قرار أوبك بلس.. شلاقة وحشرية مواقف السودان

 


 

 

(1)
في أغسطس 2021 - اي قبل عام تقريبا كتبت مقالاً تحت عنوان ( صدام براميل النفط و نذر الحرب الايرانية الاسرائيلية ) نُشر على الصحف الإلكترونية السودانية بجانب صحيفة ورقية أجنبية.
كنت قد تناولت فيه النزاع الذي أحتدم بين دولة الأمارات العربية و المملكة العربية السعودية حول زيادة انتاج النفط أنذاك.
بذاك الصدد قارنت بين المملكة العربية كنموذج لدولة متكاملة الموارد من جهة و دولة الأمارات التي تفتقر الي اي مورد آخر غير نفط امارة أبوظبي . ثم تناولت إحتمالية اندلاع الحرب بين الجمهورية الاسلامية في ايران من جهة و دولة العبرية من جهة اخرى. قلت ان دولة الأمارات العربية المتحدة في موقف جيواستراتيجي هش للغاية.
فهي صغيرة في الحجم لا تستطيع معه امتصاص اي ضربة عسكرية ايرانية محتملة ، كما ان معظم مدنها تقع تحت مرمى نيران المدفعية القصيرة و المتوسطة للحرس الثوري الايراني . لذا من المهم ان تكون أكثر الدول حرصاً على عدم نشوب اي نزاع مسلح بين اسرائيل و ايران. لأن ايران لا تقوى على ضرب الأراضى الامريكية، فهي لا تستطيع ان تفعل لإسرائيل غير التسبب في بعض الذعر للمواطنين الاسرائيليين. لكنها اي ايران حتما ستضرب حلفاء امريكا و اسرائيل في المنطقة . و في مقدمة هؤلاء الحلفاء دولة الأمارات العربية المتحدة. كما ناشدت الاخوة الظبيانيين ان لا ينظروا الي اتفاقهم مع اسرائيل على انه بمثابة القبة الحديدية التي تحمي مفاعل ديمونة في صحراء النقب. و أنهم لن يستطيعون مجابهة ايران حتى ان تسلموا مقاتلات اف 35 و التي من المقرر ان تتسلمها الأمارات العربية في عام 2027.
خلاصة ما ذهبت إليه؛ ان إدراك إخوتنا حكام الأمارات العربية لحجمهم الطبيعي هو ما يجنبهم المخاطر الوجودية - و في مقدمتها مناطحة دول بحجم العربية السعودية، و بالطبع الجمهورية الإسلامية في ايران.
أخيراً إستدرك الاماراتيون و اعادوا سفير بلادهم الي طهران قبل أربعة أشهر ، مع تغيير كبير في اللهجة تجاه ايران !!.

(2)
لم يتوقع أكثر الخبراء العسكريين المواليين لروسيا تشاؤوماً و أقرانهم من الخبراء العسكريين الغربيين ازدراء) ان يكون الجيش الروسي بذاك القدر من الهشاشة و الفوضوية التين ظهر بهما في الغزو الروسي لأكرونيا.
الحرب التي اعتبرها سيد الكرملين مجرد مهمة خاصة( وهو المصطلح الروسي لتلك الحرب) لم يقدر لها أكثر من اسبوعين، إلا انها دخلت شهرها الثامن وسط تآكل مستمر للقدرة و السمعة الروسيتين.
حاول الرئيس الروسي ابتزاز الغرب بالغاز ؛ إلا انه صدم بتحسب الغرب للبدائل رغم قسوتها.
فلجأ الي التلويح مرارا بالنووي؛ فأظهر الغرب هلعاً مصتنعاً لبعض الوقت مما أغرى فلاديمير بوتن للعزف عليه.
الا ان الرد الصاعق قد جاء في الاسبوع الماضي على لسان جون بولتون، مستشار الامن القومي الأسبق و أحد صقور إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن؛ عندما هدد بإغتيال الرئيس بوتن مع تدمير الجيش الروسي كرد فعل عاجل على أي تهور نووي روسي .
ثم جاءت تدريبات حلف الناتو على الردع النووي على بُعد ألف كليومتر فقط عن الحدود الروسية.
الأمر الذي دفع بالمتحدث بإسم الرئاسة الروسية السفير ديميتري بيسكوف على نفي اي تصريح لهم حول استخدام السلاح النووي، متهما الغرب بالإستفزاز.

(3)
الغرب الذي يحارب روسيا بالجيش الأوكراني يدرك تأثير العقوبات الإقتصادية على فلاديمير بوتن؛ لذا بادر الرئيس الأمريكي جو بايدن على الإتفاق مع الجانب السعودي على تجنب اي خفض لإنتاج النفط حتى لا يؤدي الي ارتفاع الاسعار في سوق النفط ، الأمر الذي يعزز مداخيل الرئيس بوتن.
لكن السعودية التي ظلت على العهد مع الولايات المتحدة منذ ثلاثينات القرن الماضي خالفت التقليد ، لتلعب دوراً محورياً في اجتماعات فينا في الخامس من أكتوبر الجاري عندما سعت و حثت على خفض انتاج اوبك و اوبك بلس بمزاعم الركود .
الا ان الرد الأمريكي جاء في اوج غضبه على لسان مستشار الامن القومي جيك سوليفان و مدير المجلس الاقتصادي للبيت الأبيض براين ديس.
بل توعد البيت الأبيض بإتخاذ (اجراءات منهجية) ازاء التصرف السعودي.

(4)
لإمتصاص الغضب و الضغط الامريكيين حاول السعوديون إتخاذ بعض الخطوات التي تبدو داعمة لاوكرنيا إلا انها لم تجد القبول من قبل أمريكا و حلفائها الغربيين و التي تتمثل في مساعدات انسانية عاجلة لأوكرنيا بقية 400 مليون دولار ، بجانب توسطها لإطلاق سراح اسرى الحرب الاكروانيين لدي روسيا بالتبادل.
لكن ذلك لا يغير شيئاً على صعيد مكاسب الرئيس بوتن من ارتفاع اسعار النفط لندرة العرض بسبب تخفيض الانتاج .
لذلك وجه الرئيس بايدن بتحرير عشرة مليون برميل من الاحتياطي لمجابهة عدم إستقرار سوق النفط العالمي.

(5)
محنة الدبلوماسية السودانية في سنوات الإنقاذ العجاف لا تقل عن محن باقي مؤسسات الدولة. في ذلك العهد؛ تم ابعاد اهل الكفاءة و العطاء و الاستعاضة عنهم بأهل الولاء و "الغباء".
كان حديث اللواء يونس محمود الصباحي الفاحش يسبق رسائل بعثاتنا الي الدول الشقيقة و الصديقة.
ثم توجت مساعي التدمير بتولى منسق الدفاع الشعبي حقيبة الخارجية، بينما اصبح قاتل أطفال معسكر العيلفون ممثلاً لنا عند الجامعة العربية.

للأمانة و الإنصاف المجردين فإن اداء وزير خارجية نظام الإنقاذ البروفيسور ابراهيم غندور كان أفضل بمرات من اداء وزيرة خارجية حكومة الثورة الدكتورة مريم الصادق المهدي .
لم تبرح مريم المنصورة مقعد الموظفة بالخارجية المصرية حتى غادرت بالانقلاب.

(6)
الا ان الخارجية السودانية في عهد ( جاري السابق) و وزير خارجية حكومة الإنقلاب السفير على الصادق شارفت حد الإسفاف.
بتطوع غير مطلوب اصدرت الخارجية السودانية بياناً في الثالث من أغسطس الماضي تدافع فيه عن حق الدولة الصينية في الدفاع عن وحدة أراضيها ابان زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي الي التايوان ( في شلاقة غير معهودة، في الأصل غير مطلوبة).
بينما العالم في انتظار الرد الأمريكي "المنهجي" على الموقف السعودي بشأن قرار أوبك بلس و خاصة ان الولايات المتحدة قد تواصلت مع البلدان التي صوتت لصالح القرار و التي أكدت تعرضها للضغوط من قبل العربية السعودية؛ فإن وزارة خاريجيتنا (الباسلة) آثرت في مواصلة مواقفها التي اقل ما يمكن وصفها بأنها (الشليقة أو الحشرية) ؛ عندما نددت بالضغوط (الظالمة) التي تتعرض لها المملكة العربية السعودية.

من المهم ان يدرك الأخ علي الصادق و طاقم وزارته بأنهم ليسوا وكلاء للإنقلابيين الاقزام إنما ممثلون لوطن يسكنه أكثر شعوب الأرض شموخاً.
لذا من الضرورة بمكان أن تكون مواقفنا على مقياس شموخ شعبنا و إرثه الباذخ !!

 

د. حامد برقو عبدالرحمن
NicePresident@hotmail.com

 

آراء