قرار وزير التعليم العالي بوقف الدراسة.. تعطيل الاستجابة وانتظار المجهول

 


 

 

لن تواجه الأمة السودانية في مقبل أيامها تحدي مثل ما فرضه واقع الحرب التي تدور رحاها منذ 15 أبريل 2023م ولربما لن يمدها الدهر بمثل هذه الفرصة الذهبية المستكنة في جوف المأساة، إلا بقدر ما يمكن أن تستنبطه من إستجابات تقارب به هول هذه المأساة بإجتراح الحلول بعد الإفاقة من هول الصدمة. وهنا بالتحديد يجب استدعاء المؤرخ والفيلسوف أرنولد جوزف توينبي الذي رسم معالم نهضة الأمم من خلال نظريته المشهورة (التحدي والاستجابة، Challenge & Response ) والتي خلص فيها الي نتيجة مفادها أن نهضة الأمم مرهونة بكيفية الاستجابة لما قد يعتريها من تحديات. وما تستطيع استنباطه من حلول من عمق المأساة فشلاً إثر فشل لحين بلوغ النجاح و معانقة مشرق الشمس.
فمشرق الشمس هنا ليس شروقاً ذاتياً، تعلن عن حضوره أشعة الشمس، وإنما هو عملية تُستشرق فيه استشراقاً.. فعملية إستشراق الشمس هي بعينها عملية الاستجابة وكيفيتها. وهي ما عبر عنه ذات يوم الشاعر المترع بالآمال محمد المكي إبراهيم بقوله (وسنُبدع الدنيا الجديدة وَفَق ما نهوى) فالابداع في حقيقة الأمر ليس مجرد أماني لشاعر رومانسي، وإنما هو رهين بالحركة وهذه الأخيرة رهينة بالارادة والارادة بدورها رهينة بإدراك حجم التحدي.
مؤخراً أصدر وزير التعليم العالي والبحث العلمي المكلف قرارا قضى بتعطيل الدراسة بكل الجامعات الحكومية والخاصة والأهلية الي حين إشعار آخر... جاء هذا القرار بعد أن بدأت إدارات معظم الجامعات المتواجدة في الخرطوم على الاستفاقة من هول صدمة الحرب، واستكناه آليات عمل لتسأنف الدراسة فيها، ووضع الخطط التنفيذية الكفيلة بانجاح هذه المهمة. وفي ذلك مكاسب شتى تعيها إدارات هذه الجامعات ويعيها معظم الطلاب وذويهم، بل ويعيها ويقرها منطق التاريخ وكيفيات النهضة في ظل الكوارث والملمات.. وقد كان فيما يمكن أن يُستخلص من تجربة كارثة انتشار مرض الكرونا ما يكفل لتجربة إعادة فتح الجامعات في ظرف الحرب ما يُمكن أن يُعتبر كدروس مستفادة Lessons learnt لإنجاح هذه التجربة. مع استحضار نظرية توينبي ليس فقط في مجال التعليم العالي، وإنما في كل ضروب الحياة من تجارة وصناعة وزراعة وإدارة وكل ما يتصل بتسيير شؤون الحياة اليومية، فقد كان جدير بالجامعات أن تجرب عملية الاستجابه للتحدي الماثل باستحابة واقعية مرنة تستصحب حقوق الطلاب الذين لن تسمح لهم ظروفهم بمواكبة العملية التعليمية بحفظ حقهم إن تأخروا عن التحصيل أو الإمتحان وهذا ما فطنت له معظم إدارات الجامعات التي قررت استئناف الدراسة حتى لا يُضار أي من الطلاب، وفي الوقت ذاته تمضي الدراسة بكل ما يتيسر من سبل تعليم عن بُعد في مراكز محددة حيثما وجد الطلاب والأساتذة في مواقع غير متأثرة بالحرب لإنقاذ العام الدراسي ولتنداح العملية التعليمية مع صعوبة ما قد يكتنفها من تحديات. غير أن قرار الوزير قد جاء ليعطل ممكنات الاستجابة في أهم قطاع كان يمكن أن تكون مصدر إلهام لبقية القطاعات لتستكشف كيفية الاستجابة لأكبر تحدي، فإن كان قرار الوزير يرمي للإنتظار حتى تضع الحرب أوزارها، فذلك أمر قد يطول، لتظل لحظة الاستجابة مجمدة تحت عنوان الضياع العريض. لتذهب على الأثر الفكرة سُدى بين يدي أيدي مرتجفة لم تستطع أن تقدر مستوى الفرصة داخل التحدي وبذلك تبددت أحلام وآمال عراض لتكون النتيجة جمود وانتظار للمجهول مع تطاول أمد التحدي.
د. محمد عبد الحميد
////////////////////////

 

آراء