إن كنت سيدي عجولاً .. انتظر الزمان قليلاً لتصفو دُنياكَ، وإن كُنتِ عجولة سيدتي .. اترُكي بُطاقة هَوية، وعودي هُنا بعد زمان .. استرخي واشربي من القهوة كوباً ثم تبسمي فالدُنيا بوجودَكِ أجملْ. * ضاحكة هي ببراءة تُذيب الصخر الصَلِد. تخرُق قلبي أسهُمٌ وشُهُب . يقولون في داخل القلب ذهنٌ صغير يُدير أموره وأُمورنا. أعلم أن المحبة لا تَحُوطها المواعين. هي أكبر قدح طعام للإنسانية، وما الذي نقرأه من سلسبيل الجنان الموعودة في القص المُقدس إلا جُرعة من محبة، نفثها عَظيمٌ خَلاّق بلطف لتكُن سهلةً على الإفهام .
(2)
في مخزن أوراقنا هُناكَ نامت ورقةٌ كَتب عليها الآباء أن خلوتنا تمت بعلمهم. استطعموا هُم الخُبز المُحلَّى من قبل وانفضّوا فَرِحين وقالوا لنا :
ـ ذاك العُش وذاك السَكن .
(3)
راقبتُ سيدة دُنياي اليوم تُسرِّح شعرها، كأن ريحاً هوجاء عصفت به. غِبتُ بُرهةً فوجدتُ بعدها تاج رأسها تدلى برفقٍ شلالَ مَحبةٍ. في ليل دفءٍ والنور خَافِت، والقلبُ نابِض، غطّتني هي بموج بحرها الأسود. صدري أرضٌ لبؤبؤ العين ينظُر منها يتأمّل ويهمُس للبؤبؤ الآخر أن الشوق لا يطفئه إلا الشوق. مَسحَتْ هي بنعومة يدها مكان الضلوع في صدري. تَبيَّنت خطوط الضلوع من فوق كثبان الصدر النديّة و هي تقول :
ـ أ هُنا بيتي ؟.
قُلت :
ـ هُنا دُمية تَشبهك، سَكَنَت منذ النظرة الأولى قبل سنوات.
أغرقتنا الدُنيا في أمواجها و أقمارنا تنتظر أن تكتمل استدارتها رغم الحياة وغلظتها. نَزَلت المحبة من عليائها كنسمة ليلٍ. حَرَّكت الشُجيرات هَمْسَها، والقمرُ بين الوريقات يُبصِر تارةً ثم يتخفَّى. أغرتني الدُنيا أني ذهنٌ عابد وعاشق جمال. تُضاحكني هيَّ في خلوتي، وأعيد ترداد ما هَمستُ به وأنا أُحرّك أصابعي في حبات مسبحتي وقد نسيت العَدد، وكنتُ قبل ذلك من الذاكرين كثيراً وهي من الذاكرات .
(4)
لن أحكي لكم شيئاً ، فالفتنة الضاحكة هي من تحكي لكم. نور محبته، كمن استوقد ناراً في زجاجة من قصٍ مُقدس، والزجاجة في مصباحٍ يجلس عند مِشكاة في حائط سميك يشع بضوئه يملأ المكان. من شجرة مُباركةٍ اعتصر الكون منها الزيت فاتقد صدري بمحبة كأن كوكبها يدور في أفلاكه و يلمعُ بعيداً في ظلمة ليلٍ حالكْ و السماء قُبة تأمُل .أي قنديل نهض صباحاً من إبط نبتةٍ ذهبية اللون تُراقص الشمس بأضوائها ؟. * إنني أحلم، بأن لون الأرض أخضر، والسماء زرقاء، والسحب بيضاء كحمامات تتشتت في السماء . والندى شفاف ترى فيه أنفاسك ،كبخار قاطرة من العصر الفيكتوري. إنني أحلم أن الجنة داخل هذه الأرض، إن نحن أحسنا الظن بالإنسانية. منْ قال أننا سنتصالح، فليسمح لكل عابد أن يدفن يديه في ظلال حائمة، تأخذ خياراتنا إلى السماح المباشر. * إني لا أكاد أعرف لون عيني من أعشقها. أراهما خليط ألوان، لن أستطيع تميّزها، فقد اخضرّ التركواز، وبدأ ينقلب إلى عسلي. يقولون الشمس امرأة باهرة تكشف ألوانها عندما يُلامس شُعاعها حبات المطر، فتُفرج عن ألوانها ويتشتت ضوؤها الأبيض ألوان قُزَح. * قال { لا تأسرني يا عبد الله العادة. راقب أنتَ اللوحة المُتحركة أمامك وتأمل عناصرها برويَّة . لو انتبهنا إلى العالم من حولنا لوجدناه أكثر اتساعاً مما نحسب. تأتلف العناصر، الإنسان والنبات والحجر والهواء والمطاط وتتخلَّق كخيوط ملونة في مَشغَل تنتظر أن تكون نسيجاً زاهياً} .
نـزلت كلماته كفجرٍ ملون بأحمر الخُطورة، وانتبهت أنني في شَرك حقيقي. أمامي فلسفة مُتماسٍكة الأركان، وأنا أحاول السباحة جاهِداً ألا أخذل صفاءه} * لم أعهد عينان تترصّد وتتبع جرار الماء على كتفي، وتلتقط القطرات من أسفل الفخار. إن العشق يسلُك مسلك دودة الحرير، يمضي ناعماً بين الأشياء . * قالت { من البيت وحتى عمود النور، هذه المسافة...عصية على الحكي، ذاكرة وتواريخ، ورفقات متتالية، تسكعي...حين تناوشني الألوان أوان التفلُّق، انزلاقي إلي ذاتي...ومنها ومحاولتي معالجة الوجود ...بنصف فلسفة، وعقيرة...لا تجيد الغناء، وانا عابرة كل صباح من البيت...وحتى عمود النور، أعلق شيئا ما هناك يخصني....ولا أنسى أن أتناوله في عودتي...حين يغمق لون الكائنات، أتناوله من عمود النور، وأذهب لأنام.}
ثم استطردتْ: {لففت مدينة الملاهي في قبضة يدي: أطفالها وشبابها والنساء والرجال والأحصنة التي تدور أفقيا والمقاعد التي تدور رأسيا، والقطار الذي ينزلق خاطفا الأنفاس، كلهم جمعتهم في قبضة يدي، وأدخلتهم في حقيبة اليد. اخترت حجرا متعرجا من فعل التاريخ، ووضعته بجانب مذكرتي الصغيرة وقلمها داخل حقيبة اليد. صرت كل يوم أتأمل الحجر واستبطن قصص التاريخ من وحيّها وأكتب . ملأت كراستي بقصص الديناصورات والحروب القديمة، وقلت لحبيبي: هيا اقرأ}