قصص وحكايات عن الحرب “المليجيشية”: أما آن لهذه الحرب الكارثية أن تتوقف ؟!.

 


 

 

مدار أوّل:
"فوضي بكلِّ الأرض تفتح بابها .. ترمي على كل البلاد ترابها ... فوضي تحاصر من بغوا وتجبروا .. من يحسبون بأنّهم أربابها ... جهلوا بأنّ الأمر عند مليكها.. من شاءها وأقامها أسبابها ... ضرب الإله قلوبهم فى بعضها .. فمشى الفساد يموؤ فى أطنابها..."
((نجيب محمد علي))

-1-
أكتب اليوم الإثنين 26 يونيو 2023، وهو ((اليوم العالمي لمناهشة التعذيب)) والدنيا ("قبايل عيد")، وأنشر - على بركة الله - ليقرأ الناس فى بعض الفضاءات "الإسفيرية" المتاحة، كتابتي هذه، فى/ وعن أزمنة الحرب "المليجيشية" فى السودان، فى وقتٍ أصاب فيه التلوُّث الإعلامي، مساحات واسعة وشاسعة فى الفضاء الإعلامي السوداني، وكاد "فيروس" ((الإضطراب والتضليل الإعلامي)) أن يضرب – وبقوة – كل الجسد الإعلامي، ليدمِّر هذا الفيروس اللعين – كما تفعل الحرب – الحقيقة، والتي هي دوماً وأبداً أولي ضحايا الحرب، وها نحن نشاهد الغزو الممنهج، لصحافة (التضليل الإعلامي)، وانتشار الكذب المعلوماتي، وبصورة خطيرة، تُنذر بخطرٍ ماحقٍ يستهدف ويُصيب – بضراوة - حرية الصحافة والتعبير، والحق فى الحصول والوصول للمعلومات، ومصداقية الصحافة والإعلام، والكلمة الصادقة – المقروءة والمسموعة والمرئية - فى أزمنة ومناخات يسود فيها (الإضطراب الإعلامي)، فى السودان، ما لم ينتبه المجتمع الصحفي والإعلامي الحُر والمُستقل، لضرورة التصدّي العاجل والسريع، لهذه الآفة الإعلامية – اليوم، وقبل الغد – وقبل فوات الأوان !.
-2-
تجيء هذه الكتابة كمحاولة لتنشيط ذاكرة التوثيق – توثيق الإنتهاكات – برواية فصول من اليوميات المروعة من حكايات وحكاوي وروايات وقصص حقيقية، تُحكي عن "الماجري" وما يجري من قلب هدير "ماكينة" الحرب المدمرة فى الخرطوم، عاصمة السودان "الفضل"، وأختها الشقيقة – بل توأمتها السيامية - الحرب الكارثية فى الجنينة، حاضرة ولاية غرب دارفور، وقد دخلت الفاشر، عاصمة شمال دارفور، دائرة العنف البغيض، إذ ما زال شهود هذه الأحداث الموجعة أحياء، عند ربّهم يرزقون !.
-3-
أحاول – عبر هذه الكتابة - أن أتتبع بعض آثار وتداعيات تلك الحرب الشريرة، لأقول: ما أجتمع سودانيون وسودانيات فى مناطق بؤر الحرب الدائرة فى الخرطوم، ودارفور، وقد اتسعت رُقعتها لتشمل كردفان والنيل الأزرق، وهذا تمدّدٌ خطير يجعل البلاد بأركانها الأربعة منطقة نزاع مُسلّح، ويجعل البلد – السودان "الفضل" - بأكمله، قابل للإنهيار، ما لم تتضافر الجهود الصادقة فى تكوين وبناء أوسع جبهة وتحالف وطني وإقليمي وعالمي، ضد حرب الجنرالات والمليشيات المسلحة فى السودان، اليوم، وقبل الغد!.
-4-
نعم، ما أجتمع السودانيون والسودانيات فى مناطق النزوح والهروب من المحرقة، أو فى نقاط "الإرتكازات" و"الإنتشارات" العسكرية المسلحة، داخل السودان "الفضل"، أو فى منافذ العبور، وأقطار اللجوء، وحتّي فى (الدياسبورا) القريبة والبعيدة، إلّا وكان مركز إهتمامهم/ن، ومخاوفهم/ن، أخبار وأحداث ومآسي وفظائع "حرب السودان" الشريرة، والتي مازالت نيرانها – بل ، براكينها - مشتعلة، وما زالت رحاها تدور، منذ اندلاع شرارتها الأولي، فى قلب الخرطوم، فى صباح يوم السبت 15 أبريل 2023، وحتّى اليوم، رُغم الحديث عن (الهُدن) التي لم تفلح - بعد - فى نزع فتيل الإقتتال والعنف الممنهج والمكثّف ضد المدنيين، والأعيان المدنية، فى جميع ساحات ومساحات الحرب، وهاهي المعارك و(الهُدن) والإشتباكات المسلحة العنيفة، تتلاحق وتتواصل، دون وضع آليات واضحة وفاعلة لمراقبة وقف إطلاق النار، فيما يؤكّد الواقع المزري، أنّ جميع هذه (الهُدن) لم تحظ بالإلتزام ولا الإحترام من الطرفين المتحاربين!.
-5-
كثيرٌ من الروايات والقصص التي يحكيها الناجون والناجيات، والفارّون والفارّات من محرقة الموت الـ"سنبلة"، و"شهادات" شهود العيان، يدور محورها فى أحاديثهم/ ن، بالتركيز – عند أغلب المتحدثين/ات - على الظواهر السالبة التي صاحبت – وظلّت تُصاحب – سلوك فئةٍ من الناس، آثروا "اغتنام - كل - الفرص" المُتاحة والممكنة – وحتّي غير الممكنة - ليثروا، ثراءاً فاحشاً وبغيضاً، بل، و"حراماً" فى كل الشرائع السماوية، والإنسانية، فيما يمكن تسميته اختصاراً بـ"تجارة الحرب"، وتسمية ممارسيه بـ"تُجّار الحروب"!.
-6-
نعم، ما أن ينتهي الحكي عن فظائع الحرب المباشرة، سرعان ما ينتقل الحديث لمحطة أُخري – بعد ذلك - عن أغنياء الحروب، وما أدراكما أغنياء الحروب، هؤلاء الأغنياء الجُدد الذين جعلوا من الحرب المدمرة ومآسيها فرصة نادرة للاغتناء بصورة وحشية، وليست مشروعة، فتاجروا فى السلع الأساسية و"غير الأساسية"، وفى أهم ضرورات الحياة، من ماء وخبز وحتّي الدواء، كما تاجروا فى الخدمات، لترتفع الأسعار بصورة جنونية، بسبب الجشع، وانعدام الحس الإنساني فى هؤلاء الـ"هؤلاء" !.
-7-
ها أنذا، أحاول أن أواصل – جهد المُقِل – فى الكتابة والحديث عن مآسي الحرب "المليجيشية" الكارثية، الدائرة فى السودان، وأسعي جاهداً، أن أنقل بعض الصور – وهي كثيرة - من ما يواجهه الناس من مصائر الحرب هذه الحرب الكارثية – إذ ليس من سمع، كمن رأي – لأقول ما أن ينتهي الناس من سرد فظائع الحرب، وشرح عذاباتها من تقتيل للمدنيين، وقذف للمستشفيات والمدارس – حيث لا استثناء، حتّي لدور العبادة – من سقوط مباشر لنيازك الراجمات على رؤوس وأجساد النساء والأطفال والرجال وأصحاب وصاحبات "الإحتياجات الخاصة"، وغيرهم من البشر والكائنات الحية، وهطول أمطار الطائرات، واقتحام البيوت وحرماتها الآمنة، وسرقة محتوياتها، وطرد لسكانها "الأصليين" من بيوتهم/ن، وإحلالهم/ن بسكان جُدد "محتلين"، مضافاً إلى اتساع ظاهرة النهب والسلب وهذه – ربّما – يكون أبطالها ما يطلوقون عليهم "الطرف الثالث"، وهم بلا أدني شك – صناعة هؤلاء و"فضلة شر" أولئك، و"على عينك يا تاجر" كما يقول المثل الشعبي، وهو قول شعبي، ينطبق على الاشخاص الذين يرتكبون مخالفات وجرائم، ويتمادون فى ذلك، لأنّهم على قناعة تامة بأنّهم بمأمن كامل من المحاسبة والعقاب، بسبب أنّهم محسوبون على الجهة التي بيدها القرار!.
-8-
ممّا يحكيه الناجون والناجيات، وهُم/ن شهود أحياء وعدول، الفظاعات المرتكبة بحق الأبرياء، من احتلال للبيوت، ومصادرات غير مشروعة للمقتنيات، وسرقة للمنقولات، وقتل و"تصفية" على الهوية الإثنية، ومواصلة للقذف العشوائي بالطائرات، وعبث سخيف بـ"الدانات" و"الرشاشات"، وقهر وإذلال بكل أنواع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة، بما فى ذلك، سلاح الإساءة الجنسية والإغتصاب والعنف الجنسي، والعبث بأمن وطمانية ، بل، وحياة قاطني وقاطنات مُعظم الأحياء السكانية فى العاصمة، التي لم تعُد "مثلثة"، بعد الإغلاق الشامل للكباري الرابطة بينها، وقد أُحتُلّت تماماً، وأصبحت تحت سيطرة المسلّحين من الطرفين المتحاربين، وأصبح المرور عبرها مُغامرة كُبري، لأنّها أصبحت تحت رحمة "جنود" و"مُقاتلين" و "متفلّتين" من الطرف المسيطر والمهيمن على المعبر!.
-9-
فى بيئة معادية لكل حقوق الإنسان، وفى مقدمة ذلك، الحق فى الحياة، وإحترام الكرامة الإنسانية، من يصدق أنّ الصلف العسكري، والجنون الحربي، وصل إلى درجة أن يطلب قائد عسكري، من حملة الرتب العسكرية الرفيعة، من المدنيين، الخروج من منازلهم، والإبتعاد عنها - مُنذراً ومحذّراً - السكّان، من البقاء فى بيوتهم/ن، بإعتبارها أصبحت – من الآن، فصاعداً – مجرّد "أهداف عسكرية"، يحق لطائرات الجيش السوداني، أن "تدكّها" بما فيها، ومن فيها، بسبب أن "العدو" – فى تقديره - وهم المقاتلين من الطرف الثاني (الدعم السريع)، احتموا بها، أو جعلوها ثكنات عسكرية، أو ملاذات "آمنة" لهم، "يتدثرون" بها، وفيها، من قصف الطائرات، فيجعلون ويتخذون – بذلك الفعل - المدنيين "دروعاً بشرية"، فيأتي هذا التحذير "المجنون"، ليزيد الناس - رهبةً وخوفاً - من احتمال الموت الغادر و"سنبلة"، وهم/ن فى "كمّاشة" بين مطرقة "الدعّامة"، وسندان "الجيش"، وربّما طرف آخر- حقيقي أو مُتخيّل أو"مصنوع" - لم يُفصح لنا بعد أهل العقد والحل فى "الجيش" و"الدعم"، عن "هويتهم" ولم يوضحوا لنا، وللعالم - "من أين جاء هؤلاء"؟؟؟، ناسين أو "متناسين" – مع سبق الإصرار - أنّ المسئولية القانونية والأخلاقية تجعل (الجيش والدعم السريع) "معاً" مسئولين عن سلامة وأمن وحماية المدنيين والإعيان المدنية، وفق القانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني ؟!.
-10-
لقد ثبت عبر الأيام والأسابيع والأشهر، أنّ جميع هذه (الهُدن)، لم يكن لها انعكاس واضح فى حياة الناس، إذ لم تخرج قوات الدعم السريع، من البيوت التي احتلتها، ولم تصبح المستشفيات مناطق آمنة مائة بالمائة، ولم تتحسن الأوضاع الإنسانية، فيما تستمر المعارك، ويتواصل زئير المدافع، وصهيل الطائرات، فى رؤوس من حالت ظروفهم/ن – لأسباب عديدة – دون مغادرة الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري، وضواحيها، وما أن تنتهي معركة، سرعان ما يتجدد القتال بصورة أشرس من سابقتها !.
-11-
ما زال المراقبون والمراقبات، والمتضررون والمتضررات، من الحرب الكارثية، وأثارها المدمرة – بما فى ذلك المجتمعات المضيفة - يطرحون السؤال المشروع: هل قادت جميع هذه الهُدن بتحقيق أيٍّ من أهدافها "المُعلنة" و"المخبوءة"، وفى مقدمة ذلك، وصول المساعدات الإنسانية والإغاثة والإحتياجات الطبية للناس؟!.. أم أنّها (هُدن) للإعلام والسلام؟؟!!..
-12-
تُري هل يتفضل علينا الوسطاء الكرام، برأيهم فى حرب السودان، اليوم، وقبل الغد ؟!. وهل من تدابير وإجراءات ناجعة وفاعلة تُوقف هذه الحرب الكارثية المدمرة، التي لم تترك أخضراً ولا يابساً، إلّا وأحالته إلى ركام ورماد، والناس تموت، والحياة تتوقف تماماً فى السودان، والطرفان مازالا يتباهيان بإنتصاراتٍ زائفة، وحسمٍ قادمٍ للمعركة، ويواصلان التبشير بنصرٍ مبين، مع أنّ كل هذه وتلك الأحاديث، ما هي مجرّد إلّا أمنيات وتمنيات، و"دعاية" و"بروباقاندا" رخيصة وفرقعات إعلامية، يكذبها الواقع المُعاش، وتقودها جيوشٍ ومليشيات جرّارة من "إعلام الحرب"، وهذا ما سنعود له فى مقالٍ ومقامٍ آخر فى مُقبل الأيام .. فإلي متي وحتّي متي، هذه الحرب بالوكالة، يا هؤلاء....؟؟!!.
جرس أخير:
"كل الجروح بتروح .. إلّا التي فى الروح .. خلّي القلب،، شُبّاك .. نحو الأمل مفتوح" ((محجوب شريف))

فيصل الباقر
faisal.elbagir@gmail.com

 

آراء