قراءة لقمة الدوحة : هل وجدت الإنقاذ ما تصبو إليه ؟؟
سارة عيسى
1 April, 2009
1 April, 2009
وصول الإنسان إلي القمر كان أول رحلة محفوفة بالمخاطر في تاريخ البشرية ، فقد كان الحدث مذهلاً ولم يستوعبه الخيال ، لذلك تابع العالم هذا الحدث بشكل منقطع النظير ، وبعدها وبسنوات ليست بالطويلة حصدنا نتائج هذه الرحلة والتي مهدت لثورة وصائل الإتصال والمسح الجغرافي والتنبوء بالظروف المناخية ، يبدو أن التاريخ يعيد نفسه ، فرحلة الرئيس البشير للدوحة أعتبرها مؤيدي الحزب الحاكم بأنها حدث مهم مثل هبوط الإنسان على القمر ، وذلك لأنها وضعت حداً للكثير من التساؤلات الصعبة ، هل سيذهب الرئيس البشير إلي الدوحة ؟؟ أم سيبقى في السودان ويستجيب للفتوى التي قدمها له علماء " التيس المستعار " على طبق من ذهب راجين تخفيف الحرج عليه ؟؟ لكن الرجل أختار الذهاب إلى الدوحة ، ومضت طائرته بسلاسة وهي تشق الأجواء المحلية والدولية ولم تعترضها تلك المحاذير التي خافها البعض ، ولا شك أن الدبلوماسية القطرية لعبت دوراً كبيراً في تنظيف الأجواء الملغمة ، وقد كشفت ملابسات الشهرين الماضيين أن مجالنا الجوي مفتوح أمام الطيران الإسرائيلي الذي ضربنا مثنى وثلاثة ، لكن هؤلاء لا يستهدفون شخص الرئيس البشير في شخصه بل يستهدفون السودان ، ولا أعتقد أن حكام الخرطوم يأبهون حتى ولو أحتلت إسرائيل كافة أراضي شرق السودان ، فالوطن عندهم هو فضائية ومذياع ورقصة تهتز لها الأبدان ، فمن خلالنا أستطاعت إسرائيل أن تنقل رسالة للعرب تقول فيها أن يدها الطولى تضرب في كل زمان ومكان ، وما يثير العجب العجاب أن الزعماء العرب تعاملوا مع قضية الرئيس البشير أمام المحكمة الدولية ولكنهم لم يتناولوا الغارات الإسرائيلية على السودان ، بل حتى لم يعلنوا تضامنهم مع السودان في وجه الإنتهاكات الإسرائيلية ، وكلنا نعرف الأسباب التي جعلت القادة العرب يتجاهلون الوضع الإنساني في دارفور ، فمعظم الأنظمة العربية تواجه أزمة أقليات ، وأغلبها مارس الأسلوب الذي أتبعه الرئيس في دارفور لقمع الثورات وإحداث خلل في التوازن السكاني ، أي ما ينطبق على الرئيس البشير ينطبق على بقية الزعماء العرب ، لذلك عندما يدعمون الرئيس البشير فهم يدعمون أنفسهم أيضاً ، وقد أغلق القادة العرب أيضاً ملف القضية الفلسطينية هذه المرة ووضعوا كل بيضهم في سلة الرئيس البشير ، وهذه سابقة لم تتكرر في كل القمم العربية ، لكن علينا أن نتحدث عن مقدرات الدول العربية فهل هي قادرة على رسم مفردات السياسة الدولية ؟؟ ، أو هل هي قادرة على تحقيق رغبة الرئيس البشيربإصلاح مجلس الأمن وإشاعة الديمقراطية في الأمم المتحدة ؟؟ فلا توجد للدول العربية أي مقدرات قوية تستطيع من خلالها مناطحة مجلس الأمن ، فحتى الأمن الإقليمي لدول الخليج ومن بينها قطر مرهون بيد الولايات المتحدة ، ولنا في العراق عظة وتجربة ، فالعراق بالنسبة للدول العربية يحتل مكانةً إستراتيجية أكثر من السودان ، أولاً بسبب موقعه وثرواته النفطية ، وثانياً بسبب حفظه للتوازن العسكري مع إيران ، وقد وقف العرب بقلوبهم وعواطفهم مع نظام صدام حسين لكن بسيوفهم وقفوا مع أمريكا وبريطانيا ، وقد وصف السيد/عمرو موسى أنذاك غزو العراق بأنه كمن يفتح باب جهنم ، لكن القوات الغازية دخلت العراق من خلال بوابات الدول العربية نفسها ، مما يعني أن مواقف الدول العربية قابلة للبيع والشراء ولها ظاهر وباطن ، وهي بالتأكيد لن تتعارض مع مصالحها ، ودولة قطر تستطيع أن تضحي بكل الدول العربية ولكنها لن تمس بالقواعد الأمريكية الموجودة في أراضيها بسوء ، هذه القواعد خط أحمر في السياسة القطرية ، فالنظام القطري يستمد قوته من هذه القواعد ، إذاً يمكننا التوصل إلي ملاحظة هامة وهي أن نظام الرئيس البشير حصل على الدعم المعنوي الذي ينتظره ، و لكن هذا الدعم مطروح منذ بداية هذه الأزمة ، وهذا الدعم هو الذي جعل نظام الإنقاذ يركب سفينة الأخطار ويحتجز مواطني دارفور كرهائن مقابل النجاة من سيف القضاء الدولي ، لكن الجامعة العربية هي أشبه بسفينة " التايتنك " ، فهي مكان تعاطفي لتبادل العواطف ولكنها لا تؤمن النجاة للغارقين ، فهي جسد متهالك ، فمصر تبرمت من تغطيات قناة الجزيرة لإتفاقية كامب ديفيد ، حيث قام الكادر الإعلامي للأخوان المسلمين داخل قناة الجزيرة بشرح هذه الإتفاقية بمنهج الأخوان ، تم هذا قبل يومين من إنعقاد القمة ، وهناك من صوّت داخل سلطنة جزر القُمر – والشكر للأستاذ /شوقي بدري للتصحيح – لصالح الإنضمام لفرنسا ، والرئيس اليمني خرج من القاعة غضباناً اسفاً لأنه لم يُسمح له بالحديث ، أما ملك الأردن فقد طالب بالتروي فيما يخص المحكمة الدولية ، والقذافي نال القاباً جديدة ، ملك ملوك أفريقيا وإمام المسلمين ، لكن خطورة ما أجمع عليه العرب في قمة الدوحة هي فقدانهم للمصداقية الأخلاقية ، خاصةً فيما يخص بند التعامل مع الأقليات وحقوق الإنسان ومبادئ الحرب ، لا أحد الآن يستطيع مقاضاة إسرائيل في أي جريمة ترتكبها في حق الفلسطينيين ، ويمكن أن ترد إسرائيل بنفس الحجج العربية : أن محاكمة قادتها يعني إنتقاص للسيادة ..وإرهاب للدولة ..كما أن القضاء الإسرائيلي عادل ونزيه ..ونحن في كل حروبنا مع العرب لم نقتل 500 ألف إنسان ..ولم نشرد خمسة ملايين إنسان ..ولم نحرق ألفي قرية .
سارة عيسي