قضايا: عُرف (حق الأرض) في محصول التمر بالمديرية الشمالية .. ترجمة: عبد المنعم عجب الفَيا

 


 

 

محكمة الاستئناف (العليا)

ع. ع. وآخرون................مستأنفون
ضد
ج. إ. وآخرون............ مستأنف ضدهم

خلاصة أسباب الحكم:
يحق لمالك الأرض بمنطقة مروي بالمديرية الشمالية أن يتقاضى حصة من محصول تمر النخيل الذي يغرسه شخص آخر في أرضه، وتسمى هذه الحصة عرفيا "حق الأرض". ومقدار هذه الحصة نصف المحصول في حال الأرض الخصبة، وثلث المحصول في حال الأرض غير الخصبة.
ولا تنشأ المطالبة بهذا الحق إلا بعد أن يكتمل نمو النخل ويأتي أوكله. وهذا الحق لا يعطي مالك الأرض الحق في الأشجار نفسها، وإنما في الثمار فقط، ولذلك لا تسري مدة سقوط المطالبة بهذه الحصة في مواجهة مالك الأرض إلا من تاريخ إنتاج الثمر/ التمر.

المحامون:
الرشيد نايل/ عن المستأنفين
حسن كُحيل/ عن المستأنف ضدهم
المستأنف ع.ع. ع. والمستأنف ضدهم ع.ا.، وس. ا.، بشخوصهم.

الحكم
9 سبتمبر 1958
القاضي/ محمد إبراهيم النور:
هذا طلب لمراجعة الأمر الصادر عن قاضي المديرية، الدائرة الشمالية، في المراجعة رقم 106/57 المؤرخة 6 فبراير 1958.
وقائع هذه الدعوى بإيجار هي كما يلي:
المستأنفون هم الملاك المسجلون على التوالي: لسهم واحد، وسهم، وأربعة أسهم، وخمسة أسهم في الساقية رقم 11 بقرية الدويم مركز مروي.
المستأنف الأول هو المالك المسجل لخمسة أسهم في نفس الساقية. وعلى مدى 40 سنة قام المستأنف الأول بغرس عدد 33 نخلة في 11 سهم مسجلة في اسم المستأنف ضدهم. وقد اكتمل نمو هذه الأشجار وأثمرت وظلت تأتي أوكلها منذ أكثر من 30 سنة وظلت منذ ذلك التاريخ مسجلة في اسمه حصريا.
عقب فيضان 1946 قام المستأنفون: الثاني والثالث والرابع والخامس وهم ابناء وبنات المستانف الأول والذين ليسوا ملاك على الشيوع في الساقية قاموا ليس نيابة عن والدهم بل لمصلحتهم الخاصة، بغرس عدد 34 نخلة في ال 11 سهم المسجلة في في اسم المستأنف ضدهم. وهذه النخلات لم يكتمل نموها ولم تثمر بعد.
رفع المستأنف دعوى مدنية في 1954 مدعيا أنه حاز بالتقادم (وضع اليد- المترجم) على ملكية ال 11سهم المسجلة في اسم المستأنف ضدهم، حيازة علنية وسِلمية ومستمرة لأكثر من 40 سنة. ولكن لم ينجح في إثبات هذه الدعوى فشطب.
وعلى الفور قام المستأنف ضدهم برفع الدعوى رقم 163/56 بمروي مطالبين بتقرير أحقيتهم في نصف عدد 33 نخلة المكتملة النمو والتي غروسها وسجلوها في اسم المستأنف الأول وكذلك أحقيتهم في عدد 34 نخلة التي غرسوها باسماء المستأنفين: الثاني والثالث والرابع والخامس، والتي لم تبلغ مرحلة التسجيل بعد وذلك بموجب عرف "حق الأرض".
وبعد سماع الطرفين تم التوصل إلى الوقائع الآتية:
1- يستحق مالك الأرض وفقاً للعرف المحلي لحصة من المحصول في كل نخلة يغرسها أي شخص آخر في أرضه. ويختلف مقدار هذه الحصة "حق الأرض" وفقا لطبيعة الأرض هل هي خصبة، أم "فَسَد" fasad.
2- الأرض ال 11 سهم التي غرس المستأنفون فيها النخل موضوع الدعوى أرض "فَسَد".
3- إن ال 33 نخلة المسجلة الآن في اسم المستأنف ع. ع. غرسها هو بنفسه قبل أكثر من 40 سنة وبدأت في الإنتاج منذ أكثر من 30 سنة ومنذ ذلك التاريخ ظلت مسجلة في اسمه حصريا.
4- إن المستأنف ضدهم لم يطالبوا المستانف الأول وهو لم يعطهم أبداً أي حصة "حق الأرض" من محصول هذه ال 33 نخلة.
5- إن ال 34 نخلة "الصبية" التي لم تثمر بعد، تم غرسها من قبل المستانفين الثاني والخامس في سنة 1946.
وتأسيساً على هذه الوقائع الثابتة بالبينّات، خلص القاضي الجزئي العالِم إلى أن حق المستأنف ضدهم في المطالبة بـ"حق الأرض" المتعلق بالنخل موضوع النزاع قد انقضى بموجب نص المادة 9 من قانون التقادم لسنة 1928 وذلك لأن ال 33 نخلة المسجلة في اسم المستانف الأول غرسها هو بنفسه وأتت أُوكلها لأكثر من 30 سنة مضت، وأن ال 34 نخلة الصبية غير مكتملة النمو، قد غرسها المستأنفون الثاني والثالث في سنة 1946 أي قبل أكثر من 10 سنوات خلت. وبناء عليه أصدر القاضي الجزئي قراره في 15 سيتمبر 1957 بشطب دعوى المستأنف ضدهم.
استأنف المستأنف ضدهم في 21 سبتمبر 1957 إلى قاضي المديرية لمراجعة قرار القاضي الجزئي.
أيّد قاضي المديرية العالِم حكم القاضي الجزئي فيما يتعلق بال 33 نخلة المسجلة في اسم المستانف الأول (عثمان) وراجع قرار القاضي الجزئي فيما يخص ال 34 نخلة غير مكتملة النمو التي غرسها المستأنفون الثاني والخامس وذلك على أساس أن هذه الأشجار غرست بعد فيضان سنة 1946 بالأحرى في أكوتبر ونوفمبر 1946، وحيث أن المستأنف ضدهم قد رفعوا دعواهم في المطالبة "بحق الأرض" في الأول من يناير 1955 أي قبل انقضاء عشرة سنوات من تاريخ غرس هذه الأشجار، فإن حقهم في المطالبة لم يسقط بمضي المدة بموجب "قانون التقادم" لسنة 1928.
وفي ضوء ذلك مضى قاضي المديرية العالِم في احتساب حصة المستأنف ضدهم من "حق الأرض" في ال 34 نخلة "الصبية" غير مكتملة النمو، بهذه الطريقة الغامضة الآتية:
"عند احتساب حصتهم يأخذ المستأنف ضدهم في الاعتبار حصتهم في الأرض، وليس حصص الملاك في الأشجار، وكذلك مساحة الأرض التي تشغلها هذه الأشجار. والمساحة التي تشغلها الأشجار بحسب إقرار الطرفين هي 8.5 سهم. مجموع الأشجار بما في ذلك الأشجار ال 33 "البالغة" التي يملكها المستأنف الأول 67 نخلة. وبذلك يكون كل سهم تشغله تقريبا 8 نخلات. في كل 8.5 سهم تكون حصة المدعى عليهم (المستانفين) 3 أسهم. لذا فان ملكية المدعى عليهم 3.5 سهم، عدد الأشجار في 3.5 تساوي 28 شجرة. نصف الأشجار المسِنة ولا يستحق فيها المدعين (المستانف ضدهم) أي نصيب. ويستحقون حصة في النصف الآخر وهو عدد 28 شجرة مغروسة في أرضهم فلنقل 15 شجرة. وحيث أن الأرض "فَسَد" فإن حصتهم هي ثلث أل 15 شجرة".
ووفقاً لذلك أصدر قاضي المديرية العالِم قراره في 6 فبراير 1958 بمراجعة قرار القاضي الجزئي الصادر في 15 سبتمبر 1957 وذلك بتقرير أحقية المستأنف ضدهم في ثلث عدد 15 نخلة في الساقية رقم 11 بالديوم مركز مروي.
تقدم المستأنفون إلى هذه المحكمة في 14 فبراير 1958 بطلب لمراجعة قرار قاضي المديرية. المستأنف الأول ع. ع. لم يتضرر من قرار قاضي المديرية الذي أيّد حكم القاضي الجزئي بتسجل ال 33 نخلة غير المكتملة النمو في اسمه، وأما المستأنفون الثاني والثالث والخامس والسادس فهم المتضررون من القرار المستأنف.
دفع المحامي الرشيد نايل، ممثل المستأنفين أمام هذه المحكمة بأن قاضي المديرية قد أخطأ بقراره عدم أحقية المستأنف ضدهم لـ"حق الأرض" العرفي فيما يخص ال 34 شجرة غير مكتملة النمو بحجة مضي الوقت بحجة أن الأشجار المذكورة قد غرست قبل وليس بعد فيضان سنة 1946 وان المستانف ضدهم لم يرفعوا دعواهم إلا في يونيو 1956.
ومضى المحامي العالِم إلى القول حتى ولو أن حق المستأنف ضدهم، في المطالبة لم يسقط بفوات الوقت، فإن احتساب حصة المستانف ضدهم جاءت غير صحيحة.
ونحن نرى أن مسألة: ما إذا كانت ال 34 نخلة قد غرست قبل أو بعد فيضان سنة 1946 مسألة غير ذات أهمية مطلقا.
وذلك لأن حق مالك الأرض في "حق الأرض" العرفي في الأشجار المغروسة في أرضه، لا يثار إلا بعد اكتمال نمو الأشجار وحصد ثمارها. فهو حق متعلق بمحصول الأشجار وليس حق في الأشجار عينها. فإذا لم يطالب مالك الأرض بعد اكتمال نمو الأشجار واتيانها أوكلها بحصته في "حق الأرض" من المحصول على مدى عشر سنوات، فإن حقه في المطالبة بذلك الحق يسقط بفوات المدة تماما مثلما قررت المحكمة صائبة بخصوص ال 33 شجرة المسجلة في اسم المستأنف الأول.
وقد تم الإقرار أمامنا أن ال 34 شجرة محل النزاع لم يكتمل نموها بعد، وأن بعض منها فقط بدأ للتو يطرح بعض الثمر بمعدل ضئيل. ولذا فإن حق ملاك الأرض في المطالبة بحصتهم في "حق الأرض" العرفي في هذه الأشجار ما يزال في مرحلة المهد.
ولذا نرى أن قاضي المديرية العالِم كان مصيبا تماما في مراجعته لقرار القاضي الجزئي فيما يخص ال 34 نخلة غير مكتملة النمو، وأن الملاك الأرض التي غرست فيها هذه ال 34 نخلة يستحقون وفقاً للعرف المحلي لثلث محصول كل شجرة من هذه الأشجار. ولكن مع ذلك نتفق مع المحامي العالِم عن المستأنفين أن الطريقة التي اتبعها قاضي المديرية العالِم في احتساب مقدار حصة المستأنف ضدهم في ثمر هذه الأشجار غير واضحة.
فقد اٌقرّ الأطراف أمامنا أنه على الرغم من أن ال 11 سهم المسجلة في اسماء المستأنف ضدهم وال 5 أسهم المسجلة في اسم المستانف الأول تمثل حزمة واحدة وتظهر في السجل غير مفرزة، إلا أنه في واقع الأمر، قد فرزت باتفاق بين المستأنف ضدهم والمستأنف الأول بحيث أصبح وكل واحد منهم يعرف أن يقع نصيبه ويحوز هذا النصيب بوصفه مفرزا.
وكان قاضي المديرية قد ذكر بأنه قد تم الإقرار أمامه بأن ال 34 شجرة قائمة في 8.5 سهم من جملة 16 سهم ولكن ليس واضحا تماماً من هم الملاك الذين يحوزن بالفعل على ال 8.5 سهم وفقا للفرز المتفق عليه.
وفي رأينا أنه من الأوفق القول إن مالك الأرض التي غرست فيها ال 34 نخلة يستحق ثلث محصول كل شجرة من هذه الأشجار بحكم حق الأرض العرفي، وإن المستأنفين الثاني والثالث والرابع والخامس، يستحقون سوياً ثلث محصول كل شجرة بموحب "حق الطورية" العرفي.
لذا نأمر بإصدار قرار بمراجعة حكم قاضي المديرية المؤرخ 6 فبراير 1958 ونقرر أحقية المستأنف ضدهم لثلث محصول أي نخلة من ال 34 نخلة التي غرسها المستأنفون في الأرض المسجلة في أسماء المستأنف ضدهم في الساقية رقم 11 قرية الدويم مركز مروي.
لا أمر في شأن الرسوم.

9 سبتمبر 1958
القاضي/ بابكر عوض الله:
أوافق.

هوامش:
(1) ترجمناها من الإنجليزية إلى العربية عن "مجلة الأحكام القضائية السودانية لسنة 1958 ص62 ، Sudan Law Journal and Reports, 1958
(2) كان الاستئناف آنذاك يقدم في شكل طلب مراجعة.
(3) حجبنا أسماء الأطراف وأشرنا إليها بالأحرف الأولى.

عبد المنعم عجب الفَيا – 10 أكتوبر 2022

 

abusara21@gmail.com

 

آراء