(قصيدة .. ملحمة نهر النيل)

 


 

 

مرحبا بك أيها النيلُ بعد جفاك
عدنا اليك فعادت الاحلام في واديك
طول البقاء بمهجري لمْ يُلهنِ
يا نيل كم شغل الفؤادَ هواك
غبنا، ولم ينسَ الفؤادُ وان نأىِ
ما كان بالوجدان من ذكراك
عهدي اليك يقرؤك السلامَ من الصبا
طبتم فطاب ليلك والضُّحى ومساك
يا ليتَ قد عاد الشباب كما مضى
وعاد بك الزمان شرخَ صباك*
كنا اذا الصيف أقبل نحونا
نعدو اليك تضمنا بحشاكَ
والموج يلطمُ في الوجوه فينثني
أو يمضي به التيار في مجراك
والبطُّ والكرْكيُّ تلهو بالمياه فتنتشي
ومراكب تطفو وتبحر من هنا وهناك
وتصطفُّ النخيل الراقصاتُ
مع النسيم على الجروف بجانبيك
وذو الطلع للرَّطب الجنيِّ طوارحٌ
اذا ما هُزّ جذعٌ تُساقط في يديك
جُزرٌ تصُدُّ فتنتحي من جانبٍ
أُخَرٌ تسايرك الخُطىَ بخطاك
فمُخَيَّرٌ إنْما وجدتَ دربك سالكاً
أو مُجْبَرٌ تلْتَفُّ حولك حافراً مجراك
يا نيلُ من سنن الحياةِ فعِشْ حياتك مثلها
(ما حكَّ جلدكَ غير ضُفرك)*
**************
لا فيزةٌ واقامة لك في البلاد وانما
بك يقتفى أهل البلاد خُطاك
تمرُّ عبر مختلف البلاد كزائرٍ متجولٍ
تنساب من قمم الى الوديان ما أصفاك
هل اتخذتَ من قمم الجبال هوايةُ
أمْ كان طبعكَ للعُلا مسعاك
من كينيا ويوغندا الى الكنغو ومن
اثيوبيا الهضباء منحدراً الى مجراك
فاذا هما نيلان في الخرطوم نيلٌ واحد
فكأنما إثناهما في موعدٍ بلقاك
في ملتقىً طفح الجمال إذْ يفيضُ به
من لي بآنيةٍ لأرشف من سُلاف لَماك
خمائلٌ وجداولٌ فجدائل في ثوبها
فكأنما حُبكتْ لها من حسنها حُبكا*
ما من ناظرٍ لك يستفيق بوعيه
إلا ويصرعه الهوى بهواك
هل حُزتَ بالفردوس نَيْلِ رضاها
أم الفردوس من حازتْ بنيل رضاك
يا كوثرا عذبا ترقرق في الثرى سلساً
تسقي البلاد ببيدها وسهولها من فيك*
من كفِّ ساقيةٍ تكيلُ مع المياهِ لها الهوى
فتهتزُّ أطماءُ الجروف...... لحبها فيك
يا ملتقى النيلين والاحرار كيف لنا
وصفُ الجمال وهو يسكبُ من مآقيكا
****************
سرْ صوب الشمال وقِفْ هنالك
ريثما تعبر بنا لمساقط السبلوكا*
فقراءة التاريخ تبدأ من هنا
فسَلْ للنّقعه أو ما حولها تُنبيك
تنبيك ما قد كان من أخبارها
في سالف الأزمان من دنياك
فاسرُدْ لمن ألقىَ اليك بسمعه
عن كل ما جالتْ به عيناك
للصخرة الصمّاء كيف استنطقوها
وصوَّروا بلفائفِ البرديّ من ماضيك
أين الفراعنهَ من طغوا وتجبَّروا
جاسوا الديار وقبٍّروا تحت التراب إزاك
فانظرْ للمعابد والمدائن والقرى
كيف انقضتْ آجالها في طيبة أو صادنكا*
***************
كم من رافدٍ لك طيّعٌ ومسالمٌ
أو ثائرٌ متمردٌ كالقاش عند التاكا*
او موسميُّ الطبعِ في مجراه مثل عطبرة
مُتباهياً من دامر المجذوب عند لقاك
*****************
ثم انحني بجزيرةِ المُقراتِ صوب جنوبها*
فلتلتقي بملوك ارض النوبه والكنداكا
في نبتا أو في نوري أو في برْكلٍ
أمثال من: ريماسِ أو ترهاقا أو شبتاكا
**************
ثم إعْتدلْ تلقاءَ مصر فإنَّ فيها
أمةٌ عصماءُ قد هامتْ بك
أمةٌ شغفتْ بمصرَ فقدمت
من أجمل الزهرات قُربانا لك
فكَمْ زُفتْ اليك من الحرائر غيدها
مهرت بهنَّ دماؤهنَّ القانيات مِياك*
*******************
هذي هي العتمور أينع زرعها
هل كان بالامكان تُنبتُ أرضها لولاك
وهذه أُورْطَه (كرمه) بقُربِ دفوفها تروي*
مآثرَ أهلها في أرقو أو في كوكا*
في واوا، قُربَ صَواردهَ، في إرَوٍ*
في عبري ، في صيْصابها وكُويِكَه*
سارت بها الرُّكبان تحمل إرثها
فاسأل بها في فرْكَه أو مُفْرَكَّهَ*
******************
قف نسترجع التاريخ في حلفا
التي مُحيتْ كمثل رفيقها نجازاكا*
آثارها ونخيلها بالقاع تحت بحيرةٍ
في قبضةٍ لا تستطيع منها فكاكا
**************************
جاوزنا وأسوانُ تكتحل السّمار كأهلها*
حتى وصلنا لأقصرَ في الشمال وكَرْنَكَ*
واسيوطُ عاصمة الصعيد بدتْ لنا
فتحسُّ من كرمٍ يفيض باهلها يغشاك
لاحت لأعيننا الكنانةَ تزدهي*
فاستدعِ افريدوتَ تنثرُ للجمال شِباكا*
هذا أبو الهول قُربك رابضٌ، كلتا
يديه برُكبتيه يضمُها مُتأهبا لفداك
والهرم الكبير برهطه كالراسيات
مُشمراً أو حاملاً في النائبات لواك
كم من فسحةٍ و تأمُّلٍ لك إن تشاءُ
ومسجدٍ وتَبتلٍ تسمو اليه بأصغريْك*
ثقُلتْ مآذنها، الله أكبر كلمة خشعتْ
لها الأرضين من جبروتها وسماك*
سبحانك اللهم بالملكوت قلتَ فكُنْ
فكان هذا النيل من إبداع صنع يديك
يا نيلُ مهلكَ خُذْ لنفسك راحةً
أرهقتَ من طول المدى دلتاك*
دمياط يفترق الرشيد عنك مودعاً
هيهات بعد اليوم أن تلقاه أو يلقاك
فأمامك البحر المهيجُ كلاكما يتلاشيان
ببرزخٍ لا تبغيان عنه حِراكا

ملاحظة:...........
بكثير من الايجاز حاولت أن أسير متتبعا للنيل من منبعه حتى مصبه مع بعض الاحداث التي مرت به وان سقط بعض الاحداث فلكم العُتبى حتى ترضوا....

شرخ الصبا: باكورة الصبا وأوله
(ما حكَّ جلدكَ غير ضُفرك) مثلٌ وضعته كما هو دون تغيير ويضرب به المثل كناية عن الاعتماد على الذات والنهر هنا حينما يحفر مجراه بنفسه وهو يعتمد على ذاته،،، فجميع الكائنات تعتمد على نفسها فربما الانسان هو الكائن الوحيد الذي يعتمد على غيره في غالبيته ولو علم هذا الانسان أنه لا يملك من امر نفسه شيئا ناهيك عما لدى الغير، فلو عرف قدر نفسه وحمد الله على ما هو عليه لما تطلع لما في ايدى الغير ولما كانت هذه الحروب... عجبا لامر هؤلاء الذي يتقاتلون من اجل اشياء لا يملكونها وان ملكوها فمفارقوها ان عاجلا ام آجلا...
جزيرة المقرات: عند مدينة ابي حمد
حبكت: نسجت
مساقط السبلوكا: شلالات السبلوكا
من فيك: من فمك
أطماء: جمع طمي الفيضان
سُلاف لماك: السلاف الريق ولماك: الشفه
طيبه وصادنكا: كانتا عاصمتين للحضارة النوبية فيما مضى وطيبه هي الاقصر حاليا أما صادنكا ففي شمال السودان
نهر القاش وجبال التاكا
مياك: مياهك
العتمور: صحراء العتمور
ريماس: كنداكة نوبية وترهاقا وشبتاكا من ملوك النوبه
أرقو ، كوكا، صوارده ، واوا، ارو، فركه ، مفركه...الخ. قرى ومناطق اثريه في شمال السودان وصيصاب: الجزء الشمالي من جزيرة صاي (أطلقت الجزء واردت به الكل مثلما أطلقت الكنانه على القاهرة واردت بها مصر كلها)
نجازاكا: مدينة يابانية القيت عليها القنبله الذريه في الحرب العالمية الثانية فسويت بالارض تماما مثل حلفا التي طمست في قاع البحر
اسوان واقصر وكرنك : ممنوع من الصرف للعجمية والعَلَميه
افريدوت: ربة الحب والجمال عندما قدماء اليونان
دلتا النيل بفرعيها دمياط والرشيد
الاصغرين: القلب واللسان
الكنانه: القاهرة وهي تعني مصر كلها (أطلقت على الجزء وأُريدت بها الكل فهذا نوع أنواع البلاغة كمن يقول أرسلت عيوني للأمصار فهو يقصد بالعيون الجواسيس فأطلق العين وأراد بها الشخص)
الارضين: جمع أرض
أورطه: تعني كرمه وهي كلمة تركية تعني كتيبة من الجيش وسميت كذلك لنزول كتيبة من الجيش المصري والتركي إبان فتح السودان أيام كتشنر باشا وفي ذلك الزمان كانت ألقاب الرتب العسكرية كلها باللغة التركية كاليوزباشي والصاغ والبكباشي والقائم مقام والامير ألاي وغيرها... وسميت كذلك بكرمه النزل لنزول الجيش هناك طبقا لما ذكر في كتب التاريخ.

صبري (حمدي) حاج محمد هلالي

sabryhilal67@gmail.com
/////////////////////////

 

آراء