قراءه منهجيه لمذاهب الفكر السوداني المعاصر

 


 

 

Sabri.m.khalil@gmail.com

تمهيد: هذه الدراسه هى قراءه منهجيه لمذاهب الفكر السودانى المعاصر. وتتضمن المواضيع التاليه : اولا: التراث الفكرى لابو القاسم حاج حمد . ثانيا: منهج التحليل الفاعلى فى النقد الادبى عند جعفر شيخ ادريس . ثالثا: المنظور الاحتباطى للأحلام عند سيد إدريس . رابعا:قراءه نقديه للمذهب الجمهورى عند محمود محمد طه. خامسا: الخطاب التجديدي عند د. الترابي : قراءه نقدية إسلاميه لمفاهيمه. سادسا: الطرح التبشيري الثوري للإسلام عند المفكر الاسلامى المستنير الأستاذ / بابكر كرار. سابعا: الاستخلاف كنسق معرفى : انسانى- روحى/ مستنير لكاتب الدراسه.
اولا: التراث الفكرى لابو القاسم حاج حمد: الموقف الصحيح من التراث الفكري للمفكر السوداني / محمد أبو القاسم حاج حمد ، هو الموقف الذى يتجاوز موقفي الرفض المطلق و القبول المطلق له ، إلى موقف تقويمي (نقدي) منه ، على المستويين الديني والفلسفي، باعتبار انه يمكن تصنيف هذا التراث الفكرى كفلسفة دينية معاصرة .
أولا: المستوى الديني :مضمون الموقف التقويمي (النقدي) من التراث الفكري لمحمد ابو القاسم حاج حمد ، على المستوى الديني ، هو تناول مفاهيم هذا التراث الفكري ، من حيث اتساقها أو تناقضها مع أصول الدين ، المتمثلة في القواعد اليقينية الورود القطعية الدلالة ، وهنا تخلص هذه القراءة إلى انه إذا كانت بعض مفاهيم هذا التراث الفكري تتسق مع هذه الأصول، فان بعضها الآخر يتناقض معها ، ومن المفاهيم التي تتناقض مع الأصول:
الجهاد: يرى أبو القاسم حاج حمد أن الجهاد ـ بمفهومه المعروف ـ ليس من الإسلام، بل هو قرين الدعوة في مرحلة الرسول (صلى الله عليه وسلم). إذ أن الرسول( صلى الله عليه وسلم ) لم يؤسس لدولة، بل أقام دعوة اعتمدت على النصر الإلهي المباشر ـ بدر والخندق ـ وكل ما تم من بعد وفاته، مجرد توسع )إبستمولوجيا المعرفة الكونية ، ص 92). وهذا التقييد الزمانى والمكاني للجهاد يتعارض مع إطلاق النصوص القطعية لحكم الجهاد زمانيا ومكانيا (بمعنى تقريرها انه واجب في كل زمان ومكان)، ومن هذه النصوص قوله (صلى الله عليه وسلم)الحديث (الجهاد ماضي إلى يوم القيامة)، لذلك أجمع الفقهاء على أن الجهاد فرض عين إذا دخل العدو ارض الإسلام، اما تقييد هذه النصوص لحكم الجهاد فهو من جهة شروطه وضوابطه.
الموقف من السنة النبوية : يرى أبو القاسم حاج حمد أن الحديث النبوي، في مجموعة مختلق وموضوع. من هنا فهو يرى وجوب الاكتفاء بالقرآن، وهو بناء على هذا فهو يرى ان المسلمين قد أخطأوا بتأسيسهم لعلم الحديث ، خصوصا بعد أن نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن كتابة الحديث. ويرى ان سبب كتابة المسلمين للحديث الحديث اليهود، والرغبة في تقليدهم، ليكون لنا تلمود كما لهم تلمود (إبستمولوجيا المعرفة الكونية ، ص99). وهذا الموقف يتعارض مع موقف السلف وعلماء أهل السنة من السنة كمصدر للتشريع.
وعد الاخرة : يرى ابو القاسم حاج حمد أن المقصود بوعد الآخرة في الآية (فإذا وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علو تدبيراً)، اغتصاب الصهاينة لفلسطين عام 1948(إبستمولوجيا المعرفة الكونية ،ص144). وهوتفسير خاطئ لان كل المفسرين قالوا ان المقصود بوعد الاخره مرحله الإفساد الأخرى اى الثانية ، يقول ابن كثير (وَقَوْله ” فَإِذَا جَاءَ وَعْد الْآخِرَة ” أَيْ الْكَرَّة الْآخِرَة أَيْ إِذَا أَفْسَدْتُمْ الْكَرَّة الثَّانِيَة وَجَاءَ أَعْدَاؤُكُمْ لِيَسُوءُوا وُجُوهكُمْ ” أَيْ يُهِينُوكُمْ وَيَقْهَرُوكُمْ ” وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِد ” أَيْ بَيْت الْمَقْدِس “)، و هذا التفسير الخاطئ يقوم على ان المراد بأولى المرتين فتح عمر بن الخطاب( رضي الله عنه ) القدس، وان أخراهما لم يأت وعدها بعد، غير ان هذا التفسير مخالف لما ذهب إليه الأئمة والتابعين وكبار المفسرين، ومراجع التاريخ الإسلامي تدل على ان عمر بن الخطاب دخل القدس سلما لا حربا،وان هيكل اليهود المقدس كان مدكوكا ..
معجزات الرسول : ينكر أبو القاسم حاج حمد معجزات الرسول ( صلى الله عليه وسلم) ، ما عدا معجزة القرآن الكريم.وهو ما يتعارض مع إثبات السلف وعلماء أهل السنة لمعجزاته (صلى الله عليه وسلم )الكبرى (القران الكريم ) والصغرى.
العقوبة بين النص والاجتهاد: يدعو أبو القاسم حاج حمد إلى الاجتهاد في العقوبات ، دون تمييز بين العقوبات المقدرة، والتي تتضمن عقوبات الحد والقصاص، والتي الأصل فيها النص. و العقوبات غير المقدرة وهى عقوبات التعزير، والتي الأصل فيها الاجتهاد .
مفهوم إسلاميه المعرفة : يبنى أبو القاسم حاج حمد مفهوم إسلامية المعرفة ، حيث يقول مثلا(إسلامية المعرفة عنوان مركب من إسلامية ومعرفة… فتركيب المعرفة على الإسلامية، يحمل تخصيصاً وتحديداً، بوصف هذه المعرفة الإسلامية مفارقة لغيرها، على مستوى المناهج الأخرى)( إبستومولوجيا المعرفة الكونية ،ص197) ، غير أن هذا المفهوم عنده ظل يتراوح بين مذهبين في تفسير الآيات الكونية والعلمية :
المذهب الأول:رد الأصل إلى الفرع: اى المذهب إلى يعتبر الآيات العلمية و الكونية بمثابة غايات للنص القرآني لا وسائل له ،وذلك من خلال شروعه في استخراج النظريات العلمية من هذه الآيات لا من الكون نفسه، دون تمييز بين آيات الأصول والمتضمنة للآيات الكونية القطعية الدلالة، وآيات الفروع والمتضمنة للآيات الكونية الظنية الدلالة . هذا المذهب يجعل العلم الأصل (المطلق) والقرآن الفرع (المحدود) وذلك بتأويل النص القرآني ليتفق مع نظرية علمية معينة. فضلاً عن أن النظريات العلمية (كشكل من أشكال المعرفة الإنسانية) محدودة نسبية لذا تحتمل الصواب والخطأ وبالتالي فإن اعتبارها من القرآن يؤدي إلي نسبة هذا الخطأ إليه .
المذهب الثاني:رد الفرع إلى الأصل: أن الفهم الصحيح للآيات العلمية والكونية ينتهي بنا إلي التمييز بين آيات الأصول التي تتضمن أسس المنهج العلمي والدعوة إلى استعماله والآيات الكونية القطعية الدلالة التي هي بمثابة أمثله مضروبة للناس لاستعمال هذا المنهج العلمي للكشف عن السنن الالهيه في الطبيعة والإنسان.وآيات الفروع التي تتضمن الآيات الكونية ظنية الدلالة(تحتمل التأويل) والتي يمكن تفسيرها بما ينتهي إليه البحث العلمي من نظريات أثبت صحتها بالتجربة والاختبار مع تقرير أن هذا التفسير اجتهاد انسانى محدود ، يحتمل الصواب والخطأ ،وطبقا لهذا تصبح هذه النظريات العلمية هي جزء من هذا التفسير لا جزء من النص القرآني.
نظرية التطور العضوي: يتفق أبو القاسم حاج حمد مع نظرية التطور العضوي (الداروينية) في القول بوجود مسافة زمنية بين الطين والخلق البشرى، وهو يستشهد هنا بقوله تعالى( هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلاً) (الأنعام/2) (إبستمولوجيا المعرفة الكونية ، ص 264-266)، واعتراضه الوحيد على نظريه التطور العضوي هو على حصرها الأجل المرحلة القردية.
نقد نظريه التطور العضوي: وموقفه يتجاهل النقد الذي وجه للنظرية من جهتى العلم والدين .
أولا:العلم: لم يكن داروين أول من قال بالتطور العضوي ، فقد كان هذا المفهوم موجودا في التراث الفلسفي الغربي (الاغريقى)، لكن داروين نقل هذا المفهوم من مجال الفلسفة إلى مجال العلم عندما التزم بالمنهج العلمي في تناوله للمفهوم، غير أن انتماء المفهوم للعلم لا يعني أنه صحيح بالضرورة ، فنظريه التطور العضوي كنظرية علمية تنطوي على قدر كبير من الخطأ لعده أسباب أهمها :أولا: أنها تتناقض مع قوانين علم الوراثة، التي تثبت أن لكل كائن حي خريطة وراثية مختلفة عن الخريطة الوراثية للكائنات الأخرى،ثانيا : أن الطبيعة حتى في عالم الأحياء تتحول ولا تتطور كما انه يجب تقرير أن نظرية التطور العضوي رغم أنها تنتمي إلى مجال العلم، إلا أنها تنتمي إلى فروع التي تنطوي تحت مجال فلسفه العلم(اى المفاهيم الكلية المجردة السابقة على البحث العلم في الظاهرة المعينة)،أكثر من انتمائها إلى فروعه التي تنطوي تحت مجال العلم التجريبي(اى الظواهر الجزئية العينية والقوانين التي تضبط حركتها(، لأنها لا تبحث في نوع معين في زمان ومكان معينين ، بل تبحث في الصلة بين كل الأنواع في كل زمان ومكان، فهي تعميم في الزمان والمكان، هذا فضلا عن أنها افتراض وليست قانون علمي تثبت التحقق من صحته بالتجربة والاختبار العلميين.
ثانيا: الدين: إن نظريه التطور العضوي هي شكل من أشكال المفهوم المادي للتطور ، وكلاهما – فيما نرى – يتناقضان مع المنظور الاسلامى للوجود ومنهج المعرفة الاسلامى ، حيث يلزم منهما منطقيا نفى وجود فاعل مطلق أوجد الكائنات الحية المختلفة،أو نفى فاعليه هذا الفاعل المطلق،بصرف النظر عن الاعتقاد الذاتي لمن يعتقد بصحة هذه النظرية وهذا المفهوم .
زى المراه : يرى أبو القاسم حاج حمد أنه ليس على المرأة تغطية رأسها أو وجهها أو ذراعيها أو ساقيها. باعتبار أن آيات الحجاب تأمر بتغطية الجيوب التي يفسرها بأنها وسط المرأة لا غير (إبستمولوجيا المعرفة الكونية ، ص105). وهو ما يتعارض مع إجماع السلف وأهل السنة والمذاهب الاربعه على ضابط ستر سائر البدن عدا الوجه والكفين.
ثانيا :المستوى الفلسفي: أما مضمون الموقف النقدي من التراث الفكري لأبي القاسم حاج حمد على المستوى الفلسفي – فينقسم إلى:
أولا: نقد داخلي : مضمونه نتناول مفاهيم هذا التراث الفكري من حيث اتساق أو تناقض مفاهيمه مع بعضه البعض، وهنا تخلص هذه القراء إلى انه هناك اتساق بين بعض هذه المفاهيم ، كما أن هناك تناقض بين بعضها الأخر، ومن هذه المفاهيم المتناقضة مع بعضها:
العلاقة بين الدين والدولة: يرى أبو القاسم حاج حمد أن المفهوم السائد عن الإسلام بأنه (دين ودولة)هو مفهوم ثيوقراطي غير صحيح فالدولة الإسلامية ـ في نظره ـ علمانية سياسياً (إبستومولوجيا المعرفة الكونية ، ص109). ولكنه في موضع اخر يقرر أن الإسلام لا يفصل بين ما هو ديني وما هو دنيوي (إبستومولوجيا المعرفة الكونية ، ص110(.
النص القرانى بين الإطلاق والمحدودية: دعا أبو القاسم حاج حمد إلى اعتبار القرآن كتابا كونياً، قادرا على استيعاب المتغيرات العالمية وهضمها (إبستومولوجيا المعرفة الكونية ،ص24). لكنه في موضع آخر ينعى على الوضعية إغفالها إطلاقية النص القرآني، كأنه نص بشري محكوم بعلاقات التاريخ (المرجع السابق، ص39).
الاستشهاد بالسنة: ورغم أن أبو القاسم حاج حمد يرى ان السنة النبوية بمجملها مرفوضة، لكنه مع ذلك ما يستشهد بها، وبسيرة ابن هشام.
ثانيا: نقد خارجي: و مضمونه تناول مفاهيم هذا التراث الفكري من حيث صدقها الواقعي ،وأوجه الصواب والخطأ فيها .
مفهوم الوسطية : مفهوم الوسطية عند أبو القاسم حاج حمد مكاني جغرافي،بينما مفهوم الوسطية هو مفهوم معرفي قيمي.
مفهوم الجدل :استخدم أبو القاسم حاج حمد مصطلح الجدل بدلاله خاصة تقارب معنى التأثير المتبادل، بينما دلاله المصطلح العامة المشتركة هي ( التطور من خلال صراع المتناقضات)، وهي الدلالة التي استخدمها كل من هيرقليتس وهيجل وماركس …
الوضعية : استخدم أبو القاسم حاج حمد مصطلح الوضعية كمصطلح نقيض لمصطلح (ديني) (شرعي)، فضلا عن إطلاقه وصف (وضعي ) على مجمل التراث الفلسفي والعلمي الغربي ، بينما الوضعية هي مدرسه فلسفه غريبه معينه ، ذات مقولات فلسفية محددة .
ثانيا: منهج التحليل الفاعلى فى النقد الادبى عند جعفر شيخ ادريس:
تعريف التحليل الفاعلي: يعرف جعفر شيخ إدريس الفاعلية بأنها الإبداع والإيثار، لما التحليل الفاعلي منهج فيعرفه بأنه الكشف عن فاعلية الأفراد والمجتمعات والنصوص.
مأزق نظرية الأدب الغربية: ويرى ان مازق نظرية الأدب الغربيه يرتبط أوثق رباط بمأزق بنية الثقافة الغربية .
أهمية التحليل الفاعلي ومسلماته : ويرى ان أهمية التحليل الفاعلي تنبع من كونه يمهد السبيل لتجاوز هذه المشكلات، انطلاقاَ من المسلمات الآتية :
مبدأ التتام عوضاً عن مبدأ الهوية: من خلال مبدأ التتام تتحقق هوية الظاهرة من خلال تكامل الأضداد ولكن ليس آنياً. فطبقا له فإن لشروط الحياة المادية فعاليتها السببية التي تحكم الوعي، كما للوعي فعاليته السببية التي تحكم المادة، لكن ليس آنياً، بمعنى وفقاً لنمو فاعلية الوعي. عند تدني الفاعلية يكون الوعي انعكاساً لشروط الحياة المادية، أما عندما ترتقي الفاعلية يتجلى الدور التأسيسي للوعي
مفهوم الفاعلية عوضا عن مفهوم المادة: الفاعلية هى القدرة على الإنتاج والإثراء الشامل للحياة، على وجه التحديد تعني الفاعلية الإبداع والإيثار
مبدا زيادة الفاعلية : جسدت هذه الخاصية ( أو المبدأ ) ، من خلال تطور النوع البشرى على مستوى تاريخ الفرد، أصبح الإنسان ناتج فاعلية ومنتج فاعلية . بناء عليه تخضع الطبيعة الإنسانية لمبدأ زيادة الفاعلية كما تخضع لمبدأ زيادة الكفاءة التناسلية
انبثاق بنيات العقل : يسمح مفهوم الفاعلية – في هذا الإطار – بانبثاق بنيات العقل التى تنتج وتثرى الحياة الإنسانية وفقاَ لخصائصها التكوينية وبرامج عطائها .
تعريف بنيه العقل: يقصد ببنية العقل النسق أو النواة التوليدية للوعى التى تحدد فكرة الإنسان عن نفسه ومنحى استجابته وتفاعله مع العالم .
بنيات العقل الثلاث: وبنيات العقل هي :
1. بنية عقل تناسلي : يعي الإنسان ،من خلالها ، ذ اته ككائن ( جنسي) وظيفته ودوره في الحياة التناسل .
2. بنية عقل برجوازي : يعي الإنسان ، من خلالها ، ذاته ككائن ( اقتصادي ) وظيفته ودوره في الحياة إنتاج واستحواذ الخيرات المادية.
3. بنية عقل خلاق : يعي الإنسان ، من خلالها ، ذ اته ككائن خلاق نشط وظيفته ودوره في الحياة الحب والإبداع والعطاء الشامل .
العلاقة بين البنيات: كل فرد من أفراد المجتمع يحتاز البنيات الثلاث ، لكن أن تسود وتسيطر أحد البنيات، بمعنى أن تستدمجها غالبية أفراد المجتمع ، فذلك يعتمد على البنية الأكثر والأسرع جاهزية تصدياَ للتحديات الاجتماعية والحضارية الكائنة .
خصائص البنيات: كل بنية من هذه البنيات تتحلى بخصائص تتعلق بالنمو والتشكل ، وتتحلى بآليات برمجة لأفراد المجتمع وفقاً لخصائصها التكوينية ( النفسية والفكرية والأخلاقية .. ) .تتحلى كل بنية بمرجعية قيمية ومعرفية ومفهوم للذات يحفز تحقيق مشروعها، كما تتحلى بآليات ضبط وسيطرة تحقيقاً لمهامها وأغراضها . تتنازع البنيات السيطرة إذا فشلت البنية السائدة في التصدي للتحديات ، وتتآزر البنيات إذا نجحت البنية السائدة أو الرائدة في التصدي للتحديات القائمة . يتمخض عن هذا النسيج لديناميكا واستاتيكا بنيات العقل ما يمكن تعريفه بعلاقات الفاعلية .
تعريف التحليل الفاعلي :بناءً عليه يمكن بأنه منهج يعنى بعلاقات الفاعلية : يعنى بالبحث في ديناميات نمو وتفاعل بنيات العقل من خلال الاستجابة لتحديات الوجود الاجتماعي والحضاري، كما يعنى بكشف آليات الخطاب وتراكبه من خلال انبناء الفاعلية
فضاء الفاعلية : يشكل حراك بنيات العقل ما يعرف فضاء الفاعلية : فضاء بيولوجي-نفسي – اجتماعي – تأريخي تنشأ فيه ظاهرات الفاعلية : الإبداع ، تطور المعرفة ، الاغتراب ، حركة التاريخ … الخ . وهو فضاء واقعي . من ناحية أخرى يؤدي تماهي بنية العقل مع بنية اللغة إلى إمكانية تشكل فضاء فاعلية رمزي أو تخيلي ، بحكم رمزية اللغة
انتماء الأدب إلى فضاء الفاعلية التخيلي: يترتب على ذلك انتماء الأدب إلى فضاء الفاعلية التخيلي ، الأمر الذي يجعل من النص الأدبي بنية فاعلية لغوية ، أي بنية فاعلية تخيلية أو رمزية.
(جعفر شيخ ادريس، الإنسان والتحليل الفاعلى – تحليل الشخصية السودانية من خلال موسم الهجرة إلى الشمال وعرس الزين ” دار الوعد ، الخرطوم، 1989م)
نقد:
محاوله تجاوز "ثنائية-الماديه-المثاليه":منهج التحليل الفاعلى محاوله لتجاوز الحصر الثنائي للفلسفه الغربيه فى الماديه والمثاليه.
منهج يقارب مناهج الغربيه المعاصره:منهج بالتحليل الفاعلى يقارب منهج اريك فروم القائم على محاوله تجاوز التفسير الماركسى الذى يركز على العامل الاقتصادى، والمنهج الفرويدي الذى يركز على العامل الجنسى،ويركز على عوامل الحرية والإبداع.كما يقارب المناهج البنيوية وخاصة المنهج البنيوى التكوينية " التوليدي" عند لوسيان الذى يركز –خلافا لباقي المناهج البنيويه – على حرية الارادة الانسانية والفاعلية.
محاوله توسيع نطاق المنهج: ورغم اقتصار المنهج على مجال النقد الادبى الا ان جعفر شيخ ادريس حاول لاحقا توسيع نطاق المنهج. فتناول قضايا اخرى كالتغيير.
علاقه التوالى - وليس التوازى- بين بنيات الوعى الثلاثه: ولكن يلزم منطقيا من منهج التحليل الفاعلى – وربما ضد ما كان يقصد مؤسسة – جعل العلاقة بين بنيات الوعى الثلاثه" التناسلى / البرجوازى/ الخلاق" - والتى تمثل مستويات متعددة للوجود الانسانى، علاقه توالى" اى ان الانتقال الى بنيه وعى معينه، يترتب عليه إلغاء بنيه وعين اخرى سابقه عليه، وليست علاقه توازى "اى ان الانتقال الى بنيه وعى معينه لا يترتب عليه الغاء بنيه وعى سابقة بل تحديدها" .
عدم انطلاق مفاهيم المنهج من الواقع الخاص: ورغم تطبيق المنهج على الواقع الادبى والاجتماعى الخاص"السودانى/العربى.." ، الا ان مفاهيمه التأسيسية لم تنطلق من هذا الواقع.
ثالثا:المنظور الاحتباطى للأحلام عند سيد إدريس:
طبيعه الاحلام: يرى سيد ادريس أن الأحلام تمزقات نفسية عميقة ،متعلقة بالعاطفة والطموح ، ووظيفتها الطبيعية هي إحداث الاستيقاظ ، لأنها ألام نفسية ، والخلل الوظيفي الذي يصيبها هو الذي يسبب الاضطرابات النفسية
خصائص الحلم : وبناءا على هذا يسمى الحلم( انبعاث احتباطى استيقاظى) ويحدد خصائصه :
• انبعاث لالم نفسى (اى الحلم عمليه نفسيه حبوطيه )
• تتم بلا فاعل
• يؤدى الى الاستيقاظ فالاحلام كلها الام نفسيه ، واثره يختصر على تسبب التفزع المؤدى الى الاستيقاظ.
تعريف النوم: ويعرف النوم بأنه انقطاع الوعى عن التفاعل المباشر مع المؤثرات الخارجية واتصاله بالبؤرة الاحتباطيه.
(سيد ادريس صالح/ مدخل الى علم الاستقراء الاحتباطى: الاضطرابات النفسيه وامراضيه الحلم/الكتاب الأول/ ط 1/ 1989)
نقد:
تجاوز التفسير الأحادي الفرويدى: تجاوز المنظور الاحتياطى التفسير الفرويدى الاحادى للحلم ، والذى قصره على الغريزه الجنسيه، والتى استبدلها بالعاطفه واضاف اليها الطموح. فالحكم مشكلة تتعلق بالعاطفة والطموح.
حصر الحلم فى التعبير عن المشكله:ولكنه حصر الحلم فى لحظة التعبير عن المشكله، فى حين انه قد يكون تعبير عن لحظة الحل النظري للمشكلة ،او لحظه تنفيذ هذا الحل فى الواقع بالعمل.
رابعا: قراءه نقديه للمذهب الجمهورى عند محمود محمد طه:
أولا: المستوى النظري للمذهب:
ا/ البعد الديني:
مفهوم " وحده الوجود" : تشير الكثير من نصوص المذهب الجمهوري ، إلى استناده إلى مفهوم وحده الوجود، القائم على أن للخالق وحده وجود حقيقي، أما المخلوقات فوجودها وهمي، ، يقول محمود محمد طه (ويومئذ لا يكون العبد مسيَّراً، إنما هو مخيَّر قد أطاع الله حتى أطاعه الله معاوضة لفعله، فيكون حياً حياة الله، وقادراً قدرة الله، ومريداً إرادة الله ويكون الله...)(الرسالة الثانية، ص90 ) .
نقد: مفهوم وحده الوجود يتناقض – في ذاته وفى ما يلزم منطقيا منه – مع التصور الاسلامى الصحيح للعلاقة بين الوجود الالهى والوجود الكوني الطبيعي، والمستند إلى مفهومي التنزيه و التوحيد، فمضمون مفهوم التنزيه أن وجوده تعالى غير محدود بالحركة خلال الزمان، أو الوجود في المكان، ولا تتوافر للإنسان إمكانية إدراكه بحواسه وعقله، وبالتالي يترتب عليه عدم جواز الخلط والدمج بين الوجوديين الالهى والطبيعي بخلاف هذا المفهوم، كما أن مضمون مفهوم التوحيد إفراد الوجود المطلق - وليس إفراد الوجود- لله تعالى.
تعريف المذهب للأصول والفروع: ويعرف المذهب الجمهوري الأصول بأنها القران المكي ، و الفروع بأنها القران المدني، وهو ما يخالف تعريف الأصول والفروع ، الذي اجمع عليه علماء الإسلام، وهو أن الأصول هي الأحكام والمفاهيم التي مصدرها النصوص اليقينية الورود ( من عند الله تعالى أو الرسول "صلى الله عليه وسلم") ، القطعية الدلالة ( لا تحتمل التأويل) ، والتي لا يجوز الاجتهاد فيها ،و الفروع هي الأحكام والمفاهيم التي مصدرها النصوص الظنية الورود والدلالة ، والتي يجوز فيها الاجتهاد.
نقد: كما اشرنا فان تعريف المذهب للأصول والفروع مخالف لإجماع العلماء ، فضلا عن انه ترتب عليه إنكار كثير من الأصول كالجهاد والزكاة ….
الديموقراطيه و الاشتراكية من الأصول: اعتبر المذهب الجمهوري ان الديموقراطيه و الاشتراكية من أصول الإسلام الممثل في القران المكي ،والذي يرى انه يتضمن آيات توجب الديموقراطيه كقوله تعالى(فذكِّر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر )،كما يتضمن آيات توجب الاشتراكية- بل الشيوعية- كقوله تعالى (يسألونك ماذا ينفقون قل العفو)، حيث يرى أن هذه الايه هي ايه الذكاه الاصليه،ولكن الفكر الجمهوري يرى أن كل هذا منسوخ- مؤقتا – في فروع الإسلام- القران المكي-حيث يتضمن الأخير حكم الفرد الرشيد ولبس الديموقراطيه ويستدل على ذلك بتفسيره الخاص للأيه(وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله كما يتضمن الراسماليه-رغم أن الراسماليه نظام اقتصادي ظهر في أوربا بعد العديد من القرون من ظهور الإسلام-
نقد: أن كل من الديموقراطية والاشتراكية مفاهيم محدثه، أنتجتها تجارب بشرية تمت في أزمنة وأمكنة معينة ، والموقف الصحيح منها هو تجاوز موقفي القبول المطلق والرفض المطلق إلى موقف نقدي مضمونه التمييز بين الدلالات المتعددة للمفهومين ، وقبول ما لا يتناقض مع أصول الدين النصيه الثابتة من هذه الدلالات ، ورفض ما يتناقض معها منها. وبالتالي فإن أقصى ما يمكن تقريره هو اعتبارها جزء من فروع الدين الاجتهادية المتغيرة- بعد اتخاذ الموقف النقدى بالمضمون المذكور اعلاه منها-
المستوى الفلسفى:
المذهب الجمهوري والفلسفة الغربية: إن المضمون الأساسي للمذهب الجمهوري هو محاوله تطوير نظرية وحده الوجود (عند ابن عربي- طبقا لقراءة وتفسير محمود محمد طه له - بصورة أساسية)، بالاستناد إلى الفلسفة الغربية الحديثة والمعاصرة (الفلسفة الهيجلية- طبقا لقراءة وتفسير محمود محمد طه لها- بصوره أساسيه)، لذا فقد أخذ الفكر الجمهوري الكثير من المفاهيم من الفلسفة الغربية ، فقد أخذ من هيجل مفاهيم الجدل اى التطور من خلال صراع المتناقضات، والمثالية الموضوعية اى القول بأولوية الفكر أو الروح على المادة،.كما اخذ من الوجودية عده مفاهيم منها القول بالحرية الفردية المطلقة…كما اخذ من الليبرالية مفاهيم الديمقراطية والفردية.كما أخذ من الماركسية عده مفاهيم منها الاشتراكية،الشيوعية،الصراع الطبقي.وأيضا اخذ من الداروينية مفاهيم التطور العضوي والصراع من اجل البقاء.أما الفرويدية فقد اخذ منها مفاهيم العقل الظاهر العقل الباطن والكبت…
نقد: غير أن هذا الأخذ كان على مستوى الأصول ،وليس على مستوى الفروع – لذا يمكن ان نصف الفكر الجمهوري بأنه شكل من أشكال التجديد “المقلوب” – كما انه تم في كثير من الأحيان دون اتخاذ موقف نقدي من هذه المفاهيم ، يتضمن بيان مدى اتساقها أو تناقضها مع أصول الدين،فضلا عن مدى صحتها.
المستوى العملى للمذهب:
مذهب إنكار وحدات وأطوار التكوين الاجتماعي : ويرتب المذهب الجمهوري على إقرار علاقة الانتماء الاسلاميه " ذات المضمون الديني- الحضاري" ، إلغاء علاقة الانتماء العربية " ذات المضمون اللساني - غير العرقي” – الحضاري"، ورد في رسالة (خطاب إلى جمال)( أن تنفض يدك فوراً من الدعوة الباطلة ـ دعوة القومية العربية ـ وأن ترجع بشعبك إلى الإسلام رجوعا واعياً، وأن تحاول بعث المعاني الإنسانية الرفيعة التي يذخر بها القرآن، وأن تصلح بها قومك أولاً) ، وهذا يعنى ان الفكر الجمهوري يستند الى “مذهب إنكار وحدات وأطوار التكوين الاجتماعي”، والقائم على افتراض “خاطئ” مضمونه أن الإسلام كدين ينكر وحدات التكوين الاجتماعي المتعددة، وعلاقات الانتماء إليها .
نقد: هذا المذهب يتعارض مع حقيقة إقرار الإسلام كدين لوحدات وأطوار التكوين الاجتماعي المتعددة وهى :الأسرة كما في قوله تعالى " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها " والعشيرة كما فى قوله تعالى " وانذر عشيرتك الأقربين" .والقبيلة والشعب كما فى قوله تعالى " وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا " وامه التكوين"الطور القومى" التي مناط الانتماء اليها هو اللسان وليس النسب لقول الرسول (صلى لله عليه وسلم)" ليست العربية بأحد من أب ولا أم إنما هي اللسان فمن تكلم العربية فهو عربي"، كما تتميز باستقرار الجماعات في الأرض، فتكون ديارها، قال تعالى " أنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم " ( الممتحنة:9) . كما أن هذا المذهب يتعارض مع إقرار الإسلام كدين لعلاقات الانتماء إلى وحدات وأطوار التكوين الاجتماعي (كعلاقات الانتماء : الاسريه، والعشائرية والقبلية والوطنية والقومية …) ، ما لم تقم على التعصب أو يترتب على الإقرار بها إثم، ومن أدله ذلك فى السنة النبوية ورد في الحديث سأل واثلة قال: (يا رسول الله أمن العصبية أن يحب الرجل قومه) قال ( لا ولكن من العصبية أن ينصر الرجل قومه على الظلم) ( رواه أبن ماجه والإمام أحمد).
المذهب شكل من اشكال الشعوبية المعاصرة : وترتب على استناد المذهب الى هذا المذهب تحوله الى مذهب شعوبى. ومضمون الشعوبية محاولة – فاشلة - للارتداد بالشعوب ، التي أصبحت جزء من أمه ، إلى الطور الشعوبي السابق على الطور القومي ( طور الأمة "التكوينية" ) . و هى تقوم في الامه العربية المسلمة بشعوبها المتعددة –ومنها الشعب السودانى- على إنكار علاقة الانتماء العربية،كعلاقة انتماء قوميه إلى أمه معينة هي الأمة العربية، التي أوجدها الإسلام كأمة واحده، بعد أن كانت قبله قبائل وشعوب متفرقة، وهى علاقة انتماء ذات مضمون حضاري لساني” لغوى” – وليس عرقي –. كما تقوم الشعوبية في الامه العربية المسلمة على الدعوة إلى إلغاء أربعه عشر قرنا من التاريخ، أوجد فيه الإسلام للعرب أمة، ليعودوا إلى الشعوب السابقة على دخول الإسلام ، فهي مناهضة للإسلام – موضوعيا وبصرف النظر عن النوايا الذاتية لأنصارها.
التفسير اللاهوتي لطبيعة القضية الفلسطينية والدعوة للتطبيع مع الكيان الصهيونى: يتبنى المذهب الجمهوري التفسير اللاهوتي لطبيعة القضية الفلسطينيه، وهو تفسير قائم على أن الصراع الذي تثيره مشكلة فلسطين قائم بين المسلمين من جهة واليهود من جهة أخرى لمجرد أنهم يهود، فهي مشكله صراع بين الأديان. حين سُئِلَ محمود محمد طه عن مفهومه في قول الرسول “إنه سيأتي يوم سنقاتل فيه اليهود وسينطق الحجر ويقول للمسلم أنَّ ورائي يهوديًا فاقتله”، قال: . لا. نحن لن نقاتل اليهود لأن اليهود سيصبحون مسلمين! حلُّ المشكلة هو أن اليهود وكل الملل سيصبحون مسلمين. إسرائيل ستصبح دولة مسلمة). واخذ المذهب الجمهوري بهذا التفسير يفسر لنا ان الجمهوريين كانوا من أوائل الجماعات التي جاهرت بالدعوة إلى الاعتراف بالكيان الصهيونى والتطبيع معه .
نقد: قال بهذا التفسير الكنيسة الكاثوليكية في أوربا في العصور الوسطى خلال فترة الحملات الصليبية. كما يمكن اعتبار التفسير الصهيوني للمشكله شكل من أشكال هذا التفسير. لكنه لا يمثل الفهم الاسلامى الصحيح لمشكلة فلسطين وطبيعة الصراع التي تثيره ، لان الإسلام لم يأذن للمسلمين بقتال غير المسلمين إلا في حالتي إكراههم على الردة أو إخراجهم من ديارهم فالإسلام يحرم الاعتداء ولو كان من مسلم ويوجب قتاله ﴿ وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فن بغت أحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله﴾. كما ترتب علي الاعتراف بالكيان الصهيوني والتطبيع معه الإقرار بمشروعية اغتصاب الصهاينة لأرض فلسطين ،ونفى وجود اى حقوق وطنيه او قوميه أو دينيه للشعب الفلسطيني –لذا انه بعد عقود من اعتراف الفلسطينيين واغلب العرب بإسرائيل لم يحصل الشعب الفلسطيني على حقوقه ولم تحل القضية الفلسطينية .
نقد عام للمذهب : طبقا لهذه قراءه النقدية لمذهب الجمهوري ، فإننا نعرف الفكر الجمهوري بأنه مذهب معاصر فى التصوف الحلولى "البدعي" الذى ينطلق من مفاهيم اجنيه "كالحلول والاتحاد ووحدة الوجود"- والمفارق للتصوف السني القائم على مفاهيم أهل السنة بمذاهبهم المتعددة ،والذى اطلق عليه البعض- خطا - اسم التصوف الفلسفي - على المستوى النظري- وما يلزم من هذا المذهب من نتائج تطبيقية “مواقف سياسيه،اقتصاديه ،اجتماعيه…”- على المستوى العملي- واستنادا إلى هذا التعريف فإن هذه القراءة تتخذ موقف نقدي من هذا المذهب على المستويين النظري” المتضمن لبعدين: ديني وفلسفي ” والعملي . ومضمون هذا الموقف النقدي – على المستوى الأول ” النظري ” طبقا لبعده الديني– تناول مفاهيم هذا الفكر من حيث اتساقها أو تناقضها مع أصول الدين ، التى مصدرها النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة ، وهنا تخلص هذه القراءة إلى انه إذا كانت بعض مفاهيم الفكر الجمهوري تتسق مع هذه الأصول،فان بعضها الآخر يتناقض معها (وأهمها مفهوم وحده الوجود وما يلزم منه “من امكانية الاتحاد بالذات الالهيه، وسقوط التكاليف “…)، أما الموقف النقدي من المذهب الجمهوري – على المستوى النظرى طبقا لبعده الفلسفي – فينقسم إلى: أولا: نقد داخلي مضمونه تناول مفاهيم هذا الفكر من حيث اتساقها أو تناقضها مع بعضها البعض، وهنا تخلص هذه القراء إلى انه هناك اتساق بين بعض هذه المفاهيم (وحده الوجود، ووحدة الأديان…)،كما انه هناك تناقض بين بعضها الآخر( بين الفردية المطلقة والجماعية المطلقة، وبين الليبرالية والماركسية، وبين الذاتية والموضوعية…)، وثانيا: نقد خارجي مضمونه تناول مفاهيم هذا الفكر من حيث صدقها الواقعي، وأوجه الصواب والخطأ فيها، وهنا تخلص هذه القراءة إلى أن أهم أوجه النقد الخارجي هي أن المذهب الجمهوري باعتباره شكل من أشكال الفلسفة المثالية الموضوعية ، التي تقول بالأولوية المطلقة للفكر أو الروح على المادة، ،انتهى إلى إلغاء أو التقليل من دور الإنسان في التطور الاجتماعي بقوله بالجبر. كما انتهى الى التركيز على العوامل الفكرية والروحية،مع إلغاء أو التقليل من دور العوامل المادية(كالاقتصاد)، والاجتماعية (كوحدات التكوين الاجتماعي المتعددة”كالعشيرة والقبيلة والشعب والامه، وعلاقات الانتماء إليها ” كعلاقة الانتماء القومية..). أما مضمون هذا الموقف النقدي من المذهب الجمهوري– على المستوى الثاني ” العملي” فيتمثل في بيان ما يلزم “موضوعيا” – وبصرف النظر عن النوايا الذاتية لمؤسس المذهب وأنصاره – من نتائج تطبيقيه من مواقف سياسيه،اقتصاديه ،اجتماعيه ، وهنا نخلص هذه القراءة أن هذه المواقف يلزم منها الإبقاء على الواقع السوداني خاصة والعربي عامه ، والقائم على الاستبداد ” الداخلي “،والاستعمار القديم والجديد”الخارجي”، والتجزئة والتفتيت،والظلم الاجتماعي والتبعية الاقتصادية بدون تغيير،وأنها تتعارض مع أهداف وغايات الاراده الشعبية السودانية خاصة والعربية عامه،والممثلة في الحرية والوحدة والعدالة الاجتماعية. وأنها تخدم المشاريع الهادفة إلى إلغاء الإرادة الشعبية السودانية خاصة والعربية عامة ومنها مشروع الشرق الأوسط “الامبريالي الصهيوني”.ثم تخلص القراءه إلى ضرورة إجراء أنصار المذهب الجمهوري مراجعة شاملة لمذهيهم، تشمل مستواه النظري” وتضمن ضبط مفاهيمه النظرية بالضوابط الشرعية، ليتحول من مذهب في التصوف الحلولى "البدعى" إلى مذهب في التصوف السني – وبهذا يلغى تناقضه الموضوعي مع التدين الشعبي السوداني- كما تشمل هذه المراجعة تصحيح مواقفه التطبيقية، لتتسق عن غايات الاراده الشعبية السودانية خاصة والعربية عامة ، ممثلة في الحرية والوحدة والعدالة الاجتماعية .
خامسا: الخطاب التجديدي عند د. الترابي : قراءه نقدية إسلاميه لمفاهيمه:
الجوانب الايجابيه: لهذا الخطاب جوانب إيجابية ، وتتمثل في مفاهيمه المتسقة مع أصول الدين ، وأهمها التأكيد على ضرورة التجديد الاسلامى،لحل المشاكل المتجددة، التي يطرحها واقع المجتمعات المسلمة المتغير.
الجوانب السلبية: كما أن له جوانب سلبية وتتمثل في مفاهيمه التي تتعارض مع أصول الدين ، وطبقا للفهم الصحيح لها ( كما حدده السلف الصالح وعلماء أهل السنة).ومن أهمها :
إشكاليه عدم تجاوز موقفي التقليد والتغريب: أن هذا الخطاب لم يستطيع، في تناوله لبعض القضايا ، أن يتجاوز موقفي التقليد والتغريب،
القضايا ذات الصلة بالأصول: حيث انه اتخذ موقف يقارب الموقف التغريبي من بعض القضايا، رغم أنها تتصل بأصول الدين.
أولا:نصوص ذات دلاله عامه متعددة أوجه الفهم: حيث أن بعض نصوص هذا الخطاب ذات دلالة عامة يمكن فهمها على عده أوجه، بعضها يتسق مع الفهم الصحيح لها " كما حدده السلف الصالح وعلماء أهل السنة" ، وبعضها يخالف هذا الفهم الصحيح. والتقويم الموضوعي لهذه النصوص ، يتضمن حملها علي هذا الفهم الصحيح ما أمكن . ومثال لها النصوص التى يمكن فهمها على الاوجه التالية :
اولا: تفسير العلاقة بين الأديان استنادا إلى نظرية " وحده الأديان" ، التى ترى أن كل الأديان صحيحة بالتساوي، وبالتالي تجعل علاقة الإسلام بالأديان السماوية علاقة تطابق من خلال دعوته لقيام الملة الإبراهيمية . ثانيا: القول بانتفاء وجوب الجهاد فى عصرنا. ثالثا: عدم التقيد بالتعريف الشرعي لمفهوم التوحيد ، وهو إفراد الربوبية والألوهية" لله تعالى، اى كونه تعالى ينفرد بكونه الفاعل المطلق والغاية المطلقه ، وتقديم تعريف مختلف للتوحيد مضمونه الجمع بين الأشياء
ثانيا: مخالفه المعهود من مذهب أهل السنة : كما أن بعض مفاهيم وأحكام هذا الخطاب تتعارض مع مذهب أهل السنة. وبالتالى يجب رفع هذا التعارض من خلال تقييد بعضها ، وتصويب بعضها الأخر.
أولا: التقييد: ومن المفاهيم والأحكام التي ينبغي رفع التعارض بينهما وبين مذهب أهل السنة بتقييدها " بالانتقال من مذهب الإجمال إلى مذهب التفصيل( نفى ظهور المهدي آخر الزمان .القول بان الأشكال التي أخذها الدين ليست هي أشكاله النهائية . نفى حجية أحاديث الآحاد . أن تجديد أصول الفقه يقتضى إلغاء كل الاجتهادات السابقة في مجال علم أصول الفقه .أن أقوال السلف غير ملزمه)
ثانيا:التصويب: ومن المفاهيم والأحكام التي ينبغي رفع التعارض بينها وبين مذهب أهل السنة بالتصويب: ( إباحة زواج المسلمة من الكتابي . القول بان شهادة المراْه تساوى شهادة الرجل. إنكاره تقرير عقوبة للردة . القول بأن نظريه التطور العضوي لا تتناقض مع الإسلام.القول بأن حواء أصل الخلق وليس اّدم . قول بجواز أن تؤمَّ المرأة الرجال في الصلاة .تفسير الحور العين بأنهم النساء الصالحات في الدنيا . القول بأخذ قول الكافر وترك قول الرسول (صلى الله عليه وسلم ) في الأمور العلمية مطلقا. نفى عذاب القبر )
الأسباب: إن اتخاذ الخطاب التجديدي عند د. الترابي موقف يقارب الموقف التغريبي من القضايا السابقة الذكر، رغم أنها تتصل بأصول الدين ، هو محصلة لأسباب عديدة أهمها عدم تحديده لضوابط التجديد – كالتمييز بين الأصول والفروع والثابت والمتغير- وبالتالي عدم التزامه بها- في تناوله لهذه القضايا، مع ما هو معلوم من أن عدم الالتزام بضوابط التجديد ، يؤدى إلى عدم التمييز بين الآراء الذاتية والاجتهاد الفقهي المجرد من بواعث صاحبة الذاتية،والقائم على قبول ما ثبت صحته بالدليل، سواء اتفق أو تعارض مع هذه البواعث.
تحديد الموقف من المفاهيم والقضايا:ويتصل بضوابط التجديد تحديد الموقف من جمله من المفاهيم والقضايا:
مفهوم المساواه : فقد ظل هذا الخطاب يتراوح بين المفهومين الاسلامى والغربي للمساواة في تناوله لبعض القضايا الاجتماعيه "منها قضيه شهادة المراه..". وهو ما يجب تجاوزه بالتمييز بينهما . فالأول يرى ان مضمونها أن تحكم العلاقة بين المراْه والرجل في المجتمع قواعد سابقة على نشاْتها ، دون إنكار التفاوت بينهما في التكوين والمقدرات الذاتية". أما الثاني فيقرنها بالمثلية التي تعني أن تكون المراْه مثل الرجل في التكوين والإمكانيات والمقدرات الذاتية.
مفهوم العقل:كما ظل هذا الخطاب يتراوح بين المفهومين الإسلامي للعقل والمفهوم الغربي(اليوناني- الارسطى و الليبرالي) له .وهو ما يجب تجاوزه بالتمييز بينهما فالأول ينظر إليه باعتباره نشاط أو فاعلية معرفية محدودة تكليفيا بالوحي في إدراكه لعالم الغيب و تكوينيا بالحواس والعقل في إدراكه لعالم الشهادة . اما الثاني فينظر اليه باعتباره ذو وجود مطلق ، اى قائم بذاته ومستقل عن الحواس في إدراكه لعالم الشهادة، والوحي في إدراكه لعالم الغيب .
التأثر بالمعتزلة: وقد أشار بعض الباحثين إلى تأثر الخطاب التجديدي عند د. الترابي بالمعتزلة وموقفهم من العقل،الذى يحوله إلى مصدر مطلق لمعرفة الغيبيات، لذا فهو أقرب للمفهوم اليوناني- وتحديدا الأرسطي- للعقل، منه للمفهوم الإسلامي له .
قضايا الفروع:كما أن الخطاب التجديدي عند د. الترابي اتخذ موقف لا يختلف في مضمونه عن الموقف التقليدي من بعض هذه القضايا ،رغم أنها تتصل بفروع الدين الاجتهادية، نتيجة لأسباب عديدة .
التفسير السياسي للدين "الاسلام السياسى": ومن أهم هذه الأسباب أن هذا الخطاب يتراوح بين التفسير السياسى للدين "الذى يطلق عليه البعض -خطاْ- اسم الاسلام السياسى "، والتفسير الديني للسياسة " والذى أطلق عليه العلماء المتقدمين اسم السياسة الشرعية " . فالاول هو مذهب محدث فى تفسير طبيعة العلاقة بين الدين والسياسة، يقوم على إثبات العلاقة بين الدين والسياسة ، ولكنه يتطرف فى هذا الإثبات إلى درجة جعلت العلاقة بينهما علاقة تطابق و خلط "كما فى مذهبى الكهنوت والثيوقراطية " ، كرد فعل على الليبرالية والتي باستنادها إلى العلمانية نفت اى علاقة للدين بالسياسة "بجعلها العلاقة بينهما علاقه فصل". فهو لا يعبر عن الموقف الإسلامي الصحيح الذي يجعل العلاقة بينهما علاقه وحده وارتباط من جهة ، وتمييز من جهة اخرى. ويترتب على هذا يساوى بين الدين والسياسة في الدرجة، وقد يتطرف فيجعل السياسة أعلى درجة من الدين حين يجعل الغاية هي الدولة – السلطة والوسيلة هي الدين. بينما الدين هو الأصل – والسياسة هي الفرع، اى أن الدين للسياسة بمثابة الكل للجزء يجده فيكمله ولكن لا يلغيه،. كما ان هذا المذهب يستند إلى - ويلزم منه - جمله من المفاهيم ، التي تتناقض مع مقاصد الشرع وضوابطه وبالتالي يعتبر بدعه. مثال للاولى اعتباره ان الامامه بمعنى السلطة من اصول الدين وهو ماقال به المذهب الشيعى يفارق مذهب أهل السنة .ومثال للثانيه : تكفير المخالف فى المذهب و الثيوقراطية و الكهنوتية والتفرق في الدين واحتكار الدين لفئة من المجتمع المسلم.
التفسير الديني للسياسة " السياسة الشرعية" : أما التفسير الديني ” الاسلامى – الشرعي- للسياسة فيجعل الدين هو الأصل – والسياسة هي الفرع، اى أن يكون الدين ” ممثلا في مقاصده وضوابطه ” للسياسة بمثابة الكل للجزء، يحده فيكمله ولكن لا يلغيه . وطبقا لهذا التفسير فإن النشاط السياسي يجب ان يلتزم بجمله من الضوابط التي تهدف إلى تحقيق اكبر قدر ممكن من الاتساق بينه وبين مقاصد الشرع وضوابطه ،ومن هذه الضوابط :أولا:الإمامة من فروع الدين ، وبالتالي فان النشاط السياسي هو شكل من أشكال الاجتهاد الذي لا تكفير فيه.ثانيا:السياسة الشرعية ما يحقق مصلحة الجماعة ولو لم يرد فيه نص ، يقول ابْنُ عَقِيلٍ(السِّيَاسَةُ مَا كَانَ فِعْلاً يَكُونُ مَعَهُ النَّاسُ أَقْرَبَ إلَى الصَّلَاحِ، وَأَبْعَدَ عَنْ الْفَسَادِ، وَإِنْ لَمْ يَضَعْهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا نَزَلَ بِهِ وَحْيٌ.)
وجوب التجاوز: وتجاوز الخطاب التجديدي عند د. الترابي لموقفه الذي لا يختلف في مضمونه من الموقف التقليدي،من بعض القضايا ذات الصلة بفروع الدين، لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال تجاوزه للتفسير السياسى للدين والتزامه بالتفسير الديني للسياسة، حيث أن التفسير السياسى للدين يميل إلى الموقف التقليدي وينفر من الموقف التجديدي،نتيجة لتقديمه للتغيير السياسى على التغيير الفكري” وهو شرط اساسى للتجديد”.
بين المستويين النظري والعملي وضروره الانتقال من المجرد الى العينى : إن ما سبق من حديث يتعلق بالمستوى النظري للخطاب والقراءة النقدية الاسلاميه له ، أما ذات الفراء لمستواه العملي فيجب ان تتضمن إلغاء اى تناقض بين المستويين النظري والعملي للخطاب ، أو بين المواقف المتعددة لمستواه العملي،وهو ما يتحقق بإلغاء أسبابه، وأهمها التجريد، اى تناول المفاهيم العامة المجردة ، وعدم التطرق لمضمونها الخاص العيني ،. ذلك أن الخطاب التجديدي عند د. الترابي اتصف – في غالبه الأعم- بالتجريد، وهو بذلك اتصف بما يتصف به اى خطاب تجريدي، من عدم التقاء مستواه النظري بمستواه التطبيقي ، ذلك أن المفاهيم العامة المجردة وان صلحت لالتقاء متعددين في مدرسة فكريه واحده، إلا أنها تظل عاجزة عن أن تكون محلا للالتزام في الممارسة، والاحتكام إليها عند الاختلاف في حل مشكلات المجتمع المعين ، وبالتالي فإنه لا يمكن تحقيق الالتقاء بين المستويين النظري والعملي لهذا الخطاب- ومن ثم فإن تحقيق الاتساق بين مستواه النظري والعملي أو بين المواقف المتعددة لمستواه العملي – إلا بانتقال هذا الخطاب من المجرد إلى العيني ، بتحديد المضمون الخاص العيني لمفاهيمه العامة المجردة .
الطرح التبشيري الثوري للإسلام عند المفكر الاسلامى المستنير الأستاذ / بابكر كرار:
ا/الإسلام هو الأساس الجوهري في حياتنا اليومية وصياغة مفاهيمنا: يرى أن الأساس الجوهري في حياتنا اليومية ، وفى صياغة مفاهيمنا وتصوراتنا لواقعنا ، والحلول التي نأخذ بها ونجدد حياتنا على مقتضاها هو الإسلام.
ب/ عدم طرح الأحزاب ذات المنطلق الإسلامي للإسلام في صفته التبشيرية والثورية: ثم يرى أن في بلادنا أحزاب ومؤسسات وجمعيات، تتخذ من الإسلام منطلقا..وقد أسهمت في حركة التقدم العام ، إلا أنها لم تستطع أن تطرح الإسلام طرحا شموليا في صفاته التبشيرية والثورية، بحيث يكون هو المحرك الاساسى في استنهاض الجماهير .
ج/ الطرح التبشيري الثوري للإسلام واتساقه مع التاريخ والتراث القومي والوطني: ويرى أن الطرح التبشيري الثوري للإسلام هو الذي وصلت إليه الثورة العربية في علاقتها العضوية بالثورة العالمية (اى حركة التحرر العربي من الاستعمار القديم والجديد”الامبريالي ” و الاستيطاني “الصهيوني"، وتأكيدها لمركز الدين في الثورة ،خلافا للماركسية التي استبعدت الدين من منطلق مادي – إلحادي) ، وهو الطرح الذي استنهض الجماهير السودانية في ثورتنا الكبرى (الثورة المهدية)، وهو الطرح الذي يتسق مع تراثنا القومي وتقاليدنا الثورية ( ميثاقنا والنهوض الثوري ببلادنا، ص 17 ).
د/ تعريف الطرح التبشيري الثوري للإسلام:
مصطلح “طرح”: استخدام الأستاذ/ بابكر كرار لمصطلح ” طرح” يعنى انه حديثه عن الإسلام على مستوى فروعه الاجتهادية المتغيرة، وليس على مستوى أصوله النصية الثابتة. بعبارة أخرى انه حديث عن المذاهب الاسلاميه الاجتهادية ، وليس عن الإسلام كدين
مصطلح “التبشير”:
دلاله مصطلح "التبشير": كما استخدم مصطلح ” التبشير “بدلاله تقارب دلالته القرآنية ، والتي مضمونها وعد الهى للمؤمنين الذين يعملون الصالحات بالخير سواء فى الدنيا او الاخره ، كما قوله تعالى "وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات) "البقرة:25) ،ومضمون هذه الدلالة قيام المسلمين بدورهم في الدعوة إلى الإسلام، على المستويين العملي (بتحولهم على المستوى السلوكي العملي إلى قدوه ) والنظري (بنشرهم للدعوة الإسلامية بين القبائل والشعوب والأمم غير المسلمة) .فهو استخدام لا صله له بالدلالة الغربية للمصطلح ، الذي شاع في الفترة الاستعمارية،و الذي يخلط بينه وبين مصطلح التنصير اى نشر النصرانية بواسطة الكنيسة .
مصطلح ” الثورة “:
التغيير الجذري الشامل “:كما استخدم الأستاذ / بابكر كرار مصطلح الثورة للتعبير عن التغيير الجذري الشامل “، يقول الأستاذ بابكر كرار في كتاب الجماعة الإسلامية دعوة ومنهاج( ومن هنا تكون الجماعة الاسلاميه ثوره كاملة، ضد النظام الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والتعليمي والقضائي .. وذلك لان اى حركة إصلاحية لا تجتث هذه الدعائم من أساسها اجتثاثا كاملا فهي حركه ترقيع للمجتمع وحركة تشويه للاتجاهات الثورية المسددة إلى غاياتها)(. مع ملاحظة ان هذا التغيير الجذري الكامل هو ضد الأوضاع الاستعمارية السائدة.
استخدم أساليب التغيير السلمي ورفض العنف : غير أن الأستاذ/ بابكر كرار يرفض الربط بين ألثوره والعنف – كما في الماركسية – لذا يقرر في موضع آخر الالتزام بأساليب التغير السياسي السلمي الديمقراطي ورفض العنف والأساليب الانقلابية ، ورد في كتاب( ميثاقنا والنهوض الثوري ببلادنا : ص 214) ( إننا نرفض بكل قوه …وبكل وضوح طريق المغامرات العسكرية، وننبذ في شرف وبسالة استخدام العنف والإرهاب داخل بلادنا ، ونعتمد على قوه شعبنا العريضة وتضحياته التاريخية الجبارة في تأييد حقوقه في الاستقلال الوطني والسيادة القومية، وفى الديموقراطية والتقدم والوحدة، طريقنا هو الطريق الديمقراطي .. طريق دعم وتطوير وتثوير الحركة الجماهيرية،بكافه منظماتها الديموقراطية و السياسية، و تشديد النضال الجماهيري الصلب بالمظاهرات والإضرابات والاعتصامات السياسية، وفرض أراده الشعب السوداني بكل الوسائل الشرعية المتاحة لدينا (.
الحوار الايجابي المفتوح: وتأكيدا لنبذ الأستاذ/ بابكر كرار للعنف يركز على “الحوار الايجابي المفتوح” ، كأداة للتغيير الفكري السابق على التغيير السياسي .
ه/ خصائص الطرح التبشيري للإسلام :ويحدد الأستاذ / بابكر كرار خصائص الطرح التبشيري للإسلام كالاتى:
• نبذ الطرح الذرائعى والتبريري والاعتذارى والطائفي والرجعى للدين.
• طرح الدين في صفاته الموضوعية باعتباره حاجة إنسانية يستمد أهميته وفاعليته من فطرة الإنسان ومن شريعته العالمية للبشرية جمعاء.
• هذا الطرح يحدد رسالة الامه العربية.
• هذا الطرح يخترق الطائفية ويزيل حواجزها ” حيث تكمن أهميه الطرح التبشيري في اختراق الحواجز الطائفية الضارة، وتحرير الفكر من الانغلاق وضيق الأفق السياسي والاجتماعي” .
• وهو المنطلق لفتح باب الاجتهاد.
و/خصائص الطرح الثوري للإسلام: وفي الإجابة على السؤال : ماذا يعنى الطرح الثوري الإسلام، يقول: الإسلام انجاز ، بعبارة أخرى إن الإسلام عندما نطرحه ثوريا فإنما نطرحه في صوره مهام بغرض العمل على انجازها ، ثم يحدد خصائص الطرح الثوري للإسلام فيقول : أن الطرح الثوري للإسلام هو :
• الذي يكشف لنا الآثار الكبيرة والمعاني العميقة التي تحتويها مبدأ الأخوة بين الناس في خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وفي تحقيق الانفتاح الروحي والأخلاقي في المجتمع .
• الذي يكشف لنا الأبعاد الفكرية لنظرية الاستخلاف في الأموال العامة والخاصة فى الإسلام، ونبذ كل النظريات التاريخية والمعاصرة فى الملكية الرأسمالية.
• الذي يكشف لنا عن المعنى الأوسع للجهاد في الحياة، من اجل الصعود المتصل للفرد والمجتمع فكريا وماديا بلا انقطاع، ودفع حركة التطور والتقدم..
الاستخلاف كنسق معرفى : انسانى- روحى/ مستنير (كاتب الدراسه):
تعريف:ينطلق هذا المشروع الفكرى من الابعاد الفلسفية والمنهجية والمذهبيه لمفهوم الاستخلاف القرانى، للتأسيس لنسق معرفى "اسلامى - معاصر" ، ذو ابعاد فلسفية - منهجية - مذهبيه ، و طابع: انساني - روحى" دينى " مستنير.
اولا: البعد الفلسفي لمفهوم الاستخلاف ( فلسفه الاستخلاف): يتمثل البعد الفلسفي لمفهوم الاستخلاف ، في فلسفه الاستخلاف ، التي تقوم على محاوله تحديد العلاقة بين المستخلف بكسر اللام” الله تعالى” ، والمستخلف بفتح اللام”الإنسان” ، والمستخلف فيه “الكون”- اى محاوله تحديد العلاقة بين أطراف علاقة الاستخلاف – وذلك باتخاذ المفاهيم القرآنية الكلية ( التوحيد والاستخلاف والتسخير) مسلمات أولى ، ثم محاوله استنباط النتائج الفلسفية لهذه المفاهيم الكلية، متخذة من اجتهادات أهل السنة – بمذاهبهم العقدية “الكلامية ” المتعددة – نقطة بداية- وليس نقطة نهاية – لهذا الاجتهاد.
ثانيا: البعد المنهجي لمفهوم الاستخلاف (منهج الاستخلاف): ويتمثل البعد المنهجي لمفهوم الاستخلاف، في الاستخلاف كمنهج للمعرفة ، ومضمونه أن صفات الربوبية (اى ما دل على الفعل المطلق لله تعالى) تظهر في عالم الشهادة على شكلين:
الشكل الأول : تكويني: يتمثل في السنن الالهيه التي تضبط حركه الوجود الشهادى ، وهي على نوعين:
ا/ السنن الالهيه الكلية:التي تضبط حركه الوجود الشامل للطبيعة المسخرة والإنسان المستخلف ، وهى سنن"الحركة ، التغير،التأثير المتبادل".
ب/السنن الالهيه النوعية: التي تضبط حركة نوع معين من أنواع الوجود الشهادى ،كسنه “الكدح إلى الله ” المقصورة على الإنسان ، والتي تشير إليها الآية " يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه" .
الشكل الثاني : تكليفي : يتمثل في المفاهيم والقيم والقواعد الكلية التي مصدرها الوحي ، وهو يحدد الشكل التكويني كما يحدد الكل الجزء فيكمله ويغنيه ولكن لا يلغيه.
فلسفه ومنهج معرفه ذوى طابع انسانى - روحي:من العرض السابق نخلص إلى أن البعدين الفلسفى والمنهجي لمفهوم الاستخلاف ( اى فلسفه الاستخلاف ومنهج الاستخلاف) يقومان على تأكيد قيمه الوجود الانسانى، وإثبات هذا الوجود بأبعاده المتعددة، مع التأكيد على انه وجود محدود تكليفيا "بالسنن الالهيه" ، و تكليفيا "بالوحي "، وبالتالي يجعلان العلاقة بين الوجود الإلهى والوجود الانسانى بأبعاده المتعددة علاقة تحديد وتكامل- فالوجود الإلهى يحدد الوجود الانسانى ولكن لا يلغيه - وليست علاقة إلغاء وتناقض " كما في النزعة الإنسانية الغربية ، التي تطرفت في تأكيد الوجود الإنساني، فحولته من وجود محدود "تكوينيا وتكليفيا" ، إلى وجود مطلق "قائم بذاته ومستقل عن غيره" .
ثالثا: البعد المذهبي لمفهوم الاستخلاف (مذهب الاستخلاف): ويتمثل البعد المذهبي لمفهوم الاستخلاف، في الاستخلاف كمذهب “اى كمجموعة من الحلول للمشاكل التي يطرحها الواقع المعين”.
الوعد الالهى باستخلاف الامه : فقد اشار القران الكريم أشار إلى الوعد الالهى باستخلاف أمه التكليف بأممها وشعوبها التكوينية المتعددة في قوله تعالى (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ …)(النور:55).
الاستخلاف العام الثانى للامه: وتتضمن الآية الإشارة - صراحة او ضمنا- إلى أنماط متعددة من الاستخلاف - الاصلى او التبعى - ومثال للاخير الاستخلاف العام الثانى للامه ، وهو استخلاف الأمة في الحاضر-موضوع الدراسه-
شروط الاستخلاف: وتتضمن شروط الاستخلاف بمستوياته المتعددة:
ا/شروط نصية مطلقة: وتشمل تحقيق الاستخلاف فى كل زمان"الماضى والحاضر والمستقبل"، وكل مكان " كل الامم والشعوب التكوينيه لامه التكليف "الأمة الإسلامية" ، وتتمثل في جمله من المفاهيم والقيم والقواعد الكلية ، التي مصدرها النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة ،والتى تحدد- ولا تلغى- الاستخلاف بمستوياته المتعددة.
ب/ شروط اجتهادية مقيدة : وتقتصر على تحقيق الاستخلاف فى زمان معين " الحاضر" ،ومكان معين " الامه العربيه- المسلمه بشعوبها المتعددة "، وتتمثل في مفاهيم وقيم وقواعد: الحرية والعدالة الاجتماعية و الوحدة والجمع بين الأصالة والمعاصرة "التجديد" – باعتبارها شروط للاستخلاف "السياسى ، الاقتصادى، الاجتماعى،الحضارى" على التوالى ، على وجه لا يتناقض مع أصول الدين النصية الثابتة ، استنادا الى ان هذه المفاهيم والقيم والقواعد حث عليها الاسلام ،وما قرره العلماء من ان السياسة الشرعية هي ما كل يحقق مصلحة الجماعة ولو لم يرد فيه نص، كقول ابْنُ عَقِيلٍ(السِّيَاسَةُ مَا كَانَ فِعْلاً يَكُونُ مَعَهُ النَّاسُ أَقْرَبَ إلَى الصَّلَاحِ، وَأَبْعَدَ عَنْ الْفَسَادِ، وَإِنْ لَمْ يَضَعْهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا نَزَلَ بِهِ وَحْيٌ)( ابن القيم / كتاب الطرق الحكمية في السياسة الشرعية)
الاستخلاف ومنهج التغيير ” كيفيه ومراحل تحقيق الاستخلاف “:وهناك مرحلتين أساسيتين للتغير- تمثل أيضا مراحل لتحقيق الاستخلاف:
المرحلة الأولى"الاستطاعه": هي مرحله الانتقال مما هو كائن، إلى ما هو ممكن ، والتي يمكن التعبير عنها بمصطلح الاستطاعة ، ومن أدلتها: تقرير النصوص لقواعد متعددة مها قاعدة الاستطاعة (فَاتّقُوا ْاللّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ). ولهذه المرحلة مستويان :
مستوى أصلى: هو مستواها الاعتقادى"الفكري" . ويتضمن الاجتهاد فى وضع الحلول النظرية للمشاكل التى يطرحها واقع الأمة المعاصر
تيار الاستخلاف: ويتضمن هذا المستوى التأسيس لتيار فكري شامل - لا يقصي اى فئه من فئات الأمة - فيشمل كل من يلتزم بهذه الحلول النظريه- او بعضها- حتى ولو لم يكن هناك رابط تنظيمى بينهم .
مستوى فرعى: هو مستواها العملي"التطبيقي". ويتضمن ان تنبثق من هذا التيار الفكري الشامل مبادرات شعبية منظمة "مؤسسيه"، تسعى لتحقيق ما هو ممكن من هذه الحلول النظريه، فى الواقع العملى للامة ، بأساليب سلمية وشكل تدريجى.
المرحلة الثانية " العزم ":هي مرحله الانتقال مما هو ممكن إلى ما ينبغي أن يكون ، ويمكن التعبير عنها بمصطلح العزم ، و من أدلتها مفهوم العزم الذي يرتبط بما ينبغي أن يكون كما في قوله (إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ )( الشورى: 43 ) ، وهذه المرحلة لها مستويان :
مستوى أصلى : هو مستواها العملي"التطبيقي" .ويتضمن الانتقال مما هو ممكن الى ما ينبغى ان يكون. باكمال التنفيذ العملى لكل هذه الحلول النظريه فى واقع الامه.
مستوى فرعي: هو مستواها الاعتقادي"الفكري". ويتضمن الاجتهاد العلمى فى وضع حلول نظريه جديده، للمشاكل الجديده التى سيطرحها الواقع العملى للامه، بعد حل المشاكل السابقه.
مذهب مستنير: مما سبق نخلص إلى أن مذهب الاستخلاف هو بالاصاله مذهب مستنير، طبقا للدلاله العامه- المشتركه لمصطلح التنوير- والتى لا تتناقض مع الاسلام - و التى تتمثل في التنوير كمفهوم مجرد تشترك في فهمه كل الفلسفات والمناهج ، ومضمونها أن تحرير عقل الإنسان من القيود التي تعوق فعاليته كوسيلة للمعرفة " كأنماط التفكير الخرافي والاسطورى"،هو احد شروط نقل اى مجتمع من التخلف الحضاري إلي التقدم الحضاري. ومرجع ذلك – اى كونه مذهب مستنير - انه يهدف- على المستوى الذاتي- إلى تحرير عقل الإنسان المسلم من القيود التي تعوق فعاليته كوسيلة للمعرفة “ كأنماط التفكير الخرافي والاسطورى والبدعى” ، باعتبار أن ذلك هو شرط ذاتي لنقل المجتمعات المسلمة من تخلف النمو الحضاري إلي التقدم الحضاري، كما يهدف- على المستوى الموضوعي- إلى حل للمشاكل التي يطرحها واقع المجتمعات المسلمة المعين زمانا ومكانا.
الموقع الرسمي للدكتور/ صبري محمد خليل خيري | دراسات ومقالات https://drsabrikhalil.wordpress.com

 

آراء