذ"  الذي قام ,سافر, تاه, فوق جبال "الاماتونج" وتحطمت طائرته  وكأنه " علي موعد مع القدر" في تلك اللحظات العصيبة من عمر السودان ثم  تمرأي سودانه الجديد بعد موته كسراب بقيعة يحسبه الظمان ماء حتي اذا جاء لم يجده شيئا. تعلق جيل ما بعد اليسار بعد ذهاب جون قرنق بكل قشة تشي بالخضرة والندي في الحياة السياسية علها تنقل رجل افريقيا والعرب المشلول ودولة تحالف الامن والسوق والقبيلة من فراش بيوت العجزي الي مجري التنمية والمواطنة والشفافية فحصد الخيبة وأكب علي الزقوم. ظل جيل ما بعد اليسار كالعاشق الذي يفرح حتي باللفتات القليلة التي تند من الاحزاب الشمالية  التي شاخت   ومن الحركة الشعبية التي تتوهج حين تغضب ثم تعود ادراجها مكرهة  الي بيت طاعة المؤتمر الوطني واضحي أخيرا وليس اخرا نهاية  ما ترنو بعينيها اليه هو الطلاق باحسان, ثم جاءت الطامة الكبري في صورة انتخابات الحادي عشر من ابريل الجاري لتقصم ظهر جيل ما بعد اليسار اذ تكشف له وليس راء كمن سمع  ان احزاب مؤتمر جوبا  منبتة لا ارضا قطعت ولا ظهرا  ابقت وقد فقدت كل مقومات البقاء علي قيد الحياة أو علي الاقل افتقرت الي المشروع -البرنامج - الارادة المستقلة –التفكير الواضح السليم –والقدرة علي تنفيذ ما اتفقت عليه -وبقي المؤتمر الوطني مثل التنين وحده يلتهم بشهوة الحرائق في مدينة من قصب وخوص كل شئ :الانسان والحيوان والنبات – يزدرد ذاك التنين بمتعة الذئب الجائع علي مدي اربعين يوما حسوما العدو العاقل والصديق الجاهل وكل من يمشي علي قارعة الطريق لايلوي علي شئ ,ولم يبق امام هذا الجيل أما ان يلقي بنفسه في جوف  ذاك التنين فيهلك أو ان يقاتل علي طرائق شمسون الجبار: على وعلي اعدائي.

**

يبدو وبكل اسف  ان كل الطرق ستؤدي في مجري السنين القادمة الي روما ارهاب من طراز مستبشع في السودان  الذي سيختلف في الدرجة والنوع  عن الارهاب الاسلامي  الذي استمد  جذوته يوما  من حسن البنا وابوالحسن الندوي وابوالاعلي المودودي وسيد قطب وعمر عبدالرحمن  وأسامة بن لادن وايمن الظواهري  ومحمد عبدالسلام فرج وحسن الترابي ولما كان هذا الارهاب الجديد  يتلاحم علي  غلواء ارضه   تحالف الرافضين من جيل ما بعد الاسلاميين مع جيل مابعد اليسار  اليائسين مع اشتات الغاضبين والمنبوذين ومشردي الروح والبدن  من  كل شاكلة ونوع فانهم سيحرقون روما  ولن يبقي من أخضرها واليابس سوي "الهبود" الرماد.

** هل بالامكان  اتقاء يوم قيامة السودان في الحياة الدنيا ؟ –يأمل كاتب هذه السطور من كل قلبه ذلك رغم تلك المقدمات الصغري والكبري التي تركبت وصيغت  منذ الانتخابات الاولي في 1954 ثم تدلت عربة المجتمع والدولة تتقافز مترنحة من منحدر الي منعرج حتي وصلت متهالكة الي احقاف صحراء المؤتمر الوطني وقد كان بصيص الامل في انتخابات الحادي من ابريل 2010  ان تبذل جهدا اعجازيا في تأجيل ذلك اليوم الي حين  بدلا من التعجيل به كما فعلت وتفعل الان . يبدو ان قد فات الاوان الان ولم يبق سوي ان تقوم الساعة  -وكل نفس ذائقة الموت -وانك ميت وانهم ميتون .

د-عبدالسلام نورالدين

abdelsalamhamad@yahoo.co.uk

 

 

آراء